الأربعاء، 13 أغسطس 2014

جحيم محمول

جحيم محمول
تشارلز سيميك

العالم يمضي مسرعا إلى الجحيم. في مثل سني، ينبغي أن أكون اعتدت على ذلك، لكن لا.
***
تحدثني نفسي، بأن الجهل ربما يكون نعمة، وأفكر في ناس أعرف أنهم يهتمون قليلا بما يجري في العالم. وأشفق عليهم. ليس هينا على المرء أن يبدأ يومه بصور أطفال موتى.
***
قال أبي بعد أن كبر إن بوسعه أن يجد سبيلين إلى التخلص من إدمانه على الجرائد: دخول الدير أو مستشفى المجانين.
***
أخبار اليوم دائما أخبار قديمة: ثمة مذبحة للأبرياء وثمة من يختلق الأعذار.
***
نفس نوعية المجانين الذين جعلوا من العالم ما كان عليه وأنا صغير [في زمن الحرب العالمية الثانية] لا يزالون موجودين. أسماؤهم فقط تغيرت، وجنسياتهم وأسبابهم أيضا، لكن الهياج والتعطش للدم لا يزالان فيهم، لم يطرأ على ذلك أي تغيير.
***
تسمع المحافظين لدينا يتكلمون، فترى أن مشكلاتنا جميعا أخلاقية: وعلى رأسها جميعا كسل شعبنا، ونهم نسائنا إلى الجنس دونما ارتواء. وهذا صحيح، قطعا، لكن هناك ما هو أكثر. إنهن ببساطة شديدة لا يملكن ضم سيقانهن.
***
ينبغي أن نطالب برجوع خدم الأثرياء والنافذين في شتى مناحي الحياة إلى ارتداء الأزياء الملائمة لطبقتهم، مثلما كان الوضع في القرون الماضية.
***
انتبهت إلى أنني أحك رأسي بعود ثقاب. كما لو أنني أحاول إحراقها.
***
قاموا وصفقوا للثري على تسببه في إفلاس الشركات وتسريح العمال ثم تجمعوا من حوله بعد ذلك يطلبون توقيعه على الأوتوغرافات.
***
ثمانون ألف شخص محبوسون في سجوننا. فكروا في ذلك وأنتم ترتمون إلى وسائدكم الوثيرة وتخلدون إلى الراحة في أسرَّتكم ذات ليلة.
***
هل حدث أن اعترفت دولة مطلقا بقتلها المدنيين بدافع الرغبة في الانتقام؟ لقد كرهت الألمان، شأن أي شخص غيري في أوربا المحتلة، ولكنني بعد ذلك رأيت مدى الدمار الذي أوقعه قصف الحلفاء في مدنهم، وروَّعني أنه كان نتاج حقد محض لا لبس فيه.
***
العقاب الجماعي، الذي يستهدف بلدا معاديا بكل أهله، فيصبح المقعد في كرسيه المتحرك والطفل القارئ كتابا في فراشه في مثل الخطر الذي تتعرض له دبابة، عقاب خسيس الدافع، وبرغم أنه يعد الآن خرقا لقوانين الحرب واتفاقية جينيف، فها هو لا يزال جاريا بعد زمان طويل من دريسدن وهيروشيما.
***
أخذ العواقب غير المقصودة في الحسبان لا يعد مكونا لازما من مكونات التفكير الاستراتيجي في واشنطن. فلا عجب أن مشروعنا الجليل لإعادة خلق العالم على صورتنا، وصياغة المستقبل، وتحديد النتاج النهائي للتاريخ، لم يتمخض إلا عن سقطة لا فارق بينها وبين الثورة العالمية التي كان يبشّر بها الشيوعيون القدماء.
***
"الأضرار الجانبية" هي ما يطلق اليوم على جَدِّ أحدنا إذ تطير رقبته.
***
طبعا ليست هذه هي الطريقة التي نتكلم بها عموما عن مثل هذه الأشياء. فنحن نمارس مع التاريخ ما يشبه "عقيدة الخلق الإلهي للكون" ـ بحسب وصف تيد سنيدر في مقالة حديثة له . وبعقيدة الخلق التاريخي هذه نفسر الأحداث الجارية من خلال التزييف، فننتقي نقطة انطلاق مناسبة ـ نقطة انطلاق تغفل أحداثا أسبق وسياقا أعمّ تجري فيه هذه الأحداث.
***
هناك هذه النزعة الطاغية إلى تحجيم السوابق التاريخية وتحويل المواضيع الجادة إلى حكايات كرتونية. نرى ذلك في الآراء السياسية بشأن روسيا وأوكرانيا وغزة وإيران، مثلما نراه في نقاشنا لقضايانا الداخلية. وهذا لمن لهم ذاكرة قديمة ليس سببا فقط في إثارة الحنق، بل والرعب.
***
هذه حرب عادلة، علينا أن نذكِّر بذلك شعب البلد الذي سوف نغزوه لاحقا. وعلى من يموتون بقنابلنا أن بعتبروا أنفسهم محظوظين أشد ما يكون الحظ.
***
الجحيم المحمول، النوعية التي تستقر بسهولة داخل رأسك برغم حشود هائلة من المعذَّبين، وبرغم كثير من الدخان والنار. الجحيم المحمول هو ما يبقى معك إثر انتهائك من قراءة الأخبار العالمية في هذه الأيام.
***
غريب أن يستمر الصحفيون في سؤال ممثلينا المنتخبين عن آرائهم، وكأنما الأثرياء الذين ساهموا بملايينهم في حملاتهم الانتخابية يسمحون بأن تكون لهؤلاء الممثلين أية آراء.
***
مجتمع كمجتمعنا هذا الذي ينفق فيه الأثرياء الملايين للحيلولة دون رفع الحد الأدنى لأجور من يغوصون أعمق فأعمق في الفقر، ولتخريب غطاء التأمين الصحي لمن لا يملكون غطاء تأمين صحي من الأساس، ذلك ليس مجتمعا أصلا، بل جبهة حرب. ذلك ما كان ليقوله مارك توين.
***
من كان يظن أن يصبح العارفون بالتاريخ والعلم منبوذين بين إخوانهم في الوطن؟
***
مر وقت منذ أن قرأت لأحد، عدا مندوبي المبيعات، أن العالم في طريقه إلى أن يكون أفضل، أو أننا نقترب من طي صفحة وفتح صفحة جديدة في هذا البلد.
***
"الخصخصة" هي التسمية التي تطلق على نقل الأموال العامة إلى جيوب القلة.
***
نسيت: من الذي قال إن "أسعد الناس عيشا أَعْرَفُهم بالسبيل إلى خداع نفسه"؟
***
إنسان أرجع نفسه قردا عبر عملية جراحية ورجع يعيش وسط الشجر سعيدا. قرأت عنه مرة في صحيفة صفراء وأنا واقف في صف السوبر ماركت. لا أظن أن الأمر سيء جدا.
***
عسى ألا تنقضي الأيام الجميلة الباقية من الصيف إلا في صعوبة ما تعيشه راهبة حبلى ذاهبة للاعتراف.


عن نيويورك رفيو أوف بوكس. نشرت الترجمة في موقع 24

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق