لغز تحول أعداء الإسلام إلى الإسلام
ديفيد جراهام
في الخريف الماضي، كان آرثر فاجنر طرفا في حدث لافت: كان
حزبه السياسي المعادي للإسلام والمعادي للهجرة وهو حزب أولترناتيف فور دويتشلاند
[أو بديل من أجل ألمانيا] قد دخل البرلمان الألماني المعروف بالبوندشتاج، ليكون
أول حزب منتم إلى أقصى اليمين يدخل البرلمان منذ خمسينيات القرن العشرين. وفي هذه
السنة فعل فاجنر أمرا لافتا بصورة أكبر: إذ أنه اعتنق الإسلام وترك حزب بديل
ألمانيا.
كان فاجنر مسؤولا حزبيا كبيرا في ولاية براندنبرج،
ونائبا منذ عام 2015. وقد أشارت صحيفة دويتش فيل بجفاف إلى أن فاجنر من أصل روسي
وإلى أنه "كان عضوا في لجنة الولاية المسؤولة عن الكنائس والمجتمعات
الدينية". وقال متحدث باسم الحزب للصحيفة إن خروجه من الحزب مسألة شخصية. وعن
اعتناقه الإسلام قال المتحدث الحزبي "إن الحزب لا يجد مشكلة في ذلك".
ومع ذلك يبقى بوسع المرء أن يتخيل أن من شأن هويته الدينية الجديدة أن تتسبب في بعض
الصعوبات مع رفاقه الحزبيين القدامى. فمن بين شعارات حزب بديل ألمانيا شعار يقول
إن "الإسلام لا ينتمي إلى ألمانيا".
الأغرب من ذلك، أن فاجنر ليس أول شخص يترك حزبا يمينيا
متطرفا معاديا للإسلام في أوربا ويعتنق الإسلام. فهناك أرنود فان دورم عضو حزب
الحرية الألماني في جريت فيلدرز ـ وهو أيضا حزب يميني متطرف معاد للإسلام ـ الذي
ترك الحزب في 2012، وسرعان ما أدى فريضة الحج، والحج هو زيارة إلى مكة مفروضة على
كل مسلم مرة واحدة في حياته على الأقل. وفي عام 2014، اعتنق ماكسين بوتي ـ وهو
مستشار محلي في الجبهة الوطنية ـ المناظرة في فرنسا لحزب يميني متطرف ـ الإسلام ففصل
من لجنة الحزب.
وفي الولايات المتحدة، تصدرت قصة مروعة العناوين في
السنة الماضية حينما قال شاب في الثامنة عشرة من عمره كان من النازيين الجدد في
تامبا بأنه اعتنق الإسلام واعترف بقتله زميلي غرفته اللذين كانا لا يزالان (في ما
يبدو) من النازيين الجدد، وبسبب بشاعة القصة، وبسبب أن استعمال العنف بعيد عن
الممارسات الإسلامية السائدة، فالقصة تستعصي على المقارنة مع الأمثلة الأوربية.
(علاوة على أن المتهم صاح بعبارة غير منطقية، وغير إسلامية).
في جميع الحالات، يبقى التحول من معاداة الإسلام إلى
الإسلام منافيا للبديهة. ولعل من بين العوامل المحتملة له أن اعتناق الإسلام أمر
يسير. فبوسع المرء أن يعلن إسلامه بمجرد نطقه للشهادة، دون متطلبات أخرى من قبيل
التعميد اللازم لاعتناق المسيحية أو العملية اللازمة في حالة اليهودية. بوسع المرء
أن يعلن أنه مسلم بدون إظهار أي نوع خاص من التدين، أو بدون التزام لفترة طويلة،
أو معرفة بأحكام الدين. ولا أقصد من هذا التشكيك في إخلاص أي معتنق للدين، بل أن القول
باعتناق أي شخص للإسلام لا يوضح في الحقيقة أي شيء في ذاته.
حالات دخول النشطاء الأوربيين المعادين للإسلام في
الإسلام لا تمثل اتجاها، ولكن ثمة عددا منها يكفي للتساؤل عما يؤدي إلى هذا التحول
الذي يصل إلى 180 درجة. عندما اعتنق بوتي ـ مستشار الجبهة الوطنية ـ الإسلام ذهب
إلى أن الحركة اليمينية المتطرفة تشترك مع الدين في الكثير خلافا لما يدرك
أعضاؤها. قال لـ لو باريسيان إن "كلا من الحركة والدين يتعرضان للتشوه وتلويث
الصورة في وسائل الإعلام. والجبهة الوطنية ـ شأن الإسلام ـ تدافع عن الأضعف. وهي ترفض
معدلات الفوائد الباهظة المفروضة على الديون في بلدنا، والإسلام يرفض الربا".
يصعب تصور قبول كثير من مسلمي فرنسا لهذه القرابة بين دينهم وبين الجبهة الوطنية،
لكن على أي حال قد لا يكون التوجه الأنفع هو البحث عن المشتركات بين الأحزاب
اليمينية المتطرفة والإسلام بقدر البحث عما يجذب الناس إلى كليهما.
يبدو أن لدى بعض الناس توقا إلى أن يصيروا جزءا من
جماعات أكبر. يكاد كل شخص منا يعرف شخصا من هذا النوع، ولعله شخص دائم البحث عن
جماعات اجتماعية جديدة أو راغب في الانضمام إلى منظمات جديدة، أو ربما يكون باحثا روحانيا
يتنقل من دين إلى دين. ولا شك أن كليشيه "حماسة الاعتناق" ليس موجودا
عبثا.
وفقا لنظرية قلق الهوية عند مايكل هوج، يسعى الناس إلى
تقليص الأسئلة المتعلقة بمن يكونون وما الموضع الملائم لهم في العالم وكيفية رؤية
الناس لهم. ومن سبل إشباع هذا الدافع أن يتماهى المرء مع جماعة (فريق أو منظمة أو
دين أو عرق أو أمة إلى آخر ذلك)، وهي عملية لا تقتصر على تعريف المرء وتحديد موضعه
في العالم الاجتماعي بل هي تملي عليه أيضا كيفية تصرفه وكيفية تفاعله مع
الآخرين" حسبما يكتب هوج.
تستفيد الجماعات السياسية اليمينية (واليسارية) المتطرفة
من مكابدة الناس لهذه الأسئلة. فـ"الجماعات المتطرفة ... لديها الخصائص
الدقيقة المناسبة بصورة مثالية لتقليص قلق الهوية لتقديمها فهما واضحا لا لبس فيه
للذات وللموضع في العالم" على حد ما كتب هوج وجانيس أديلمان في بحث نشر سنة
2013.
يفسر هذا سبب انتهاء أشخاص مثل فاجنر وفان دورم
وبوتي إلى زمرة الأحزاب الأوربية اليمينية
المتطرفة. ويمكن أن يتوقع المرء أن النسخة التي يتبنونها من الإسلام هي الأخرى
نسخة متطرفة، بل ولعلها ترقى إلى الجهادية والعنف. ومثلما كتبت زميلتي جوليا أيوف
في أعقاب العنف الطائفي الأبيض في تشارلوتسفيل بفريجينيا في أغسطس 2017 فإن القوى
التي تجذب الناس (والشباب بخاصة) إلى الحركات المتطرفة تكاد تكون متطابقة وإن
فرَّق بينها الخطاب السياسي. "إن عملية التطرف وبنيته هما نفسهما في مختلف
أنواع الحركات، حتى لو اختلف مضمون المعتقد المتطرف نفسه (كما هو الحال بين
النازيين الجدد والجهاديين" مثلما قال جيه إم بيرجر ـ زميل المركز الدولي
لمكافحة الإرهاب في محكمة العدل الدولية ـ لزميلتي جوليا أوف.
لكن الأمر لا يحدث بالضرورة على ذلك النحو. يلاحظ هوج
وأديلمان أن الجماعات المتطرفة تقدم للمنضمين إليها مثالب عديدة أيضا. فالناس،
مثلما يكتبان، "لا ينجذبون إليها انجذابا قويا ما لم يكن قلق الهوية مزمنا أو
مستشريا أو حادا، إو إن كانت لديهم خيارات هوية أخرى مناسبة".
بوسع الإسلام السائد غير العنيف أن يوفر كثيرا من مثل هذه
المزايا بدون المثالب الاجتماعية. إذ يذهب هوج وأديلمان بصفة عامة إلى أن أفضل
السبل لتقليص قلق الهوية هي "الجماعات المتميزة جيدة الهيكلة ذات الحدود
الواضحة ومعايير العضوية، والسمات التوافقية في السلوكيات والمواقف التي تقوم على
قاعدة من رؤية متجانسة نسبيا للعالم".
ومن هنا فإن اعتناق الإسلام ـ لا سيما في سياق أوربا
الغربية التي تنتشر فيها الهوية الثقافية المسيحية منذ قرون والتي يتعرض فيها
الإسلام لتهميش نسبي ـ يتيح هذه الجماعة بحذافيرها. فالإسلام كيان مميز، ومعايير
الانتماء إليه واضحة، وحدوده قاطعة (فالمرء إما أن يكون مسلما أو غير مسلم)، وهو يحدد
المواقف والسلوكيات. (ومقارنة مع الحزب السياسي أو المسيحية السائدة، فالإسلام ليس
هيراركيا). غير أنه من المهم الإشارة إلى أن تبني المسيحية الأصولية كفيل بتقديم
نتيجة مماثلة لـ"المعتنق".
تبدو فكرة اعتناق منتقدي الإسلام المنتمين إلى اليمين
المتطرف للإسلام فكرة جديدة في التاريخ، وذلك جزئيا لأن الأحزاب اليمينية المتطرفة
المعادية للإسلام هي نفسها ظاهرة جديدة. ففي العصور المبكرة كان من شأن جميع
السياسات الأوربية أن تكون أقل عداء للإسلام، في ظل البعد عن المسلمين وصعوبة
الاختلاط بهم أصلا. لكن صعود الإنترنت ـ الذي قد يسهل التطرف ـ يتيح للباحثين عن
الانتماء فرصة التعرف على هويات جديدة. وثمة حالات أقدم لمشككين في القرآن ـ مثل
الجراح الفرنسي موريس بوكاييه الذي اعتنق الإسلام. (إذ أصبح بوكاييه من أنصار فكرة
أن القرآن مثالي من وجهة النظر العلمية).
أما عن المجموعة الجديدة، فإن تجريب هوية جديدة لا يعني
بالضرورة ذاتا جديدة. ففان دورن على سبيل المثال منذ اعتناقه حول غضبه لينصب على
اليهود، فصدرت عنه تعليقات معادية للسامية أسبغ عليها صورة الدعابة. كما أدين في 2014 ببيع المخدرات للصغار وبجرائم
أخرى، وقد زعم أنه يقوم بحيلة لكن المحكمة رفضت مبرره. أي أن فان دورن في ما يبدو
بدل لونا من الاحتيال بآخر. ولا ينبغي أن يدهشنا هذا. فتغييره الدين، هو أو فاجنر
أو بوتي، يكشف عنهم أكثر مما يكشف عن السياسات اليمينية المتطرفة أو عن الإسلام.
عن ذي أطلنطيك
نشرت الترجمة في جريدة عمان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق