الأربعاء، 14 نوفمبر 2007

الحرب العالمية الرابعة ومقالات أخرى

يوم أقيمت انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي الأخيرة، كنت مع صديقة بريطانية مخضرمة في السياسة والصحافة معا، وسألتني إن كنت أعرف آخر الأخبار، وخجلت أن أخبرها بأنني غير مهتم بالأمر برمته، فقلت بسيماء المحللين السياسيين إن الديمقراطيين على الأرجح، وفيما يبدو، وكما تشير الدلائل، يتقدمون. قالت "ألم نقل مثل ذلك من قبل؟". كان في صوتها أسى حقيقي، وكأن رئيسا ديمقراطيا للولايات المتحدة كان ليسترد للعالم فردوسه المفقود.
على الأرجح، وفيما يبدو، وكما تشير الدلائل، سيكون رئيس أمريكا القادم ديمقراطيا. ولكن هناك اسما من بين الجمهوريين يتردد بقوة، هو رودلف جيلياني، وقد يحدث (والمعجزات لم تعد نادرة في الانتخابات الأمريكية) أن يفعلها جيلياني. ومن هنا تأتي أهمية أن نعرف نوعية الرجال المتحلقين حوله، ومن بينهم، وربما على رأسهم، نورمان بودهورتز.
لو حدث وظهر بودهورتز هذا في برنامج جورج قرداحي الشهير، فسأله الأخير عن عدد الحروب العالمية، فسوف يعجزه الجواب الصحيح. وذلك لأنه يعتقد أن العالم شهد بالفعل ثلاث حروب عالمية، آخرها الحرب الباردة، وأنه يشهد الرابعة حاليا، وهي الحرب ضد "الفاشية الإسلامية" على حد تعبيره الأعوج في كتابه الصادر مؤخرا بعنوان "الحرب العالمية الرابعة" والذي نقدم له هنا عرضا نقديا نشرته نيويورك تايمز مفندة ما ورد فيه من آراء شاذة ضيقة الأفق.







الحرب العالمية الرابعة

نيويورك تايمز: ميتشيكو كاكوتاني

في كتابه العدواني الجديد، يعلن نورمان بودهورتز ـ وهو أحد الآباء المؤسسين لتيار المحافظين الجدد في الولايات المتحدة ـ أن الحرب القائمة حاليا في العراق ليست سوى مجرد جبهة (وإيران جبهة أخرى) في الحرب العالمية الرابعة. والحرب العالمية الرابعة هي المصطلح الذي يطلقه بودهورتز على ما يصفه بـ "النضال الطويل ضد الفاشية الإسلامية". كما يعلن الكاتب أن هذه الحرب العالمية الرابعة سوف تستمر لمدة ثلاثة عقود أو أربعة، مثلها تماما مثل الحرب الباردة، وهي عنده الحرب العالمية الثالثة).
كما يكتب بودهورتز ـ الذي دعا بوش في الصيف الماضي إلى استخدام القوة العسكرية لمنع إيران من تصنيع قنبلة نووية ـ عما يشهده العراق من تقدم، ويؤكد اعتناقه لسياسة الحروب الاستباقية التي تنتهجها إدارة بوش، بل إنه يجزم أن يوما سيأتي على الولايات المتحدة فتعرف فيه كم كان جورج دبليو بوش حاكما عظيما يستحق أن يوضع في طبقة واحدة لا مع ترومان وإنما مع لينكولن.
ضد التيار

يظهر هذا الكتاب الجديد في الوقت الذي يعلن فيه استطلاع رأي أجرته كل من شبكة إن بي سي وصحيفة وول ستريت جورنال أن 48% من الجمهوريين يريدون مرشحا رئاسيا ينتهج سياسة مختلفة عن سياسة الرئيس الحالي، مقارنة مع ثمانية وثلاثين فقط يريدون مرشحا ينتهج سياسة مماثلة لسياسة بوش). كما يأتي هذا الكتاب أيضا في وقت لا تتعرض فيه أفكار المحافظين الجدد لهجوم الليبراليين وحسب، وإنما لهجوم المحافظين التقليديين، بل وبعض نجوم المحافظين الجدد السابقين من أمثال فرانسيس فوكوياما.

ومع كل هذا الهجوم، يظل بودهورتز نصيرا لا يتزعزع عن مناصرة العقيدة التي يؤمن بها بوش والمؤلفة من التصرفات الأحادية، والحروب الاستباقية، وتصدير الديمقراطية إلى الشرق الأوسط. وقد تم اختياره ـ أي بودهورتز ـ في الصيف الماضي مستشارا لشئون السياسة الخارجية للمرشح الجمهوري للرئاسة رودلف جيلياني لينضم بذلك إلى غيره من المستشارين المنتمين إلى تيار المحافظين الجدد الذين يشاركون في حملة جيلياني من أمثال دانيال بايبس ـ وهو مؤرخ يناصر التصوير العنصري للمسلمين ـ وبيتر بركوفيتس زميل معهد هوفر.
وبرغم أن رؤية بودهورتز للعراق أكثر تفاؤلا بكثير من رؤية جيلياني، إلا أن القارئ لن يخطئ التماثل بين كثير من أفكار بودهرتز وكثير مما يتردد حاليا على لسان المرشح الجمهوري في العديد من القضايا: بدءا من رأيه الذي أثار جدلا واسعا حيث قال إن المدرسة الواقعية في السياسة الخارجية "تضيِّق كثيرا من حدود المصالح الأمريكية"، إلى إعلانه أنه لن يسمح لإيران بأن تتحول إلى قوة نووية، وصولا إلى دعمه للاستجوابات العنيفة (بشرط أن تكون مشروعة) وأعمال التنصت الإلكتروني ضمن تكتيكات الحرب ضد الإرهاب، وأخيرا قوله إنه ينوي "إصلاح النظام الدولي بما يتفق مع القيم الأمريكية".

إيران قريبا

وفي حين نجد أن جيلياني ـ صاحب المواقف "المعتدلة" فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية لدرجة أن كان اعتداله ذلك أساس حملته كلها ـ فإننا نجده يتكلم على نحو غامض وتجريدي فيما يتعلق بالسياسة الخارجية وقضاياها. أما نورمان بودهورتز في المقابل فهو ميال إلى المعارك، بل إنه في صفحات كتابه هذا يميل إلى التحديد الشديد والتفصيل الدقيق، إلى حد أن قارئ الكتاب لن يقوى على قمع رغبته بسؤال جيلياني: إلى أي مدى ستلتزم بنصائح مستشارك لشئون السياسة الخارجية؟ وهو ما يبدو أن البعض قد بدأوا يفعلونه بالفعل، حيث تلقى جيلياني مؤخرا سؤالا عما إذا كان يوافق بودهورتز على أن الوقت قد حان لقصف إيران، فقال جيلياني بناء على ما لديه من معلومات راهنة" "إننا لم نصل بعد إلى هذه المرحلة. هل يمكن أن نصل إليها؟ نعم. وهل هذه المرحلة أقرب مما يتصور بعض الديمقراطيين؟ نعم، هي كذلك".
أما بودهورتز نفسه فقد نقلت عنه مجلة نيوزويك مؤخرا قوله "إنني انضممت إلى فريق جيلياني لأن رؤيته للحرب ـ التي أسميها الحرب العالمية الرابعة ـ قريبة للغاية من رؤيتي".
ردع الأعداء

والآن، إلى أي مدى يخدم بودهورتز مواقفه بكتابه هذا؟ إلى أي مدى يقنع القارئ بآرائه؟ بدلا من أن يحاول الرجل تقديم حجة عقلانية وطرح محكم لتصوره للسياسة الخارجية، إذا به يقدم طرحا متغطرسا، بعيدا عن المنطق في الغالب، قائما على معلومات منتقاة بشكل مغرض، حافلا بتأكيدات مرسلة (غالبا ما يتم تقديمها بدون أي دليل يدعم ذلك) بل وبإلقاء اتهمات جزافية بالجبن ومعاداة أمريكا وتلقي الرشوة على كل خصوم أفكار بوش سواء كانوا من اليمين أو اليسار.
يضم الكتاب فصلا عن المحافظين من أمثال جورج إف ويل ـ الذي اعترض على سياسة جورج دبليو بوش في العراق ـ وهذا الفصل يأتي تحت عنوان "الانهزامية في العراق". وهناك فصل آخر يتناول "الواقعيين" (من أمثال برينت سكاوكروفت مستشار الأمن الوطني للرئيس بوش الأب، وزبيجينيف بريزيزينسكي مستشار الأمن الوطني لجيمي كارتر) والذين رأيا أن غزو العراق قد زعزع الاستقرار في الشرق الأوسط، ومن ثم يصفهما الكتاب بأنهما انتهازيان لا يريدان سوى مصالحهما الشخصية الضيقة، وأنهما يريدان للولايات المتحدة أن تنهزم في العراق لكي لا تتهاوى آراؤهما وتنتهي إلى مزبلة التاريخ.
أما عن تنامي المشاعر المعادية للحرب بين الأمريكيين العاديين (حيث أوضح استطلاع للرأي أجرته نيويورك تايمز وشبكة سي بي إس نيوز في سبتمبر 2007 أن 62% من الأمريكيين يرون أن الحرب كانت خطأ)، ففي هذا يلوم بودهورتز "طريقة الإعلام في تناول العراق" مؤكدا أن الإعلام مدفوع "بعداء شديد لجورج دبليو بوش ورغبة متبادلة في أن يرى العقيدة المرتبطة باسمه وقد فقدت مصداقيتها بهزيمة الأمريكيين في العراق".
تحليلات بودهورتز

دائما المنطق في هذا الكتاب أعوج بكل ما في الكلمة من معنى. فبودهورتز يرى على سبيل المثال أن العنف المتواصل في العراق "يرجع إلى الخطوات الهائلة التي تحققت في طريق إحلال الديمقراطية وتوحيد العراق تحت مظلة نظام فيدرالي قادر". ويواصل قائلا إنه "إذا كانت الميليشيات الطائفية تتصور أن التوحيد هش، فهل كانت ستريق كل هذه الدماء على أمل إشعال أوار حرب أهلية واسعة النطاق؟ ولو كان البعثيون السنة القتلة وحلفاؤهم داخل الحكومة على قناعة بأن الديمقراطية قد أخفقت في العراق فهل كانوا سيشنون حملة بهذه الحماسة من أجل إلحاق الهزيمة بها؟".
يتجاهل بودفورد عن عمد الكثير من الحقائق الملموسة القائمة على الأرض في العراق، يتجاهل الوضع الذي وصفه تقرير مجموعة دراسة العراق في العام الماضي ـ والذي كتبه أفراد من الحزبين الجمهوري والديمقراطي ـ بأنه "خطير ومتدهور". ولا يبدو بودهورتز قادرا على الإقرار بأن الذين يعترضون على سياسة الإدارة في حرب العراق إنما يفعلون ذلك لقلقهم مما أسماه تقرير مجموعة دراسة العراق بـ "العنف الفتاك"، ومن استمرار التمرد العسكري، ومن القتال المميت بين الشيعة والسنة.

وعندما يزعم بودهورتز أن استراتيجية تغيير أنظمة الحكم التي ينتهجها بوش تعمل على تجفيف منابع الإرهاب، فإنه يتجاهل آراء خبراء مثل مايكل سكور الرئيس الأسبق لوحدة تعقب بن لادن في المخابرات المركزية الأمريكية حيث يرى أن حرب العراق كانت أداة تجنيد في يد القاعدة للحصول على المزيد من المقاتلين، وذلك بدلا من أن تحقق الأمن لأمريكا. كما يغض بودهورتز الطرف عن القرار الذي لقي انتقادات عديدة، وهو قرار حل الجيش العراق (حيث يرى كثير من الخبراء أن هذا القرار وفر وقودا وافرا للتمرد) باعتبار أنه مهما تكن الأخطاء التي تم ارتكابها "فإنها ليست سوى هفوات إذا ما قورنت بالأخطاء التي ارتكبت في الحرب العالمية الثانية ـ وهي الحرب التي خاضها عمالقة عارفون مثل فرانكلين دي روزفلت وونستن تشيرشل".
ولا يتخلى بودهورتز عن هذه العفوية عندما يأتي الأمر إلى منتقدي سياسات بوش في القضايا الداخلية (ومن بينهم نقاد يمينيون أزعجتهم قضايا مثل الهجرة، أو نقاد في اليسار كانوا أكثر اهتماما بقضايا مثل بحوث الخلايا الجذعية). إذ يقول بودهورتز "من منا يتذكر اليوم منتقدي سياسات ترومان الداخلية؟".
في خدمة العدو

أما عن مسألة التوتر المتنامي مع إيران، فبودهورتز يتحلى بمزيج من الدوجمائية وغياب المنطق. فبرغم أنه كتب في الصيف الماضي قائلا إن إيران "هي المركز الأساسي الراهن لعقيدة الفاشية الإسلامية التي نحاربها منذ الحادي عشر من سبتمبر" وأنها "الراعي الرئيسي للإرهاب وهو السلاح المختار للفاشية الإسلامية" إلا أنه يعجز عن تبرير حقيقة أن غزو الولايات المتحدة للعراق هو الذي مزق لإيران أقوى خصومها في المنطقة (والذي شنت ضده حربا على مدار ثمانية سنوات في الثمانينيات) فمنحت لإيران بذلك سيطرة في الشرق الأوسط لم يسبق لها من قبل أن تمتعت بها.

وفي هذا الصدد، يضع بودهورتز المسلمين جميعا في سلة واحدة في مواجهة الولايات المتحدة، حيث يصفهم بـ "وحش الفاشية الإسلامية" الذي يهدف إلى أن "يقتل منا قدر المستطاع" وأن يحطم "الحرية التي نتمتع بها والتي تقوم عليها أمريكا". ومثل هذه الملامح المزعومة لا تساوي فقط بين المسلمين والنازيين، ولكنها تتغاضى عن الاختلافات داخل الإسلام والتي على أساسها صار هناك الشيعة والسنة، والإيرانيون والعراقيون، والأصوليون الدينيون والبعثيون العلمانيون.

هذا النزوع إلى الإمساك بكل تعقيدات الشرق الأوسط في يد واحدة، إضافة إلى ميل بودهورتز الشخص إلى التعميمات الدوجمائية، واللغة العنيفة الإقصائية وازدراء من لا يتفقون معه في الرأي يجعل من كتابه هذا كتابا زاعقا عاجزا عن الإقناع، ولن يجعل له من جمهور إلا بين العدد المتناقص من الأمريكيين الذين لا يزالون راغبين في الثبات على الدرب في العراق ـ على حد تعبير جورج دبليو بوش ـ لسنوات وعقود قادمة.
ثلاث صور للإسلام

إدوارد مورتيمر الجارديان

ذات يوم، في منتصف الثمانينيات، أراد موظف باكستاني أن يسير على هدي واحد من أفضل التقاليد الوظيفية الهندية التي أرساها البريطانيون. كان مسلما عصريا تقيا وواعيا، وكان معجبا إعجابا شديدا بمؤسس باكستان: محمد علي جناح.
شأن كثير من أسلافه البريطانيين، جمع أكبر أحمد بين دوره كممثل سياسي للحكومة في منطقة جبلية نائية، وبين عمله الأنثروبولجي الميداني، مستهدفا من ذلك تحليل وفهم أبناء القبائل، وهم قوم صعبو المراس تقتضي الوظيفة من أكبر أحمد أن يعمل على تهدئتهم وإخضاعهم. وقد أثمر ذلك الاهتمام عن كتاب عنونه أكبر أحمد ـ ربما بقدر قليل من التباهي ـ بـ "الدين والسياسة في مجتمع إسلامي". وأتذكر ذلك الإحباط البسيط الذي انتابني حينما وقعت عيناي للمرة الأولى على ذلك الكتاب؛ إذ اكتشفت أنه يتناول بشكل يكاد يكون حصريا العادات والتقاليد لدى قبيلة بختنية واحدة يصعب كثيرا اعتبارها ممثلة للمجتمع الإسلامي في العالم.
غير أنه تبين فيما بعد أن الشاب ـ حينذاك ـ أكبر أحمد كان على صواب. فالمقاطعة التي كان يعمل فيها هي وزيرستان، التي يعتقد الكثيرون اليوم أن أسامة بن لادن ورجاله المقربين مختبئون فيها. ومع أنها لا تمثل الإسلام كله، إلا أنها تمثل جانبا يقوم بدور في تاريخ العالم يفوق أقصى تصورات كان يمكن لشخص أن يصل إليها منذ ثلاثين عاما. لذلك يحق لأكبر أحمد أن يبدو في في كتابه الجديد وكأنما يهز رأسه مبديا أسفه على الطريقة الخرقاء التي تعاملت بها الحكومتان الباكستانية والأمريكية مع القبائل البختنية. ففي معرض تعليقه على "عملية عاصفة الجبل" ـ وهي العملية المشتركة التي استهدفت أسامة بن لادن وفلول الطالبان في ربيع 2004 ـ يقول أكبر أحمد، في تحامل مغفور، "إن الأمريكيين وأبناء البلد الباكستانيين مثل مشرف وجنرالاته لم يستعدوا معرفيا ومعلوماتيا بالشكل الواجب".
غير أن ثيمة كتابه "رحلة إلى الإسلام" أعرض بكثير. فهي، من ناحية، سرد لرحلة أدبية، أو "رحلة أنثروبولوجية" على حد تعبير الكتاب، قام بها أحمد الذي يعمل الآن أستاذا في الجامعة الأمريكية بواشنطن في عدد من الدول (تركيا، قطر، سوريا، الأردن، باكستان، الهند، ماليزيا، إندونيسيا) فيما بين عامي 2005 و2006 مع بعض طلبته من غير المسلمين (طالب وطالبة) وطالبة مسلمة من العرب الأمريكيين تعمل معه باحثة مساعدة. غير أنه ليس كتابا في أدب الرحلات بالمعنى التقليدي للكلمة، ومع أن هناك وصفا دقيقا يقوم أحمد ببعضه ويقوم طلبته ببعضه الآخر للمشاهدات وما إلى ذلك، إلا أن ذلك لا يمثل جزءا من الخط الرئيسي المطرد في الكتاب. فهذه الأجزاء الوصفية داخلة في نسيج الطرح الذي يحمله الكتاب والذي يتبين في النهاية أنه دعوة ملهوفة إلى الفهم المتبادل بين الغرب والعالم الإسلامي.
لم يكن هناك بد من ظهور عبارة "صراع الحضارات". بل إنها في الحقيقة تظهر عنوانا لأحد الفصول، وإن تكن متبوعة بعلامة استفهام، تماما كما كان حالها عند الظهور الأول في مقالة صمويل هنتنجتن الشهيرة في مجلة ذي فورين أفيرز عام 1993. من نافلة القول أن نؤكد أن أحمد ـ الفخور بكونه مسلما وغربيا في الآن نفسه ـ يبدي لهفة حقيقية على اجتناب الصدام بين الحضارات قدر الإمكان. غير أن المدهش إلى حد كبير هو أن الكاتب يقبل فرضية هنتنجتن بأن الإسلام والغرب حضارتان مختلفتان، لدرجة أنه لا يتخلى عن هذه التركيبة غير مرة واحدة حين يشير إلى "حضارة عالمية" فيها "البشر اليوم أقرب وأكثر اعتمادا على بعضهم البعض من أن يحتملوا رفاهية تجاهل الآخر وإقصائه". أما في بقية الكتاب فيتعامل مع الغرب والإسلام بوصفهما حضارتين متمايزيتين تحتاجان إلى التقريب بينهما.
في ضوء ذلك، يتعامل طرح أكبر أحمد بحرص بالغ مع "كلا الجانبين"، بحيث لا يوحي فقط في بعض الأحيان بأن هناك تساويا أخلاقيا بين المجتمعين الغربي والإسلامي وإنما تساو في التواطؤ على أعمال العنف مثل "إطلاق جنود أمريكيين النار على عائلة كاملة في الحادثة بالعراق وذبح دانيال بيرل في باكستان". وتلك منطقة زلقة في الكتاب يستحق عليها المؤلف ردود فعل غاضبة. وهو على أية حال معتاد على ذلك، وسوف يكفيه دفاعا عنه أنه ناجح في إقامة علاقات ودية مع أشخاص شديدي التباين، فمن جانب هناك جودي بيرل (والد دانيال بيرل) ومن الجانب الآخر هناك إعجاز قاسمي الذي يفتتح أحمد كتابه ببعض كلماته الملتهبة: "إن أفعال أسامة بن لادن، وحزب الله، وحماس، والطالبان، حتى وإن قتلوا نساء وأطفالا، هي أفعال مبررة كليا وجزئيا في الإسلام".
"ولكن لا تتعجلوا الحكم ، فلعلكم تقولون لأنفسكم: أي نوع من المساواة هذا؟ إن جودي بيرل رجل مسالم لا شك في ذلك، يناضل من أجل الفهم بل والتصالح مع العقيدة والثقافة التي أنتجت قتلة ولده، أما قاسمي فيحرض المسلمين على المزيد من العنف. نعم، ولكن القاسمي كما يتبين ليس سوى ورقة رابحة يبقيها أكبر أحمد مخبأة في جيبه، فبحلول نهاية الكتاب، يصبح قاسمي الأمين العام لمنظمة سلام إسلامية، وواحد من المؤيدين المتحمسين لرسالة أكبر أحمد، ومن ثم نموذجا لما للحوار من قدرة على العلاج، "أو قدرة على كشف الطابع البشري لمن كان يسميهم الأمريكيين الهمج".
وهكذا يتبين أن الرحلة ليست مجرد تنقل يهدف إلى الاكتشاف والتعرف، ولكنها أقرب إلى مهمة. فالطلبة الأمريكيون لا يشاركون في هذه الرحلة لكي يتعرفوا على المواقف الإسلامية في المقام الأول، بل ليتسنى للمسلمين أن يلتقوا بوجه آخر للغرب: "لقد كان هؤلاء الأمريكيون يصغون لآراء القاسمي عازمين على مناقشتها بجدية، على العكس من المعلقين في وسائل الإعلام التنميطية الذين يشيرون إلى أمثاله بوصفهم متطرفين إسلاميين دونما اشتباك أو حتى اعتراف باشتراكهم معهم في الإنسانية".
وذلك رأي تدعمه أجوبة المسلمين حينما سئلوا عن أهم مشكلة تواجه الإسلام، وكان من المنتظر أن يشيروا إلى إسرائيل، والأزمة الفلسطينية، والوضع في العراق، فإذ بأجوبتهم جميعا تدور في فلك أن الإسلام يتعرض الآن للتشويه في الغرب".
غير أن الغرض الرئيسي للكتاب هو تقديم صورة مجسدة عن العالم الإسلامي للقارئ الغربي بما يمكنه من الاشتباك مع الحياة الواقعية للمسلمين والاعتراف "بمشاركتهم إياه في الإنسانية". والوسيلة التي يتبعها أحمد من أجل تحقيق ذلك تتمثل في تقديمه لنا "ثلاثة نماذج" للإسلام المعاصر يربطها بثلاثة مراكز متنافسة، تصادف أنها جميعا قائمة في الهند .
هناك جامعة أليجرا التي أسسها إصلاحي القرن التاسع عشر الإسلامي السير سيد أحمد خان في الهند البريطانية، وهذه الجامعة تتبنى تقوية الإسلام من خلال التعلم من الغرب. وهناك ديوباند، وهي مدرسة كبيرة في الهند تأسست أيضا في القرن التاسع عشر كرد فعل على الأزمة التي كان يواجهها الإسلام آنذاك، وهي تتبنى فلسفة شبه معاكسة لفلسفة أليجرا، إذ تعتمد التوكيد على اتباع معتقدات السلف. وأخيرا، هناك آجمر، وهو مزار ولي صوفي من أولياء القرن الثاني عشر يدعى معين الدين تشيشتي، وهذه المدرسة الفكرية تتبنى الإسلام الصوفي الميال إلى الهدوء، وتؤكد على السلام الداخلي، والتسامي على المشاعر الأرضية من خلال الحدس السماوي، وكذلك الانفتاح على العوالم الروحية الأخرى مثل الهندوسية والبوذية.
ومرة أخرى يواجه أكبر أحمد أزمة نموذج أليجرا التي نشأ فيها هو نفسه. حيث يبدو أن قادتها قد فقدوا كل القناعات، أو أصبحوا مستبدين فاسدين يناورون ـ وببراعة ـ بين القوة الأمريكية والرأي العام المعادي لأمريكا. وفي أليجرا نفسها وجد مرافقو أكبر أحمد الأمريكيون أن الطلبة غير ودودين بينما في ديوباند، وبمجرد أن عبروا حاجزا في المدخل، حتى وجدوا كرما كبيرا وحسن ضيافة ورغبة عارمة في الحوار. ولم يكن مضيفهم في ديوباند إلا إعجاز قاسمي الناري بنفسه، والذي تحول في النهاية إلى نصير للسلام ومقدر لآراء أكبر أحمد.
يمكن تلخيص رسالة أكبر أحمد ـ ببعض الإخلال ـ في أنه ينصح الزعماء الغربيين بتقليل اعتمادهم على خريجي أليجرا وأشباهها ـ وأكبر أحمد نفسه من بينهم ـ والتعامل مباشرة مع أبناء ديوباند وأشباههم ممن يبدون للوهلة الأولى عدائيين. (ولا شك أنه كان لينصح الحكومة البريطانية لو طلبت نصيحته بألا تلقي مزيدا من الزيت على نار ملتهبة بالفعل، وأن لا تمنح لقب سير لسلمان رشدي). غير أن أكبر أحمد يكتشف على المستوى الشخصي أن في نفسه نزعة صوفية وميلا إلى نموذج آجمر. وفي النهاية فإن نصيحته للمسلمين تتمثل في أن يبحثوا عن مُركَّب واحد من النماذج الثلاثة: فالسماحة التي تتسم بها آجمر لا بد أن تجد لها دعما من التزام ديوباند وحماستها ولا بد لكليهما من التحلي بمهارة التفاوض مع الحكومات والمنظمات والأحزاب السياسية وهذه من أهم خصائص أليجرا". ربما ينبغي لكتابه القادم أن يكون رحلة إلى الغرب يرافقه فيها طلبة من العالم الإسلامي.
من سومر إلى بغداد


في كتابه "كتب تحترق: تدمير المكتبات عبر التاريخ"، يقوم الباحث الفرنسي لوشيان بولاسترون بتحليل السياقات والسياسات التي في ظلها أقيمت المكتبات وأبيدت. ويستهل سرده التاريخي بطبيعة الحال من منطقة الشرق الأوسط، ولكن قبل ثلاثة آلاف عام من ميلاد السيد المسيح حين لم يكن للمكتبات وجود في مكان آخر. يبدأ الكتاب من سومر ثم ينتهي ـ للأسف في نفس المكان، في عام 2003، عندما يحمل المكان اسم العراق.

وعلى الرغم من أن بولاسترون متخصص في الدراسات الصينية والعربية، إلا أنه لم يقصر بحثه في إقامة المكتبات وإبادتها على هاتين الحضارتين فقط. وإن كان يستفيد من معرفته بالثقافة العربية فينقل عن المؤرخ العربي الطبري قوله إنه "مهما تكن الأحوال، فلا ينبغي لامرئ أن يدمر كتابا لا يعرف ما فيه".
وإذا كانت هذه المقولة العربية فيما يبدو لا تطلق المنع، بل تشرطه بالمعرفة. فهناك مقولة غربية منسوبة إلى روشلان البروتستنتي الذي اعترض على مرسوم بابوي يقضي بحرق كتب العقيدة اليهودية بقوله "كيف نحرق كتبا لا نفهمها؟".. وبهذا يكون الشرق والغرب قد اتفقا، وإن على الكتاب.
يعرض الكاتب بطبيعة الحال للوقائع الشهيرة سواء في بغداد على أيدي التتار أو لمكتبة الإسكندرية القديمة، غير أن الجزء الشائق في الكتاب هو ذلك الذي يتناول ما تعرضت له المكتبات في الحربين العالميتين، فذلك تدمير وقع بعد فترة كبيرة كان يفترض خلالها أن تصل البشرية إلى درجة النضج. غير أن الكاتب يلاحظ أنه مع تطور الكتاب من مرحلة ألواح الصصال، إلى مرحلة ورق البردي، إلى الورق العادي، إلى النسخ الإلكترونية، يزداد الكتاب هشاشة، ويزداد سهولة على النار.
دليل الأب الناجح

برايان بورو ـ واشنطن بوست

"أظن أن سر لهفة الرجال على الأبوة يكمن في النزعة إلى تأليه البطل. فحتى سن الثانية عشرة يمنح الأبناء آباءهم المعاملة التي يتمناها الآباء من زوجاتهم، حيث يعامل الابن أباه كملك في قلعة الأسرة. ومن واقع تجربتي، تتجلى هذه المعاملة في مقابلة الأب بالأحضان عند دخوله إلى أرضه. ومن واقع تجربتي أيضا، زوجتي تفعل هذا. حسنا، فعلته مرة واحدة. في يونيو سنة 1988، يوم أن تلقت الإشعار الضريبي الخاص بها.
الأمر الثاني الذي يحقق النشوة للآباء هو الأسئلة: أبي، من أين يأتي شمع الأذن؟ أبي، هل يمكن أن أطهو أختي على الغداء؟ وما إلى ذلك من الأسئلة التي يجيب عنها الأب فيترك لدى أبنائه انطباعا بأنه عالم بكل شيء. ثم إن الآباء يتدبرون أمورهم مع الأسئلة الصعبة، حيث يلتفون عليها. أنا شخصيا لي ابني عمره 11 عاما، بدأ يدرس شكسبير في المدرسة، منذ أيام جاءني بعبارة من إحدى مسرحيات شكسبير وطلب مني أن أساعده ليعرف أي شخصية قالت هذه العبارة، فقلت له "أليست العبارة في مسرحية لشكسبير كما يقول السؤال؟" قال نعم، قلت له "إذن قائل العبارة هو شكسبير" فابتسم وقبلني على خدي وقال "شكرا يا أبي شكرا". للأسف لم يقلها على النحو الصحيح، "شكرا، جلالة الملك، شكرا"
لتجنب هذه المواقف التي يضطر فيها الآباء للالتفاف على الأسئلة الصعبة صدر كتابان "الآباء لا يعرفون الكثير" و"كتاب الجهل العام" وكلا الكتابين يقدمان للآباء أجوبة للأسئلة الصعبة التي قد يثيرها الأبناء.
"الآباء لا يعرفون الكثير" يجيب لك عن هذا النوع من الأسئلة: كم شعرة في رأس الإنسان؟ هلى قوس قزح ساخن أم بارد؟ لماذا نقف مع الأحمر ونتحرك مع الأخضر؟ لماذا يرتدي الطاهي قبعة كبيرة بيضاء؟ لماذا تكون الطرق مبلولة دائما في إعلانات السيارات؟ كل سؤال من هذه الأسئلة وغيرها أجاب عليه خبير متخصص في المجال .
أما كتاب الجهل العام، فلا يقدم للأسف هذا النوع الشيق من الأسئلة، ربما لأن مؤلفيه بريطانيان، ولكنهما على كل حال يقدمان الأجوبة الصحيحة. ما أعلى جبل في العالم؟ الشائع أنه جبل إفرست، والصحيح أنه جبل ماونا كي في هاواي. ولكن المشكلة أن أبناءكم حين يقدمون الإجابة الصحيحة على هذا السؤال في المدرسة، فسوف يتعرضون للعقاب، لأن أحدا لا يعرف إلا إفرست، كما أن الجميع يعرفون في أي عام انتهت الحرب العالمية الثانية، ولكن الكتاب يقول إنها لم تنته إلا في عام 1990، وذلك تقريبا لأن شخصا ما نسي أن يوقع على وثيقة ما حتى ذلك التاريخ.
كافكا للشاعر الفرنسي إيف بونفوا

مع نهاية أكتوبر الماضي، حصل الشاعر الفرنسي الكبير إيف بونفوا على جائزة أدبية قيمة من التشيك. فقد قامت لجنة دولية تضم بين أعضائها الناقد الألماني المرموق مارسل رايخ رانيكي والناشر البريطاني جون كالدر في مارس الماضي باختيار بونفوا للفوز بجائزة فرانز كافكا التي تمنحها جمعية فرانز كافكا في براج.
كانت الجمعية قد تأسست بعيد انهيار الشيوعية عام 1989 بهدف الترويج لكافكا وغيره من الكتاب الألمان واليهود في براج. أما الجائزة فقد انطلقت في عام 2001 وهي عبارة عن تمثال صغير لكافكا ومكافأة نقدية تبلغ عشرة آلاف دولار. وأعلنت الجمعية أن الجائزة تمنح "للكتاب الذين تنفرد أعمالهم بقيم فنية عالية تصل إلى القراء على اختلاف أصولهم".
يعد إيف بونفوا ـ البالغ من العمر أربعة وثمانين عاما ـ واحدا من أهم الشعراء الفرنسيين في النصف الثاني من القرن العشرين، كما أنه كاتب مقال مرموق ومترجم مهم نقل إلى اللغة الفرنسية كثيرا من أعمال وليم شكسبير.
بونفوا هو سابع الحاصلين على جائزة كافكا التي سبقه إليها إيفان كيما من جمهورية التشيك، وبيتر ناداس من المجر، والروائي الأمريكي فيليب روث. وفي عامي 2004 و 2005 على التوالي وقبيل الإعلان عن فوزهما بجائزة نوبل للأدب، فاز بالجائزة كل من الروائية والمسرحية والشاعرة النمساوية إلفريدا يلينك، والمسرحي والشاعر البريطاني هارولد بينتر. وفي العام الماضي فاز بالجائزة الكاتب الياباني هاروكي موراك.









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق