السبت، 23 مارس 2013

القصة السرية: كيف سمح البيت الأبيض بفشل الدبلوماسية في أفغانستان



القصة السرية: 
كيف سمح البيت الأبيض بفشل الدبلوماسية في أفغانستان
ولي نصر

كانت الساعة قد قاربت منتصف ليل العشرين من يناير سنة 2009، وكنت على وشك النوم حينما سمعت صفير الآيفون. وجدت رسالة نصية جديدة. كانت من ريتشارد هولبروك نصها "صاحي؟ نقدر نتكلم؟" ولما اتصلت به أخبرني أن باراك أوباما طلب منه العمل مبعوثا في أفغانستان وباكستان. قال إنه يريدني أن أنضم إلى فريقه. قال "لا أحد يعرف بالأمر بعد، فلا تخبر أحدا. فيما عدا زوجتك مثلا". (في اليوم التالي نشرت واشنطن بوست خبر تعيينه).

ريتشارد هولبروك

أول مرة قابلت فيها هولبروك، ذلك الدبلوماسي الأسطوري المشهور بإحلاله السلام في البلقان وكسره الكثير من القواعد في طريق ذلك ـ في مؤتمر سنة 2006 في أسبن بكولورادو. جلسنا معا في عشاء ورحنا نتكلم عن إيران وباكستان. تجاهل هولبروك خطبة المتحدث، وما أعقبها من فقرات التسلية، والطعام الذي كان ينهال علينا، ومضى هو ينهال عليّ بالأسئلة. ودار بيننا الكثير من الحوارات على مدار السنوات الثلاث التالية، وبعدما انضممت إلى حملة هيلاري كلينتن الرئاسية سنة 2007، كنا نتكلم كثيرا على التليفون.
قال لي هولبروك ـ مروجا لي بضاعته ـ إن الحكومة هي محصلة شعبها. "ولو أنك تريد أن تغير الأوضاع، فعليك أن تتورط. لو أردتهم أن يسمعوا صوتك فادخل بينهم".  كان يعرف أنني أفضل العمل على الشرق الأوسط، وعلى إيران بصفة خاصة. ولكن أفكاره كانت مختلفة فـ"هذا [أي: أفغانستان وباكستان" أهم. هذا هو الذي يركز عليه الرئيس. هذا هو الموضع الذي يريد مثلك أن يكون فيه".
كان مقنعا، وكنت أعرف أننا في لحظة اختيار كبرى. فبغض النظر عما يعد به المرشح أوباما وهو على الطريق إلى البيت الأبيض، تبقى أفغانستان هي القادرة على إحداث التوازن في المستقبل ـ مستقبل أوباما ومستقبل أمريكا. وسوف يكون هذا تحديا كبيرا. لقد كانت حرب أفغانستان قد دخلت سنتها الثامنة بالفعل عندما وصل أوباما إلى السلطة. وكان الوضع، بحلول ذلك الوقت، قد وصل إلى مرحلة التمرد الكامل، وبدا أنه لا سبيل إلى إيقاف قوة طالبان التي تبنت في ذلك الوقت بنية عسكرية مرنة لامركزية وتنظيما سياسيا يشمل الدولة كلها إذ يضم محافظين وقادة ظل على رأس كل مقاطعة تقريبا. أمريكا كانت تخسر والعدو كان على علم بذلك. كان الوضع ينذر بكارثة.
لكن هولبروك ـ الذي كان ليصبح وزيرا للخارجية لو وصلت هيلاري كلينتن للرئاسة ثم اعترض أوباما على تعيينه نائبا لها عند قبولها منصب وزيرة الخارجية ـ كان يصر وقتها على أنه سعيد بتولي الحقيبة التي سماها أفباك [نحتا من كلمتي أفغانستان وباكستان]. قال لي "لا شيء مؤكد، لكنها إلى حد كبير صفقة مكتملة. لو أن لديك أية عروض أخرى أريد أن أعرف الآن". ثم ضحك وقال لي "لو عملت لحساب غيري سأهشم ركبتيك. سنقضي وقتا ممتعا. وسننجز عملا طيبا. والآن، نم قليلا".
بعد شهرين، كنت في مكتبي في "سراب SRAP" (مكتب المبعوث الخاص لأفغانستان وباكستان". كانت فترة الشهور الأولى تلك فترة إبداع وأمل. كان هولبروك قد أقام دولة ذات حكم ذاتي في الطابق الأول من وزارة الخارجية، ملأها بالدبلوماسيين الشباب، والموظفين، والخبراء المنتدبين مثلي أنا الذي جيء بي مباشرة من جامعة تافتس. وكل يوم كان يتوافد علينا باحثون وصحفيون وأجانب رفيعو المستوى، وأعضاء في الكونجرس، ومسئولون في الإدارة ليروا كيفية صياغة استراتيجية أفباك. حتى هوليود مرت على "سراب" إذ كانت "أنجيلينا جولي" تمد يد العون للاجئين في باكستان، وكانت كافيتريا وزارة الخارجية الهادئة عادة، تمتلئ بالناس كلما جلس هولبروك ليشرب فنجان قهوة مع "نتالي بورتمان" وهما يتكلمان عن افغانستان.
كان العاملون يأتون مبكرين، ويعملون حتى وقت متأخر من الليل، وكان ثمة طوال الوقت تيار من الأفكار الجديدة مثل كيفية مكافحة الفساد والتغيب عن العمل داخل الشرطة الأفغانية من خلال استخدام "الأعمال المصرفية عبر الموبايل" واستخدام الهواتف المحمولة في دفع الرواتب، واستخدام رسائل المحمول في جمع أموال للاجئين، أو كيفية إيقاف طالبان عن إغلاق شبكات الهواتف المحمولة من خلال إقامة أبراج التقوية داخل القواعد العسكرية. كان سراب أقرب إلى مشروع شبابي منه إلى مكتب من مكاتب وزارة الخارجية الرصينة.
وكان هولبروك يشجع على الفوضى الخلاقة  creative chaos. قال لي "لا أريدك أن تتعلم شيئا من الحكومة، فهي مكان ميت فكريا، لا ينتج أية أفكار، ليس فيه غير المعارك الصغيرة، ووظيفتك أنت أن تنأى عن كل ذلك. ولو أزعجك أحد تعالي إليّ فورا". ولقد حدث أن قال الجنرال ديفيد بترايوس عند أولى زياراته لـ "سراب" ـ وكان وقتها لا يزال رئيسا للأركان ـ إن "هذه هي أقل المنظمات التي رأيتها هيراركية. أظن هذا النظام ناجح معكم".
غير أن هولبروك كان يعلم أن أفغانستان لن تكون مسألة هينة. كان اللاعبون أكثر مما ينبغي، وكذلك الأمور المجهولة، وأوباما لم يكن قد منحه سلطة كافية (ولن يمنحه تقريبا أي نوع من الدعم) لإكمال المهمة. وبعدما تولى أوباما الرئاسة لم يقابل هولبروك ولو مرة واحدة بعيدا عن الاجتماعات الموسعة ولم يخصص وقتا للاستماع إليه. وكان مستشارو الرئيس في البيت الأبيض يصمون آذانهم دون هولبروك فكأنها آذان موتى. وكان بينهم، مثل العميد "دوجلاس لوت" بعض من مخلفات إدارة جورج بوش الذين يظنون أنهم يعرفون أفغانستان جيدا وأنهم ليسوا بحاجة إلى التخلي لهولبروك عما يسيطرون عليه. وكان البعض (وهم الأقرب إلى الرئيس) يريدون تصفية حساباتهم مع هولبروك فيما يتعلق بحملة الدعم المتماسكة لكلينتن (التي كانت هي نفسها موضع ارتياب من المقربين إلى أوباما)، وآخرون كانوا يحقدون على هولبروك بسبب ماضيه المشرف، ويريدون القضاء على سلسلة نجاحاته المتتالية هنا وهناك. بل لقد بدا في بعض الأوقات أن البيت الأبيض يريد النيل من هولبروك أكثر مما يريد الوصول إلى السياسة الصحيحة.
برغم ذلك بقي هولبروك يهاجم المشكلة من جميع الزوايا. فبدا وهو يحاول التوفيق بين الكونجرس والجيش والإعلام والحكومة الأفغانية وما يريده حلفاء أمريكا وما يحتمل أن تكون عليه تصرفات الساسة والجنرالات والبيروقراطيين وكأنه يحاول حل لغز "مكعب روبيك". ولقد قال هو نفسه لزوجته "كيتي مارتن" قبيل وفاته المفاجئة في ديسمبر من عام 2010 إنه توصل أخيرا إلى مخرج قد يكون ناجحا. ولكنه لم يقل ما الذي توصل إليه ـ "ليس قبل أن أخبر به الرئيس أولا"، الرئيس الذي لم يكن لديه وقت ليسمع.
***
لقد صفق الكثيرون لأوباما على أدائه في السياسة الخارجية. فتحت إشرافه، أنهت الولايات المتحدة حربي العراق وأفغانستان، وقتلت أخيرا أسامة بن لادن. كما أنه نجح إلى حد كبير في تحقيق ما ينسجم مع المزاج الشعبي، وهو إبعاد أمريكا عن المغامرات الخارجية المكلفة.
ولكن الفترة التي قضيتها في إدارة أوباما كانت بالنسبة لي تجربة مضللة تضليلا عميقا. فالحقيقة أن الإدارة نفسها جعلت من الصعب للغاية على خبرائها في شئون السياسة الخارجية أن يكون لهم صوت مسموع. فلقد كان لزاما على كلينتن وهولبروك ـ وكلاهما كبيرا الموهبة متفانيان في العمل ـ أن يقاتلا لكي يكون لصوتيهما وزنه في المبادرات الأساسية المتعلقة بالسياسة الخارجية.
هولبروك لم ينجح في هذا مطلقا. أما كلينتن فنجحت، ولكنه النجاح الذي كان غالبا ما يسبقه معركة. وما كانت تحقق هذا النجاح في العادة إلا حينما يتبين للبيت الأبيض أخيرا أن الغيرة هي الحاكمة لعملية صياغة السياسة الخارجية كلها وأن الاعتماد الشديد على المؤسستين العسكرية والاستخباراتية في عملية اتخاذ القرار لا يصلح بديلا للعمل الدبلوماسي الدءوب الذي يحقق احترام الحلفاء ودعمهم. وبين الحين والآخر كانت الأمور تتهاوى، فتلتفت الإدارة أخيرا إلى كلينتن علما منها أنها الشخص الوحيد القادر على إنقاذ الوضع.
قد يذهب المرء إلى أن أغلب الإدارات شهدت مثل هذا الاختلال الحتمي في التوازن بين مركّب المخابرات والجيش بما يقدمه من مقترحات سريعة وديناميكية وجاهزة، وبين مؤسسة السياسة الخارجية بما تتبعه من أسلوب بادي الإملال والتروي. ولكن هذه الإدارة كانت تروج دائما أنها مختلفة. ففي حملته ظل أوباما يؤكد على أنه يريد تصحيح الأوضاع في الشرق الأوسط الكبير، وإصلاح التلف الذي تسبب فيه اعتماد الإدارات السابقة على المعلومات الاستخبارية الزائفة واستعدادها لاستخدام الحلول العسكرية لمشكلات لم تكن تفهمها تقريبا.
ولا يقتصر الأمر على أن هذا لم يحدث مطلقا، بل إن الرئيس كانت لديه عادة مزعجة حقا، وهي أنه كان يمرر قرارات السياسة الخارجية الكبرى من خلال عصبة صغيرة من مستشاري الأبيض الذين يفتقرون نسبيا إلى الخبرة والذين لا يريدون من السياسة الخارجية إلا مناورات السياسة المحلية، فكان همهم الأساسي هو الطريقة التي سوف تظهر بها أفعالهم في افغانستان أو الشرق الأوسط على شاشات البرامج الليلية، أو ما النقاط التي ستتيحها هذه للأفعال للجمهوريين وهم يعلقون على أدائهم. وإن سمعة الكفاءة التي حصلت عليها إدارة أوباما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية لا تقوم على منجزات فعلية في افغانستان أو الشرق الأوسط، بقدر ما تقوم على الطريقة التي صيغت بها هذه الأفعال مراعاة للاعتبارات الحزبية.
بحلول سبتمبر من عام 2012، عندما اجتاحت العالم الإسلامي مظاهرات عنيفة مناهضة لأمريكا، ومفضية إلى مصرع أربعة أمريكيين من بعثة الولايات المتحدة الدبلوماسية في ليبيا وعشرات من المتظاهرين، بدا واضحا أننا تعاملنا بطريقة خاطئة مع الشرق الأوسط الكبير.
لقد تعب الشعب الأمريكي من الحرب، ومن ثم فهو يرحب بالخروج من المنطقة. ولقد عمد الرئيس إلى تسويق خروج الولايات المتحدة من أفغانستان بوصفه انقلابا في السياسة الخارجية  لن يخفف عن أمريكا أعباء مشكلات المنطقة وحسب، ولكنه سوف يمنح البلد حرية الاهتمام بمشكلات أمنية داخلية ملحة.
وهذا وهم. إن إنهاء الحرب في العراق وأفغانستان، ناهيكم عن "الحرب على الإرهاب" بمفهومها الأوسع والغامض ـ فكرة جيدة للغاية، شريطة أن تتم على النحو الصحيح الذي لا يضير بمصالح الولايات المتحدة أو استقرار المنطقة. ولكن علينا ألا نستغفل أنفسنا ونتوهم أن طنطنة الرحيل هي أكثر من محض طنطنة، فالولايات المتحدة تعيد قواتها إلى الوطن وتقلل من اشتباكها على المستويين الدبلوماسي والاقتصادي، لكنها تترك من ورائها طائرات آلية [بدون طيار] وقوات خاصة. ولا ينبغي أن ننتظر من المنطقة أن تتعامل مع هجمات الطائرات الآلية والغارات السرية بطيبة قلب لم تتوفر لديها في طريقة تعاملها من قبل مع الغزو والاحتلال.
غير أن هذا على وجه التحديد هو الطريق الذي رسم البيت الأبيض ملامحه. وما يلي ليس أكثر من الطريقة التي من خلالها نجح باراك أوباما في الفشل.
***
كانت قراءة الإدارة الأولية لأزمة أفغانستان تتلخص في إلقاء اللوم على الفشل الأكيد لحكومة الرئيس حامد قرظاي، إلى جانب الاستراتيجية العسكرية العنيدة، وعدد القوات غير الكافي للانتصار على التمرد، ومقدرة طالبان على إيجاد الملاذ والدعم العسكري والمادي في باكستان. ومن بين هذه الأسباب، كانت السيطرة في النقاشات لمسألتي إخفاقات قرظاي والحاجة إلى تقوية الاستراتيجية العسكرية. وكان النظر إلى الصراع في أفغانستان يتم ـ في المقام الأول ـ في ضوء السياق العراقي. حيث تعد طالبان قوة تمرد شبيهة بالقوة التي ساعدت الولايات المتحدة في القضاء عليها للتو في العراق. والذي ألحق الهزيمة بتمرد العراق لم يكن غير استراتيجية عسكرية عرفت بالـ كوين COIN، وهي باختصار استراتيجية تكثيف تواجد قوات مكافحة التمرد على الأرض.
ولكن اتخاذ قرار بشأن ما يجب القيام به تحول بسرعة إلى أولى كوارث إدارة أوباما المتعلقة بـ أفباك، تلك الكارثة اسمها تقرير 2009 الاستراتيجي الطويل إلى حد العذاب. لوضع ذلك التقرير، جلس الرئيس مع فريق الأمن الوطني عشر مرات ـ خمس وعشرين ساعة ـ على مدار ثلاثة أشهر، علاوة على اجتماعات كثيرة عقدت بدون حضور الرئيس. ونحن قمنا من جانبنا في سراب بالمساهمة في عملية الإغراق الورقي؛ فقضينا ساعات طوالا في إعداد المذكرات والتقارير الإرشادية والخرائط والجداول. ومع ذلك بقيت هناك حاجة إلى المزيد.
في بداية العملية، رجع هولبروك من اجتماع في البيت الأبيض ليقول "شغلكم جيد. والوزيرة [كلينتن] راضية عن المادة لكنها تريد ملفات ضخمة مثل ملفات [وزير الدفاع روبرت] جيتس. تريد خرائط ملونة، وجداول، ورسوما بيانية". وواصل هولبروك قائلا إن كلينتن "لا تريد لجيتس أن يسيطر على الحوار من خلال التلويح بخرائط ورسوم بيانية ملونة أمام الحاضرين جميعا. لا أحد يقرأ هذا الورق، لكنهم جميعا ينظرون إلى الخرائط والرسوم البيانية الملونة". الحاضرين جميعا ينظرون إليه. سألت وأنا أشير إلى ملف هائل على مكتبه "فمن يقرأ كل هذا؟" قال "سأقول لك من الذي يقرأ. الرئيس هو الذي يقرأ كل شيء".
بدا كم الوقت الذي يضيع عبثيا. كل مرة يرجع فيها هولبروك من اجتماع في البيت الأبيض يقول إن "الرئيس عنده مزيد من الأسئلة". ويرتسم الإحباط على وجهي هولبروك وكلينتن مع ضياع المزيد من الوقت. أوباما كان حائرا، فكان يحرص على أن تبقى أجهزة الأمن الوطني مشغولة بطلبه المزيد من الإجابات على نفس الأسئلة التي يتم طرحها كل مرة بطريقة مختلفة.
ظن هولبروك أن أوباما لا يتخذ القرار كراهية منه للخيارات المتاحة أمامه، وأن مجلس الأمن الوطني هو الذي يحبط الرئيس بعدم تقديمه الخيارات الصحيحة. وما استبعده هولبروك من تقييمه هو أن أوباما لم يكن يضغط على مجلس الأمن الوطني ليقدم له الخيارات الصحيحة.
في الليلة السابقة على تعيين الجنرال "ستانلي مكريستال" قائدا جديدا للقوات الأمريكية في أفغانستان في يونيو 2009 كان ينبغي إصدار تقرير يوجز ما يحتاج إليه القائد الجديد ليخوض الحرب، فجمع هولبروك فريقه في مكتبه وسألناه عن تصوره لما قد يطلبه مكريستال. فقال "شوفوا! سيمنح الجيش للرئيس ثلاثة اختيارات. سيكون هناك خيار ينطوي على مخاطرة عالية ـ ورفع هولبروك يده في الهواء ـ وهكذا يطلقون عليه دائما، وهذا الخيار لا يحتاج إلا إلى عدد قليل من القوات. قوات قليلة، مخاطرة عالية. وخيار منخفض المخاطرة ـ وأنزل هولبروك يده ـ ويستوجب هذا ضعف عدد القوات التي يسعون إليها فعلا. وبين هذا وذلك ثمة الخيار الذي يريدونه فعلا" والذي كان عبارة عن زيادة في عدد القوات يتراوح ما بين ثلاثين ألفا وأربعين ألفا. وذلك بالضبط هو ما حدث.
البديل الذي كان يدعمه "جون بايدن" نائب الرئيس هو رفع جهود مكافحة الإرهاب المعروف بـ "سي تي بلاس CT-plus" والذي يتألف من هجمات بالطائرات الآلية وغارت تنفذها القوات الخاصة والموجه أغلبها على أماكن تواجد طالبان في مناطق باكستان البرية المجاورة لأفغانستان. ولكن ذلك بدا منطويا على مخاطرة، ولم يكن ثمة ما يضمن أن تصلح هذه الخطة بدون استراتنيجية كوين. وكان هولبروك ـ مثل بايدن ـ يرى أن كوين غير مفيدة، ولكنه لم يقتنع بـ سي تي بلاس. وكان يرى أنه من غير الممكن وضع استراتيجية إقليمية بناء على "حرب سرية" وأن الطائرات الآلية ليست بديلا للتسوية السياسية.
ومع ذلك لم تشهد عملية إعداد التقرير أي نقاش من أي نوع للتسوية السياسية أو الدبلوماسية، وكان هولبروك يريد أن أن ينظر الرئيس في هذا الخيار لكن الرئيس لم يقتنع به. ومن جانبه كان الجيش يريد أن يبقى هو المسئول، وكان من شأن الوقوف في وجه الجيش أن يجعل الرئيس يبدو ضعيفا.
ومن ثم لجأ أوباما إلى الخيار الآمن سياسيا، برغم أنه لم يكن الخيار الذي يروق له: منح الجيش ما طلبه. وانتهت شهور من التوتر باختيار البيت الأبيض للاقتراح الذي كان مطروحا منذ اليوم الأول: تفعيل خطة كوين مع إضافة ثلاثين ألف جندي. لكن أوباما أضاف موعدا نهائيا هو يوليو 2011  يبدأ من بعده سحب القوات المضافة. أي أن الرئيس قال بصورة عملية إن الاستراتيجية الجديدة جيدة لسنة واحدة.
منذ البداية كان هولبروك ينادي بالمصالحة السياسية طريقا للخروج من أفغانستان. ولكن الجيش كان يرى أن مجرد الحديث عن المصالحة ينفي التزام أمريكا بتوفير كل الموارد اللازمة لفعيل استراتيجية كوين تفعيلا تاما. وفي رحلته الأخيرة إلى أفغانستان في أكتوبر 2010 انتحى هولبروك جانبا ببترايوس ـ الذي كان قد حل محل مكريستال قائدا للقوات في أفغانستان ـ وقال له "أريد أن أتكلم معك يا ديفيد عن المصالحة. وهذا حوار لن يستغرق ثواني". فقال بترايوس "لا، ليس الآن".
كان رد القادة المعتاد هو أنهم بحاجة إلى ستة أشهر إضافية من القتال للنيل من طالبان. كانوا يرجون أن يغيروا رأي الرئيس بشأن موعد يوليو النهائي ثم يقنعونه بقبول جدول خروج "بطيء وضحل" (طويل وتدريجي). وكانوا يقولون دائما إن علينا أن نقاتل أولا، ثم نتكلم تاليا. وكان هولبروك يرى أننا يمكن أن نتكلم ونقاتل. وأن المصالحة ينبغي أن تكون الهدف النهائي، وأن القتال وسيلة لتيسيرها.
كان الطالبان مستعدين للحديث منذ مطلع ابريل 2009. ففي ذلك الوقت سافر الباحث في الشئون الأفغانية "بارنيت روبن" ـ قبيل انضمامه إلى فريق هولبروك كبيرا لمستشاري الشئون الأفغانية ـ إلى أفغانستان والسعودية، فالتقى في كابول بالقائد الطالباني السابق "الملا عبد السلام ضعيف Mullah Abdul Salam Zaeef" الذي كشف له عن استراتيجية تفصيلية للمحادثات: من أين تبدأ، وماذا تناقش، وشكل التسوية الذي يمكن أن يتفق عليه الجانبان. قال ضعيف إن طالبان تريد تنازلات فيما يتعلق بالمسجونين الذين تحتجزهم الولايات المتحدة في جوانتانامو ورفع بعض أسماء الطالبانيين من قوائم الإرهابيين السوداء لدى الولايات المتحدة والأمم المتحدة. ولما رجع إلى واشنطن، وفي نفس اليوم الذي أدى فيه قسم الانضمام إلى الحكومة، رفع روبن إلى هولبروك مذكرة بخصوص تلك الرحلة. وفي عصر ذلك اليوم تجاور الاثنان في طائرة راجعة إلى نيويورك. قرأ هولبروك المذكرة ثم التفت إلى روبن قائلا "لو نجح هذا، فقد يكون هو المخرج الوحيد لنا". وتلك كانت بداية حملة استمرت سنتين لترويج فكرة الحديث مع طالبان: ترويجها أولا لدى كلينتن، ثم لدى البيت الأبيض، فأوباما.
ولكن البيت الأبيض لم يكن يريد ـأن يجرب شيئا متهورا تهور الدبلوماسية التي كانت فنا بائدا بالنسبة للمتربعين على قمة صناعة القرار في أمريكا، فما كانت لأهل القمة خبرة فيها ولا صبر عليها.
لقد وعد أوباما أثناء ترشحه للرئاسة بفتح صفحة جديدة في السياسة الخارجية الأمريكية: ستنأى أمريكا بنفسها عن سياسة بوش الخارجية الحربية. ولكن عندما حان وقت الجد في الكلام عن أفغانستان وباكستان كانت كلينتن هي صاحبة الصوت الوحيد المناصر للدبلوماسية.
في خلال المراجعة الاستراتيجية سنة 2009، ساندت كلينتن زيادة القوات ولكنها لم تكن مع أوباما في تحديد موعد نهائي لهذه الزيادة وفرضه على الجيش، كما أنها لم تساند السحب المتسرع للقوات. كانت أمريكا ترى أن هذه القرارات سوف تنال من وضع أمريكا في العالم إذ ستبدو شبيهة للغاية بسياسة "اخطف واجر". وإذا نحن أضفنا هذا إلى جملة من قضايا الأمن الوطني ـ ومنها أنها كانت تدفع أوباما إلى عملية أبوتاباد لقتل أسامة بن لادن أو اعتقاله واختلفت مع البنتاجون بمناصرتها استخدام القوة الجوية الأمريكية في ليبيا ـ يصبح من الآمن لنا القول بأنها كانت صارمة فيما يتعلق بقضايا الأمن الوطني.
لكن كلينتن كانت تتفق مع هولبروك في الاعتقاد بأن غرض القوة هو تيسير العمل الدبلوماسي. وفي اجتماعات كثيرة حضرتها معها، كانت تطلب منا جمع الحجج المناصرة للدبلوماسية ثم تمتحننا فيما يتعلق بتصوراتنا عن خطط العمل ثم تطلب منا في النهاية أن نكتب ذلك كله بما يخدم البيت الأبيض.
لقد كانت بين هولبروك وكلينتن شراكة قوية، بل وصداقة، وكانت كلينتن تثق في تقييم هولبروك للأمور وتقدر نصائحه. كانا كثيرا ما يتشاوران (ليس فيما يتعلق بأفغانستان وباكستان فقط) وكلينتن هي التي كانت تحمي هولبروك من عناد البيت الأبيض الذي كان يحتفظ بملف بأخطاء هولبروك، وكلينتن كانت تحتفظ بملف بمحاولات البيت الأبيض الوضيعة لهدم هولبروك، وهو الملف الذي سلمته في نهاية المطاف لـ "توم دونيلون" مستشار أوباما للأمن الوطني. كان البيت الأبيض يحاول إلقاء اللوم على هولبروك فيما يتعلق بالتسريبات للإعلام. وكلينتن كانت تتهم البيت الأبيض نفسه في هذه التسريبات. بل إنها عمدت إلى توبيخ البيت الأبيض بحدة بعد ما كتبه الصحفي "ستيف كول" في نيويوركر عن الاجتماع السري مع طالبان الذي عرف كول بأمره من مسئول في البيت الأبيض.
وكلما أمكن كانت كلينتن تتوجه إلى الرئيس مباشرة، متجاوزة حائط برلين المكون من مسئولين يمنعون عن أوباما أي خيار أو فكرة لا يريدون له أن ينظر فيها، حيث كانت لكلينتن اجتماعات أسبوعية مع الرئيس. وكانت كلينتن قد اشترطت لقبول وظيفتها هذه الصلة المباشرة راجية من ذلك ألا يقوم البيت الأبيض بتهميشها هي ووزارتها جميعا.
ومع ذلك لم يكن الأمر يخلو من صعوبات في تعاملها مع الإدارة. فقد كان أوباما متعاطفا من حيث المبدأ لكنه لم يكن متحمسا لاتخاذ موقف واضح. وكان الحديث إلى الأعداء شعارا ظريفا في أيام الحملة الانتخابية، ولكن بمجرد الوصول إلى السلطة بدا أوباما مترددا للغاية عن المحاولة.
وحدث مرة في صيف 2010، وبعد أن استبعد البيت الأبيض كالعادة كل محاولة لإجراء محادثات مصالحة مع طالبان وأي جهود دبلوماسية إقليمية جادة (كان لا بد أن تتضمن إيران) من على أجندة اجتماعات الأمن الوطني مع الرئيس، أخذت كلينت تقريرا أعده سراب إلى أوباما. أعطته التقرير، وأوضحت له ما فيه قائلة "أريد موافقتك يا سيادة الرئيس على هذا التقرير". فأطرق أوباما موافقا، ولكنه لم يزد على ذلك. وكان لدى فريق البيت الأبيض متسع هائل من الوقت لقتل التقرير بالطريقة المحببة في واشنطن: وهي إعدامه بالبطيء من خلال أعمال اللجان. فبعد أسابيع من تقديم التقرير لأوباما، دعيت إلى اجتماع مشترك بين عدد من الهيئات نظمه البيت الأبيض، وهالني أن الهدف من الاجتماع هو مناقشة التقرير الذي أطرق الرئيس موافقا عليه. أتذكر تعليق كلينتن عندما أخبرتها بأمر الاجتماع: رفعت رأسها وقالت "هذا شيء لا يصدق".
***
كانت هيلاري كلينتن على علاقة جيدة بأوباما، لكن كان على وزارة الخارجية ـ فيما يتعلق بأفغانستان وباكستان ـ أن تخوض حروبا لكي ينصت لها البيت الأبيض. ولولا ما كان لكلينتن من تماسك وما كانت تحظى به من احترام، لما كان لوزارة الخارجية أي تأثير على صناعة السياسة. إذ أن البيت الأبيض كان قد استولى على أغلب ملفات السياسة: فإيران وقضية العرب وإسرائيل كانتا ـ بسبب جميع الأغراض العملية ـ موضع إدارة البيت الأبيض. ولم تكن أفباك إلا استثناء نادرا، والفضل في ذلك يرجع إلى سرعة تفكير هولبروك الذي تمكن من إدخال سراب SRAP  في فبراير 2009، قبل أن يتمكن البيت الأبيض من تنظيم نفسه.
كان البيت الأبيض مستاء أنه خسر أفباك لصالح وزارة الخارجية. فقاتل بضراوة من أجل إغلاق سراب واستردادها. وذلك من أهم أسباب غضب البيت الأبيض الشديد على هولبروك. ولكن هولبروك ما كان ليستسلم أو يتراجع، خاصة وهو يعلم أن من يصارعون من أجل السيطرة على إدارة ملف أفغانستان لم يكونوا يتحلون بالعمق الكافي ولا كانوا على مستوى المهمة.
المعارك جزء أساسي في أي إدارة، ولكن بيت أوباما الأبيض ضارٍ في عراكه ضراوة استثنائية. يضاف إلى ذلك ما تخلف عن الحملة الانتخابية الرئاسية من انزعاج، فالذين كانوا ضمن دائرة المقربين من أوباما، ممن شاركوا في حملته الانتخابية، كانوا يتشككون في كلينتن. وحتى بعدما أثبتت كلينتن أن انتماءها للفريق، ظلوا قلقين من شعبيتها متخوفين من احتمال طغيانها على صورة الرئيس.
وقد أخبرني العميد "مايك مولين" رئيس قيادة الأركان المشتركة حتى سبتمبر 2011 أن كلينتن "أبلت أحسن البلاء في دفع أجندتها، ولكن لا يمكن لأحد أن يصدق تضاؤل الدعم الذي كانت تلقاه من البيت الأبيض. فهم يريدون السيطرة على كل شيء". كانت انتصارات وزارة الخارجية قليلة، ونتاج حرب ضروس. ولم يكن ثمة عزاء يذكر في أن توصيات الوزارة بالمصالحة مع طالبان أو بذل الجهود الدبلوماسية الإقليمية إنهاءً لحرب أفغانستان هي السياسة التي اتبعها البيت الأبيض في نهاية المطاف بعدما استهلك كل البدائل الأخرى.
***
لقد كانت حملة البيت الأبيض ضد وزارة الخارجية ـ وضد هولبروك على وجه الخصوص ـ تتدنى في بعض الأحيان إلى مستوى مسرح العبث. فهولبروك لم يكن ضمن حاضري الفديو كونفرانس الذي عقده أوباما مع قرظاي، كما تم استبعاده من الوفد الرئاسي عند قيام أوباما بزيارة أفغانستان.  بل لقد بدا في بعض الأحيان أن مسئولي البيت الأبيض يستدرجون قرظاي إلى الشكوى من هولبروك ليتسنى لهم طرده.
كان البيت الأبيض يتخوف من احتمال أن تثمر المحادثات مع طالبان إلى تعظيم دور هولبروك. فتآمر البيت الأبيض على مدار شهور من أجل منع المحادثات مع طالبان أو العثور على من يدير هذه المحادثات بديلا لهولبروك. وفي هذا السياق كان ترويج "دوجلاس ليوت" الذي كان يدير أفباك في البيت الأبيض لفكرة أن يقوم لخضر الابراهيمي ـ الدبلوماسي المرموق في الأمم المتحدة ـ بقيادة المحادثات. واعترضت كلينتن على إيكال مهام الخارجية الأمريكية إلى الأمم المتحدة. باكستان أيضا تقبلت الفكرة ببرود. ولكن حملة "إيقاف هولبروك" لم تكن مجرد حملة لتشتيت الانتباه، لقد كانت سياسة مهيمنة.
وهناك مثال آخر حدث عندما قام جيمس جونز مستشار الأمن الومي قبل دونيلون بالسفر إلى باكستان لعقد محادثات رفيعة المستوى دون أن يصطحب هولبروك (بل ودون أن يطلع وزارة الخارجية على رحلته قبل أن يكون في الجو فعليا). ومرة أخرى كانت الرسالة هي "تجاهل هولبروك". فلا عجب أن كانت سياستنا المتبعة حيال الأفباك تتقدم خطوة لتتراجع اثنتين.
وفي إحدى الرحلات، خرج جونز تماما عن النص ووعد الجنرال أشفق بارفيز كياني ـ وهو رقم واحد في الجيش الباكستاني ـ بصفقة نووية مدنية في مقابل تعاون باكستان. وذعر البيت الأبيض. وكان لا بد من الكثير من الرقص الدبلوماسي على أطراف الأصابع من أجل سحب هذا العرض من على المائدة. وفي النهاية، قال لي أحد مستشاري كياني إن الجنرال لم يتعامل بجدية مع مقترح جونز علما منه بأنها محض زلة. كانت مستشارية الأمن القومي تريد أن تلعب دور وزارة الخارجية ولكنها لم تكن على قدر المهمة.
ولم يكن الباكستانيون والأفغان هم وحدهم الذي احتاروا في البيت الأبيض ـ وتسلوا بمناوراته بين الحين والآخر. بل لقد امتدت الحيرة إلى واشنطن نفسها. فالبيت الأبيض كان يشجع سفيري الولايات المتحدة في أفغانستان وباكستان على الالتفاف على الخارجية والعمل مباشرة مع البيت الأبيض. وسرعان ما تعلم السفيران كيف يستغلان لمصلحتيهما موقف البيت الأبيض من هولبروك. بل لقد أصبح تعامل الخارجية مع سفير أفغانستان "كارل أيكنبيري" صعبا على نحو خاص. ففي نوفمبر 2010 ذهب أوباما وكلينتن لحضور قمة الناتو في لشبونة، مخططين لمقابلة قرظاي هناك. وحينما طلب أيكنبيري الذهاب رفضت كلينتن طلبه، وأصدرت له تعليماتها بالبقاء في كابول، فما كان منه إلا أن تجاهلها وذهب إلى لشبونة.
***
كان السعي إلى المصالحة صعبا في ظل مقاومة البنتاجون والمخابرات المركزية والبيت الأبيض مجتمعين. وكان الثمن هائلا على هولبروك. ولكن روبين ـ مستشاره للشئون الأفغانية ـ كان يوفر له رأس المال الفكري مبرهنا بالتفاصيل على أن طالبان سوف يجلسون إلى مائدة المحادثات وأن قرظاي وكثيرا من الأفغان يفضلون محادثتهم. كان هولبروك وروبين على يقين من إمكانية التوصل إلى صفقة تمزق الروابط بين طالبان والقاعدة وتأتي بالسلام لأفغانستان.
طلب هولبروك من روبين أن يصوغ أفكاره في مذكرات عمد بعد ذلك إلى توزيعها على الحكومة. وبعدما مات هولبروك، وضع روبين هذه المذكرات في ملف واحد سلمه للبيت الأبيض. وفي اجتماع في البيت الأبيض في مطلع ربيع 2012، نادت كلينتن بالفكرة مرة أخرى. فرد دونيلون بأنه لا يزال يريد أن تقنعه وزارة الخارجية بحجة متماسكة للسعي إلى المصالحة. فطلبت كلينتن من روبين كل مذكرة كتبها منذ أول يوم له في وظيفته. وكان الملف الضخم يكاد ينطق.
وبعدما قيل كل الكلام، مر عام كامل من التحزب داخل الإدارة لحمل البيت الأبيض على التعامل مع الفكرة بجدية. وكان قد مضى نحو ثمانية عشر شهرا على كتابة روبين لأولى مذكراته حين تمكنت كلينتن أخيرا أن تعلن على الملأ وبالنيابة عن الإدارة الأمريكية إقرار الدبلوماسية، وذلك في كلمة ألقتها في فبراير 2011 أمام "الجمعية الأسيوية".
ولكن نهج إدارة أوباما في التعامل مع المصالحة لم يكن هو بالضبط ما يتصوره هولبروك لإنهاء الحرب نهاية دبلوماسية. كان هولبروك يتصور أن الولايات المتحدة سوف تتمتع بأكبر قدرة على التفاوض مع طالبان عندما تضع أكبر عدد ممكن من القوات على الأرض في أفغانستان. صحيح أنه في الأصل لم يكن يؤيد زيادة عدد القوات، ولكن لما أصبحت القوات هناك، بات يفكر في إمكانية أن يستغل الرئيس استعراض القوة في فرض حل دبلوماسي.
ولكن ذلك لم يحدث. فقد فشل الرئيس في بدء العمل الدبلوماسي ثم سحب القوات في خطاب يونيو 2011، حارما الدبلوماسية فعليا من الميزة التي كانت ستعطيها فرصة ضرورية للنجاح. "لو أنكم راحلون، ما الذي يجعل طالبان تبرم صفقة معكم؟ كيف ستتمكنون أنتم من تثبيت  الصفقة؟ طالبان ستتكلم معكم، ولكن بهدف الإسراع بإخراجكم". ذلك كان تعليقا سمعناه من دبلوماسي عربي، ثم ظل يتكرر في المنطقة.
ولكن الإدارة لم تتحمس فعلا لفكرة المصالحة إلا بعد إعلان رحيل الولايات المتحدة. فلم تكن المحادثات مع طالبان تتعلق بترتيب استسلامهم، بل بتعجيل رحيل أمريكا. قضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة والتعليم ركنت على الرف، بعدما لم يعد ينظر إليها بوصفها من جملة المصالح الأمريكية، بل مجرد قضايا نبيلة ولكنها مكلفة أكثر مما ينبغي ويصعب دعمها ومن المؤكد أنها لا تستحق محاربة تمرد من أجلها.
بدا أن البيت الأبيض يرى منفعة فعلية في ألا يقوم بعمل الكثير. بدا سعيدا بقصة النجاح المعقول في أفغانستان والانسحاب التدريجي وبناء قوات أمن أفغانية تتولى المهمة منذ رحيل القوات الأمريكية. وكان الهدف من ذلك هو إعفاء الرئيس من المخاطر اللازمة في حال تولي الولايات المتحدة الدور القيادي الذي تزعم أنها تلعبه في المنطقة.
***
كان هولبروك كثيرا ما يقول لنا إن المفتاح الحقيقي لإنهاء الحرب هو تغيير باكستان. فباكستان كانت الملاذ الذي ينطلق منه متمردو طالبان ثم يأوون إليه هربا من الانتقام الأمريكي. ولكن إقناع باكستان بأننا نسعى إلى عمل مشترك، كان يقتضي منا أولا أن نثبت أن أمريكا باقية.
لكن كيف؟ لقد كانت صفقات باكستان المزدوجة ترجع جزئيا إلى المرارة التي شعرت بها بعدما عوملت كدولة مارقة إثر حرب أفغانية سابقة ـ ضد السوفييت ـ انتهت بالانتصار في عام 1989. كما كانت باكستان تشعر بقلق أمني عميق من جراء صعود الهند المكوكي وتنامي أهميتها الاستراتيجية بالنسبة للغرب. كان الباكستانيون يلعبون بمنتهى الحذر، مبقين أوراقهم أقرب ما تكون إلى ذقونهم. وكان علينا أن نقنعهم بمزيد من الانفتاح. هل كان بوسعنا إقناعهم أنه يمكن أن يتم التعامل مع مصالحهم في أفغانستان؟ لو كان الأمر كذلك، فربما بمرور الوقت يعيدون تقييم مصالحهم بطريقة أكثر ملاءمة لنا.
كان هولبروك يفهم أن البيت الأبيض والبنتاجون والمخابرات المركزية يريدون من باكستان أن تقطع علاقاتها مع طالبان وتبذل المزيد من الجهد في محاربة الإرهاب. ولكن ذلك ما كان ليحدث من دون علاقة طبيعية مظهرية ـ على الأقل ـ بين الولايات المتحدة وباكستان. في حين أن أكثر من نصف بعثة الولايات المتحدة الدبلوماسية في باكستان سنة 2009 كانت تعمل في مهام استخباراتية أو ذات علاقة بالحرب على الإرهاب. ولم تكن قنصلية الولايات المتحدة في بيشاور أكثر من حجارة تحوي أجهزة إرسال. وكانت عوائد ذلك كبيرة، فقد جمعت المخابرات المركزية معلومات حاسمة من باكستان هي التي كانت تسهل هجمات الطائرات الآلية [بدون طيار] على أهداف القاعدة كما أن تلك المعلومات حالت في أكثر من موقف دون تنفيذ هجمات إرهابية في الغرب. وهكذا بدأت إدارة أوباما تشن هجمات الطائرات الآلية في باكستان بمعدل إنتاج مربح أدى إلى تقويض هيكل قيادة القاعادة وإعاقتها.
ولكن اصطياد الإرهابيين كان غير شائع في أفغانستان، وهجمات الطائرات الآلية كانت تثير حنق الباكستانيين. فكانت السلطات تنكر في العلن إبرامها أية صفقة مع الولايات المتحدة، ولكن كان واضحا للمواطنين أن الطائرات الآلية تحلق بعلم السلطات بل وبتعاون منها. وتزايد الغضب مع تزايد عدد الهجمات. في الوقت الذي كانت فيه هجمات الطائرات الآلية موضوعا شديد السرية داخل الحكومة الأمريكية ليس بوسع أحد الكلام فيه علنا، وأشد سرية من ذلك أن يناقش أحد الأهداف التي تضربها هذه الطائرات أو النتائج التي تحققها. لدرجة أن العاملين في السفارة كانوا يطلقون على هذه الطائرات اسم "فولدمورتس" على اسم شخصية شريرة في سلسلة هاري بوتر، شخصية: "ذلك الذي لا ينبغي أن يشار إليه باسم".
لقد كنا نعرف منذ 2009 أن مشكلة الطائرات الآلية تعني أن العلاقة المخابراتية المهمة مع الباكستانيين في طريقها إلى متاعب حقيقية. وقد حدث في أيام عملي الأولى مع هولبروك حينما كنا نعمل على صياغة سياسة جديدة تجاه باكستان، حدث أن وجه أحد نواب هولبروك سؤالا إليه "إذا كنا نعتزم الاشتباك بجدية، ألا ينبغي أن ندخل بعض التغييرات على سياسات الطائرات الآلية، ألا ينبغي ربما أن نتراجع فيها قليلا؟" فقال له هولبروك "لا تقترب من هذا الملف. لن يتغير شيء".
لإيجاد مسار جديد، بدأ هولبروك بالدعوة إلى اجتماع في طوكيو لجمعية "أصدقاء باكستان الديمقراطية" حديثة التأسيس، وهي عبارة عن تجمع دولي يرمي إلى مساعدة باكستان في إعادة بناء اقتصادها وتقوية سياساتها الديمقراطية. واستطاع الحصول على تعهدات بخمسة بلايين دولار لمساعدة باكستان. وكان هولبروك يتباهى قائلا إن "هذا اكتتاب محترم للغاية" راجيا أن يكون مجرد بداية لمراكمة رأسمال للاستثمار في مستقبل باكستان. ولكننا لو أردنا تغيير باكستان، فنحن ـ فيما كان يرى هولبروك ـ بحاجة إلى أن نفكر فيما هو أكبر حتى من هذا، علينا أن نفكر في شيء بحجم خطة مارشال [لإعادة إعمار أوربا بعد الحرب العالمية الثانية].  وحينما وجه صحفي سؤالا إلى هولبروك عما إذا كانت المساعدات البالغة قيمتها خمسة بلايين دولارا كثيرة على باكستان قال له هولبروك إن "باكستان بحاجة إلى خمسين بليونا لا خمسة". ولم يكن البيت الأبيض يريد أن يسمع ذلك، لأنه كان يعني صراعا مع الكونجرس وإنفاقا لرأس المال السياسي في إقناع الشعب الأمريكي. ولأنه كان يقتضي في المقام الأول تحولا جريئا في السياسة الخارجية لم تكن إدارة أوباما مستعدة له.
ولكننا فعليا كنا ننفق أكثر من ذلك على أفغانستان. ففي مقابل كل دولار نقدمه مساعدة لباكستان، كنا نعطي لأفغانستان عشرين دولارا، ولم تكن هذه النقود تحقق شيئا يذكر، فما هي إلا كالماء تصبه في الرمل صبا، وحتى الجنرال بترايوس كان يفهم هذا. وإنني أتذكر قوله في اجتماع حول باكستان "أنت تحصل على مقابل لما تدفعه. ونحن لم ندفع الكثير لنحصل على الكثير من أي شيء في باكستان".  واستقر رأينا في نهاية المطاف على معونة شديدة التواضع: فقد أقر تشريع كيري/لوجار/بيرمان معونة مقدارها 7.5 بليون دولار على خمس سنوات، وكانت تلك أول حزمة دعم مدني طويل الأجل لباكستان. وما كان ذلك شبيها ولو من بعيد بخطة مارشال.
كان هولبروك يعتقد أيضا أننا بحاجة إلى دبلوماسية أكثر اقتحاما: وأن على أمريكا أن تتحادث مع باكستان كثيرا وليس فقط فيما يقتصر على الشئون الأمنية التي تعني الولايات المتحدة، بل تتجاوز ذلك إلى القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي تعني الباكستانيين. فاستطاع هولبروك أن يقنع كلينتن بأن أمريكا لا بد أن تعرض على أفغانستان شراكة استراتيجية قوامها "الحوار الاستراتيجي" ـ من النمط القائم بين أمريكا وعدد من الدول من بينها الصين والهند.
وفي واحد من أوائل اجتماعات كلينتن مع قيادات المخابرات والجيش في باكستان، طلبت منهم كلينتن أن يكلموها بصريح العبارة عن تصوراتهم لباكستان: "هل باكستان ستصبح كوريا الشمالية؟ إنني أسأل بدافع من الفضول فقط. أريد أن أسمع منكم: بلدكم ذاهبة إلى أين". وحار الجنرالات ماذا يقولون. وكذلك مجموعة من الصحفيين ـ أثناء حوار في لاهور في 2009 ـ حيث واجهت انتقادهم المتواصل لسياسة الولايات المتحدة بقولها "أنا لا يمكن أن أصدق أنه لا يوجد في الحكومة الباكستانية من يعرف أين يوجد بن لادن". كانت حازمة، ولكنها كانت جادة في الاشتباك مع الباكستانيين في قضايا مهمة لهم.
ولكن البيت الأبيض لم يكن مأخوذا بتلك الجهود الدبلوماسية، وكان من يقرر الأهداف الأمريكية في باكستان هما البنتاجون والمخابرات المركزية، بما هما عليه من تركيز على الإرهاب، فقد حددتا للمحادثات مع باكستان نبرة هجومية لكنهما لم يتحملا مسئولية عن نتائجها. وأتذكر هولبروك وهو يهز رأسه قائلا "انظروا كيف يخربون [أي المخابرات المركزية] العلاقات. وعندما تخرب يقولون لنا: ’ألم نقل لكم؟ الباكستانيون لا يمكن العمل معهم’ نحن لا نتعلم أبدا".
كان هولبروك يعلم أن كل من يناصر الدبلوماسية ـ في تلك الظروف ـ ينبغي أن يحارب حتى يسمع له صوت في البيت الأبيض. ولقد حاول أن يوصل صوته إلى أوباما، فذهبت جهوده أدراج الرياح، إذ بقي أوباما بعيد المنال. بدا أن الرئيس يرى أنه لن يلام إذا ما لعب دور الحازم مع باكستان، فإذا فشل هذا النهج (وهو ما حدث فعلا) لن يلام إلا الباكستانيون الأشرار أصحاب الصفقات المزدوجة (وهو ما حدث أيضا).
بعد عملية بن لادن في أبوتاباد سنة 2011، لم تعد واشنطن في مزاج يسمح لها بالتهاون مع ما تعتبره ازدواجية من باكستان. وبدأ الضغط على باكستان. تبددت وعود المساعدات والشراكة الاستراتيجية والروابط بعيدة الآجال. وهددت الإدارة بقطع المساعدات وأحرجت باكستان بانتقادات علنية وتسريبات إلى وسائل الإعلام أعاد بعضها سرد حكايات معروفة عن عزوف باكستان عن التعاون، ومنها ما كشف عن حقائق مخزية حول قيام المخابرات الباكستانية بخداع الرأي العام بل وذهابها إلى حد إسكات الصحفيين إسكاتا أبديا.
وسرعان ما بات شائعا أن تتحول اجتماعات البيت الأبيض المتعلقة بأفغانستان إلى سلاسل من الشكاوى، حيث بات كبار المسئولين يتنافسون في الصفات التي يصورون بها مدى خيانة القادة الباكستانيين وعدم جدارتهم بالثقة. وكان الأكثر تداولا على الألسنة في هذا المقام عبارة : "لقد فاض بنا من هؤلاء الناس". ولكن: لقد فاض بهم منا أيضا.
***
في أكتوبر 2010، وخلال زيارة إلى البيت الأبيض، قدم الجنرال كياني لأوباما تقريرا من ثلاث عشرة صفحة يوضح فيه رؤاه للقضايا الاستراتيجية البارزة بين باكستان والولايات المتحدة. يمكن إيجاز كياني 3.0 (بحسب التسمية التي شاعت للتقرير وهو ثالث تقرير يأتي للبيت الأبيض من باكستاني في هذا الموضوع) على النحو التالي: أنتم لن تنتصروا في الحرب، وأنتم لن تقوموا بتحويل أفغانستان. هذا المكان ابتلع امبراطوريات من قبلكم، وسيهزمكم مثلما هزمهم. أوقفوا خططكم الطموح، ولنكن عمليين فنجلس ونتناقش في كيفية خروجكم وفي طبيعة الدولة التي يمكن أن ينتهي كلانا إلى التعايش معها.
أعرب كياني عن مثل هذه الشكوك مرارا في الاجتماعات. وكنا نحاول إقناعه بأننا ملتزمون تجاه المنطقة وبأن لدينا حلولا لمشكلات أفغانستان: بداية سوف تهزم أمريكا طالبان ثم تبني قوة أمن لتحفظ السلام بعد رحيلها. ولكنه ـ شأن كثيرين غيره ـ كان على قناعة بحماقة فكرة إقامة جيش أفغاني وبأنه خير للولايات المتحدة أن تتفاوض على الخروج مع طالبان.
حدث في اجتماع مصغر حول مائدة محدودة أن استمع كياني بانتباه ودوَّن ملاحظات ونحن نتنقل بين القضايا. ولا يمكن أن أنسى رد فعله عندما شرحنا في حماس خططنا لإقامة قوة أفغانية من أربعمائة ألف فرد بحلول عام 2014. كان رده سريعا وواضحا: لا تفعلوا هذا. قال "ستفشلون. وبعد ذلك ستخرجون وسوف يتفكك هذا الجيش نصف المدرب إلى ميلشيات سوف تمثل مشكلة لباكستان". حاولنا أن ندافع عن خططنا ولكنه لم يتقبل حججنا، ومضى يقول "أنا لا أعتقد أن الكونجرس سوف يدفع تسعة بلايين دولار سنويا من أجل هذه الأربعمائة ألف". كان على يقين أن الجيش سوف ينهار في النهاية ويتحول إلى مزق تسعى كل منها باستخدام الجريمة والإرهاب إلى اكتساب ما يقيم أودها.
نصيحة كياني كانت هي أنكم إذا كنتم راغبين في الرحيل فارحلوا وحسب ـ ونحن لم نكن نعتقد أنكم باقون على أية حال ـ ولكن لا تتسببوا في مزيد من الأضرار وأنتم راحلون. وبدا أن هذا هو الرأي السائد في المنطقة. لم يقتنع أحد بإرسال المزيد من القوات إلى أفغانستان، ولم يقتنع أحد بحججنا للخروج. بدا أن الجميع قد ألفوا تخبط أمريكا وفقدانها للاتجاه.
مهما يكن التذكر مؤلما، ينبغي أن نتذكر أن أفغانستان كانت بالنسبة لأوباما في بدايتها حربا هدفها الخير، حربا كان لزاما على أمريكا خوضها إلحاقا للهزيمة بالقاعدة وضمانا لأن لا تكون أفغانستان مجددا مأوى للإرهاب. كان مفهوما على نطاق واسع داخليا وخارجيا أن أوباما يقصد أن أمريكا سوف تفعل كل ما في وسعها في أفغانستان ـ فتلتزم بالمزيد من المال وترسل المزيد من القوات ـ للقضاء على الطالبان وبناء دولة ديمقراطية قوية قادرة على الوقوف في وجه الإرهاب.
وبعد أربع سنوات، لم يعد أوباما يروج لمسألة الحرب الخيرة. بل هو يسارع بغسل يديه منها. وذلك موقف يستهدف الجماهير في أمريكا، حيث أصبح الكثيرون ـ ومنهم من صوتوا لأوباما ـ لا يريدون المزيد من هذه الحرب. وهم يقيمون موقفهم هذا بناء على تضليل يتعرضون له بسبب عدم استقرار العراق وأفغانستان وبسبب إنهاك تعرضوا له بعد عشر سنوات من الحرب. فهم لا يؤمنون أن الحرب كانت الحل الصحيح لمشكلة الإرهاب، وهم ما عادوا يأبهون بآلات التخويف التي كانت إدارة بوش تستعملها وقودا لسياستها الخارجية. ويتزايد الإحساس الآن بأنه ما من مصالح استراتيجية لأمريكا في أفغانستان تبرر حضورا كبيرا على الأرض.
كان الهدف من تبني أوباما لحرب أفغانستان في البداية هو مغازلة الرأي العام، فلما تغير الرأي العام، سارع إلى إعلان النصر واستدعاء القوات إلى الوطن. وكانت تصرفاته من البداية إلى النهاية تتم بدافع من ألاعيب السياسة، وكان لذلك مردود داخلي طيب. أما بالخارج، فلم تكن للقصص التي تحكيها الولايات المتحدة تبريرا لتخبطها مصداقية لدى عدو أو صديق. إذ كان الجميع يعرفون الحقيقة: أمريكا سوف تترك أفغانستان لمواجهة مصيرها وحدها. أمريكا راحلة برغم أن شياطين الفوضى الإقليمية ينهضون من جديد ليهددوا الأمن هناك.
أمريكا لم تنتصر في هذه الحرب داخل ميدان المعركة، ولا هي أنهتها على مائدة التفاوض. كل ما هنالك أن أمريكا تغسل يديها من الحرب. ولعلنا نرجو للجيش الأفغاني الذي تنشئه الولايات المتحدة أن يدوم أطول من الجيش الذي أنشأه الاتحاد السوفييتي، ولكن حتى تحقق هذا الرجاء ليس هو الحل. فمن المحتمل جدا أن تظفر طالبان من جديد بأفغانستان، وتكون هذه الحرب الطويلة الباهظة كلها بلا جدوى.
***
عندما مات هولبروك في ديسمبر 2010، أبقت كلينن مكتبه حيا، ولكن البيت الأبيض استطاع أن يستولي على ملف أفباك، بأن سمح للبنتاجون بتولي ملف أفغانستان، وللمخابرات المركزية بتولي ملف باكستان. وكانت كلينتن تريد أن تعين "جون بوديستا" خلفا لهولبروك، وبوديستا عضو نافذ في الحزب الديمقراطي سبق له العمل في إدارة كلينتن. ولكن بوديستا بدا أقوى مما ينبغي (حتى مقارنة بالرئيس) وذا خلفية مبهرة، وكان وجوده سوف يجعل من الصعب على البيت الأبيض أن يختطف سياسة أفباك. فاعترض البيت الأبيض على الاختيار.
* ولي نصر، عميد معهد بول نيتز للدراسات السياسية المتقدمة بجامعة جون هوبكنز . عمل في الفترة من 2009 إلى 2011 كبير المستشارين للمبعوث الأمريكي الخاص للشئون الأفغانية والباكستانية السفير ريتشارد هولبروك.
والمقال منشور أصلا في مجلة فورين بوليسي أما الترجمت فنشرت على حلقتين الأسبوعين الحالي والسابق في جريدة عمان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق