السبت، 18 مايو 2013

مقعد الإخوان المسلمين الشاغر


مقعد الإخوان المسلمين الشاغر
مايكل جيه توتن
حدث أن قام معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بتوجيه الدعوة للمسئول الكبير في جماعة الإخوان المسلمين "حلمي الجزار" لحضور المؤتمر السنوي الذي يقيمه المعهد في الولايات المتحدة. وحجز له المعهد على درجة رجال الأعمال من القاهرة، وأنزله في فندق ريتز كارلتن الفاخر. وحضر الجزار فعلا إلى واشنطن ونزل في غرفته ولكنه رفض حضور المؤتمر.
لماذا؟ لأن إسرائيليين ـ أو "صهاينة" على حد تعبيره ـ كانوا حاضرين أيضا هناك.
كلينت إيستوود مقنعا أوبااما
وقال "روبرت ساتلوف" مدير المعهد لـ واشنطن فري بيكن "لقد رأينا للتو ثاني أشهر مقعد شاغر بعد مقعد كلينت إيستوود في مؤتمر الحزب الجمهوري[i]".
وهكذا تجري الأمور عندما تتعامل مع الإخوان المسلمين. وكم أود لو أقول إن التعامل مع هؤلاء الناس لا طائل من ورائه، لولا أن الأمر ليس كذلك. إذ أنك تتعلم منه أشياء. ولقد سعدت بهذه الفرصة ثلاث مرات وتعلمت جميع الأشياء التي جعلتني محصنا ضد تسونامي الهراء الذي كتب عن الجماعة في ذروة الربيع العربي الساذجة.
كانت المرة الأولى في القاهرة سنة 2005 عندما كان حسني مبارك لا يزال في مكانه. وتكلمت مع عصام العريان الذي كان وقتها متحدثا رفيعا باسم الجماعة. وكنت أريد أن أعرف كيف ستحكم الجماعة إذا أمكنها أن تزيح مبارك.
ورفض أن يجيب حتى على أبسط الأسئلة.
قلت له "لو أن الإخوان المسلمين هم الذين كانوا في السلطة في مصر، فهل كنتم لتتعاونوا مع الغرب ضد القاعدة؟"
قال "نحن منذ اللحظة الأولى ضد القاعدة. وندين كل أعمال العنف. وقد قمنا بإدانتها في وقتها. ولكن لدينا شكوكا حول طريقة الغرب في محاربة الإرهاب. هذه الطريقة في القتال طريقة خاطئة. ونحن بحاجة إلى تعريف متماسك للإرهاب قبل أن نتعاون".
قلت "ما تعريفكم للإرهاب؟"
"نحن بحاجة إلى ملتقى ومؤتمر دولي لنحدد تعريفا".
قلت "فكرة جيدة. لكن لو حضرتم مؤتمرا دوليا، ما التعريف الذي سوف تقترحونه؟"
قال "أنا لن أقول لك تعريفا. نحن بحاجة إلى حوار وتوافق. تعريف الإرهاب ليس مسألة تقررها الإخوان المسلمون وحدها".
"ولكن ما الذي سوف تقولونه للحكومات الغربية إذا هي وافقت على إجراء حوار معكم؟ ما التعريف الخاص بكم أنتم للإرهاب؟ ودعك الآن مما يفكر فيه سواكم".
قال "لا أستطيع أن أجيبك الآن".
سألت أيضا عما إذا كانت الجماعة سوف تحظر المشروبات الكحولية. وسألت عما لو كانت الجماعة ستحظر الكتب. وسألت عما لو كانت الجماعة ستكره النساء على الحجاب كما تفعل الحكومة الإيرانية.
ولم يجب أيا من تلك الأسئلة.
قال "لا بد أن تفهم أننا خارجون على القانون outlawed، وبوسعنا أن نوضح هذه المسائل جميعا حينما نصبح أحرارا".
قلت "ولم لا توضحها الآن؟"
قال "إننا بحاجة إلى هواء نظيف. نحن بحاجة إلى هواء نظيف قبل أن نوضح".
وليس أيكم بحاجة إلى أن يكون أينشتين في الشئون السياسية ليفهم ما الذي كان يفعله بأجوبته تلك.
كان ما أعرفه عن الأخوان المسلمين في عام 2005 أقل بكثير مما أعرفه الآن، ولكن ذلك النقاش البسيط أجاب لي جميع الأسئلة التي كانت تراودني بشأن التنظيم برغم حقيقة أن العريان رفض إجابة أسئلتي.
بعد سنوات قليلة قابلت مسئولين في الجماعة في لبنان. وهم هناك حزب هامشي تافه، حتى أن شعبيتهم وسط المسلمين السنة لا تتجاوز شعبية حزب الخضر في الولايات المتحدة، ولكن الفرصة سنحت لي لمقابلتهم، فقلت، ولم لا؟
كانوا أكثر منطقية بقليل من العريان. فهم على الأقل أجابوا أسئلتي. ولكن من بين أجوبتهم ما كان جنونا محضا، وكان في كلامهم إلماح إلى ما سيتبين في لقائي الثالث مع الجماعة في القاهرة في 2011.
فحينما سألتهم على سبيل المثال عن احتمال قيام الولايات المتحدة بمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية كانت تلك هي الإجابة التي حصلت عليها:
"عار حقا على الولايات المتحدة أن تعطي إسرائيل ثلاثة آلاف طن من الذخيرة الكيميائية والبيولوجية لتقوم بتجربتها على الأبرياء في غزة".
كم خطأ في تلك الجملة؟ الولايت المتحدة لم تعط إسرائيل ذخيرة. ولو كانت الولايات المتحدة أعطت ذخيرة لإسرائيل فعلا، لما أعطيناها ذخيرة كيميائية أو بيولوجية. والولايات المتحدة وإسرائيل لا تستخدمان الأسلحة الكيميائية أو البيولوجية على أي أحد. والولايات المتحدة وإسرائيل لا تقتلان أي أحد في أي مكان في العالم بأي نوع من الأسلحة في تجارب يمكن أن تعد في حال تنفيذها جرائم حرب خطيرة.
هذا الرجل ليست لديه حتى المعرفة المبدئية عن أي شيء مما يجري في العالم. ولا حتى المعرفة المبدئية. وما الكون الذي يعيش فيه إلا خيال نسجه عقله المؤدلج المصاب بالبارانويا وعقول آخرين هم أمثاله تماما. غير أنه شخص لا يشكل ضررا، لأنه لا يملك سلطة، ولكن نظراءه المصريين هم الذين يحكمون الآن أكبر بلد عربي في العالم. وما هم أقل جنونا منه. بل هم في واقع الأمر أشد منه جنونا. وأعني بالجنون جحوظ الأعين وتشوش الشعر والعقل معا.
ولقد كان أعجب حوار أجريته في حياتي هو الذي أجريته قبل صيفين في القاهرة، وهو مرة أخرى مع قيادي جماعة الأخوان المسلمين عصام العريان، وقد أجريته معه في مكتبه أنا وزميلي "أرمين روزن".
ربما كان يعاني يومها من مغص. ربما اشتد عليه رئيسه قبل دخولي أنا وآرمين بخمس دقائق. لا أعرف. ولكن المؤكد أنه في هذه المرة، ولأي سبب من الأسباب، كان منفلتا تماما. وكان مباشرا أيضا، فقال لي بالضبط كيف هو شعوره تجاه كل شيء.
وسوف أتوسع هنا في النقل عنه حتى يتبين لكم كيف هو التعامل مع هؤلاء الناس في حقيقته.
***
عصام العريان: شوف يا سيدي. إنها لعبة كبيرة. ولا يمكن أن تقنعني أن الإدارة الأمريكية ملتزمة بالقيم الأمريكية. القذافي رجلكم.
توتن: رجلنا؟
العريان: نعم.
توتن: لحظة من فضلك.
العريان: نعم
روزن: لقد قام بتفجير ملهى ممتلئ بالأمريكيين.
توتن: وهو دكتاتور معاد لأمريكا منذ يوم توليه السلطة.
العريان: الفرنسيون الآن يجرون محادثات سرية مع القذافي وابنه. [يضحك]
توتن: نحن لسنا فرنسيين.
العريان: لقد تجاهلتم كل ما له علاقة بالقذافي عندما أعلن عن التخلص من الأسلحة النووية المزعومة. تجاهلتم التفكير في قتله شعبه وتدميره بلده. إدارتكم تجاهلت كل شيء. فكيف يمكن أن أفهم أن القذافي كان وراء هجوم لوكيربي، في سكوتلاند؟ المجراحي [وهو العقل المدبر المفترض للعملية] لا يزال يعيش في ليبيا وهو رمز كبير لنفاق الغرب. كل الغرب.
توتن: أريد أن أتوقف هنا لحظة. لقد قلت إن القذافي رجلنا لأننا استعدنا العلاقات مع ليبيا. أهذا كل ما يلزم ليتحول دكتاتور إلى "رجلنا"؟ أن تكون بيننا علاقات دبلوماسية؟
العريان: سيدي. من الذي حمى انقلاب القذافي العسكري؟ من الذي قام بحمايته؟ لقد كان لديكم كل القوة العسكرية. كان بوسعكم أن توقفوه.
[...]
توتن: ما الشكل الذي تحب أن تكون عليه سياسة الولايات المتحدة الخارجية؟
العريان: بالطبع، هذا أمر يقرره الأمريكيون. عليكم أن توجهوا لهم النصح؟ أنا لا أستطيع أن أوجه النصح لهم. أنتم في الإعلام تلعبون دورا مهما.
توتن: دورا ضئيلا.
العريان:الإعلام ومراكز الأبحاث تلعب دورا شديد الأهمية. أنتم خلقتم شبحا، مسخا، هو الإرهاب. أنتم تعظمون من الإرهاب، ونحن نواجه انتقامه. أنتم في الإعلام تربطون بين كل عربي، وكل مسلم، والإرهابيين. لقد بتنا مرغمين على خلع أحذيتنا في مطاراتكم.
توتن: أنا أيضا أضطر إلى خلع حذائي.
العريان: لماذا؟
توتن: أنا أيضا لا يعجبني هذا.
العريان: أنتم تجعلون الناس يعيشون في خوف.
توتن: من يفعل هذا؟
العريان: أنتم تفعلونه. الإعلام.
توتن: من الذي يعيش في خوف؟
العريان: ساستكم. إعلامكم. إعلامكم.
توتن: نحن لا نعيش في خوف. أنا لا أعرف شخصا واحدا في مجال الإعلام يعيش في خوف.
العريان: هل يمكن أن تجيب سؤالا واحدا؟ لماذا لا نسمع عن محاكمات الحادي عشر من سبتمبر؟
توتن: لأن الذين فعلوها ماتوا. قتلوا أنفسهم في البرجين.
آرمين روزن: وكانت هناك محاكمة مدنية.
العريان: يموت أربعة آلاف من الأبرياء، ولا تقام محاكمة.
توتن: السبب أن المرتكبين ماتوا.
العريان: لم يوضع أحد في القفص ليواجه المحاكمة.
توتن: لقد كانوا داخل الطائرات. وقاموا بتفجير أنفسهم في البرجين.
العريان: لا. من كان وراء العملية؟
توتن:  أسامة بن لادن. وقتلناه أيضا.
العريان: نحن نعرف أن لديكم قرابة 600 شخص في جوانتانامو. لماذا لم يواجه أي منهم محاكمة؟ هذا لغز كبير جدا.
توتن: حسن، في رأيك ما الذي حدث؟ ما نظريتك؟
العريان: وأربعة آلاف أمريكي لقوا مصرعهم في العراق وأفغانستان. لديكم قرابة عشرة آلاف من الأمريكيين الأبرياء لقوا مصرعهم. ودعك من الملايين الذين قتلوا في العراق وأفغانستان. ولكنكم لا تقدمون أحدا للمحاكمة مطلقة. من وراء كل هذا؟ من دبر هذه المؤامرة؟ أهو أسامة بن لادن وحده؟ من وراء أسامة بن لادن؟
آرمين روزن: من في رأيك وراء أسامة بن لادن؟
العريان: أريد أن أعرف.
توتن: ما نظريتك؟
العريان: أنتم لديكم الوثائق الآن بعدما مات أسامة بن لادن.
توتن: ما نظريتك؟
العريان: لا أعرف.
توتن: عندك نظرية.
العريان: أنا أريد أن أعرف. هذا هو السؤال.
توتن: لكل شخص نظريته، ما نظريتك أنت؟
العريان: لماذا قتل عشرة آلاف أمريكي؟ لماذا؟ بدون أي تحقيقات.
توتن: ولماذا ينبغي أن تكون هناك مؤامرة؟ الأمر في الواقع ليس على هذه الدرجة من التعقيد.
العريان: هل أسامة بن لادن وحده، أم أن هناك أحدا معه؟
توتن: لماذا يتحتم أن يكون هناك من هو وراء أسامة بن لادن؟
العريان: لا بد من التحقيق في هذا في أمريكا! هناك هذه القضية في المملكة المتحدة بشأن التنصت على الهواتف. 160 من العاملين في الأخبار فصلوا.
توتن [ضاحكا]: هذه قضية لا علاقة لها مطلقا بأسامة بن لادن.
العريان: صحيفة قديمة جدا أغلقت. ولم تكن هناك قطرة دم. لو أن عشرة آلاف أمريكي لا يتوقعون أن يحظوا بتحقيق كامل في القتل الذي جرى في نيويورك والعراق وأفغانستان، فنحن نريد أن نعرف.
توتن: شوف، الأمر فعلا ليس بهذا التعقيد. أسامة بن لادن كان يحظى ببعض المساندة من السعودية ومن المخابرات الباكستانية.
العريان: شوف يا سيدي، لا يكفي أن يكون أسامة بن لادن قد اعترف علنا بأنه الذي فعلها. أسامة بن لادن لا يستطيع أن يفعلها وحده.
توتن: كان يجد بعض الدعم من باكستان والعربية السعودية.
العريان: لو قلت إن صدام حسين كان يدعمه فهذا كذب. كولين باول قال إن صدام حسين عنده أسلحة بيولوجية، وكان هذا كذبا. وكولين باول نادم عليه الآن.
نحن نريد أن نعرف.
توتن: ما هذا الذي لا تعرفه؟
العريان: أنت قل لي.
توتن: الأمر ليس معقدا.
العريان: نعم، هو معقد. أوافق!
توتن: لا. الأمر ليس معقدا
العريان: أنا طبيب، لو أن سيدة جاءت إليّ تشكو من أي ألم، فسوف أتحقق. والقضية المعقدة لا بد من التحقيق الوافي فيها.
عشر سنوات مضت. متى سيعرف الأمريكيون الحقيقة بشأن العشرة آلاف الذي لقوا مصرعهم؟
توتن: الأمريكيون راضون بمعرفة من فعل ذلك.
العريان: لا.
توتن: نعم، نحن راضون.
العريان: لا
توتن: أنت غير راض، نحن راضون.
العريان: الناس لا يمكن أن تنسى. الضحايا وأسر الضحايا سوف تظل تواجه كل من يلزم الصمت وتحمي الناس الحقيقيين الذين كانوا وراء هذا وأسدلوا ستارا على الحقيقة.
توتن: وفي رأيك من الذي فعلها؟ هل تعتقد أن الحكومة الأمريكة هي التي فعلتها؟
العريان: الشعب الأمريكي واجه جو مكارثي. وكان هناك الشعب الصيني بعد الثورة الثقافية.
توتن: هل تريد أن تقول إن حكومة الولايات المتحدة هي التي كانت وراء 11/9؟
العريان: لا أحد يعرف. أنا لا أعرف.
آرمين روزن: اسمح لي أن أقول ...
العريان: أنتم شعب في غاية السذاجة.
توتن: أنا لست ساذجا. أنا بس عايز آكل عيش.
العريان: إذن أسامة بن لادن يعترف أنه هو القاتل. أنتم أعطيتموه 25 مليون دولار، ثم قتلتموه، جميل جدا، والملف الآن مغلق. ولكنه بالنسبة لي أنا ليس مغلقا.
***
أغلب الطغاة الذين يبدون مجانين ليسوا كذلك. معمر القذافي كان يبدو أكثر جنونا من أي شخص، ولكنني لا أعتقد أنه كان مجنونا. كان كل ذلك تمثيلا.
ولكن أعضاء الإخوان المسلمين غير متزنين unhinged حقا. يمكنني أن أستشعر هذا. أستشعره من لغة الجسد لديهم، ومن تعبيرات وجوههم، ومن نبرتهم في الكلام إذ يحدثونني. ليسوا على الإطلاق مثل الساسة الذين يعيشون على الكذب ولكنهم لا يصدقون ما يقولونه. لا، مطلقا، أعضاء الإخوان المسلمين هؤلاء يبدون تماما مثل المجانين في محطات الأتوبيسات.
هم الآن في السلطة في مصر، في وقت يمر فيه الاقتصاد ـ باعتباره حالة طارئة ـ بانهيار كارثي، ولكنهم لا يعرفون إطلاقا ما الذي يجري. يرون الأمر، وكلَّ شيء، أعني كلَّ شيء، ناجما عن مؤامرة أمريكية يهودية. وأنت إذا لم تستطع أن تصل إلى التشخيص السليم لمشكلة، فليس من الممكن أن تعالجها. ستبقى تحارب الأشباح إلى أن تتهاوى الأرض تحت قدميك ويخر السقف فوق رأسك.
ولسوف يحدث أحد أمرين. إما أن يتغير الإخوان المسلمون (وهو أمر ليس متوقع الحدوث في أي وقت قريب) أو أنهم سوف يفعلون ما سبقهم إليه الشيوعيون، فيخربون كل بلد تتوفر له من الحماقة ما تجعله يصل بهم إلى السلطة. وعلى ضمانتي.



نشر الموضوع أصلا في وورلد أفيرز ونشرت الترجمة اليوم في جريدة عمان


[i]  حدث يوم الخميس الثلاثين من أغسطس 2012أن ألقى الممثل والمخرج ألأمريكي "كلينت إيستوود" كلمة في المؤتمر الوطني الجمهوري. وكان إيستوود قد أعلن من قبل مساندته ترشح "ميت رومني: للانتخابات الرئاسية الأمريكية. قضى الممثل أغلب كلمته موجها حديثه إلى مقعد شاغر يمثل الرئيس باراك أوباما. كانت الكلمة مذاعة على الهواء، وشاهدها قرابة ثلاثين مليون أمريكي، وأحدثت حالة كبيرة من الجدل ـ ويكيبديا 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق