الأربعاء، 22 أبريل 2009

تقرير عني

تقرير عني

جريجوار بويلييه

كنت طفلا سعيدا.

فجأة، في عصر أحد الأيام، تندفع أمي إلى غرفتنا بينما أنا وأخي نلعب كل في ركنه. "يا أولاد، ألست أحبكم؟" صوتها متوتر، فتحتا أنفها تفوقان الإدراك. أخي أجاب على الفور، أما أنا فكان كل ما استطعته بثقة سنوات عمري السبع أن أتهته وأتلعثم. كنت أستعوب ما يجري ولكنني في الوقت نفسه كنت مرعوبا مما سيتلوه. فانتهيت أغمغم "ربما يمكنك أن تحبيننا أكثر قليلا". تنظر لي أمي في فزع. وللحظة لا تعرف ماذا تفعل، ثم تتحرك إلى الشباك، تفتحه، وتحاول أن ترمي نفسها من الطابق السادس. وعلى الجلبة، يأتي أبي ويمسكها بعد أن تكون قد أدلت بالفعل إحدى ساقيها في الهواء. تصرخ أمي، وتبدأ معركة. تتردد أصداء صراخها في الفناء. يشدها أبي بعنف ويسحبها إلى الداخل كأنها جوال. وفي ثنايا المعركة يصطدم رأس أمي بالحائط ويعمل بوم. وتبقى لوقت طويل بعد ذلك بقعة دم على الحائط. إلى أن أرسم حولها ذات يوم دوائر بقلم أسود عريض وأجعلها مرمى لسهامي، وكلما صوبت على الهدف، تهيأ لي لبرهة عابرة أنني وجدت سبيلا للكلام بلا خوف.

عندما قابلت أمي أبي، كانت في السادسة عشرة، وهو كان في الثامنة عشرة. كان ذلك عام 1956، في حفلة مفاجئة أقيمت في منزل بوا كولمب الذي سكنته أسرة أبي بعد الحرب عام 1939. كان أبي هو الذي بث الروح في الحفل حينما لعب على الدرمز مع فرقة جاز صغيرة كان أعضاؤها يدرسون القانون في الجامعة. أمي ساعدته في غسيل الصحون، وبعد عام من ذلك كانا متزوجين، وكان عندهما أخي، الذي سمياه أوليفر بلا سبب أعرفه.

تقريبا لم يكن لدى أبي وقت ليرى ابنه، كان عليه أن يؤدي خدمته العسكرية الإلزامية. لم يكن أنسب وقت لتجنيده، وبدلا من أن يقضي الثمانية عشر شهرا المعتادة، أجبرته حرب لم تكن تحمل بعد اسم حرب الجزائر على ارتداء زي الجندية قرابة ثلاث سنوات. كان مقر خدمته في تيزي أوزو عاصمة منطقة القبايل الكبرى التي ـ بحسب روايته ـ لم يحدث فيها الكثير.

غضبت أمي بسبب هذا الانفصال السريع عن زوجها. وبسرعة اتخذت قرارها: بالتخلي عن ابنها في بيت حميها، والذهاب للحاق بزوجها في الجزائر. وتلك جرأة لم تكن شائعة بين البنات ذوات الثامنة عشرة في ذلك الوقت.

هنالك تحابا. وكانا في غاية السعادة ـ أم ينبغي أن أكرر "غاية" ثلاث مرات؟ ـ بممارسة الحب هناك لأن طبيب امتياز في مستشفى تيزي أوزو وقع تحت سطوة سحر أمي الخيالي، وسرعان ما شاركهما العربدة، وفي غمرة ذلك كله، جئت أنا.

"أنت ابن حب". هكذا كانت تقول لي أمي في طفولتي، ولم أكن أعلم معنى ذلك وما إذا كان يجدر بي أن أقلق بشأنه. وكانت في العلن تحب أن تشير إلى بشرتي الزيتونية وحقيقة أنه ليس بداخلي أي بويلييه. وحينما سألتها بعد وقت طويل، كشفت لي عن ملابسات جملها بي واختتمت بقولها إنها قرأت في مجلة أنه إذا ولج رجلان امرأة فبدلا من أن تتنافس نطفتاهما، فإنهما تمتجان وتلقحان البويضة ويستدولدانها هجينا.
حكت لي أيضا أن أبي كان قوي الانتصابات وإنه كان مثليا، وفي وقت لاحق زعمت أنها قالت ذلك فقط لإرضائي.

كانت أمي تتصرف بمنطقية، فلم تكن بلغت الثانية عشرة حين وقف أخوها ـ وكان أكبر منها بسنتين ـ أمام أبيه الذي كان يوبخه لسبب تافه، وقال له "أنت لست أبي". والحقيقة أنه كان عمهما، وحل سرا محل أبيهما في فراش زوجة أخيه بعد أن اختفى أبوهما أثناء بداية الحرب العالمية الثانية. لم تتح لي أمي ـ التي ولدت في نهاية عام 1939 ـ فرصة كبيرة لمعرفة الرجل الذي أتي بها إلى الحياة. ولا بد أنها أحست به إحساسا غامضا وهي تقرر الذهاب إلى الجزائر لتكون برفقة رجل هو أيضا ذهب إلى الحرب بعد مولد ابنه. ومثلما وقف أخ محل أخ ليكون أبا لها، فبين ذراعي رجلين مختلفين أصبحت هي أما للمرة الثانية.

من أخ إلى أخ، لم تغير جدتي اسمها وظلت تحمل اسم بيرار، فبقيت تحمل في نظر العلم صورة المتزوجة البديعة. والخلاصة أنها بقيت في العائلة، ومن الناحية الإدارة كان في ذلك تسهيل كبير للإجراءات. ومع ذلك، كان ينبغي محو كل أثر لذلك الذي اختفى، ولا بد أن ذلك تطلب مجهودا، لأنه تطلب بالقطع إسكات أخ، وزوج، وأب، في وقت واحد. ونشأ الطفلان وفقا لهذا النظام الصغير.

وعلى مدى سنوات متتالية، لم يشك أحد في الحقيقة، إلا أن الأخ الأكبر كان واثقا في ذكرياته الضبابية فلم يسهل خداعه. أما أمي فكان اكتشافها قيام حياتها كلها على خدعة بمثابة "صدمة" لها. وكانت عندما تخبرني بذلك تحدق في عيني دون أن تجفل.

أما عن جدي، فكان رجلا رقيقا، وكانت له كلبة صغيرة مهجنة يعشقها، وكانت تتبعه مثل ظله أينما ذهب. خلع عليها اسم "ستالايت" (أي قمر صناعي)، وكان يقول إن في ذلك تكريما للقمر الصناعي السوفييتي المعروف باسم سويوز أي "الاتحاد"، وكان هذا من الناحية التناسلية ملائما جدا، إذ كان ينطق الحقيقة عشرين مرة كل يوم بمجرد نطقه اسمها، الذي كتبه على طوقها دون أي شك من أحد، حتى منه هو نفسه. فقد كان في واقع الأمر كلما قال ستالايت خرجت منه سلاترن (مومس).

في اللغة الفرنسية القديمة بيرار تعني "الأب السيء".

أما بوالييه فتعني "دغل الحشائش الصغير". لذلك أعرف من أي نسيج صنعت، وذلك ما لا يستطيعه الكثيرون.

***

ولدت، فتم الاتفاق على أن أحمل اسم نيكولا، ولكن بريجيت باردو كانت قد رزقت للتو بطفل سمته نيكولا، فقررت أمي على الفور أن تغير اسمي إلى جريجوري. وهكذا صرت "السهران، مفتوح العينين" فجريجوري مشتقة من الأصل اليوناني. ولو كنت سميت نيكولا لكنت أوتيت "نصر الشعب" وما هذا المصير كذاك. وأقناعا لنفسي، كنت أصاحب نيكولا الذي لم يدر قط بأي شيء تدين صداقتنا لاسمه. ولكنني لم أقابل قط نيكولا يضع الشعب في قلبه ناهيكم عن انتصاره.

وخلافا للتقاليد، لأم يمنحني أبواي اسما ثانيا ليتلو جريجوري.

جريجوري بوالييه كاتب فرنسي، صدر له "الضيف الغامض"، و"تقرير عن نفسي" الذي فاز في عام 2002 بجائزة بري دو فلور.

عنوان الكتاب: تقرير عني
المؤلف: جريجوري بوالييه
الترجمة إلى الإنجليزية: بروس بندرسن
عدد الصفحات: 161
الناشر: ماريان بوكس/هاوتن ميفلين هاراكورت
السعر: 14 دولارا تقريبا
نشر هذا المجتزأ من الكتاب في ملحق قراءات 12 ابريل 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق