الثلاثاء، 13 نوفمبر 2012

جون بيرنسايد: كيف للشعر أن يغير الحياة



كيف للشعر أن يغير الحياة*


جون بيرنسايد



ليس عاديا بالنسبة لي أن أصحو على ضوضاء مرور لندن في صباح الثلاثاء، ولم تزل في ذاكرتي بوضوح ذكريات حقيقية عن مناقشات جرت بالأمس مع شعراء وصحفيين ومقدمي برامج إذاعية وتليفزيونية حول أهمية الشعر . هكذا كان الفوز بجائزة تي إس إليوت للعام الحالي داعيا للتفكير مرضيا للأنا باعثا الحياة في الحساب البنكي.
الطبيعي أن أصحو في ريف فايف، على صوت خراف جاري، أو على الصقر في بعض الأحيان، وذلك على مستوى من المستويات ما "يتناوله" أغلب شعري: التجارب اليومية، الأرض، حيوات الحيوانات الأخرى، النور في يوم معين من أيام الشتاء، في مكان اسكتلندي محدد، التفاصيل العابرة التي لا يبدو أن أحدا يلتفت إليها، تفاصيل الـ هنا والآن. غير أنني كلما طرح سؤال "ما الذي يفعله الشعر؟" أو "ما نفعه؟" لا أتردد في الإجابة بأن الشعر مركزي في ثقافتنا، وأنه القادر على أن يكون الأقوى والأقدر على التحويل بين جميع الفنون.
هناك قصائد غيرت حياتي ـ بالمعنى الحرفي للتغير. لأنها غيرت الطريقة التي أنظر بها إلى العالم وأنصت إليه. هناك قصائد بتكرار قراءتها تكشفت لي تدريجيا  أوجها من خبراتي كنت ـ لأسباب شخصية ومجتمعية على السواء ـ قد عميت عنها. وهناك قصائد قرأتها المرة تلو المرة وأنا أعلم أن فيها معرفة سرية لا يزال عليّ أن أكتشفها، ولم أيأس من ذلك بعد. ومن ثم، فالشعر في أبسط المستويات مهم لأنه يحملنا على أن نفكر، يجعلنا ننفتح على السؤال وأحيانا على الاندهاش من إمكانيات اللغة. وهو، بأرق الطرق وأقواها، منهج لإعادة الاشتباك مع هذا العالم الذي نفرط في اعتباره من قبيل البديهيات.
عندما يأتي متعهدو التفكير المادي فيسمون الجبل أو البحيرة "موردا طبيعيا"، ويعتبرون أيا منهما مجرد شيء للاستغلال والانتفاع، يأتي الشعر ليذكرنا أن البحيرات والجبال أكثر من مجرد أشياء أو أرقام، عندما يقوم الطغاة بحبس المواطنين وتعذيبهم، يكتب الناس قصائد لأن إيقاعات الشعر وطريقته في استعمال اللغة احتفاء وتمجيدا، لا إهانة وانتهاكا، شبيهة بإيقاعات العدالة ويقظتها. من الأمور المركزية في هذه اليقظة مكون من مكونات الشعر الأساسية، هو الاستعارة التي تعرفها حنا أرندت بأنها "الوسيلة التي من خلالها تتحقق واحدية العالم شعريا". إنما هي تلك المقدرة على تجميع الأشياء، وتوحيد التجارب "موسيقى لما يجري"، تلك هي المقدرة التي يحققها أفضل الشعر.
يشعر أغلبنا أن هذا يصدق على التاريخ، على ما مضى، على جمعية الشعراء الموتى العظماء، يصدق على شكسبير وملتن وكوليردج وشيلي وبالطبع تي إس إليوت الأمريكي الذي قدم رؤية جديدة جدد بها تصورنا عن أرض إنجلترا. غير أنني زاعم أن الشعر مركزي، أو هو قادر أن يكون مركزيا في تجاربنا الآن مثلما كان في أي وقت. لقد كانت قراءة "أنا نادلك الليلة واسمي هو ديمتري[1]" للشاعر الأمريكي المعاصر والكبير روبرت هاس في ذروة مساعي بوش للتنصل من "أوربا القديمة"  تنصلا يضرب بجذوره في رهاب الأجانب أكثر مما يضرب بجذوره في أي شيء سواه، لقد كانت قراءتها تذكيرا لا بظلم الحرب وتفاهتها، بل وبالثراء الهائل في التاريخ الذي كان بوش يسعى إلى محوه.


[1]   الإشارة إلى قصيدة ألقاها روبرت هاس في حفل تسليم جوائز الكتاب الوطنية في الولايات المتحدة مناهضا فيها توجهات إدارة بوش في العالم


شهادة نشرتها ديلي تلجراف  في ينارير 2012 ـ بمناسبة فوز جون بيرنسايد بجائزة تي إس إليوت ونشرت ترجمتها صباح اليوم الثالث عشر من نوفمبر 2012 في ملحق شرفات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق