الخميس، 13 مارس 2014

استفت كلبك ... ونصائح أخرى


 استفت كلبك ... ونصائح أخرى


في سلسلة استمرت على مدار أعداد، نشرت مجلة ناراتيف الأمريكية نصائح تلقاها الكتاب، ووجدوا داعيا لنقلها إلى غيرهم. في تقديمها للسلسلة قالت المجلة: "نبحث عن نصائح تنطوي على الطرافة مثلما تنطوي على التوجيه والإرشاد والتعليم والإلهام. إن الكتّاب هم الذين يخلقون العوالم فتنقلنا من عالمنا وتتيح لنا النظر داخل أنفسنا، وهنا كتّاب يشركوننا في ما تعلموه على مدار حياتهم في العالم وفي الفن".
***
روي بلاونت
كانت من نادل: "إياك أن تحمل في جيبك عملة من فئة أكبر من فئة العشرين فمن المحتمل أن تعطي لأحدهم ورقة نقدية تظن أنها عشرون وهي خمسون، مثلما فعلت حالا، وقد لا يكون الشخص التالي أمينا مثلي".
***
روبرت أولين باتلر:
الجميل في هذه النصيحة أنها تفصّل المبدأ الأول والجوهري لكاتب الأدب. أو لأي فنان يمارس الفن عبر أي وسيط. المفارقة أني سمعتها منذ سنوات من خلال حفل توزيع جوائز الأكاديمية. كانت الأكاديمية قد كرمت المخرج الياباني العظيم "أكيرا كيروساوا" عن مجمل أعماله فقال وهو يتسلم الجائزة: "معنى أن تكون فنانا ألا تحيد بعينيك مطلقا". وما لم يكن الفنان الناشئ مستعدا لملاقاة شياطين اللاوعي وجها لوجه، فلا نفع له في أي نصيحة.
***
جيم هاريسون
أفضل نصيحة نصحت بها في حياتي كانت غريبة حقا. كنت في الثامنة عشرة، طالبا طازجا في جامعة ولاية ميشيجن والتقين بالفنان التجريدي التعبيري "آبي راتنر" في مقهى للقهوة والتبغ. كان يقوم برحلة طويلة بالسيارة بصحبة هنري ميلر، وبدا مستمتعا بأسئلتي.
في النهاية سألني "ما الذي تفعله هنا؟" بعدها تجاسرت فسافرت في رحلات كتابية إلى نيويورك وبوسطن وسان فرانسيسكو، فاتسع أفقي وبات بوسعي أن أبدأ.
***
جيمس كابلان:
بعث لي مرة صديقي ومرشدي، الروائي والمحرر النيويوركي  "وليم ماكسول" ردا من ست كلمات على رسالة طويلة بثثته فيها مخاوفي من قلة إنتاجي: "اكتب باستمتاع يا جيمس، لا أكثر".
***
ديبرا سبارك
أفضل نصيحة تلقيتها: "لن تتعلمي أي شيء وفمك يتحرك". فما معنى أن تكون المرأة التي أسدت لي هذه النصيحة امرأة كثيرة الكلام؟ حسن، ربما يكون معنى هذا أن شخصا نصحها هي بهذا، فكررت عليّ أنا نصيحته وحسب، لأن من المؤكد أنها لا يمكن أن يكون قصدها أن عندي أنا عادة الـ ... لا، مجرد التفكير في هذا رهيب.
***
توم روبينز:
لم أرجع إلى كتاب "آي تشينج" I Ching  (كتاب التنبؤات الصينية العتيق) إلا مرة واحدة في حياتي. علّمني الرسام والصوفي "موريس جريفز" كيف ألقي العصي في أواخر الستينيات، فألقيت العصي [وهذه طريقة الآي تشينج في معرفة الغيب] وبحثت عن النجمات السداسية المماثلة لرميتي، وقرأت الرسالة. كانت لغتها رسمية للغاية، سرية بعض الشيء، لكن الكلمات كانت تتوهج بهذا المعنى: "تحسب لما يدخل فمك، ولما يخرج منه".
***
ديفيد جاترسن
أفضل نصيحة حصلت عليها كانت من عم لأبي  عاش حتى بلغ التاسعة والتسعين والذي لم يبد يوما إلا في حالة من السلام. لم يتكلم قط فيكثر الكلام، بل كان يجلس في مقعد متكأ على عكاز، وإن سألته كيف تسنى له أن يبلغ من العمر ما بلغه يقول "لم أصارع الحياة، فلا تصارعها"، وهذا أشق مما يبدو.
***
سنثيا أوزيك
نصيحتي، في الكتابة والحياة، يمكن إيجازها في ثلاث كلمات: الإصرار، الإصرار، الإصرار.
***
آن بياتي:
قالت لي صديقتي آندي "الإجابات سهلة. الصعوبة الحقة أن تعرفي السؤال الجدير بالطرح".
***
سكيب هوراك:
محاولة تذكر أفضل نصيحة تلقيتها تثير جنوني. تبيِّن لي أنني لم أكن يوما أحسن الإنصات، إن لم تعلمني أي شيء عدا هذا. ولكنني ربما أكون أحسنت الإنصات بعض الشيء لقول قاله لي مدرب كرة القدم في المدرسة الثانوية. هكذا أصوغ ما قاله "كلكم في النهاية ستخطئون. لكن احرصوا دائما أن ترتكبوا أخطاءكم بأقصى سرعة". تبدو لي هذه نصيحة عظيمة، وقابلة للتطبيق على أي شيء بدءا من الكتابة مرورا بخطط الخيار الثلاثي الدفاعية [في كرة القدم الأمريكية] إلى شن الحروب. وأرجع فأقول أنا في النهاية لست جراحا.
وفي النهاية كلفت جدتي الرائعة في لويزيانا بهذه المهمة. وبحسب جدتي السيدة مايبل فإن من أفضل انصائح أن "جاهد كي تكون جميلا". وها هي ذي بين أيديكم، فخاطروا!
***
 جيمس هيوستن
في حدود ما تأخذنا إليه الكتابة، أنفع النصائح في نظري النصيحة التي يتضمنها كتاب محاضرات قصير وثاقب لـ شونريو سوزوكي روشي هو "عقل الزَن، عقل المبتدئ". يقول فيه إنك في أي سن أو مرحلة عمرية تكون حيثما تريد أن تكون. "في عقل المبتدئ ثمة احتمالات كثيرة، في عقل الخبير الاحتمالات أقل".
***
مين جين لي:
سمعت في خطبة وعظية ذات مرة أن التحكم في الذات تعريفا هو إيثار المهم على المُلِحّ. أعتقد ككاتبة أنه من الصعب لكن من الضروري أن نرجئ لذة التشبع وأن نؤدي العمل، أن نستمر في أداء العمل بغض النظر عن التوقعات.  لقد مر عليّ أكثر من اثني عشر عاما منذ أن تركت القانون، وأنا أشعر بالعار من رغبتي أن أكون كاتبة بينما أنا غير واثقة بالمرة في موهبتي. وكم تمنيت لو أحقق في الكتابة نجاحا سريعا، وأمنا ماليا أكبر، وألقى مزيدا من الاحترام، وما إلى ذلك. ولم يكن ينفعني في تلك اللحظة مثل ما كان ينفعني إيثار المهم على مشاعر العار والضعف الملحة. وما كان مهما هو ما لا يزال مهما إلى الآن: أن أتعلم كيف أكتب أفضل لأكمل على نحو أفضل الرؤية التي تكون في ذهني، وأن أستمتع بالكتابة، لأن العمل ينبغي أن يكون هو أكثر أجزاء الحياة إمتاعا. وأعتقد أن نصيحة "جون جاردنر" للكتاب جيدة للغاية، قال إن الكتابة لن تحقق لكم احتياجاتكم، فلا تنتظروا منها هذا، واكتبوا ما لزم أن تكتبوا.
***
رون هانسن:
كنا نتكلم عن طلبتنا الذين يدرسون الكتابة الإبداعية في ستانفورد حينما قال لي الشاعر "آلن شابيرو" إن "أهم موهبة هي موهبة العمل. بغيرها لا أهمية لأي شيء". وبمرور السنوات كنت أجد تلك النصيحة تزداد إقناعا.
***
إكس جيه كينيدي
إلى حد كبير، كانت أفضل نصيحة تلقيتها هي التي نصحني بها الشاعر والمحرر "سيد كورمان" سنة 1956، حينما كنت أتظاهر أنني طالب في باريس بمنحة ضمن برنامج إعادة تأهيل مقاتلي الحرب العالمية الثانية. كان كورمان يعيش في شقة على السطح في شارع "إيل سان لوي" معتمدا على نقود تأتيه من شقيقه طبيب الأسنان في الولايات المتحدة، ناشرا في مجلته الشعرية المهمة "أوريجِن" لـ رروبرت كريلي، وتشارلز أولسن، ودينيس ليفرتوف قبل أن ينشر لهم أحد تقريبا. كان يضع إعلانا في متجر للكتب الإنجليزية بشارع السين معلنا عن لقاء للشعراء يرأسه كل أسبوع في غرفة خلفية بالمتجر، فذهبت، وصرنا صديقين. كنت أعرض عليه قصائد مقفاة بصرامة فيعيد كتابتها بطريقته الخاصة في الشعر الحر محاولا أن يعلمني الطريقة، لكنني كنت أرى أنه يدمر القصائد، بينما كان من الواضح أنه يعرف ما يفعله، ولو في شعره هو على الأقل.
غير أني لا أوافق. وفي حين كانت سنتي الدراسية في السوربون تشارف على الانتهاء، قدّرت أنني لن أكون فرنسيا قط، وأن الأجدر بي أن أرجع إلى الوطن وأصبح طالبا جامعيا دائما، ولو إلى حين توقف الشيكات الشهرية التي كنت أتلقاها من الحكومة. إلى أي جامعة أتقدم؟ "اذهب إلى آن أربور" قال سيد. "في جامعة ميشيجن، عندهم هذا الشيء المسمى بمسابقة هوبوود التي أسسها كاتب مسرحي حقق قدرا ضئيلا من الشهرة بمسرحية عنوانها ’فوق في غرفة مايبل’. هذه  المسابقة تعطي الطلبة الموهوبين جوائز ضخمة فقد تحصل على إحداها في الشعر. أنا شخصيا فعلت هذا". وتقدمت، واصبحت في آن آربر، وهي مدينة مثيرة مليئة بالشذاذ المبدعين وقضيت فيها ست سنين جميلة. كانت البلورة المسحورة التي نظر فيها سيد كورمان في غاية الصفاء: فزت بألفي دولار، وهو مبلغ لم أكن أمسكت مثله من قبل. وهناك ما هو أفضل، جاءت إلى المدينة وكيلة أدبية اسمها "ناعومي بيرتن" تبحث عن المواهب وأخذت مخطوطة كتابي فلم تستطع بيعه لناشر ولكنها نشرته بنفسها عندما أصبحت محررة بعد ذلك في دار دابلداي. وليس ذلك وحسب، أقمت هناك صداقات دائمة. بل إنني بفضل نصيحة سيد قابلت زوجتي.



ستيفن كوسيستو:
"اتبع كلبك". دعك من الفلسفة أو الزن أو فن صيانة الدراجة النارية. لا تشغل نفسك بطرح الأسئلة. هذه هي الحقيقة: وقتك الذي تقضيه في طرح الأسئلة قد يقتلك. هذه النصيحة قدمتها "كاثي زوبرايكي" مديرة التدريب في برنامج "عيون العميان"، وهو أهم برنامج لتدريب الكلاب المرافقة للعميان. وتابعت كاثي :"الرسن المربوط به الكلب الهادي ليس موجودا بلا سبب وجيه. هو رسن غير متراخ. وحينما يتحرك الكلب حركة حاسمة، تتحرك أنت إثره بلا توان".
وهكذا في يوم عادي في مدينة نيويورك، يوم من العوادم والأدخنة، صباح من الوهج في بحر السيارات، وبينما تعبر الطريق السابع، يجذبك الكلب بشدة إلى اليسار، ثم بشدة أكبر. وإذا بك حانق في عرض الشارع، وإذا بك على غرار ريتشارد نيكسن تعنف بوقاحة على كلبك وتقول له كف عن الجموح. وتصيح "سر في خط مستقيم". ثم تغلق فمك وتتبع كلبك. ولدى حافة الرصيف النائية يقول لك غريب إن الكلب تفادى بك حفرة غائرة ثم تفادى بك، وكأن ما سبق لم يكن كافيا، سيارة أجرة كسرت الإشارة. اتبع كلبك. اتبع كلبك. أغلق فمك أيها السيد المبجل واتبع كلبك فلعل ذلك يمنحك يوما آخر للكتابة.
***
سارة ليندساي:
أشك أن أفضل نصيحة تلقيتها بلغت من شدة الصواب، وبلغت أنا من شدة الاحتياج إليها، أنها تسربت إلى جمجمتي واستوطنتها كأنها لم تعش إلا فيها. أما النصيحة التي أتذكرها فعليا فهي ربما ثاني أفضل نصيحة.
من آلن ماندلباوم: احترسي وأنت تستخدمين كلمة "كل" في قصيدة. ولو تسللت "كل" إلى بيت عندك، فجربي حذفها، وغالبا سيكون ذلك من باب التحسين.
ومن صحيفة، في قسم المجتمع، فيما أظن: أبق في متناول يدك كرتي تنس. ووقتما تحتاج، ضعهما بين ظهرك والجدار، وادعك فيهما عضلات ظهرك الموجوعة.
ومن أمي حينما كنت في الخامسة: حاولي الاحتفاظ بدفتر يوميات. (وثبت أن هذا تدريب نافع على استخراج الكلمات من القلم).
وأبي كان يكرر كلمات أستاذه عليّ: لكي يتعلم المرء بحق عليه أن يدرس "شكسبير والتفاضل والتكامل". وفي سياق دراستي لم يكن يمكن اجتناب الأول، لكنني مضيت أترنح مع الثاني على مدار فصل دراسي كامل فخرجت برؤية للرياضيات الرفيعة قد تكون سريعة المروق للأسف ولكنها عظيمة بلا شك. وحدث أيضا أن رأيت أستاذ الرياضيات أحمر اللحية يرسم بالطباشير أشكالا ثلاثية الأبعاد على أرضية الفصل. فتجاوزت عن الفكرة الطلابية القائلة بأن الفنون والعلوم موصدة دون بعضها البعض.
وكان أبي شهيرا بالاستشهاد، في سرور شديد، بقول مأثور أخذه عن مدربه لكرة القدم: "يمكنك أن تتحمل أي شيء في العالم لمدة أسبوعين" أو لثلاثة أشهر أو لخمس دقائق أو لأي فترة زمنية يختارها المدرب. بالنسبة لابتكار مشكوك في أصالته كهذا، بالنسبة لحكمة مستعملة كانت تأتي من سلطة تتوقع الطاعة لا الاقتناع، كان هذا الشعار موجعا لي في الأوقات التي تحتم عليَّ فيها أن أحتمل ما لا أطيق.


نشرت هذه المادة صباح اليوم في جريدة عمان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق