الجمعة، 13 يناير 2012

في قبوي:



عقوق

بَلَّم زيد أي نزل عليه سهم الله. ونزل سهم الله على زيد أي أنه لم يحر جوابا. ولم يحر زيد جوابا، أي أسقط في يده. وأسقط في يد زيد أي بدا وكأنما على رأسه الطير. وكل ذلك يعني أن زيدا وقع في حيص بيص ولم يجد ما يرد به على عمرو. ترى ما الذي قاله عمرو لزيد ففاجأه إلى هذا الحد؟ الحق أن عَمرا اعتاد أن يقول لكل زيد عرفه في حياته إنه منافق.
يقول عمرو لزيد: ألا تقول لنفسك كلّ عام مع اقتراب الحادي والعشرين من مارس إنك تبحث عن هدية تسعد بها أمك؟ ألا تحدث نفسك بأن الهدف من تجولك في المحلات والأسواق، وإنفاقك لنقودك، هو فقط الرغبة في إسعاد أمك؟ اعلم يا زيد أنك لا تريد إلا نفسك من وراء هذا. اعلم أنك لا تريد إلا سعادتك أنت التي يتصادف أنها لا تتحقق في هذا اليوم إلا حينما ترى السعادة على وجه امرأة هي، بالمصادفة، أمك.
كم من زيد كان يصمت، ربما ليفكر، ليعقل هذا الكلام، أو ربما لأنه بهت به حقيقةً كان يعرفها دون أن يبلورها على هذا النحو، أو ربما لأنه يرى أمام عينيه هذا العمرو غليظ القلب الذي لا يرى من العالم إلا نفسه، ولا ينشد غيرها.
غير أن عمرا ما عاد يقول هذا لأحد. لا لأن رأيه تغير، بل لأنه لم يعد يقابل زيدا، أي زيد، ولأنه أيضا لم يعد يقابل عمرا نفسه.
كيف أصبح بين عمرو وعمرو هذا البون؟ هذه قصة طويلة، لا مجال لها هنا. خاصة وأن جميعكم يعرفها، فجميعكم عمرو، وأكثركم ـ أو هكذا أحسب ـ لم يعد يجد في وقته وقتا لعمرو. وإذا كان الواحد منا لا يجد وقتا للاختلاء بنفسه، فكيف له أن يبقى منتبها لحقيقة أنه هو الهدف الأول والأهم من حياته؟
عمرو نسي أن عمرا هو الهدف من حياة عمرو، أن سعادة عمرو ينبغي أن تكون هي الشاغل المهيمن على عمرو، والموجه لكل نشاط يقوم به أو يمتنع عنه.
وعمرو الآن ينتبه إلى أننا جميعا طولبنا في المدرسة بكتابة مواضيع كنا نستشهد فيه بـ "لا تقل لهما أف، ولا تنهرهما". ينتبه أن الوعاظ طالما كلمونا عن العقوق، عقوق الأبناء للآباء. وأن منهم من كلمنا عن عقوق ثان، هو عقوق الآباء للأبناء. صحيح أن هذا العقوق الثاني ليس مشهورا بقدر العقوق الأول، ولكنه على أية حال أشهر من عقوق آخر لم يكلمنا عنه أحد، لم يحذرنا منه واعظ، ولم ينبهنا إليه معلم، كأنما هو غير مهم، أو حتى غير موجود بالمرة.
عمرو يكتب كلمتين في منتصف الصفحة: عقوق الذات. ثم لا يجد ما يكتبه تحتهما. عمرو بلم، نزل عليه سهم الله، أسقط في يده ... والله المستعان


نشرت هذه المادة صباح اليوم في ملحق مرايا الذي يصدر عن جريدة عمان

هناك تعليقان (2):

  1. حلو يا أحمد.. كل من سيقرأ هيبلم أمام عقوقه لذاته إن كان واعيا بذلك أم لا..
    صباح الورد

    إيهاب الملاح

    ردحذف
  2. المصلحه: تللك العلاقه التي تحدو كل العلاقات الانسانيه.ترتبط في اذهان اغلب الناس المصلحه بالماده فقط ،فدعونا من هذاولنتحدث عن نوع اخر من المصلحه يحكم العلاقات الانسانيه و هي"المصلحه المعنويه"ولتكن شقا او نوعا هو الاسمى من المصلحه الذي يترفع به الانسان عن كونه ماديا،ولنسمي الاشياء بمسمياتها الحقيقيه.
    فمثلا علاقة الصديق بصديقه..لها شقا معنويا كاحتياج كل منهما للاخر ان يكون صديقا له يشاركه افراحه و اطراحه.علاقة الزوج بزوحته و احساسه انه مرغوب وله في دنياه شخص هو محور اهتمامه ،يحقق له دفئا ما فى الحياه و العكس علاقة الزوجه بالزوج.علاقة الاب بالابناء و احساسه بالسعاده عندما يكون له ذرية تكبر امام عينيه وتشعره بالتحقق في اتجاه معين في الحياه وايضا كفاحه من اجلهم هو تكفير لذنوبه و يثاب عليه.علاقة الابناء بالاباء وهي احساس الابناء بوجود من يهتم بهم في الحياه و يكون معنيا بشأنهم ويسعى و يكافح من اجلهم و احساسهم بالدفء و الحنان في كنف الاباء.
    و على المستوى الانساني تعتبر علاقة الاباء بالابناء هي اسمى ما يمثل او يجسد "المصلحه المعنويه"التي لايداخلهااى شبه من نفاق او رياء او تكون المصلحه الماديه شقا منها.
    ملحوظه"1-حديثي السابق عن مثالية العلاقات و ليس العلاقات المثاليه.
    2-هذا رأي شخصي يعبر عن وجهة نظري في موضوع المقال او عن خط معين في المقال. ( حاتم عبد الهادي)

    ردحذف