السبت، 30 مارس 2013

الطريق إلى التطرف استقصاء رحلة سلفي ألماني في مصر (2 ـ 2)





الطريق إلى التطرف
استقصاء رحلة سلفي ألماني في مصر


تاكيس  فيوجر
 
للرياح الباردة صفير في عبورها الشبابيك في الإسكندرية. يقول راثكامب "سأذهب اليوم وحدي للصلاة، ربما يكون خيرا لك أن لا تبقى جالسا بالخارج".
كان قد حان وقت صلاة المساء[i] التي تستمر في العادة قرابة عشرين دقيقة. لكن ساعة مضت وراثكامب لم يرجع. وحينما تمضي ساعتان، أقرر النزول إلى الشارع.
السماء ملبدة بالغيوم وثمة عاصفة تتكون. يجلس الرجال متحلقين حول النار في الحواري، يدفئون أيديهم. أخطو إلى الخارج، فأدرك بمجرد أن أرى وجوههم أن خروجي كان خطأ.

مدخل عمارة في حي المندرة الذي يقال إن مئات الأجانب المهتدين إلى الإسلام يقيمون فيه

أخطو راجعا إلى مدخل العمارة. لا يمكنني الرجوع إلى الشقة، فليس لدي مفتاح. أتذكر ما قاله لي راثكامب "أنت لا تريد أن تكون الثقاب الذي يقع في علبة بنزين". وأدرك أنني، حينما خرجت من الشقة، فتحت بيدي علبة البنزين.
يدخل رجلان إلى مدخل العمارة ويقفان أمامي. لهما لحيتان سوداوان. أحدهما يلف حول رأسه وشاحا أحمر كأنه ثعبان نائم، وللآخر تحت عينيه هالات سوداء، كأن ثمة ما يتقيح تحت جلده.
يقولون: من أنت؟ ومن أين أنت؟ أنت ألماني! ما الذي تفعله هنا؟ ما دينك؟ نحن لا نريدك هنا. أين جواز سفرك؟ لماذا تراقبنا؟ لماذا تنظر إلى الناس في الشارع. لقد رأيناك ورأينا كيف كنت كامنا في مدخل العمارة. سنرفع تقريرا بشأنك. مجيئك إلى هنا كان خطأ.
ومع كل رد مني، كان صوت الرجلين يرتفع أكثر. يقولان بالعربية جملا قليلة، ثم يمضيان عني. أنتظر نور المدخل أن ينطفئ وأبقى مختفيا في الظلام.
يدخل راثكامب ولاو إلى مدخل العمارة بعد دقائق قليلة. يقول راثكامب ؟ أظن من الأفضل ألا تبيت هنا الليلة".
فيما ألملم أغراضي، يوضح لي لاو أن إخوته المسلمين قالوا له إنهم يخشون من احتمال أن أمنعهم من القتال في مالي أو سوريا. يقول لي إن الألمان ليسوا هم الخطرين. فهؤلاء يكرهونني لا أكثر، لكن هناك إخوة آخرين يصلون في المساجد، رجال يسيرون متخفين، بوسنيون وألبانيون، وجهاديون. يرونني حربيا، كافرا لا حق لي في الحياة.
يأخذ لاو حقيبتي المعلقة إلى كتفي ويحملها عني. نسمع طرقا عنيفا على الباب. يجفل لاو، ينظر من العين السحرية وتند عنه تنهيدة ارتياح. إنه مالك العمارة وقد جاء ليتأكد أن الماء وصل إلى الشقة الجديدة.

"ليس طريق الله"

عندما يغادر ثلاثتنا العمارة، أبدأ السير في الحارة التي أعرفها. ولكن لاو يقودني من ذراعي قائلا "من هنا. هنا أكثر أمانا". عندما نصل إلى حافة الحي، حيث يبدأ الطريق الأسفلتي، نسمع المؤذن يرفع النداء لصلاة الليل. يقول لاو "سأذهب لأصلي بسرعة". يذهب راثكامب فيشتري لنا كوبي عصير برتقال. نقف تحت المطر قليلا. يتحسس راثكامب لحيته قليلا ثم ينظر لي في النهاية ويقول "أنا فعلا غير مرتاح لهذا".
يقلنا تاكسي إلى المدينة فأستأجر غرفة في فندق يقف على بابه أربعة من الحراس وعند مدخله جهاز للكشف عن المعادن. يحمل لاو حقيبتي حتى نصعد إلى الغرفة، ويسألني وهو يضع يده على كتفي "أنت أحسن حالا الآن، أليس كذلك؟"
نجلس في أحد مطاعم الوجبات السريعة، وهو من سلسلة مطاعم تشيليز الأمريكية. يطلب راثكامب دجاج كريسبي، ويطلب لاو ساندوتش ديك رومي بدون لحم الخنزير. ويقول لاو "عرفتَ الآن كيف كان إحساسنا ونحن في ألمانيا؟"
ونحن نمضع البطاطس المقلية في صمت، خطر لي خاطر: كم كان العالم ليكون هادئا لو لم يتم اختراع الدين قط؟
يقول راثكامب "هذا الذي مررتَ به ليس طريق الله".

راثكامب في مسجد في مصر

ليس واضحا تماما لماذا اختار راثكامب طريقه. ربما لأن السلفية كانت بالنسبة له أنأى شيء ممكن عن نشأته في عائلة بروتستنتية في ولاية جنوب سكسونيا. أو ربما لأن الذكورية اختفت من المجتمع الألماني والإسلام الراديكالي شديد الذكورية. أو ربما لانه لا إله فعلا إلا الله، ولأن محمدا، عليه السلام والجلال، رسوله.
يقول خبراء الإرهاب إن تحويل شخص مثل راثكامب إلى التطرف يجري على ثلاث مراحل. في المرحلة الأولى يقام بناء من الكراهية للانتهاكات والتمييز. في الثانية تمتزج هذه المشاعر مع أيديولوجية تقوم بتفسير الاستياء وتقدم سبيلا إلى تحسين الأوضاع. أما ثالث المراحل فقوامها الحشد من خلال ديناميكيات جماعة أو زعيم ذي كاريزما.
بالنسبة لبعض السلفيين في المندرة، أفضت هذه المراحل الثلاثة إلى حالة من الظلام يرون من داخلها كل زائر بوصفه عدوا. دينيس راثكامب وسيفن لاو متطرفان هما أيضا، ويؤمنان بقيم نحن نرفضها، ولكنهما، مع ذلك، يتعاملان معي كصديق. وهما دليل على أن السلفية ليست منحنى مباشرا من النور إلى الظلام، وأن عملية صناعة المتطرف يمكن أن تتباطأ، كما يمكن أن تغير مسارها، أو تتخذ مسارا عكسيا تماما.
وأنا أتناول آخر قضماتي، أسأل لاو إن كان يفهم إخوته المسلمين الذين يقررون الدخول في "الحرب المقدسة" والقتال في سوريا. فيقول "أشعر بالطبع بضرورة تقديم مساعدة، ولكنني لست مدربا على القتال، ولا أعرف لي طريقا هناك. لقد أنعم الله علينا بالعقل. وأنا عندي أسرة ومسئول عن أطفال. أنا لست مقاتلا. أفضل أن أرسل المال والمساعدات الطبية".

اتصال هاتفي


أبو آدم (يمينا) وعبد الملك  (يسارا) أثناء الوضوء

أفكار لاو عن الحياة مطاطية بالقدر الذي يتسع لمساحة رجل الإطفاء السابق، وسندوتش الديك الرومي، والإسهام في "حرب مقدسة" بالمساعدات الطبية. لكننا على الأرجح سوف نظل عاجزين عن فهم مثله من الرجال ما بقينا نعتمد على العقل والمنطق. فليس المنطق هو الذي يقود حياة لاو.
ونحن نودع بعضنا البعض يقول لاو "اكتب في موضوعك ما تشاء، لكن هذه هي حياتي. فقط أسدِ لي معروفا من فضلك واكتب أنني راض عن الطريقة التي عوملتَ بها. أنا خاضع للجماعة".
وفي الصباح التالي، حين أقابل راثكامب في غرفتي بالفندق، يحكي لي عن أول مرة دخل فيها مسجدا، عن مدى جمال موسيقى القرآن عند قراءته بالعربية ولماذا لم يعد يطلق على نفسه اسم دينيس بل عبد  الملك.
حوالي الظهر، يقول إنه يريد أن يذهب للصلاة، فنمشي معا خمس دقائق إلى مسجد داخل السوبر ماركت. أفتح تليفوني وأقرأ رسالة  من رئيسي: "اتصل بي فورا. الأمر عاجل".
أتصل.
يسألني: "أين أنت؟"
أقول "أنا واقف أنتظر أمام مسجد. السلفي يصلي".
"ضع نفسك حالا في تاكسي وانطلق إلى المطار".
"لم أنته بعد من الموضوع. والأمور جيدة"
يقول "اسمعني. لا أستطيع الآن أن أقول لك أي شيء. ابتعد فورا. أنت لم تعد في أمان".
أسارع إلى الفندق وأطلب تاكسي. يدخل راثكامب البهو فيرى حقيبتي.
يسأل "ما المشكلة؟"
أقول "أنا مسافر. جاءني اتصال، والأمر عاجل".
يسأل "هل لهذا أية علاقة بي؟"
يتوقف التاكسي أمام باب الفندق. يعانقني راثكامب. يقول "سلام عليكم". يقلني التاكسي إلى مطار القاهرة وأترك مصر في أول رحلة.
في ألمانيا، أعرف أن دير شبيجل تلقت اتصالا من مجهول من مصر، أن المتصل قال إن حياتي في خطر في الإسكندرية، وأن هناك احتمالا أن يقتلني السلفيون أو يختطفونني.

أسئلة بلا إجابات
كنت أريد أن أقيم في مصر أسبوعين، ولكن إقامتي اقتصرت على أيام ثلاثة فقط. ذهبت أبحث عن إجابة لسؤال عن دوافع السلفيين الألمان. إن دينيس راثكامب يريد أن يعبد ربه في سلام. وسيفن لاو يريد أن يساهم في "الحرب المقدسة" بمساعدات طبية. لكن ربما يكون لدى أولئك الرجال أهداف حرصوا على إخفاءها عني. فقليل من السلفيين يريدون القتال في مالي. وقليل منهم ربما يريدون قتلي أيضا.
كانت في الصفحة الأخيرة من دفتري أسئلة لم يتسن لي قط أن أطرحها: لماذا يقول القرآن إن موت الشهيد بالذات أمر جميل؟ ما اعتراض الله بالضبط على أن يتجاوز البنطلون الكاحلين؟ والسؤال الأخير في دفتري كان موجها إلى دينيس الذي ربما كان سيجيبه باعتباره عبد الملك: هل أنت سعيد؟
جلست في الطائرة راجعا إلى الوطن وأنا أفكر في أنني قبل أقل من أربع وعشرين ساعة فقط كنت مع راثكامب ولاو في مطعم للوجبات السرعية في الإسكندرية.
كيف أننا كنا نسخر من طريقة تخلص المصريين من القمامة (والحقيقة أنهم لا يتخلصون منها)، وأن حوافر شاة مقطوعة كانت ملقاة في الشارع عند دخولي حي المندرة. ضحكنا من خوفي أن نموت حينما قام السائق الذي أقلني أنا وراثكامب من المطار بتغيير وضع السيارة "اللادا" السوفييتية إلى وضع السير الخلفي ونحن على الطريق السريع.
سلفيان ومسيحي كانوا جالسين على منضدة يتناولون معا الخبز والملح وكأنما يمكن لهذا العالم أن يكون مكانا جميلا.

الترجمة إلى الإنجليزية بقلم كرستوفر سلطان
عن دير شبيجل في 15 مارس 2013


[i]
حرصت الترجمة على مثل هذه الحرفية لإعطاء فكرة عن طبيعة المفاهيم التي تصل إلى القارئ الغربي عن الإسلام والحضارة الإسلامية

 





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق