الثلاثاء، 15 يناير 2013

النهر الزائف




النهر الزائف


نيك هولدستوك



رقم هذا الأتوبيس 6838. يبدأ من لوس آنجلس ويسير حتى سكرامنتو.
عدد الركاب: 33، وهذا أقل من ثلثي حملوته القصوى.
عدد الركاب السود: 20.
عدد الركاب البيض: 8.
عدد الركاب الذين يصعب تحديد عرقهم بدون تفحصهم عن قرب: 5.
عدد الرجال: 22.
عدد النساء: 11، منهن 3 كبيرات. وبناء على تعبيرات وجوههم ـ التي تقول أرجوك لا تعتد عليَّ ولا تقتلني ـ فهن يركبن الأتوبيس لأول مرة.
عدد من يتجاوزن مستوى الجمال المتوسط من الـ 8 الباقيات: 4. كل واحدة منهن ـ باستثناء واحدة ـ معها رجل ليس من المرجح أن يكون صديقا أو قريبا أو شقيقا، بناء على الحركات التي يأتونها: قبلة متروية، تربيتة على المؤخرة، جلوسها على رجليه. وقد طُلب من الشخصين المشار إليهما أخيرا  ـ لدواعي الأمان ـ أن يمتنعا عن هذا الوضع، بلطف وحزم في المرة الأولى، ثم (في المرة الثانية) بنبرة أشد صرامة، وأخيرا، منذ 5 دقائق، بصيحة حادة.
عدد النساء اللاتي تتجاوزن الجمال المتوسط، الشقراوات المبهرات ذوات الشعر الطويل اللاتي كأنهن طالعات من لوحة دينية قديمة لا تكون النساء فيها غير ملائكة أو قديسات: 1.
عدد الذين يتكلمون في هواتف محمولة: 5.
عدد الذين يستمعون إلى موسيقى من جهاز إلكتروني: 7. البقية يحملقون في السماء الملبدة بالغيوم. لا أعتقد أنها معبأة بكثير من الماء. إنما هو مطر يغسل الدنيا، ولا يغرقها. يزيل الغبار عن الأسطح وعن الشبابيك. ستنعكس الشمس مبهرة للغاية حتى أن أشد الناظرين إرهاقا سوف ينظرون إلى الطريق الساطع فيشعرون أنه برغم عدم وجود ضمانات (أو أساس يذكر للتفاؤل)، فإن الفرص قائمة، ولا بد أن تكون قائمة دائما، لوقوع أشياء تغيّر الحياة.
عدد الأميال بيننا وبين موديستو: 30.
عدد الأماكن المتاحة في موديستو ليتناول اثنان فيها فنجاني قهوة: 2. أفضل قهوة هي التي يقدمها مطعم الدجاج، طالما يعمل هكتور. وإلا فهي مجرد قهوة في مطعم أكلات سريعة، إما فاترة أو حارقة. ولكن ليس ضروريا أن تكون القهوة عظيمة، طالما أنها ليست بشعة. ثم إنها قد تكون شاغلا سخيفا عن حديثهما. فلو أن الرجل ـ على سبيل المثال ـ يقول للمرأة شيئا مهما يتعلق بعاطفة مثلا تولدت كالصخرة الصماء، ثم ها هي بعد أسابيع من المعالجة وقد لانت إلى شعور يود لو يعرب عنه، فإنه لن يحب أن يشغله عن ذلك فنجان قهوة مذاقها فظيع بحيث يغلف كلماته بقطرات مرة لزجة. ثم إنه قد ينشأ سوء تفاهم. قد تخطر لها الفكرة الرائعة فـ
عدد المرات التي استخدمت فيها الملاكي المتقدمة على الأتوبيس إشاراتها وهي تشرع في التوقف ثم تعدل في جبن عن ذلك: 3
عدد المرات التي استقلت فيها المرأة ذات الشعر التي عليك فعلا أن تصفه بالذهبي (والتي تحمل وفقا لبيان المشتركين اسم "دومينيك ستيتز") خلال هذا الشهر: 9، وذلك ليس دقيقا بالضرورة، فلعلها ركبته في الأيام الـ 3 التي كنت مريضا فيها، أو في ال21 يوما لتي ذهبت فيها إلى المحكمة.
عدد المرات التي تكلمنا فيها 9. عندما آخذ تذكرتها تقول "شكرا" ثم تستقل الباص. لم أرها تبتسم قط، أو تضحك، لم أر قط منها علامة على أنها لا تعيش حياة بائسة في نفق لا نهاية له.
والحزن على وجه كوجهها يبدو أسوأ. كأنه تناقض. هذا وجه تريد أن يكون سعيدا، وجه يجعل حتى الغريب صاحب القلب الميت، الذي يمكن أن يسرق صندوق فقير، ويسخر من المعوقين، وينام مع امرأة متزوجة زوجها يسوق خمسا وخمسين ساعة في الأسبوع ـ يوقفها في الشارع ليسألها ما الذي حصل في الدنيا؟
عدد الأميال إلى موديستو: 20.
عدد الكلمات التي سأقولها لدومينيك وهي تنزل من الأتوبيس: 13: "أرجو ألا تمانعي لو سألتك: إن كنت تحبين أن تشربي فنجان قهوة معي؟"
عدد الكلمات التي ستردّ بها: 4 كما في "نعم، أحب أن أشرب" أو 3 مثل "طبعا، لم لا؟" وخلافا للمعتقد الشائع ، لا يوجد رقم مثل 7 أو 13 يكون دائما رقم محظوظا أو غير ذلك. هذا أمر يتوقف على الشخص والموقف. هناك اتجاهات ولا شك، إنما المؤكد أنه ليس هناك قانون منحوت في الصخر. فمثلا، بينما 9 كان دائما سيئا معي في الغالب، التقيت زوجتي السابقة في 9 سبتمبر، اسمها فيه 9 حروف، واسمه فيه 9 حروف، وهناك 9 حروف أيضا في اسم دومينيك Dominique ، وهذه هي المرة الـ 9 التي نلتقي فيها، ونحن الآن على الطريق السريع رقم 99. ففي حين ينبغي أن تكون واعيا لهذه الأشياء، لا ينبغي أن تتركها تجعل منك عبيطا. ما لم تكن تريد أن ينتهي بك الحال مثل أبي (الذي لا يخرج من البيت في أي يوم فيه 3).
عدد الأميال إلى موديتسو: 15. لا أتوقع الكثير. لن تكون هناك أحضان أو قبلات. سوف نتكلم لا أكثر. بعد أن نتعارف بالاسمين، سيقول كل واحد من أين هو، وماذا يعمل (على سبيل التنكيت سأقول إنني محام). ثم بعد صمت مضطرب، ستطلع  وحدها. شهور الشك، والعلاقة، والطلاق. ما قالته تشارماين Charmaine  في المحكمة.
ثم يأتي دور دومينيك. خيانة، حادثة، موت عزيز: مهما تكن طبيعة المأساة، سوف تتدفق الكلمات. ستجد نفسها تقول ما لم تكن تتخيل أن تقدر على قوله. لأنها سترى أننا متماثلان تماما. اثنان مكسوران، أساءت إليهما حياة لا تزال غير قادرة على التوقف عن إيذائهما.
عدد المرات التي ضحك فيها الرجل الجالس في مواجهتها: 4. يقرأ، كتابا، أو صحيفة، لا أستطيع من هنا أن أميز. هو في أواخر العشرينيات، يرتدي نظارة وله لحية قصيرة. أخمن أنه طالب.
عدد لوافت "دجاج بيج دون" بين تيرلوك وموديستو: 5.
عدد المرات التي تكلموا فيها عن "الضرر المعنوي" خلال المحاكمة: 24.
عدد المرات التي رفعت دومينيك فيها عينيها، في ضيق ـ بلا شك ـ من ضحكات الرجل المواجه لها والتي زادت الآن كثيرا: 3. أمر طيب جدا أن تستمتع بالأشياء، ولكن. بعد فترة يبدو كأنك تقول شوفوني وأنا مبسوط ومستمتع.
تصحيح. توجد الآن 6 لوافت لـ "دجاج بيج دون". في اللافتة الجديدة وجهه على جسم ديك ارتفاعه عشرة أقدام يلوح بعصا طبلة. الأنف الضخم، بجانب الخدين المحمرين، فيها من الشبه ما يكفي لتتقلص يداي على المقود، ويميل الأتوبيس إلى اليمين. باستثناء العجوز ـ التي تفتح عينيها، وتتلفت حولها، ثم تغمضهما ـ لم يلاحظ ما وقع إلا الملتحي الذي يلوح بيديه في الهواء يقول شيئا، ثم يضحك، وحينما تضحك دومينيك أيضا يذهلني الصوت ـ كأنه النبيذ إذ يتروى به المرء في فمه ـ حتى أوشك أن أنسى "بيج دون"، أو بالأحرى ذلك الرجل الشبيه ببيج دون. الرجل الذي كان صديقا لي منذ ما قبل زواجي.
عدد المرات التي ضربته فيها: 15. بغصن من سنديانة كان علينا أن نقوم أنا وهو بتقليمها. لو لم يكن المطر أغرق الطريق، لو لم أكن رجعت ساعتين قبل موعدي، ربما كنا نحن الـ 2 قطعنا الغصن معا.
عدد الأميال إلى موديستو: 5.
عدد المرات التي ضحكت فيها دومينيك: 11، وذلك، مثل الرقم 9، ليس جيدا معي. كان هو اسم الدهان الذي ترطب به تشارامين كعبيها. كان الدهان وردي اللون يفوح برائحة النعناع ولم يكن يحمل اسما، فقط هذين الخطين الرأسيين السميكين اللذين يبدوان في غاية السواد على الخلفية الوردية، يبدوان قضيبين في قفص ليس فيه مخلوق، أو شخص، بل مادة من شر محض.
نتوقف في موديستو. أقول "الرجوع خلال 15 [دقيقة]" ثم تقوم دومينيك من مقعدها. تمضي في الممر، تتقلص المسافة بيننا. أقول لنفسي "الآن" وأصوغ الكلمات. ولكنها قادمة من الثلث الأخير، وبرغم أنها قطعت مسافة مقاعد عديدة، توقف الممر فجأة. عجوز تحمل زجاجة كوكا، وترتدي نظارة، تنفض معطفها وتنظر حولها في حيرة. كأنما منذ لحظة واحدة وقع شبابها، أو هو منسي في جيب من جيوب المعطف. تبحث وهي تبتسم، وتعتذر للناس أنها واقفة في طريقهم، ولكنها برغم هذا، لا تتعجل في البحث.
تلمس العجوز وجهها، ثم تصيح في لذة "ها هي ذي" وتتنحى عن الممر.
ودومينيك كأنها سدادة زجاجة من الفلين: سريعة سلسة، تنزل السلالم قبل أن أنطق حتى باسمها.
هناك فاصل لا آخذه في الاعتبار. عندما أقف وأشاهدهم في مرورهم وأنا واقف، مبهوت. وهذا أسوأ ما في الصفعة: مباغتتها الوضيعة.
ليس بوسعي إلا البقاء في مقعدي. أن أقول إن الأمر ما كان ليحدث عند الرقم 9. لكنني، برغم ما قالته تشارماين، لست عبدا للأرقام. ولو أنني كنت أعد الكلمات في جملها، وأصابع البطاطس في طبقها، فما كنت أفعل ذلك إلا إعجابا بالعلاقات.
أغادر وأغلق الباب. أمشي عبر الساحة الأمامية. بمجرد أن تنفتح الأبواب المنزلقة، أشم الشحم والدهن.
هكتور خلف الكاونتر، يلقي قطع دجاج. فيما أقترب منه، يمد يده إلى إناء القهوة. يقول "سبعة" ثم يصب لي الفنجان. أقول "شكرا يا هكتور". أمرر له ورقة عملة، فيردها لي، ثم أستعرض المكان. المناضد بجوار الجدار الزجاجي ممتلئة بالعوانس (15) يجلس بينهم 3، لا بل 4 رجال، حيوانات خاملة بائسة. باستثناء هؤلاء، على المقاعد الأخرى، يجلس ركابي: العجوز كثيرة النسيان، الاثنين العاشقين (وهي على حجره)، الملتحي ذو الوجه الواثق. الجميع هنا. لكن ليس هي. وتمر 9، 10، 11 ثانية وأنا أتخيلها في صندوق سيارة شخص ما. في العتمة ورائحة البترول. أسوأ نهاية لشقائها.
ثم إنه مشهد من "سائق التاكسي" حيث تتهادى "سيبيل شيفرد" بالبطيء بينما يقول دي نيرو "ما ... لأحد ... أن ... يمسها".
مثالية. لم ينلها سوء. في منتهى الحزن. لا أعرف إن كنت قادرا على إسعادها. إن كانت الكلمات عندي.
أخطو إلى الأمام. تتقدم. ثم تسارع إلى الجلوس.
هي بجوار الملتحي ذي العينين المتسعتين اندهاشا، كعيني أنا الآخر على الأرجح.
أعد خفقات قلبي المذعورة. نبض الوجع بداخل صدري.
وعندما أفتح عيني، عند الدقة الـ 20، تكون قد توقفت عن تقبيله. إنهما يتبادلان القبل.
أراقب شفاههم ثواني وثواني لا أملك أن أعدها. ثم أعود إلى الأتوبيس وأضغط آلة التنبيه بعنف فتقع على الناس قطرات من مشروباتهم. أشغل المحرك وأشاهد الركاب وهم يهرعون راجعين إلى الأتوبيس. كلهم ما عدا دومينيك وهو اللذين بعد 10، 15 ثانية، يمرقان مروقا من بين ضلفتي الباب المنزلق ثم يصلان إلى هنا. لا يلقيان ولو نظرة باتجاهي. أنا أهون حتى من قطرات هذا المطر.
لا يمكن أن يكون أنا الذي يقول "المحطة القادمة ستوكتون"، الذي يميل بالأتوبيس خارجا إلى الطريق دون أن ينظر في المرآة تقريبا. لكن حتى ذلك لم يكن كافيا. إنهما متضافران. يداه عليها، شفتاه عليها. هذا الرجل الذي لا يعرف عن الحزن شيئا. الذي لعله يعتقد أن الكتب يمكن أن تهب عوالم أفضل. كان آخر كتاب استطعت أن أكمله قصة أطفال تركها شخص في الأتوبيس. كان عنوانها "حفل عيد ميلاد التمساح". حضرت الحفل حيوانات كثيرة، كلهم في أحسن الثياب. وكانت في الحفل أغنيات وكعكة وألعاب. ثم أكل التمساح ضيوفه. في نهم وتلذذ كالذي ترضع بهما فمه.
32 ميلا إلى ستوكتون. نصف ساعة في المطر. ولماذا فعلت هذا؟ وكيف أمكنها؟ ربما تظن أنهما سيفعلان أشياء جديدة معا، أشياء لا علاقة لها بماضيها. يذهبان إلى البولينج، يخيّمان، يجريان في سهول ملأى بالأزهار في قلب الحاضر البهي.  لكن في غضون شهر، أو سنة، ستعرف: المسكنات ليست علاجا.
يزداد هطول المطر سرعة، وكثافة، كما لو أننا سوف نغرق. العالم بالخارج رمادي وسخ، ليس متماسكا فيه غير الطريق. واضح ومستقيم ومؤكد الغرض. ومستمر، مستمر.
مؤقتا، ربما من أجل التنفس، تنفصل شفاههم. ثم تبدأ هي في الكلام. في البداية يبتسم، ولكن عينيه بعد ذلك تتحركان في الجانبين. لعلها تقول إنها تعيسة. إنها وحيدة. مهما يكن الذي تقوله، فهو صادق مفعم بالمشاعر، والرجل غير مستعد له. يضطجع في مقعده، لا يبتعد كثيرا، ولكن الإشارة واضحة. لقد رفض ثقتها.
عدد الأميال إلى ستوكتن: 20. هو ينظر من الشباك، وهي تحملق في الأرضية.
لو أنه فقط يلمس رأسها أو كتفها. ذلك كل ما ينبغي. بعدها ترفع رأسها فأقول "لا بأس، لا بأس، أكملي".
أسوق الأتوبيس. يهطل المطر بقوة. مركبات أخرى تقترب أو تبتعد ولا أرى من فيها. كما لو أنني أسوق بالليل: أحيانا، حينما أكون في غاية التعب، أتساءل إن كنا موتى. لو أن حادثة ضخمة وقعت ونسينا جميعا أمرها.
عدد الأميال إلى جسر سان جواكين: 10. أضغط على بدالة الغاز. تتحرك الإبرة من 50 إلى 60. تبقى رأس دومينيك مطأطئة.
عدد الأميال إلى الجسر: 2. في البعيد، أعلى ستوكتون، ثمة لافتة "استئجر في السحاب". يبدو الطريق ونحن نقترب من الجسر وكأنه يتسع والشمس تخترق الأجواء إليه. نصل بالسرعة إلى 65.
عدد الأميال إلى الجسر: 6. يقول شاب في المقدمة وفي صوته نبرة قلق "أيها السائق". أقول "أيوة؟". يقول "ألسنا أسرع مما ينبغي؟" أقول "معقول" ويعود هو إلى الجلوس. نصل بالسرعة إلى 70. الركاب قلقون الآن، يميلون إلى بعضهم البعض، يتشاورون. منهم مهذبون لا بد أنهم يقصون عشب حدائقهم، ويدفعون ضرائبهم، ويعملون ويساعدون في إعادة تدوير البلاستيك والزجاج. ولكن هذا للأسف لن يمثل فارقا. ليس أمرا ذا بال.
عدد الأميال إلى الجسر: 4. السماء صافية، والشمس ساطعة. ستكون الرؤية، في تلك الثواني الأخيرة، أكثر من رائعة.
عدد الرجال الذين وقفوا: 3. يترنحون قادمين في الممر. يقول أحدهم "ما الذي تفعل يا ابن الكلب؟" يقول آخر "قلل دين أم السرعة". يعترضون مرآة الرؤية الخلفية. أصيح فيهم كي يتنحوا. تقول امرأة "حد يتصل بـ 911"، وبغتة أشعر بالفزع. لا على نفسي، بل على دومينيك. هل كل هذا عقابا لها؟ أما من وسيلة أخرى؟
يحاولون مع الباب. يدقون على الزجاج. الجسر الآن في مجال الرؤية. أدير المقود بعنف إلى اليسار ويسقط 2 من الرجال.
عدد الذين يتكلمون في الهواتف: 8. الفتاة في حجر صديقها. صرخات، ورءوس تهتز، ودموع، وأيد معقودة وصلوات. دومينيك هي الوحيدة بينهم التي لا يبدو عليها الخوف. ذراعاها محكمان حول عنق الملتحي. برغم أن وجهيهما متقاربان، لا يتبادلان القبل، بل هما شاخصان كل الآخر وحسب. ذقنه ترتعش، هو يتكلم، هي تبتسم. متوحدان جدا، معا جدا، يتركان علامة تستعصي على الامحاء.
وأدير المقود إلى اليمين، وأضغط بقوة على دواسة الفرامل. ولكن هذا قليل، ومتأخر. نصطدم عند سرعة 45، وثمة لحظة طويلة أحملق فيها في النهر من تحت. عند المنحنى البعيد، عند حديقة لويس بارك، والجولف، والنادي، تنصب الشمس على الماء فإذا هو أزرق، والطرق أنهار بديلة.
ثم، بعد الصدمة: ثمة صرخات ذعر، وألم. لم يبق من الشبابيك شيء. وعلى يدي ووجهي دماء.
أصيح "تجمعوا في الخلف". ومن العجيب أنهم يمتثلون. يتجمعون وهم يبكون بينما أبقى في المقدمة. عما قريب تحضر الشرطة بأصواتها. أنواع كثيرة من الارتياح. هي سوف تبكي، وهو سوف يحتضنها. وهذا ما ينبغي أن يكون.

أسمح لنفسي بنظرة أخيرة. وبعدها إذا بي أمضي مع اندفاعة الماء العظيمة. وينعطف النهر، وينعطف، يخترق بحيرة "النهر الزائف"، يحاذي نيويورك سلاو، منطلقا إلى مضيق كاركوينز وخليج سان بابلو. يتمهل للحظة يستجمع فيها إرادته، وبعدها، في الهادي، في المحيط الهادي، في أفقه الذي لا تسمه سمة، وسط أمواجه التي لا يحصيها عدد.




حصل نيك هولدستوك في 2012 على منحة روبرت لويس ستيفنسن لإنجاز رواية "النيازك والهوس الجنسي"، نشرت أعمال له في "لندن رفيو أوف بوكس" و"لوس أنجلس رفيو" وغيرهما من المجلات المهمة
نشرت هذه القصة في عدد نوفمبر 2012 من ذي مانشستر رفيو، ونشرت ترجمتها في شرفات صباح اليوم ومعها صورة أتوبيس
 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق