الأحد، 19 أكتوبر 2014

متع التحكيم في جائزة مانبوكر

متع التحكيم في جائزة مانبوكر


سارة تشيرشول

تُقرأ الكتب، ويُختار الفائز، وتُلقى الكلمات، وينفض الحفل. كنت أعرف أن شيئا من الحزن سوف ينتابني، وانتابني. لقد أثارت جائزة مانبوكر أكثر من نصيبها العادل من الجدل هذا العام: كانت هناك مسألة تغيير القواعد بما يسمح لأي كاتب يكتب باللغة الإنجليزية أن يشارك، وهي العبارة التي فهمت على نطاق واسع باعتبار أنها لا تعني شيئا غير "الكتاب الأمريكيين". وبوصفي أمريكية، لا أرى في مشاركة الأمريكيين أمرا مروعا بصفة خاصة. فطالما رأيت في شرط الجنسية شرطا غريبا من شروط الجوائز الأدبية، إذ أن القراء لا يبالون بجواز السفر الذي يحمله الكاتب. ومغزى الأدب الأساسي هو أنه يتيح لنا اجتياز الحدود.
قرأ المحكمون الستة جميع الكتب المقدمة من الناشرين والبالغ عددها 156 كتابا، وتناقشوا فيها. وهذه الجملة تجعل الأمر يبدو لطيفا، في حين أنني على مدار ستة أشهر كنت أقرأ رواية كل يوم. ويقول كثير من الناس حينما يسمعون ذلك إنهم يتمنون لو يقضون حيواتهم في قراءة الروايات. ولكن كل من يرغب في ذلك لم يجربه بنفسه، ومهما يكن حبك للكتب، ولست أقل من أحد في هذا الصدد، إلا أن القراءة طول اليوم وكل يوم عمل، وعمل لا يستوجب فقط الجهد الذهني، بل والبدني، لأنك على مدار اثنتي عشرة ساعة كل يوم مرغم على السكون، وهو بصدق أمر ليس في غاية اللطف. (لا، لا نحصل على نسخ صوتية من الكتب، وما كنت لأطلبها لو كانت متاحة، لأن في أصوات الآخرين تفسيرات، وهذا كان ليؤثر على تقييمي). وعليك أيضا أن تقرأ كتبا لا تحبها، لأنه ليس من العدل أن ترميها بعيدا، وهذا ما أسميه بقاعدة ميدلمارش. فالمائة صفحة الأولى من ميدلمارش [لجورج إليوت] ثقيلة للغاية بالنسبة لي، ولو كنت حكمت على الرواية بناء عليها لرميتها ولما أكملتها. ولكن بقيتها تمثل إحدى أهم أعظم الروايات في تراثنا. لذلك كنت أواصل القراءة، حتى في حالة الكتب التي لا تعجبني.
الافتراض الآخر الذي يفترضه الناس هو أننا نستعرض الكتب. (أحد الذين وصلوا إلى القائمة الطويلة قال لصحفي إننا لا يمكن أن نقرأ جميع الكتب. وكان مخطئا في ما قال. وبما أن كتابه كان من بين الكتب التي قرأناها، فقد كان عليه أن يحسن الظن بنا أكثر من ذلك). لقد كنت أستمر في قراءة الكتب التي أكرهها حتى النهاية لأن أحد زملائي المحكمين قد يحبها، وقد كنا نلتقي مسلحين بالحجج التي نأخذها على الكتب وفي صالحها أيضا. فكانت القراءة تستمر: في جلوس، واستلقاء، ووقوف، ووقوف على قدم واحدة، ومشي على جهاز المشي الرياضي. وفي النهاية صرت أقرأ في أوضاع اليوجا. وينشأ في النهاية أثر عقلي، أو أن هذا ما حدث معي، بعد العيش لفترة طويلة في فنتازيا الآخرين، بعد قضاء وقت طويل في عقل شخص آخر، يحدث كما لو أنك تفقد عالمك الفنتازي الخاص بك.
ثم كان لزاما علينا أن نتفق على قائمة طويلة، وعلمت من وسائل الإعلام الاجتماعية المفيدة أنني وزميلتي إريكا واجنر مسئولتان شخصيا عن الهيمنة الذكورية. فلم نرشح أنا وهي إلا ثلاث كاتبات من أصل ثلاثة عشر كاتبا ومن ثم فنحن عار على الأخوة النسائية. (وهذا أيضا يشي بأن الرجال الأربعة المشاركين في التحكيم مغالون أيضا في كراهية النساء). لقد كانت مهمتنا هي أن يختار كل واحد أفضل الكتب وفقا لتقديره، ثم أن يقنع الخمسة الآخرين في الغرفة، وهم قراء متمرسون ذوو عقول حادة، بصواب تقديره. وأنا آسفة بشدة أنني لم أصوّب التحيز الجنسي الممأسس وأنا هناك.
ينزع الناس إلى نسيان شيئين وهم ينتقدون الكتب التي يختارها المحكمون. الأول هو أنك ما لم تقرأ الكتب الـ 156، فإنك لا تستطيع بالفعل أن تقول عن كتاب معين إنه "جدير" بالوصول إلى القائمة. والثاني هو أنه على الرغم من أن الكتب الـ 156 تمثل قدرا كبيرا بصورة دموية من الكتب، إلا أنها ليست سوى غيض من فيض من الروايات الصادرة في المملكة المتحدة السنة الماضية. ونحن قرأنا ما تقدم به الناشرون، وكان مسموحا لنا أن نضيف اثنتي عشرة رواية أخرى على الأكثر، وهذه مسألة تفترض أننا على علم بما لا يمكن أن نكون على علم به، أعني كيف لنا أن نختار كتبا نحن لم نسمع بها من الأساس. ولو أن الناشرين لم يقدموا من بين هذه الكتب الـ 156 إلا قدرا ضئيا من كتب النساء، فالتحيز الجنسي الممأسس إذن كامن في ثقافتنا نفسها. والأمر نفسه ينطبق على التنوع العرقي، فإما أن يكون المحكمون الستة جميعا ـ وكلنا على قدر من التعليم والثقافة ـ متحيزين جنسيا وعرقيا، أو أننا نعيش في عالم متحيز جنسيا وعرقيا تعكس ثقافة النشر فيه هذا التحيز.
ولن تغير جائزة مانبوكر العالم، ولكن بوسعها قطعا أن تغير حياة الكتاب. فهي تؤسس مسارا مهنيا للفائز، ولم أكن أريد بأية حال أن أخطئ وأنا أفعل ذلك، أو أجانب الإنصاف مع كاتب وضع كل ما لديه في روايته. وفي النهاية ليس بيدك إلا أن تحكم على الروايات التي أمامك، وأن توليها أكبر ما تستطيع من الانتباه، وأن تقرأ بدقة، وتنصف في قراءتك، وتعطي الكتب فرصة. لقد قرأت أغلب ما قرأت في نسخ إلكترونية، خشية أن أصاب بأوجاع من جراء الإمساك بكتب ثقيلة لأيام وأيام. وكانت لتلك الطريقة في القراءة ميزة غير متوقعة: فقد جعلت قراءتي للكتب تتم بمعزل تقريبا عن أسماء أصحابها. فلم أكن في الغالب أتذكر جنس الكاتب الذي أقرأ له، ولم أكن أعرفه عرقه. كنت ببساطة أقيم الكتاب، في حدود قدراتي. وتلك هي المهمة.
وإنني سعيدة أن قائمتنا الطويلة ضمت الكثير من الكتب الطريقة، وأننا رفضنا التفرقة الكريهة الزائفة بين الكتب "القابلة لقراءة" والكتب "الأدبية". فكل الكتب قابلة للقراءة بطبيعتها، ولكن بعضها أكثر إجهادا من البعض. وقد تناقشنا خلال لقاءاتنا في حقيقة أن مسألة التحكيم هذه تطلب من الكتب شيئا هي غير مصممة لتلبيته: وهو أن تُقرأ ثلاث مرات متتالية، وأن يكون قراؤها أشخاصا يفتشون فقط عن نقاط الضعف. وإن أغلب الكتب لتتحطم تحت هذا النوع من الضغط: إلا الكتب الأكثر ثراء، ذات الطبقات العديدة، فهذه هي التي تحيّر وتكشف المزيد. ولقد كان هناك كتابان أجمعنا على انتمائهما إلى هذه الفئة: كتاب "كيف تكون الاثنين" لآلي سميث، وكتاب "الضريق الضيق إلى الشمال العميق" لريتشارد فلاغان. أجمعنا على حب الكتابين، ولكن واحدا فقط كان ينبغي أن يفوز. أعتقد أن الطريق الضيق كتاب رائع، وأرجو أن يرى الجميع ما رأينا فيه من روعة. والآن وقد انتهت هذه المهمة المذهلة، الصعبة، المجزية، فيمكنني الرجوع إلى محاربة التحيز الجنسي الممأسس. فقط أنتظر الانتهاء من الأعمال الورقية.

عن مدونة غارديان. والترجمة نشرت هنا


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق