الاثنين، 17 فبراير 2014

نظرة جديدة على النيولبرالية

ذاع عن هيجل قوله إن "بومة مينيرفا لا تطير إلا عند الغسق": بمعنى أنه لا فهم لوقائع التاريخ إلا بأثر رجعي. فهل هذا هو حال النيولبرالية؟ ذلك المصطلح المهيمن في الوسط الأكاديمي، نادر الاستخدام خارج هذا الوسط، وذلك المفهوم الذي يصعب تحديده بدقة.

نظرة جديدة على النيولبرالية
تيم باركر




ثمة اختزال شائع للمفهوم يحده بأنه الأيديولوجيا الاقتصادية والفلسفية الكامنة وراء ثورة ريجان/تاتشر، وهي الأيديولوجيا التي يغلب الاتفاق على أنها ساهمت بطريقة ما في أزمة 2008 المالية. والآن، وقد انتهى هذا الركود عمليا، وإن يكن التعافي منه لا يزال غامضا، يحاول كتابان حديثا الصدور أن يصفا الأصول التاريخية للنيولبرالية ويستكشفان علاقاتها الضمنية بالوقت الراهن.
في "سادة الكون: هايك وفريدمان وميلاد السياسات النيولبرالية"، يرسم "دانيال ستيدمان جونز" خريطة لصعود النيولبرالية التي يعرِّفها بأنها "كيان متماسك، وإن يكن مرنا، من الأفكار" كامن وراء "مجتمعنا" المعاصر الذي "يسوقه السوق". ويستهل الكاتب سيره الذاتية الفكرية لثلاثة من مفكري أوربا الوسطى المنفيين: "لودفج فون ميسي"، و"فريدريك هايك"، و"كارل بوبر" الذين تحدوا إجماع الغرب الصناعي كله على برامج الرفاه الاجتماعي، والتشغيل الكامل، والاتحادات العمالية، وتدخل الدولة. كان أفراد هذا الجيل الأول من المهاجرين (الذين لحق بهم أمريكيون وألمان غربيون) "نيولبراليين" في معارضتهم لمركزية التخطيط، ولكنهم كانوا "نيولبراليين" أيضا لأنهم كانوا ينشدون إصلاح اللبرالية بما يلائم منتصف القرن العشرين وليس مجرد العودة إلى صيغة القرن التاسع عشر المتمثلة في "دعه يعمل دعه يمر". فعلى سبيل المثال، هناك كتاب "الطريق إلى عبودية الأرض" لهايك الذي قبل فيه بصورة لا بأس بها بالرحيل عن صيغة "دعه يعمل دعه يمر".
يبيّن ستيدمان جونز أن النيولبرالية أصبحت ـ في ثنايا تطورها ـ "أبسط وأصغر بكثير" وكذلك أكثر عملية من الناحية السياسية. وجاءت شخصيات الجيل الثاني أمثال "ميلتن فريدمان" في الولايات المتحدة و"كيث جوزيف" من المملكة المتحدة فلقيت التشجيع من حركة اليمين الجديد والمناصرة من حركة "الاقتصاديين المحافظين" جيدة التنظيم. ومن خلال المؤسسات والمنتديات العابرة للأطلنطي، إذا بالأفكار النيولبرالية ـ من قبيل تقليل الضرائب، وتقليل القواعد الحكومية، والتركيز على سياسة النقد بدلا من سياسة الموازنة ـ تنتشر بين الساسة والمفكرين. وعندما تسببت أزمة سبعينيات القرن الماضي الاقتصادية في إرباك الأورثوذكسية الكينزية، قدمت النيولبرالية بديلا متماسكا اجتذب الساسة حتى في يسار الوسط. وبحلول ثمانينيات القرن العشرين أتى في أعقاب الإصلاحات المؤقتة التي قام بها كل من جيمي كارتر وجيمس كالاجهان المزيد من الحكومات الأشد يمينية، وبدا أن النصر النيولبرالي قد اكتمل.
في ثنايا عرضه الواضح لهذه القصة المروية من وجهة نظر أحزاب الوسط، ينزع تحليل ستيدمان جونز في بعض المواضع إلى الاصطناع. فهو أيضا يقدم النظرية الاقتصادية من خلال اقتباسات مطولة لا من خلال صياغة جديدة متناغمة، كما أنه يفتقر إلى الثقة التي تجعله يفصل ما بين المزاعم الاقتصادية المتنافسة. هذه اللأدرية شبه التامة تمنعه من مناقشة الأسباب العميقة للتراجع الاقتصادي في سبعينيات القرن الماضي ومن وضع يده على الإخفاقات المحددة في الفكر الكينزي. حتى أنه يستسلم عند شرحه قول كينز بـ "أننا جميعا على المدى الطويل ميتون" إلى تكرارا الافتئات الشائع على كينز بأنه لم يكن يبالي "بما يستلزمه المدى البعيد". والحق أن هذه العبارة ـ حسبما كتب عالم الاقتصاد "براد ديلونج" ـ لا تعبر في سياقها  إلا عن نقطة فنية تتعلق بالنظرية النقدية "وليس لها أدنى علاقة  بالموقف من المستقبل".
يغيب إذن التحليل الاقتصادي العميق، ويقدم ستيدمان جونز مسرحية أخلاقية عن الاعتدال تنطبق تماما على أي مذهب متطرف. فالنيولبرالية "سياسة قائمة على عقيدة" تبناها أنصارها وهم على أتم الاستعداد لما فيها من تجريدات متغطرسة بوصفها رؤية شاملة للعالم. يلي ذلك أن ثمار النيولبرالية المسمومة ـ مثل الميل اللحوح إلى "التأثير على أضعف أفراد المجتمع بأقسى السبل وأغلظها" ـ "ربما لم تكن ... آثارا مقصودة". هذا الدافع إلى تبرئة النيولبراليين يتواشج مع معاداة للماركسيين الذين ينبذهم الكتاب زاعما أنهم يعتقدون أن النيولبرالية ما نشأت إلا بوصفها مؤامرة "متكاملة الأركان" غايتها "تعذيب الفقراء". وهذا تصوير كاريكاتيري: فديفيد هارفي، منظّر النيولبرالية الماركسي الرائد، يصف الجهود النيولبرالية المبذولة على مدار عقود بأنها "سلسلة من الدورانات والتجارب الفوضوية". فإذا بستيدمان جونز، في رفضه المتعجل لهارفي، يتجنب الاشتباك مع النظرية الحاسمة ـ وهي أن الدافع إلى النيولبرالية لم يكن يتمثل ببساطة في "القوة البسيطة للإيمان الراسخ بالأسواق"، بل بديناميكيات الصراع الطبقي.
في طرح هارفي، كانت أزمة الربحية في سبعينيات القرن العشرين هي التي ساقت الرأسماليين والدولة إلى قمع المكتسبات التي حققتها الطبقة العاملة متزايدة الغضب في مرحلة ما بعد الحرب. وفي طرحه أيضا أن أفضل فهم للنيولبرالية يتمثل في أنها مسعى إلى استرداد الربحية وقوة النخبة. ولكن زيادة مساحة التفاوت كانت الغاية، أو جزءا منها على أقل تقدير. فقد اعترف "ألن بود" مستشار مارجريت تاتشر على سبيل المثال بأن "سياسات ثمانينيات القرن العشرين الرامية إلى مواجهة التضخم من خلال اعتصار الاقتصاد والإنفاق العام كانت غطاء للنيل من العمال". كما أن "بول فولكر" ـ رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في عهد جيمي كارتر ـ أعلن ارتفاع سعر الفائدة النقدية في عام 1979 من خلال التصريح بأن "مستوى معيشة الأمريكي العادي لا بد أن ينخفض". وامتدح فولكر سحق ريجان لإضراب باتكو PATCO  بعد سنتين وذلك لـ "تأثيره العميق البنّاء على مناخ علاقات إدارة العمل" ولكن ستيدمان جونز يزعم أن النقدية monetarism  كانت "منفصلة تنظيريا" عن بقية البرنامج النيولبرالي، في حين تشير هذه الاقتباسات إلى أن السياسة النقدية المغلولة والضغط على الاتحادات العمالية كانا جزءا من مشروع طبقي واحد. ولكن كلمات فولكر وبود لا تظر في "سادة الكون" كما لا تظهر فيه أية إشارة إلى الصراع الطبقي. وستيدمان جونز عندما يتكلم عن "اليسار" فإنه يعني كارتر وكالاجهان، وليس المهاجمين الشرسين أو أمثال رودلف مايدنر الذي صدَّق اتحاد النقابات المهنية السويسري سنة 1976 على اقتراحه بإضفاء الصبغة الاشتراكية تدريجيا على أرباح الشركات. وهو أيضا يتجنب مناقشة "أوجست بينوشيه" الذي قدّم انقلابه على الماركسية الديمقراطية في تشيلي  مختبرا مبكرا للنيولبراليين. وهو في معرض كلامه عن فريدريك هايك يثني على "رؤاه الدقيقة الرهيفة" ثناء يتهافت أمام أي امتحان لنزوع هايك الأكيد إلى "التضحية بالديمقراطية" حمايةً لـ "الحرية" (الاقتصادية). ولا ينطوي تجاهل أمثال هذه المواقف إلا على الرغبة في غسل النيولبرالية من جانبها النخبوي العنيف الذي توجزه نكتة من نكات أمريكا اللاتينية عن "الناس الذين فتحت لهم السجون فأمكن تحرير الأسعار".
يذهب ستيدمان جونز إلى سمو منهجه بناء على اعترافه ـ خلافا للحتمية الماركسية أو الانتصارية الرأسمالية ـ بالموقع التاريخي للنيولبرالية. ففي ضوء بعض الوقائع البديلة (من قبيل ما كان ليحدث لو لم تكن هناك أزمة الرهائن الإيرانية، أو حرب الفولكلاند)، يتكهن ستيدمان جونز بأن كارتر كان ليفوز بفترة رئاسة ثانية، وأن حكومة تابعة لحزب العمل كانت لتطيح بتاتشر سنة 1983. وفي هذا الكون القريب المحتمل، كان يمكن إيقاف مسيرة النيولبرالية ـ فيما يرى. ولكن حسبما يبين ستديمان جونز نفسه، كان المنتمون إلى يسار الوسط يتمسحون طول الوقت في النيولبرالية: فقد قام كارتر بتعين "بول فولكر"، واستهل برنامج إلغاء القواعد الحكومية الحاكمة للعمل الاقتصادي، في حين قام بيل كلينتن "بإنهاء الرفاه كما بتنا نعرفه" وتحمس لتوقيع إلغاء تشريع "جلاس ـ ستيجال" [وهو تشريع يعود إلى أيام الرئيس روزفلت ويقوم على أن تتحمل الدولة مسؤولية السيطرة على العملة والائتمانات وتوجيهها نحو تطوير الاقتصاد وليس تحقيق الأرباح لثلة من المصرفيين والتجار والمضاربين الذين دمروا اقتصاد الولايات المتحدة بالتعاون مع مصرفيي لندن في العشرينات من القرن الماضي وأدخلوا الولايات المتحدة والعالم في الكساد العظيم ـ عن موقع "حركة ليندون لاروش العالمية" ـ المترجم].
ليس أشد سقما من خيال ستيدمان جونز المتعلق بفترة رئاسة كارتر الثانية إلا ذوقه الشخص، وما يؤثره هو نفسه، فهو يرى أنه لا بد من نبذ "وضع السياسات على أساس عقائدي" لصالح "وضع السياسات على أساس عقلاني" يحقق التناغم التكنوقراطي بين عناصر النيولبرالية وجوانب من الكينزية. ولكن هذا الهوس بالتوازن يؤدي إلى حالة من الموات بالغة الوضوح. وفي ثنايا الاعتراف بدور النيولبرالية في الأزمة المالية الأخيرة، يؤكد ستديمان جونز أيضا وبسذاجة على أن قانون إعادة الاستثمار المجتمعي ـ وهو من ضربات المحافظين الشهيرة ـ كان السبب في كارثة الإسكان. وأن "المجتمع اللاطبقي" و"السوق الحرة المحضة" مرفوضان بدرجة واحدة ـ وبدون حجج ـ بوصفهما من جملة "الأوهام". بهذه الوسطية التي لا تتزعزع، لا يكاد ستيدمان جونز يكمل سرده التاريخي إلا بالشائع المعروف المتردد في أغلب الكتابات والآراء.
وللوهلة الأولى، يبدو كتاب جوانا بوكمان "أسواق باسم الاشتراكية" أقصر، وأكثر أكاديمية، وأليق بالنخبة العلمية من "سادة الكون". يحمل الكتاب عنوانا فرعيا مثيرا هو "الأصول اليسارية للنيولبرالية" لكن أغلب سرديتها تتماس تماسا غير مباشر مع النيولبرالية دون أن تتجاوز ذلك. إذ ينصب تركيزها الحقيقي على العلاقة بين السياسات الاشتراكية والاقتصاد النيوكلاسيكي. وبحسب ما يبين لنا التاريخ السياسي الفكري البارع الذي تقدمه في الكتاب، فإنه ما من تشابه أصيل بين النظرية النيوكلاسيكية، والمؤسسات السوقية، والرأسمالية. (وهي هنا تصوّب لماركسيين من أمثال هارفي الذي يساوي في كتابه الأساسي عن النيولبرالية بينها وبين النيوكلاسيكية). لقد أدرك رواد الاقتصاد النيوكلاسيكي أن للاشتراكية علاقة بمشروعهم وافترضوا أن بوسع قاموس علمي واحد أن ينطبق على الاشتراكية والرأسمالية. ولقد كان  بعض مؤسسي المنهج يتماهون مع الاشتراكيين، كما استنبط بعض الاقتصاديين اليساريين من أمثال "أوسكار لانج" نماذج لاشتراكية السوق جمعت بين الملكية الاشتراكية ومؤشرات الأسعار باستخدام أدوات نيوكلاسيكية.
يتمثل جوهر كتاب بوكمان في الصورة التي ترسمها للجدل العابر للجنسيات فيما بعد الحرب الباردة، وهو الجدل  الذي انصب على الاشتراكية والسوق والذي كان قوامه حوارات مسهبة وبحثا في مختلف اللغات. وهي تبين كيف أن "علم السوفييتات الأمريكي American Sovietology "  ـ الذي نشأ في المقام الأول بهدف فهم العدو ـ خلق جسورا فكرية بين الاقتصاديين النيوكلاسيكيين والاشتراكيين في الشرق والغرب. وفيما تبددت الاستالينية وتهاوت المكارثية، أدى تكاثر تبادل البرامج والمنظمات الدولية إلى أن يكتشف الاقتصاديون في كلا جانبي الستار الحديدي أنهم يتكلمون نفس اللغة الرياضية وأن لديهم أسئلة متماثلة حول العلاقة بين الأسواق والملكية الاشتراكية. في إيطاليا اقتنص الشيوعيون السابقون المنشقون تمويلات الشركات لترويج المنظور اليساري (المناهض للشيوعية مع ذلك) الذي أدى إلى اختمار الأفكار المتعلقة بالبدائل الاشتراكية الديمقراطية (فكان ذلك مدعاة لاغتمام الممولين اللبراليين). وتم تطبيق نسخ من اشتراكية السوق في يوغسلافيا والمجر حيث اجتمعت إدارة العمال الذاتية مع آليات السوق في نظام تعددي افتتن به التيار النيوكلاسيكي الأمريكي.
تدخل النيولبرالية الصورة في نهاية الحرب الباردة بوصفها "قوة رجعية استغلت" المعرفة التي أثمرها الحوار المبكر متعدد الجنسيات حول الأسواق. وتذهب بوكمان إلى أن مفكري النيولبرالية ومؤسساتها  ـ في تعاطف مع "المصالح الرأسمالية العابرة للجنسيات" ـ جعلوا من الحوارات الفكرية المتعددة سرديةً تبسيطيةً مفادها هو حتمية الرأسمالية الشركاتية. وهي تعرّف النيولبرالية بوصفها التزامن في تأييد "الأسواق التنافسية، والدول الشمولية الصغيرة، والشركات الهيراركية، والإدارة، والمُلّاك، والرأسمالية" وهدفها من ذلك أن تبين للقارئ أن هذه المكونات منفصلة منطقيا عن بعضها البعض. أما التحول الدراماتيكي سنة 1989، الذي توقع كثير من المفكرين أن يكون بداية عصر جديد من تجريب اشتراكية السوق، فأعيد تسويقه بوصفه ذروة الرأسمالية الشركاتية على مدار التاريخ كله. وبذلك، فإن درس بوكمان المتعلق بـ "أصول النيولبرالية" درس سلبي مفاده أن: النيولبرالية لا تستوي مع دعم الأسواق أو آلية التسعير، ولا هي مرتبطة طبيعيا بالاقتصاد النيوكلاسيكي.
بل إنها تذهب إلى أن المساواة بين السوق والرأسمالية خطأ لاتاريخي وتهويم أيديولوجي. والتفرقة الصارمة بين الأسواق الرأسمالية والتخطيط الاشتراكي تغيِّب حقيقة أن حضور الأسواق أو غيابها ليس أكثر من بعد واحد من أبعاد الاقتصاد السياسي. ولئن كان سؤال الملكية مهما، ففي مثل أهميته أيضا السؤال المؤسسي: هل ستوجد الأسواق في ظل وجود التعاونيات المملوكة للعمال، أم الشركات الهيراركية، أم الصناعات المملوكة للدولة، أم المشاريع الفردية؟ إن الأيديولوجية النيولبرالية ترغمنا على رؤية مزايا السوق بوصفها مرادفا للرأسمالية نشأ بنشأتها، بينما تشير بوكمان إلى أننا نتخيل ـ مثلما يتخيل الكثيرون ـ سبيلا للجمع بين قيم الاشتراكية القائمة على المساواة مع مزايا آليات السوق. ويشير طرحها إلى باحثين من أمثال ستيدمان جونز ـ الوسطيين الذين يقدمون للنيولبرالية تعريفا بسيطا بأنها مناصرة "السوق الحرة" وتقترح توازنا بين "الأسواق" و" دور الدولة". وإذا كان تفكير "الطريق الثالث" يفترض أن الوضع المثالي هو عبارة عن نتفة من الرأسمالية مخلوطة مع نتفة من الاشتراكية، فإن بوكمان تقترح هجينا أكثر جدة: لا يتمثل في "الأسواق برغم الاشتراكية"، بل في "الأسواق بسبب الاشتراكية".
لقد كتب ميلتن فريدمان يقول إن "دور المفكرين في المقام الرئيسي هو أن يحافظوا على الخيارات مفتوحة، لتبقى البدائل متاحة، فحينما يصبح التغيير بسبب الأحداث القاسية أمرا محتوما، يكون ثمة بديل متاح لإجراء هذا التغيير". وإن إلحاح النيولبرالية على "الأحداث القاسية" المتمثلة في أزمة ما يشير إلى فشل البدائل المتاحة حاليا. وليس بوسع كتب التاريخ أن تقدم من تلقاء نفسها هذه البدائل، لكن بوسعها أن تبقي على حياة الاحتمالات والتوقعات. وعلى الرغم من أن اصحاب الاعتراضات على الاشتراكية السوقية (أو الاشتراكية بالمطلق) لن يعتنقوها بعد دراسة بوكمان، إلا أن بحثها يقدم تكملة تاريخية مهمة للمساعي الحديثة الرامية إلى إعادة النظر في الرأي الشائع بخصوص المنهج النيوكلاسيكي، والسياسات الاشتراكية، واقتصاديات السوق. ولو أمكن لهذه الجدالات أن تدوم وتنتشر على نطاق أكبر، فقد يجد اليسار وسيلة جديدة للتعامل مع الأزمة التالية.


تيم باركر هو محرر النسخة الإلكترونية من ديسنت التي نشرت المقال أصلا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق