حقيقة الكتَّاب
ما الذي يفعلونه حقا بكل ما لديهم من وقت؟
جيه روبرت لينون
سل كاتبة عن أكثر ما تقدره في حياتها الإبداعية، وسوف تجيبك على الأرجح بأنه "وقت الكتابة". ليست لدى كثير منا رفاهية التفرغ طوال الوقت للكتابة، فلدينا أزواج/زوجات، وأسر، ووظائف نهارية. وقد يبدو "وقت الكتابة" بالنسبة للقريبين من الكاتب أشبه بالإفراط في الانغماس في الذات: ما الذي يجعلنا ننفق النهار كله في التفكير؟ في حين أن الناس الطبيعيين لا يحتاجون إلى إنفاق الساعة تلو الساعة في عزلة وصمت. الناس العاديون أكثر مرونة.
ومع ذلك، فإننا نحن الكتاب نقول لأصدقائنا وأبنائنا إنه لا يوجد ما هو أكثر قداسة، وما هو أكثر أهمية وحيوية بالنسبة لحياتنا الفكرية وسلامتنا الوجدانية من وقت الكتابة. ولكن لدينا نحن الكتاب سرا.
نحن لا ننفق الكثير من الوقت في الكتابة.
خلاص. كشفنا السر. الكتاب عموما لا يقومون بالكثير من الكتابة. نحن ربما نخصص عدد كبيرا من الساعات للكتابة كل يوم، هذا صحيح، ولكن جزءا صغيرا للغاية من هذا الوقت هو الذي تلامس أصابعنا فيه أزرار الكمبيوتر لطباعة كلمات قصيدة أو مقالة أو قصة أو لتدوين أي من ذلك بالقلم على ورقة.
مؤخرا، قمت بقياس الوقت الذي قضيته في الطباعة أثناء جلسة "كتابة" امتدت لأربع ساعات، بهدف تحديد عدد الدقائق التي قضيتها في الكتابة الفعلية. والنتيجة: 33. ذلك هو الوقت الذي استغرقته في طباعة أربع صفحات من السرد والحوار في روايتي التي أعمل عليها حاليا، وهي أربع صفحات أغلبها مرشح في نهاية المطاف للحذف.
لنفترض أن هذا يوم استثنائي. ولنقدر ـ بصفة عامة ـ أنني أنفق ما بين ثلاين دقيقة إلى ساعة في الكتابة، في الأيام التي أكتب فيها أصلا. معنى هذا أنه حتى في أوقات ذروة الإنتاجية أكون نشيطا في الكتابة لما هو أقل من 5% من الوقت. وإن نحن أخذنا في الاعتبار أن هناك أياما كثيرة لا أكتب فيها نهائيا (جميع الإجازات الأسبوعية، وأيام التدريس، وأيام المرض، وأيام الشك في الذات، وأيام التأثيرات الصباحية السلبية للشراب، وأيام دفع الفواتير) يكون بوسعي بكل سهولة أن أنزل بالرقم إلى 2%.
هل ينبغي لشخص كهذا، وأعني شخصا ينفق في الكتابة أقل من 2% منحياته، أن يسمى أصلا "كاتبا"؟ في ضوء هذا المنطق، أقترح فيما يلي عددا من الأسماء التي قد يصح أن تستخدم في وصفي:
آكل
نائم
راكب حافلة
متخيل فتيات عاريات
مؤنب أطفال
إنترنتي
ساعل
ولكن بالرجوع إلى تلك الساعات الأربعة، والتي يفترض ـ في الأيام التي أمارس فيها الكتابة ـ أنني أقضيها في الكتابة. إذا كنت أقضي أقل من 25% منشغلا في الكتابة، فما الذي أفعله بالبقية؟
للإجابة عن هذا السؤال، تنصت على نفسي أثناء جلسة كتاب مؤخرا. والنتائج فيما يلي:
8:04 الهدف يقول مع السلامة للابن الأكبر الخارج للمدرسة
8:05 الهدف يفتح اللاب توب ويجلس على الأريكة بالبجاما
8:05 ـ 8:23 إنترنت
8:23 الهدف يخرج القطة
8:23 ـ 9:07 إنترنت
9:07 الهدف يدخل القطة
9:08 ـ 9:15 طباعة سريعة جدا
9:15 ـ 9:17 الهدف يسخن التوست
9:17 ـ 9:30 الهدف يأكل التوست أثناء قراءة مقالة في صحيفة محلية عن مجموعة ريفيين تؤمن بالأطباق الطائرة
9:30 الهدف يرتدي زوجا من الجوارب فوق الزوج الملبوس فعلا
9:31 ـ 9:35 حذف
9:35 ـ 9:40 إعادة كتابة النص المحذوف بشكل شبه حرفي من الذاكرة
9:40 ـ 10:26 إنترنت، تتخللها عشرون دقيقة في الكتابة، والتنقيح، وأخيرا القيام في غضب وترك مساحة كتابة الرسالة الإلكترونية خاوية
10:26 ـ 11:14 شك حاد في الذات
11:14 ـ 11:31 الهدف يستحم، يلبس (ويضيف زوجا جديدا من الجوارب)
11:31 ـ 11:49 طباعة سريعة جدا
11:49 ـ 12:01 حمام
12:01 ـ 12:05 طباعة في حالة هيجان مصحوب بضحكات شيطانية هادئة
12:05 الهدف يحفظ الملف، يغلق الكمبيوتر، يعد سندوتش
كما ترون، الكتابة لا تظهر إلا لماما في هذا الجدول. الحقيقة أنه ربما يكون من المنطقي أن نتكلم عن "وقت اللاكتابة" كإشارة بديلة قد تكون أرقى من الإشارة الحالية المعروفة بـ "وقت الكتابة".
والحقيقة أيضا أن الكتاب يعملون طوال الوقت. فحينما توجه سؤالا مباشرا إلى كاتب، فتجد أنه يبتسم ويطرق ثم يقول "حسنا" ثم يلتفت ويبتعد عنك دون أن يودعك، فهو في واقع الأمر يعمل.
وحين تقلك كاتبة إلى محطة الحافلات وإذا بها توقف السيارة أمام المتجر وتلتفت إليك قائلة "توصل بالسلامة" فهي في واقع الأمر تعمل.
وإذا كنت طفلا، وأحد أبويك كاتب، وبينما يوبخك لأنك أخفقت في عمل الواجب، يصمت فجأة، ويرمش مرة أو اثنتين، ثم يطلب منك أن تقضي بقية اليوم في ألعاب الفيديو وتناول الأطعمة السريعة، فهو في واقع الأمر يعمل.
ولكن إعلام الذين نحبهم بأننا نكون في حالة عمل في الأوقات التي يفترض أن نكون خلالها منخرطين في أنشطة اجتماعية سوف يجعلنا نبدو نرجسيين وغير ملائمين للحياة الاجتماعية مثلما هي حقيقتنا. ولذلك فقد اخترعنا "وقت الكتابة" كمفهوم مقبول، لوقاية أنفسنا من النقد الذي نستحقه. بل إن الكتاب الذين لا يكتبون الأعمال الإبداعية تجدهم يحاكون بصورة إبداعية للغاية بشرا ممن يقسمون أنشطتهم المهنية إلى أقسام زمنية منفصلة.
في حالة وجود أية أسئلة أو استفسارات، يرجى كتابتها على بطاقة، ووضعها في كتاب، وإعادة الكتاب إلى المكتبة، وسوف أطلع عليها بمجرد أن أنتهي من الكتابة.
كاتب المقال أستاذ في جامعة كورنل، من مواليد1970، صدرت أحدث رواياته بعنوان "القلعة".
لوس آنجلس تايمز
عن ملحق قراءات في 19 يوليو 2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق