الثلاثاء، 12 فبراير 2013

هل يمكن إحياء نياندرتال؟



هل يمكن إحياء نياندرتال؟
حوار: فيليب بيثجي ـ جوان جرول





في حوار مع دير شبيجل، يوضح "جورج تشيرش" خبير علم الأحياء التركيبي synthetic biology  في جامعة هارفرد كيف أن الحمض النووي DNA سوف يكون مادة البناء المستقبلية القادرة على بناء بشر مقاومين للفيروسات، والقادرة ربما على إعادة سلالات بائدة مثل نياندرتال إلى الحياة.
يبلغ جورج تشيرش من العمر ثمانية وخمسين عاما، وهو من رواد علم الأحياء التركيبي، ذلك المجال الذي يرمي إلى أن يقوم معمليا بتخليق الحمض النووي والأعضاء المركبة. خلال ثمانينيات القرن الماضي، ساهم أستاذ الجينات بجامعة هارفرد في إطلاق مشروع الجينوم البشري الذي أنتج خريطة الجينوم البشري. وبالإضافة إلى عمله الراهن المنصب على تطوير آليات لسلسلة الحمض النووي وتركيبه، يشارك في تأسيس نحو دزينتين من المزارع البيوتكنولجية.  وفي كتابه الحديث "التكوين الثاني: كيف سيعيد علم الأحياء التركيبي اختراعنا نحن والطبيعة؟"، الذي قام بتشفيره على هيأة خيوط من الحمض النووي وتوزيعه على شرائح حمض نووي صغيرة، يرسم تشيرش قصة خلق جديد يتم هذه المرة بيد البشر.
كانت لدير شبيجل مؤخرا جلسة مع تشيرش لمناقشة سِفره الجديد وآفاق استخدام علم الأحياء التركيبي في إعادة نياندرتال من انقراضه وفكرة صنع بشر قادرين على مقاومة جميع الجراثيم.
***
ـ السيد تشيرش، تتنبأ بأنه سوف يتسنى في القريب استنساخ نياندرتال. ماذا تعني بـ"القريب"؟ هل ستشهد في حياتك ميلاد طفل نياندرتال؟
ـ هذا يعتمد على جحيم من الأمور لا أول لها ولا آخر، ولكنني أعتقد أن هذا سوف يحدث. والذي يجعلني أعتقد بإمكانية ذلك هو أن هناك حفنة من التقنيات التي تتطور بسرعة لم تكن قائمة من قبل. قراءة الحمض النووي على وجه الخصوص أصبحت الآن أسرع بمليون مرة مما كانت عليه قبل ثماني سنوات. وهناك تقنية أخرى سوف تلزم لإبطال انقراض نياندرتال وهي الاستنساخ البشري. نحن قادرون على استنساخ جميع أنواع الثدييات، فمحتمل جدا أن نستطيع استنساخ إنسان. إذ ما الذي يجعلنا غير قادرين على هذا؟

ـ ربما أن هذا ممنوع؟
ـ قد يكون الأمر كذلك في ألمانيا، لكنه ليس ممنوعا في كل العالم. وعلى فكرة، القوانين يمكن أن تتغير.

ـ هل استنساخ نياندرتال أمر مرغوب فيه؟
ـ هذه مسألة أخرى. أنا شخصيا أحدد الأشياء المرغوب فيها بناء على التوافق المجتمعي. لكن دوري أنا هو أن أحدد ما  هو ممكن تقنيا. كل ما أستطيع القيام به هو تقليل المخاطرة وزيادة الفوائد.

ـ فلنتكلم إذن عن الفوائد المحتملة من نياندرتال في هذا العالم.
ـ حسن، نياندرتال قد يفكر بطريقة مختلفة عن التي نفكر بها الآن. نحن نعرف أن جماجمها أكبر. ولعلها تكون أذكى منا أيضا. وحينما يحين الوقت الذي يتحتم فيه التعامل مع وباء أو خروج جماعي من الكوكب أو ما شاكل ذلك، فمن المحتمل أن تكون لطريقتها في التفكير فائدة.
ـ كيف يمكن أن نتخيل هذا: تقوم بتحضير نياندرتال في معمل، وتطلب منه حل مشكلات وتدرس طريقتها في التفكير؟
ـ لا، من المؤكد أنه سوف يتحتم خلق مجموعة فيتسنى لها أن تمتلك إحساسا بالهوية. بل إن من الممكن أن تخلق هذه المجموعة ثقافة نيونياندرتالية جديدة وتصبح قوة سياسية.

ـ ألن يكون أمرا إشكاليا من وجهة النظر الأخلاقية أن يتم خلق نياندرتال من أجل الفضول العلمي وحده؟
ـ حسن، قد يكون الفضول جزءا من الأمر، ولكنه ليس القوة الدافعة الرئيسية. الهدف الرئيسي هو زيادة التنوع. الشيء الخطر على المجتمع هو نقص التنوع. هذا يصدق على الثقافة مثلما يصدق على التطور، وعلى السلالات مثلما على المجتمعات. لو أن الثقافة تحولت إلى ثقافة أحادية، لأصبح خطر الهلاك محدقا. وعليه فإن إعادة خلق نياندرتال سوف تكون في المقام الأكبر مسألة حماية مجتمعية.

ـ لو نحينا كل الشكوك الأخلاقية جانبا، هل تعتقد بالإمكانية  التقنية لإعادة إنتاج نياندرتال؟
ـ أول ما ينبغي القيام به هو سَلْسلة الجينوم النياندرتالي، وهذا تم بالفعل. الخطوة الثانية هي تقسيم هذا الجينوم إلى عشرة آلاف شريحة ثم تركيب هذه الشرائح. وأخيرا يتم وضع هذه الشرائح في خلية جذعية بشرية. ولو أننا قمنا بهذا كثيرا، فسوف يتسنى لنا توليد خلية جذعية تقترب أكثر فأكثر من متسلسلة نياندرتال المناظرة. ولقد طورنا الإجراء شبه الأوتوماتيكي اللازم لعمل هذا في معملي. وأخيرا يتم تجميع الشرائح في خلية جذعية بشرية وبذلك يتسنى خلق نياندرتال مستنسخ.

ـ ويكون الحاضن بشريا، صح؟ تقول في كتابك إن "امرأة مغامرة إلى أقصى حدود المغامرة" سوف تصلح لأن تكون الأم الحاضنة
ـ نعم. بشرط مسبق بطبيعة الحال، وهو أن يصبح استنساخ البشر مقبولا اجتماعيا.

ـ هل يمكن إيقاف الإجراء في منتصف الطريق وبناء نصف نياندرتال باستخدام هذه التقنية؟
ـ يمكن وقد يحدث. وقد يصل الأمر إلى أن لا نحتاج من جينوم نياندرتال إلا إلى بعض التحولات mutations  القليلة. وبفرض أن هذا تحقق فنجد مثلا أن هذه التحولات الخمسة قادرة على تغيير المسارات العصابية ، وحجم الجمجمة وبضع أشياء محورية قليلة أخرى. من شأن هذا أن يعطينا ما نريد من ناحية التنوع العصابي. وأشك أننا في حالة كهذه قد نبالي كثيرا بما سيئول إليه شكل الوجه (يضحك)

ـ هل يمكن أن يأتي اليوم الذي يمكن فيه أن نغوص أكثر في التاريخ التطوري ونعيد خلق أسلاف أكثر قدما من نياندرتال مثل الأوسترالوبيثيكوس Australopithecus  أو الهومو إركتوس Homo erectus؟

ـ حسن، يمكن الوصول إلى أي شيء إذا توفر الحمض النووي. ولكن حدود العثور على شظايا الحمض النووي يدور ربما في فلك مليون عام فقط.

ـ هذا يعني أننا لن نشهد عودة إنسان الكهف أو الديناصورات؟
ـ ربما لا يحدث هذا. لكن حتى إذا لم يتوفر الحمض النووي، يبقى من الممكن عمل شيء شبيه. فمثلا، لو أننا أردنا عمل ديناصور، ربما يكون علينا أولا أن ننظر في النعامة، فهي من أقرب أقارب الديناصور الأحياء. نأخذ نعامة، وهي طائر ضخم، ونتساءل: "ما الفارق بين الطيور والديناصورات؟ كيف حدث أن فقدت الطيور أيديها؟" ونحاول تحديد التحولات مستعينين بالهندسة الوراثية الارتجاعية إلى الديناصور. أظن هذا الأمر سوف يكون مجديا.

ـ  وارد أيضا أن نخلق أنماطا حياة لم يسبق لها الوجود؟ أرانب على سبيل المثال لها أجنحة؟
ـ هذا احتمال أبعد. ومع ذلك، ينبغي أن تكون الأمور ممنطقة من وجهة النظر الهندسية. هناك حزمة من الأمور التي تجعل الطيران ممكنا بالنسبة للطيور، وليس الأجنحة فقط. فعظام الطيور شديدة الخفة، والريش، وعضلات الصدر في غاية القوة، وتستمر القائمة.

ـ الأرانب الطائرة والديناصورات العائدة لا تبدو اليوم إلا من قبيل الخيال العلمي. لكن العلماء يقومون حاليا بتخليق حياة تركيبية على المستوى الجرثومي. فهناك بكتريا جديدة تكتشف الزرنيخ في مياه الشرب. وهم يخلقون لقاحات مركبة ووقود ديزل. أنت تسمي هذه المخلوقات بـ "الآلات الجديدة". فما علاقتها بالآلات التي نعرفها؟
ـ الكائنات جميعا آلات بمعنى أنها تتألف من أجزاء متحركة وما يشبه التروس الداخلية. الفارق الوحيد أنها معقدة بطريقة لا يمكن تصديقها. هي آلات تتسم بدقة ذرية.

ـ وما الذي سوف تستخدم فيه هذه الآلات؟
ـ أوه، علم الحياة سوف يخترق تقريبا كل مجالات التصنيع. لن يكون مقصورا على الزراعة والطب. يمكننا أن نستخدم علم الأحياء بطرق لم يسبق قط أن استخدم فيها هذا العلم. فيمكن مثلا استخدام جزيئات الحمض النووي كسقالات ثلاثية الأبعاد للخامات اللاعضوية ويتم هذا بدقة ذرية. كما أنه يمكن تصميم أي بنية تقريبا باستخدام الكمبيوتر ثم بضغطة زر يكون هناك حمض نووي مركب داخليا.

ـ الحمض النووي إذن بوصفه خامة البناء في المستقبل؟
ـ بالضبط. وهذا مذهل. علم الأحياء بارع في صنع الأشياء شديدة الدقة. لننظر مثلا إلى الشجر. الأشجار معقدة بصورة كبيرة للغاية، من وجهة النظر الجزيئية على الأقل. ومع ذلك، فهي شديدة الرخص لدرجة أننا نحرقها أو نحولها إلى مناضد. الطن من الشجر يكلف نحو خمسين دولارا. هذا يعني أن من الممكن صنع أشياء ذرية الدقة تقريبا بسعر خمسة سنتات للكيلو.

ـ أنت تتكلم بجدية عن استخدام الحمض النووي  في صنع جميع أنواع الآلات ـ من سيارات وكمبيوترات وآلات للقهوة
ـ أعتقد أن الاحتمال كبير للغاية في أن يكون هذا ممكنا. والحقيقة أن الكمبيوترات المصنوعة من الحمض النووي ستكون أفضل من الكمبيوترات الحالية لأنها ستعمل بمعالِجات أصغر وستكون أكفأ في التعامل مع الطاقة.

ـ لنستعرض الآن بضع تطبيقات مختلفة لعلم الأحياء التركيبي. كم من الزمن يلزم قبل أن نملأ سياراتنا بوقود أنتجته ميكروبات مركَّبة؟
ـ الواقع أن لدينا بالفعل كائنات تنتج وقودا صالحا لمحركات السيارات الحالية. هذه الكائنات تقوم بتحويل ثاني أكسيد الكربون والضوء إلى وقود من خلال استخدام التركيب الضوئي photosynthesis بالدرجة الأساسية.

ـ وهذا يتم بطريقة اقتصادية مقبولة؟
ـ إذا كان 1.30 دولار للجالون سعرا مناسبا، فالإجابة نعم. وسوف يقل السعر.

ـ علينا إذن أن نعجل باستيعاب الحياة التركيبية في تخطيطنا لمستقبل الطاقة في ألمانيا؟
ـ الحقيقة، لا أجد من الضروري أن أظن بأن التريث خطأ. فألمانيا لا تخسر ما تكسبه دول أخرى الآن، لكن ينبغي أن يكون هناك قدر من التخطيط ورسم السياسات.

ـ الألمان بطبيعيتهم يتخوفون من الكائنات المعدلة جينيا
ـ لكن لا تنسوا: ما نتكلم عنه الآن ليس الكائنات المعدلة جينيا. ستكون هذه في حاويات، فإذا توفرت عملية تخطيط حذرة، أعتقد أن ألمانيا ستبرع في عمل هذا براعة أي دولة أخرى.

ـ هناك معارضة شعبية ضارية للهندسة الجينية في ألمانيا. كيف تراها؟ هل تثير ضيقك؟
ـ بالعكس تماما. بل أعتقد على المستوى الشخصي أنها مثمرة. وأعتقد أن هناك حالات قليلة نسبيا أفضى فيها النقاش إلى إبطاء التكنولوجيا. أعتقد أننا يجب أن نتحلى بالحذر على ألا يعني ذلك أن نعطل التكنولوجيا الجديدة. بل يجب أن يعني ذلك الإنصات، والمراقبة، وإجراء الاختبارات. ويجب أن نضمن أن يكون الرأي العام على دراية جيدة بما يجري. وسوف يكون شيئا عظيما إذا حدث وأصبح الساسة في كل أرجاء العالم مهرة في التكنولوجيا مهارة المواطن العادي في السياسة.

ـ القبول يبلغ أقصى ذراه حينما يكون أول تطبيقات التكنولوجيا الجديدة في مجال الصناعة الطبية ...
ـ ... نعم، وقدرات الحياة التركيبية هائلة بصفة خاصة فيما يتعلق بالصيدلة. ولعل أيام العقاقير الجزيئية molecule  الصغيرة الكلاسيكية تكون معدودة. بل إن مجرد استمرارها في العمل أصلا إلى الآن معجزة في حد ذاته. فهذه الأدوية تعطي جرعاتها للجسم كله. فتتفاعل تفاعلات غير مرغوبة مع جزيئات أخرى. في حين أننا نتحسن يوما بعد يوم في برمجة الخلايا. ولذلك أعتقد أن العلاجات الخلوية سوف تكون الفتح القادم. ففي حال القيام بهندسة الجينومات والخلايا، يتوفر بناء على ذلك قدر لا يصدق من التعقيد. ولو أننا ضربنا مثالا بفيروس الآيدز ...

ـ ... وهذا مرض تريد أن تنتصر عليه بالعلاج الخلوي؟
ـ نعم. كل ما يلزم هو أخذ خلية الدم المصابة من الجسم وإعادة هندستها باستخدام العلاج الجيني للتوصل إلى نسخ من جين CCR5 وهو الجين المسئول عن تلقي الآيدز ثم حقنها في الجسم، وفي هذه الحالة لا يعود من الممكن التعرض للإصابة بالآيدز من جديد لأن الفيروس سوف يعجز عن اختراق الخلايا.

ـ هل نصيب إذا افترضنا أنك لن تتردد في استخدام العلاج الخلوي الجرثومي أيضا إذا أمكنك تحسين البشر جينيا بهذه الطريقة؟
ـ حسن، هناك بالفعل العلاج بالخلايا الجذعية. هناك زرع الخلايا الجذعية الدموية وهو منتشر على نطاق واسع وزرع الخلايا الجذعية الجلدية. بمجرد امتلاك الخبرة الكافية بهذه التقنيات يمكن البدء في الحديث عن الاستنساخ البشري. من الأشياء الواجب القيام بها هندسة خلاياتا بحيث تقل احتمالية إصابتها بالسرطان. وبمجرد أن تقل احتمالية إصابتنا بالسرطان، يمكن رفع خواصها المتعلقة بالتجدد الذاتي وتقل بذلك احتمالية إصابتها بالشيخوخة. هناك من الناس من يعيشون حتى يبلغوا 120 عاما. ماذا لو أننا جميعا قادرون أن نعيش حتى نبلغ الـ 120؟ قد يعد هذا من الأشياء المرغوب فيها.

ـ ولكنك لا تعرف بعد أي الجينات هي التي يجب تغييرها لتحقيق هذا الهدف.
ـ ولكي نكتشف هذا، نعمل الآن على سلسلة أكبر عدد ممكن من الناس الذين تجاوزت أعمارهم 110 عاما. وليس هناك من هؤلاء في العالم كله إلا ستون شخصا نعرفهم.

ـ هل توصلتم فعلا إلى أية نتائج؟
ـ مبكر جدا القول بهذا. ولكننا جمعنا الحمض النووي من نحو عشرين منهم، وبدأ التحليل للتو.

ـ تتوقع أن تكون لديهم جميعا نوعية التحولات التي تضمن طول العمر؟
ـ هذا احتمال. الاحتمال الآخر أن تكون لكل منهم ميزته الصغيرة التي يتميز بها عمن سواه. ما نتطلع إليه هو مجموعة الجينات الوقائية. لو أن لكل واحد منهم مجموعته الخاصة، فبوسعنا النظر إلى المجموعات كلها، ونرى ما قد يحدث لو أننا وضعناها جميعا في شخص واحد؟ هل تبطل بعضها بعضا أم أنها تتعاون؟

ـ أنت تتصور بجدية حقبة جديدة تعمل فيها الجينات كمضادات للشيخوخة؟
ـ وما المانع؟ أشياء كثيرة كانت من قبل مرهونة بالحظ  ولكن لم يعد لزاما تركها مرهونة به لو أننا أدخلنا علم الأحياء التركيبي إلى المعادلة. ولنضرب مثالا بمقاومة الفيروسات ...

ـ ... وهي بدورها أمر قابل للتحقق باستخدام علم الأحياء الرتكيبية؟
ـ نعم، حيث يتبين أن هناك طرقا مؤكدة لصنع عضويات  من أي نوع مقاومة لأي نوع من الفيروسات. لو تم تغيير الشفرة الجينية ...

ـ أنت تتكلم عن الشفرة التي تستخدمها جميعا أشكال الحياة في تشفير معلوماتها الجينية؟

ـ بالضبط، يمكن تغيير هذه الشفرة. ونحن نختبر هذا في البكتريا، وقد يكون ممكنا جدا خلق مضاد أكيد لفيروس الإشريكية القولونية [بحسب ترجمة ويكيبديا لـ  Escherichia coli] على سبيل المثال. ولكننا لن نقطع بشيء ما لم نصل إليه فعلا. وأنا لا أعد بأي شيء. أنا فقط أمهد الطريق، بحيث يتسنى للناس أن يروا المستقبل الذي نحن مقبلون عليه.

 

ـ ولو نجح هذا في البكتريا، فقد تنتقل إلى النباتات، فالحيوانات، بل والبشر؟ بمعنى: لا حصبا ولا إنفلونزا بعد ذلك.

ـ مؤكد. وهذا بالمناسبة سيكون  حجة أخرى من حجج الاستنساخ، فمن المحتمل أن يكون الاستنساخ من أفضل السبل الممكنة لبناء بشر مقاومين للفيروسات. وقد يتم القبول بهذه الإجراءات، طالما هي تجري ببطء وتخضع لاختبارات كافية. وأنا لست أناضل. أنا فقط أقول إن هذه هي الطريقة التي قد تجري بها الأمور.

 

ـ الأمر كله يبدو بسيطا ومباشرا. أليست العمليات التركيبية أشد تعقيدا مما تود أن تسوقنا إلى الاعتقاد به؟

ـ بلى. الأحياء علم معقد، ولكنه في واقع الأمر أبسط من كثير من التقنيات التي نتعامل معها. وسبب ذلك أننا أوتينا هبة عظمى وهبتنا إياها الأحياء. إذ أن بوسعنا أن نأخذ قليلا من الحمض النووي ونضعه في خلية جذعية بشرية وما يلي ذلك لا يزيد عن عملية تجميع ذاتية. تحدث من تلقاء نفسها.  الأمر أشبه بمهندس يترك في فناء بيتنا مركبة فضاء تكاد تخلو من أدلة التشغيل، لكن كثيرا مما فيها واضح من تلقاء نفسه. فتتناول شيئا فيها وإذا بك تعرف الكثير عما يفعله بعد قليل من الفحص.

 

ـ هل تتفهم أن البعض سوف يشعر بعدم الارتياح إزاء فكرة تغيير جينوم السلالة البشرية؟

ـ أعتقد أن تعريف السلالة ذاته في سبيله إلى التغير على أية حال. فتعريف السلالات المختلفة حتى الآن يقوم على فكرة أن هذه السلالات غير قادرة على تبادل الحمض النووي. ولكن الحواجز القائمة بين السلالات تسقط يوما بعد الآخر. ومن المحتمل أن يتبادل البشر الجينات مع جميع أنواع الكائنات.

 

ـ تفكر أولا في تغيير شفرة جينية عمرها ثلاثة بليون عام. ثم توضح كيف أنك تريد خلق إنسان جديد أفضل. ألا تتساءل عن اللحظة التي سوف يتهمك الناس فيها بأنك تلعب دور الإله؟

ـ أنا بالتأكيد أحترم عقائد الآخرين. ولكن الدين بصفة عامة لا يريد الناس أن يموتوا من الجوع. واليوم لدينا سبعة بلاين إنسان يعيشون على هذا الكوكب. ولو أن جزءا من حل مشكلة التغذية لكل هذا العدد هو أن تجعل محاصيلهم مقاومة للفيروسات فعلينا إذن أن نتساءل: هل في الإنجيل ما يمنع السعي إلى خلق محاصيل مقاومة للفيروسات؟

 

ـ المحصول المقاوم للفيروسات شيء، والإنسان المقاوم للفيروسات شيء مختلف تماما.

ـ لماذا؟ نحن في التكنولوجيا لا نقفز. إنما هو زحف بطيء. ونحن لن نصنع إنسانا مقاوما للفيروسات قبل أن نصنع بقرة مقاومة للفيروسات. ولا أفهم لماذا يمكن أن يتأذى أحد من هذه التكنولوجيا الجديدة.

 

ـ بعديا عن الاعتراضات الدينية، تثير التكنولوجيا الحيوية مخاوف شديدة الواقعية. فأنماط الحياة الاصطناعية قد تتحول إلى أدوات للقتل. ألسنا بحاجة إلى احتياطات خاصة؟

ـ علينا أن نكون في غاية الحذر، أتفق على هذا تمام الاتفاق. وأنا لا أكاد أعترض مطلقا على التزام الحذر ووضع القواعد. بل إنني طلبت القواعد والإشراف والرقابة والترخيص للأحياء التركيبية. نعم، أنا أعتقد أن المخاطرة كبيرة. ولكن مخاطرة عدم القيام بأي شيء كبيرة بالمثل، لو أننا تأملنا حقيقة وجود سبعة بلايين شخص يحتاجون الطعام ويلوثون البيئة.

 

ـ مستر تشيرش، هل تؤمن بالرب؟

ـ سأكون أعمى لو لم أر ذلك الإيمان بأن مخططا كليا هو الذي  نتج عنه وجودنا حيث نحن اليوم. الإيمان قوة هائلة في تاريخ الإنسانية. وعليه فإنني أحترم أنواع الإيمان المختلفة. مثلما أعتقد بأن التنوع أمر شديد الأهمية من الناحية الجينية، ومن الناحية الاجتماعية أيضا.

 

ـ لكنك تتكلم عن إيمان الآخرين. فماذا عن إيمانك أنت؟

ـ عندي إيمان بأن العلم شيء طيب. وبجدية أقول إنني أجل الطبيعة إجلالا أكيدا. وأعتقد في واقع الأمر أن كلمة "الإجلال" خلقت تقريبا ليستخدمها العلماء. ليس العلماء جميعا يشعرون بهذا الإجلال، ولكن العلماء في موضع يجعلهم يشعرون بالإجلال أكثر من سواهم في هذا الكوكب، لأنهم القادرون على تخيل الأحجام المختلفة والتعقيدات الهائلة. قد يرى الشاعر زهرة فيمضي في وصف جمالها وفي تعداد ألوانها، لكن الشاعر لا يرى آلاف الأجيال من التوالد وبلايين السنين السابقة على ذلك. ذلك كله ليس متاحا إلا للعالم.

 

أرجو ألا تكون أخطاء هذه الترجمة فادحة، وأرجو ألا يبخل الأكثر خبرة مني بالترجمة العلمية بتنبيهي إلى ما يكتشفونه فيها من أخطاء

نشرت الترجمة صباح اليوم في ملحق شرفات والموضوع نشر أصلا في دير شبيجل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق