الأربعاء، 18 فبراير 2015

هاروكي موراكامي عن شهرزاد: أنا شخصيا لا أعرف عن قصتي أي شيء

هاروكي موراكامي عن شهرزاد:
أنا شخصيا لا أعرف عن قصتي أي شيء

حوار: ديبورا ترسمن

ـ تدور قصتك المنشورة في هذا العدد من نيويوركر بعنوان "شهرزاد" حول رجل محبوس في بيت لا يستطيع الخروج منه، تزوره فيه مرتين في الأسبوع امرأة معينة لتزويده باحتياجاته من الغذاء وغيره، وربما لتلبية احتياجاته الجنسية أيضا. لا نعرف من القصة سر عجز هابارا عن الخروج من البيت. فهل تعرف أنت؟
ـ آسف، لكنني أيضا لا أعرف الظروف الخاصة التي تسببت في هذا الموقف. ربما تكون لدي أفكار خاصة عما قد يكون السبب، لكنني أتوقع من القراء أن تكون لديهم أفكارهم أيضا. ولست أحاول أن أصنع من الأمر سرا كبيرا، لكنني أعتقد أنك لو أخذت افتراضاتهم وافتراضاتي ووضعتها فوق بعضها البعض لاجتمع لديك شكل مهم من تواصل القارئ والكاتب. فالمهم لا يتمثل في ما تسبب لهابارا في هذا الوضع، بل ما يمكن أن نفعله نحن لو كنا في ظروف مماثلة.


ـ المرأة التي يطلق عليها هابارا اسم شهرزاد تحكي له قصصا بعد ممارستهما الجنس. وغالبا ما تبتر قصصها في لحظة ذروة، تاركة إياه معلقا حتى زيارتها التالية. أنت تفعل مثلها معنا: فتنهي هذه القصة دون أن نعرف بقية الحكاية. لماذا تحبط القراء بهذه الطريقة؟
ـ هذا من التكنيكات الأساسية في القصة القصيرة ورثناه عبر ألف عام. بل إنني في واقع الأمر أتخيل على مدار عشرات آلاف السنين جماعات من الناس متحلقين خول النيران في الكهوف المعتمة منصتين في نشوة  للحكائين وهم ينهجون هذا النهج. وإنني بالطبع أحب أن أستمع إلى هذه القصص.

ـ  هل سيكون ثمة جزء ثان؟
ـ في الحقيقة لا أعرف. كل مرة أنهي فيها قصة، أقول لنفسي، حسن، هذه انتهت. ثم يخطر لي بعد سنوات قليلة أنني قد، أقول قد، أقدر على تحويل قصة معينة إلى ما هو أكثر. وفي هذه الحالات غالبا ما تتحول القصة إلى رواية طويلة. هذا ما حدث للغابة النرويجية، وحوليات الطائر. غير أنه ينبغي أن يمر زمن معين قبل أن أعرف أي القصص القصيرة هي التي قد تتطور وأيها ينبغي أن يبقى على حاله. وخامة شهرزاد واعدة ـ عليَّ أن أعترف بذلك.

ـ تتقاطع حياة الشخصيتين في هذه القصة بصورة تبدو عشوائية، أو نتيجة لنزوة تراءت لشخص عير معروف. ما الذي جعلك تفكر في الرمي بهما معا في هذا الموقف؟
ـ أعتقد دائما أن في صميم قلوبنا رغبة إلى أن نجد أنفسنا في مثل هذا الموقف، حيث لا تسيطر إرادتنا الحرة، وحيث كل شيء (تقريبا) يكون محتوما يفرضه علينا شخص ما، وحيث ينبغي أن يعاش كل يوم وفقا لشروط اشترطها شخص آخر. هناك من لعلهم يعيشون هذه الحياة بالفعل، بدرجة أعلى أو أدنى، دون أن يعلموا. قد يصم البعض هذه الحياة بـ"السلبية" لكن مثل هذه التأويلات لا تثير اهتمامي. فما يثير اهتمامي هو محاولة استكشاف الهوية التي تكون مخفية ببراعة داخل ركام هذه العمليات السلبية.

ـ في "ألف ليلة وليلة" تنقذ شهرزاد حياتها بحكي القصص. ها هنا يبدو أن هابارا هو المعرض للخطر. فهل تنقذه شهرزاده؟
ـ لا أعرف، ولكن الأمور لا تبدو على خير ما يرام بالنسبة لهابارا. ولو أنه جاك ريتشر لرأيناه يجندل خمسة عشر رجلا ويمضي صوب الغروب. لكنه ليس هذا الشخص.

ـ تحكي شهرزاد لهابارا أنها كانت ثعبان بحر أنقليسيا في حياة سابقة وثعابين البحر تلتهم فرائسها بثقبهم وأكلهم على مهل. أهذا ما تفعله شهرزاد بهابارا، تجعله ببطء محتاجا إليها؟
ـ لا أعرف. شهرزاد لغز بالنسبة لي أنا أيضا ـ لا أعرف ما تفكر فيه أو ما تفعله. الشيء الذي أعرف أنني أعرفه هو أنها تبعث إلى هابارا رسائل من نوع ما. تحاول من خلال القصص التي تحكيها لها أن تنقل هذه الرسالة، ومن خلال جسمها أيضا. وما من سبيل لتوصيل رسالتها إلا هذه الطريقة.

ـ هل تؤمن بالحيوات السابقة؟
ـ هذه الحياة كافية. ليست لديّ رغبة في حياة سابقة أو تالية. وبعد موتي، أريد أن أنام في سلام.

ـ لو أن شهرزاد ثعبان بحر أنقليسي يعتمد بقاؤها على كائنات أخرى، فهابارا يصف نفسه بالجزيرة الصحراوية، المعزولة المكتفية بذاتها. هل تراه كذلك؟ هل يستطيع البقاء بدون التواصل مع بشر؟
ـ هابارا رجل مرت حياته بنقطة تحول لا رجوع لها. هل كانت نقطة تحول أخلاقية أم قانونية، هل كانت استعارية، أم رمزية، أم سيكولوجية؟ هل سلك المنعطف طوعا، أم قهره أحدٌ عليه؟ هل هو راض عما آلت إليه حياته أم لا؟ لا أعرف لهذه الأسئلة أجوبة. لكنه أصبح، لحظة أن سلك هذا المنعطف، "جزيرة صحراوية". ولا يمكن أن ترجع الأمور سيرتها الأولى، مهما يفعل. وأعتقد أن هذا هو الجانب الأهم في هذه القصة.

ـ أيهما تؤثر أن تكون، ثعبان بحر أم جزيرة صحراوية؟
ـ ثعبان بحر طبعا.

ـ شهرزاد إحدى قصص مجموعة صدرت لك باليابانية أخيرا بعنوان "رجال بلا نساء"، وتدور جميع قصصها حول رجال إما بلا نساء أو هم فقدوا نساءهم. ما الذي ألهمك كتابة هذه القصص؟
ـ ما أريد نقله في هذه المجموعة هو بكلمة واحدة: العزلة، وما تعنيه على المستوى الشعوري. و"رجال بلا نساء" مثال مادي على ذلك. أسرني العنوان أولا (بالطبع، هناك مجموعة قصصية لهمنجواي بهذا العنوان) ثم جاءت القصص. وكل قصة جاءت من ذبذبات هذا العنوان. لماذا "رجال بلا نساء"؟ لا أعرف. بطريقة أو بأخرى، يضرب العنوان بجذور في عقلي، بمثل ما تنغرس بذرة رمتها الرح في حقل من الحقول.



ترجمت إجابات موراكامي من اليابانية إلى الإنجليزية بقلم تيد جوسين.
نشر الحوار في نيويوركر ونشرت الترجمة في إبداع فبراير  2015
مقالي عن موراكامي وقصته وترجمتي لها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق