السبت، 6 أكتوبر 2012

الديمقراطية شيء نتعلمه ونحن نمارسه



الناشطة التونسية أميرة يحياوي عن التحديات الديمقراطية وخطر التطرف الإسلامي وانصراف الإعلام عن تونس:

الديمقراطية شيء نتعلمه ونحن نمارسه


حوار: ألكسندرا شيد

ـ رجعت إلى تونس بعد الثورة وقمت بتأسيس منظمة "البوصلة" غير الحكومية. ما الذي تركزين عليه في عملك؟
ـ نقوم بتغطية أنشطة الجمعية الدستورية من خلال موقع مرصد الإلكتروني، ومن خلاله ننشر نتائج التصويت وسجلات حضور النواب وسجلاتهم التصويتية. وفي نهاية أغسطس، قمنا بمقاضاة الجمعية لفرضها حظرا على المعلومات.

ـ هناك مشاريع مماثلة في أماكن أخرى من العالم.
ـ تم إطلاق موقع المرصد في خريف 2011. وعرفت بعد ذلك أن "جريجور هاكماك" يدير منصة مماثلة في ألمانيا. وسعدت كثيرا بالعمل الذي يقومون به ولا سيما بمقدرتهم على تيسير التفاعل بين النواب وناخبيهم إلكترونيا. وسوف نقوم بتنفيذ نظام السؤال والجواب في تونس خلال العام الحالي، وقد نشأ بيننا والألمان تعاون وثيق تحقيقا لهذا الهدف.


ـ هنا فارق حاسم: ألمانيا ديمقراطية مستقرة، وتونس ليست كذلك. هل تعتقدين أن العمل السياسي على الإنترنت سوف ينجح في تونس؟
ـ إنه ناجح فعلا. ليس المرء مضطرا أن يكون في بلد ديمقراطي أصلا لكي يسعى إلى الديمقراطية، هذا ما أظهره الربيع العربي بجلاء. أول نشر لنتائج التصويت أثار حركة. كان التصويت متعلقا برئاسة البنك الوطني التونسي، واقترحت الحكومة مرشحا ينتمي إلى النظام القديم. وللمرة الأولى، رأى التونسيون كيف جرى تصويت نوابهم وكأنهم حضروا التصويت بأنفسهم. قام بعض أعضاء حزب الحكومة بالتصويت ضد المرشح المقترح وصارت لهم الآن شعبية كبيرة. أعضاء آخرون هاجمهم زملاؤهم لعدم حضورهم جلسة التصويت.

ـ لا بد أن كثيرا من الساسة غير راضين عن هذه الشفافية المتزايدة ...
ـ في كل مرة أذهب فيها إلى البرلمان، يكون ثمة من يتابعني في كل خطوة. ليس لي الحق في حضور اجتماعات اللجان، لكن حينما لا يكون هناك أحد، فإنني أفتح الباب وأدخل. وأنقل على تويتر كل ما يقال إلى أن يطردونني. طبعا هذا لا يعجبهم، وطبعا لا يعجبهم أن يروا نتائج الاقتراع منشورة. والنتائج لا تكون علنية طول الوقت، لكننا نذهب إلى البرلمان ونقوم بتصوير عملية الاقتراع. وإذا حدث ولم نكن متأكدين من تصويت شخص نتصل به لنتأكد.

ـ وتنشرين المعلومات على الإنترنت. فإلى كم شخص تصلين؟
ـ ليس إلى كثير. في تونس، 37% فقط من السكان هم الذين لديهم اتصال بالإنترنت، ويعتقد كثير من هؤلاء أن الإنترنت يساوي فيسبوك. مقالاتنا تنشر على نطاق واسع من خلال فيسبوك، وهذا جيد.
ولكننا نريد أن يكتب الصحفيون عما نقوم به. وبذلك يمكننا الوصول إلى عدد أكبر من الناس. وهذه هي خطوتنا التالية.

ـ مر عام تقريبا منذ قام التونسيون بانتخاب جمعيتهم التأسيسية. هل تجذرت الديمقراطية؟ نحن في الغرب لا نزال نسمع الكثير عن مصر، ولا نكاد نسمع شيئا عن تونس...
ـ الأوضاع هنا هادئة للغاية. 300 شخص ماتوا خلال الثورة. وبالنسبة لنا كانت تلك صدمة هائلة، ولكنه لا يعد شيئا بالقياس الى القصص التي يحكيها لي أصدقاء من ليبيا. لقد كنت في فرنسا حينما بدأ الرئيس بن علي يفتح النار على المدنيين. وكان الشاغل الأكبر لي هو نشر المعلومات حول ما كان يجري في تونس. ذهبت إلى القناة الثانية في التليفزيون الفرنسي وقلت لهم إن أربعة أشخاص لقوا مصرعهم، وسألتهم إن كان يمكن أن يقوموا بتغطية هذا الخبر في نشراتهم. فلم يفعلوا، لأن عدد الضحايا لم يكن مرتفعا. والوضع اليوم لم يتغير، والمثال على ذلك نجده في التغطية الإعلامية للهجوم على السفارات الأمريكية. انصب التركيز على ليبيا لأن السفير الأمريكي مات هناك. ولكن الناس يموتون في أماكن أخرى كذلك.

ـ ليست الأوضاع جميعها جيدة في تونس؟
ـ صحيح. الدستور المقترح في غاية الرداءة. لا يعبر تعبيرا دقيقا عن حقوقنا وحرياتنا لأنه يستهدف تقليصها. ثمة تقييد لحرية التعبير كلما تعلق الأمر بالدين، على سبيل المثال. هذه أمور لا يتحدث أحد فيها.

ـ عندما تكتب وسائل الإعلام الغربية عن تونس، يكون ذلك غالبا في سياق الكلام عن الإسلام السياسي.
ـ عندما أكون في الخارج غالبا ما يقال لي: "أنتم لا تستحقون الديمقراطية، أنتم انتخبتم الإسلاميين".

ـ ويكون ردك؟
ـ نحن طبعا نستحق الديمقراطية! الناس لا تتعلم معنى الديمقراطية إلا من خلال ممارستهم للديمقراطية. صحيح أن السلفيين مشكلة، وصحيح أن للجماعات الإسلامية نفوذا، كل هذا صحيح. وصحيح أيضا أن الأحزاب الإسلامية لن تحظى إلا بـ 25% من الأصوات لو أقمنا الانتخابات غدا، وليس 40% كما في العام الماضي. فلقد بينت الأحزاي الإسلامية عجزها التام فيما يتعلق باقضايا الاقتصاديةـ كما أن الفساد الآن مستشر مثلما كان في أيام نظام بن علي.

ـ يبدو أن هذه هي المهمة الكبرى: منع الناس من تمني رجوع النظام القديم.
ـ أغلب الراغبين في رجوع النظام القديم هم الذين كانوا فاسدين ومنتفعين من النظام القديم. هؤلاء لم يقوموا بالثورة، بل تنحوا جانبا بينما تشهد تونس خمسين عاما من الحكم الدكتاتوري. ولأضرب لك مثالا: بعد الثورة بوقت قصير، انتشرت على فيسبوك صور تظهر غياب السلع والخدمات: انقطاع الكهرباء والمياه، وغياب كل الأساسيات. ظهر الناس في غاية الفقر. وأنا أنتمي إلى منطقة من تلك المناطق وأعرف أن الفقر مشكلة في تونس. ولكن كان كثير من الناس يعلقون على تلك الصور بقولهم "كفى كذبا! هذه الصور من المغرب لا من تونس".

ـ إنكار للواقع؟
ـ بالضبط. الفقر أكبر مشكلة في بلدي. ولنرجع إلى الهجوم على السفارة الأمريكية. حيث نرى في إحدى الصور شابا ينهب المبنى ويخرج منه حاملا أجهزة كمبيوتر. بل لقد أخذ البعض مضارب وكرات التنس بعد أن وجدوا كل ما عداها وقد نهب. أنا لو كنت فقيرة وجاءني من يقول لي "تعالي نذهب غدا إلى السفارة الأمريكية فعندهم أجهزة كمبيوتر وأشياء كثيرة أخرى" سأذهب. كثير ممن ينتمون إلى النظام السابق لا يرون في هذا مشكلة. وذلك ما يجعلنا نحن نرى الكثير من أجراس الإنذار في اللحظة التي يحين فيها الوقوف في وجه الراديكاليين. ولكننا لا نريد طاغية جديدا، نريد أن نضمن لأبنائنا الحصول على تعليم جيد.

ـ الشباب كانوا حاسمين في الثورة. ما الذي تغير بالنسبة لهم منذ 2011؟
ـ أنا تلقيت ثلاثة عروض للعمل في الحكومة، لكنني رفضت. وكثيرون حدث لهم هذا. ما أريد أن أقوله هو أن هناك من الشباب من يعملون على تغيير الأوضاع. ولكن بقية الشباب ينبغي أن يتحركوا أيضا. نحن غالبا ما نطيل الانتظار إلى أن يأتي من يعطينا الشيء في أيدينا. لم نتعلم جيدا أن نمد أيدينا لنأخذ. وإلى الآن، لم تتحقق المساواة ولم نلق جزاء ما عملناه. كثير من الشباب تخرجوا في الجامعات أو حصلوا على شهادات الدكتوراة ولكنهم عاطلون. ولا يطمح إلا الوظائف إلا من يستندون إلى شبكات عائلية جيدة. نحن بحاجة إلى ثورة المتعلمين العاطلين!

ـ يبدو أننا نعيش في الغرب فترة السخط على الديمقراطية ولكننا نادرا ما نترجم سخطنا إلى عمل. بماذا تنصحيننا؟
ـ مهم جدا بالنسبة لنا أن تبقى الديمقراطيات الغربية أمثلة تحتذى. وكلما تضاءل التزام الدول الغربية بالديمقراطية الحقة، بات صعبا على الدول المناضلة من أجل الديمقراطية مثل تونس أن تواصل نضالها. أنا لا أفهم كيف لشخص أن يسأم الديمقراطية، لا سيما في أوقات الأزمات! من الواضح أن نموذج الحكم معيب وأن علينا أن نقوم بإصلاحه، ولا أعرف من غير الشباب يمكن أن يقدر على المبادرة بهذا.

عن مجلة ذي يوربيان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق