الاثنين، 9 فبراير 2009

من أجل الحفاظ على لياقة مفاصل أصابعى

من أجل الحفاظ على لياقة مفاصل أصابعى

راسل إدسن

مقعد

طال الانتظار بمقعد ليكون مع شخصه. على مدى الظل وطنين الذبابة وطفو الغبار طال به الانتظار ليكون مع شخصه.
ما يتذكره عن الغابة ينساه، ويحلم بالغرفة التي فيها ينتظر ـ وبالكوب وبالسقف ـ وبالحي.

كيف انتهت البقرة إلى الحياة مع طوال الآذان

قتل أرنبٌ رجلا في الغابة ذات يوم. البقرة كانت تشاهد منتظرة أن يقوم الرجل. زحفت حشرة على وجه الرجل. والبقرة كانت تشاهد منتظرة أن يقوم الرجل. قفزت البقرة سياجا لترى عن قرب ما يفعل الأرنب في الرجل. الأرنب يهاجم البقرة ظانا البقرة ربما جاءت لنجدة الرجل. يغلب الأرنب البقرة ويسحبها نازلا إلى جحره.
تستيقظ البقرة. وتفكر البقرة آه يا ليتني على سطح الأرض ذاهبة مع الرجل إلى حظيرتي.
لكن البقرة لا بد أن تبقى مع طوال الآذان هؤلاء لما بقي من عمرها.

عن الثعبان والحصان

الثعبان حيوان رفيع، طوله يزيد عن عرضه. رأسه جوهرة سامة. وهو يذكِّر الإنسانية بأن للخوف شكلا وللشر قواما، هكذا قال الأب.
أنا أحب الحصان أكثر أيها الأب، هكذا قالت الأم.
قال الأب، إن للحصان عجيزة إنسان ورأس بقرة.
قالت الأم، والحصان يدهس الثعبان، أليس كذلك أيها الأب، لأن الحصان في صف الإنسانية، أليس كذلك أيها الأب؟
قال الأب، اخترع الإنسان الحصان بعد أن اخترع العربة التي بلا حصان، ولما كانت العربة بلا حصان قالوا لنخترع الحصان. في البداية كانت العربة التي بلا حصان تخاف من الحصان، فالأشياء الميكانيكية جبانة جدا. ويكمن خلف الاختراع ذلك السلاح الذي يجعل الحيوان الرفيع ـ الذي يزيد طوله عن عرضه ـ تحت حوافره.
قالت الأم، وهكذا نجا الإنسان وعاد إلى الفردوس أيها الأب؟ ولماذا يعد هذا العالم أفضل العوالم الممكنة؟
قال الأب، هذا العالم هو الأفضل لأنه العالم الوحيد الذي ظهر.
قالت الأم، فهل علينا أن ننتظر العوالم الأخرى؟
قال الأب، وهل علينا إذن أن ننتظر العوالم الأخرى؟ ... يا لك من غبية.

المادة المضادة

على الجانب الآخر من المرآة ثمة عالمٌ معكوس، حيث المجانين يصبحون عقلاء، والعظام تطلع من الأرض وترتد إلى لزوجة الحب الأولى.
وفي المساء تشرق الشمس.
والعشاق يبكون لأنهم صغروا يوما، ولأن الطفولة سرعان ما ستسلبهم لذتهم.
في عالم كذلك، ما أكثر الأحزان التي هي ـ طبعا ـ أفراح.

المعركة

رجلٌ يصارع فنجانَ قهوة. القواعد: لا يكسر الفنجان ولا يسكب قهوته، ولا الفنجان يكسر عظم الرجل ولا يسكب دمه.
قال الرجل، إلى الجحيم، وهو يقلب الفنجان على الأرض. لم ينكسر الفنجان، لكن قهوته انسكبت من ذاته المفتوحة.
بكى الفنجان وهو يقول، لا تؤذني، أرجوك لا تؤذني، أنا لا قدرة لي على الحركة، أنا بلا حول ولا قوة لأدافع عن فوائدي، لم لا تستخدمني في الإمساك بقهوتك.

الشيء الكبير

يدخل الشيء الكبير.
يقول شخصٌ، اخرج أيها الشيء الكبير.
يخرج الشيء الكبير ويعود فيدخل من جديد.
يقول الشخص، اخرج أيها الشيء الكبير وابقَ بالخارج.
يخرج الشيء الكبير ويبقى بالخارج.
يشعر بالوحدة الشخصُ نفسه الذي كان منذ قليل يأمر الشيء الكبير أن يخرج فيقول ادخل أيها الشيء الكبير.
وعندما يدخل الشيء الكبير يقرر الشخص أنه كان من الأفضل لو بقي بالخارج.
يقول الشخص نفسه، اخرج أيها الشيء الكبير.
يخرج الشيء الكبير.
أوه، لماذا قلت هذا؟ هكذا يقول لنفسه الشخصُ وقد بدأ يشعر بالوحدة من جديد.
بينما يدخل الشيء الكبير من تلقاء نفسه. يقول الشخص نفسه للشيء الكبير، على أية حال كنت على وشك أن آمرك بالدخول.

كوخ الغابة

بنى لنفسه كوخًا في الغابة. بالقرب حشرةٌ تحكُّ جناحيها في أزيز له وقع الغناء...
غير أن كوخه ـ في غياب المقاييس، والإدراك السليم للأبعاد ـ جاء شديد الصغر، وها هو يدرك ذلك إذ يكتشف أن يده فقط هي التي يمكن أن تمر من الباب.
يجرب أن يرتقي السلالم نحو الطابق الثاني ولو بالأصابع، لكن ذراعه تنحشر في المدخل.
يتساءل كيف سيطهو العشاء. صحيحٌ أن أصابعه قد تدخل من شباك المطبخ، لكن الموقد أصغر من أن يطهو طعامًا يكفيه، والأواني في حجم الكستبان وأغطية الزجاجات.
عليه إذن أن يقضي الليل في العراء، وإن كان بانتظاره داخل الكوخ سريرٌ صغير وأغطية مطوية.
يتمدد محتضنًا الكوخ، مصغيًا إلى حشرة تحك جناحيها في أزيز له وقع الغناء ...

قرار الوالدين

ينشقُّ رجلٌ عجوزًا وشيخًا.
لا بد أنهما والداه. ولكن أين الرجل؟ أيكون وهبهما حياته؟
أسألهما إن كانا رأيا ابنهما
فتقول العجوز: لقد قررنا منذ البداية ألا ننجب أي أطفال.

العلاقة العاطفية

ذات يومٍ، وقع رجلٌ في غرام نفسه، حتى لم يعد قادرًا أن يفكر إلا فيها.
طار من الفرحة طبعا، فلم يسبق لأحدٍ أن اهتم به مثل هذا الاهتمام...
أراد أن يعرف عن نفسه كل صغيرة وكبيرة: هواياته، موسيقاه المفضلة، رياضته الأثيرة.
وكان يشعر بالغيرة لأنه لم يعرف نفسه في طفولته، ويريد أن يعرف كيف كان في صباه...
وحين سألوه إن كان الأمر سينتهي بالزواج، قال إن هذه أعز أمانيه، وإنه يتمنى أن تثمر علاقته مع نفسه عن أولاد وبنات.

السيرك المتنقل

مهرجة بيضاء الوجه راقدة في مزراب المجارى كأنها فردة حذاء تنس قديمة. رحل السيرك عن البلدة ...
آخر مرة رحل فيها السيرك عن البلدة، ترك المرأة البدينة مرمية على الرصيف مثل كومة جبن أبيض في ملابس النساء الداخلية.
ذاهبًا وعائدًا، السيرك دائما على هذا المنوال، ينسى دائما شيئا. حتى أنه في إحدى المرات نسى أن يرحل عن البلدة...

خبز

أحب الخبز حسنَ الشكل. الخبز الشهي. ذلك النوع من الخبز الذي يظهر في أحلام الجوع.
وكان أن التقيت بمثل ذلك الخبز. طرقتُ بابًا ( وأنا أحيانا أفعل ذلك لأحافظ على لياقة مفاصل أصابعى)؛ فظهرت امرأةٌ ذات كتلٍ عجينيةٍ غير متناسبة (كانت لها طلعةٌ غير معجونة ولا مخبوزةٍ) وفي يدها رغيفٌ حسن الشكل إلى حدٍ ما.
أخذتُ قضمةً وبدأ الرغيف يبكى.

المسافر الوحيد

هو مسافر وحيد، وجد الطريقَ رفيقًا لما التقيا صدفةً ووجد أنهما يوليان نفس الوجهة.
... ووحده، الطريقُ وصل إلى نهايته، مثل ثعبان طويل، مغمض العينين في البعيد، نائما...

الطريق

كان هناك طريقٌ ها هو ذاهبٌ به إلى حيث وقتٌ محددٌ للجلوس فيجلس.
يدخن في سكينةِ المساءِ بجانب منضدة ذات أربع أرجلٍ و(لم لا) ذيلٍ تهزه مثل رفيقٍ طيب.
يسمع وقع خطى، ينظر فيرى قدميه ذهبتا.
يبلع الطريق كل شيء بشائعاتٍ يروجها عن النوم.
ثم أخذ يجول ببصره بحثًا عن نفسه فوجد أنه ذهب.
ـ بحث عن الطريق وحتى الطريق ...

مسح آميليو

أبٌ بممحاة كبيرة يمسح ابنته. وإذ ينتهي لا يتبقى سوى أثر أحمر فوق الجدار.
تقول زوجته أين آميليو؟
إنها غلطة، مسحتها.
وماذا عن أشيائها الجميلة؟ تسأل زوجته
سأمسحها أيضا.
كل فساتينها الجميلة؟
سأمسح حجرتها، ودولابها، ولا تتكلمي عن آميليو! هاتي رأسك هنا وسأمسح آميليو منها.
يحرك الزوج ممحاته على جبهة زوجته، وبينما تبدأ في النسيان تقول، هَمم،ترى ماذا يكون قد حصل لآميليو؟
لم أسمع بها قط، يقول زوجها.
وأنت، تقول، من أنت؟ لا أذكر أنك كنت آميليو، أأنت حبيبة قلبي آميليو التي لم أعد أتذكرها؟
طبعا لا، آميليو كانت فتاة؟ هل أبدو فتاة؟
... لا أعرف. لم اعد أعرف كيف يبدو أي شيء ...

موت ذبابة

كان هناك رجل يتنكر في شكل ذبابة منزلية، ويتنقل في الحي مخلفا خراء الذباب.
يعني، لا بد أن يجد ما يفعله، أليس كذلك؟ هكذا قال شخص لشخص آخر.
بالطبع. قالها الشخص الآخر للشخص.
من يصدر هذه الجلبة؟ إنني أقول فقط إنه لو لم يترك حائط ذلك المبنى فسيطلق البوليس عليه الرصاص.
أوه، ما أفظع ذلك، بالطبع، لا شيء أكثر فتنة من ذبابة ميتة.
أحب الذباب الميت، يذكَّرني بالذين لقوا مصيرهم ...


ولد راسل إدسُن عام 1935 في ولاية كونكتيكت، ولا يزال يعيش فيها إلى الآن. وإدسون الذي يطلق على نفسه اسم مستر قصيدة نثر الصغير هو بلا جدال واحد من أهم كتاب قصيدة النثر في أمريكا. بدأ كتابتها وحدها ـ دون الكتابة في أي شكل شعري آخر ـ قبل أن تسود كموضة.
يرى ميشيل ديلفيل في كتابه قصيدة النثر الأمريكية: القالب الشعرى وحدود النوع إن واحدة من وصفات إدسن النمطية في كتابة قصيدته النثرية تعتمد على الزج بإنسان معاصر إلى واقع بديل يفقد فيه السيطرة على نفسه لدرجة أن تمتصه ـ مجازيا وفعليا ـ في بعض الأحيان البيئة المألوفة له في حياته اليومية. ويضيف أن إدسن في مزجه الدائم بين اليومى العادى والغريب المحلِّق يستمتع بأغرب وأبعد أنواع الاستعارات.

نشرت هذه القصائد في عدد 8 فبراير 2009 في ملحق قراءات الذي يصدر عن جريدة عمان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق