الأربعاء، 7 نوفمبر 2007

ما الذي يحيل البشر إلى وحوش؟ ومقالات أخرى

هل كان إبليس حاضرا في سجن أبوغريب


ما الذي يحيل البشر إلى وحوش؟


مارثا نوسباوم

في أغسطس من عام 1971، قام فيليب زمباردو أستاذ علم النفس بجامعة ستانفورد وفريقه باختيار أربعة وعشرين شابا للمشاركة في دراسة حول سيكولوجيا الحبس. بدأ الأمر بإعلان نشر في كل من صحيفة الطلبة والصحيفة اليومية المحلية عارضا خمسة عشر دولارا في اليوم لمدة خمسة عشر يوما لكل من يشارك في دراسة عن "حياة السجن". واستجاب للإعلان عد من الشباب ـ وقليل منهم كانوا طلبة. وتم توزيع أدوار الحرس والسجناء بالتساوي، وبصورة عشوائية أيضا، على من تم قبولهم من بين المتقدمين. وصار على القائمين بدور السجناء أن يبقوا في السجن لمدة خمسة عشر يوما، بينما تم تقسيم الحرس إلى ثلاث فرق تعمل في مناوبات مدة الواحدة منها ثماني ساعات. وهكذا بدأ ما يعرف الآن على نطاق واسع باسم تجربة سجن ستانفورد SPE.



تم بناء السجن داخل حرم جامعة ستانفورد، بعد أن رفضت الشرطة المحلية السماح باستخدام سجن البلدة، وإن وافقت ـ أي الشرطة ـ على "القبض" على من يقومون بدور السجناء، فكانت تدهم منازلهم بطريقة زادت من واقعية المحاكاة. ولأن زمباردو ـ الذي كان يقوم بتدريس منهج "سيكولوجيا الحبس" ـ كان ينظر في أول الأمر إلى الدراسة بوصفها بحثا في العزلة وفقدان الفردية اللتين تقعان أثناء الحبس، فإنه لم يعط للسجناء تعليمات تفصيلية، وإن أخبرهم في البداية ـ مثلما أخبر الحراس ـ بأن لهم الحق في مغادرة التجربة وقتما يشاءون (مع فقدان المبلغ كله). كما أكد لهم أنه لن تقع أي انتهاكات مادية. (وهو ما ثبت زيفه، حيث كان يحق للحراس منذ البداية أن يحرموا السجناء من النوم، وهو شكل بالغ الإضرار من أشكال الانتهاكات المادية). وذلك على العكس من الحراس الذين اعتُبروا منذ البداية "لاعبين مشاركين" وكان دورهم يتمثل في مساعدة زمباردو على دراسة السجناء، ولذلك فقد حصلوا على تجهيز تفصيلي. فلكي تنجح دراسة سيكولوجيا السجناء، أخبر زمباردو الحراس بأن عليهم أن يلعبوا دورهم بقوة. وحثهم على إيجاد تجربة عناصرها الإحباط والخوف وفقدان السيطرة. "بصورة عامة، ينبغي لكل ذلك أن يخلق بداخلهم ـ أي السجناء ـ إحساسا بالعجز التام. فنحن لنا السيطرة التامة على الموقف. لنا لقوة كلها. أما هم فليس لهم شيء. والموضوع الذي تبحثه الدراسة هو: ما الذي سيفعله السجناء لكي ينالوا شيئا من القوة، ويستردوا شيئا من الفردية، وينالوا شيئا من الحرية، ويحظوا ببعض الخصوصية". وقال للحرس إن السجناء سيرون الأمر في البداية كمجرد لعبة، ولكن "خلق الحالة السيكولوجية اللازمة لدى السجناء طوال الفترة التي تستغرقها الدراسة رهن بنا نحن فريق العاملين في السجن" (فقد أضاف زمباردو إلى دوره كمشرف على التجربة دور المشرف على السجن). ومنذ البداية تم إلباس السجناء زيا موحدا فضفاضا وقلنسوات مرنة لإخفاء شعرهم وصار يشار إليهم بالأرقام لا بأسمائهم. وطولب الحرس بارتداء نظارات عاكسة حالت دون أي تواصل إنساني مع السجناء.


احتجاج جماعي


وفي غضون وقت قصير للغاية، بدأ الوضع يسوء. فقد بدأ السجناء المحرومون من النوم يظهرون أعراض الاكتئاب والإحساس بالتيه. في حين بدأ الحراس ينخرطون في أفعال إذلالية تصاعدت وتيرتها مع تصدر أعنفهم للقيادة، وعجز المتعاطفين منهم عن الاحتجاج. وبمرور الوقت، نجح أحد السجناء في الخروج من التجربة، بعد أن أصابه انهيار عصبي أو تظاهر بذلك، وقام آخران بأشكال من المقاومة الفردية ضد الحرس، ولكن ـ لخيبة أمل زمباردو ـ لم يقم أحد بتنظيم احتجاج جماعي. وفي اليوم الخامس من الأسبوعين المفترضين، أوقف زبماردو التجربة. حيث أقنعته أستاذة علم النفس ـ وزوجته فيما بعد ـ وقد روعها ما رأت من انتهاكات بأنه من غير الأخلاقي الاستمرار في التجربة.


في كتاب زمباردو الجديد "تأثير إبليس"، يتبين أن أحداث تجربة سجن ستانفورد ليست سوى مدخل إلى دراسة تفصيلية لبحث سيكولوجي يبين قوة المواقف التي يمر بها البشر في التغلب على الخير لديهم. ومن حسن الطالع أن زمباردو يصف لنا شطرا كبيرا من الأبحاث التي تناولت هذه المنطقة المعرفية: بحث سولومون آش في التقدير الإدراكي، وهو بحث يوثق قوة ضغط الأنداد الذي يفضي بالبشر إلى إصدار أحكام خاطئة على خطوط وأشكال يمكنهم بسهولة أن يرونها غير حقيقية، وتجارب ستانلي ملجرام على السلطة والتي توضح أن ثلاثة أرباع الحالات التي تتم دراستها تقبل الامتثال لأمر الباحث وتقوم بإجراء صدمة مؤذية للغاية على شخص آخر يفترض أن يكون هو الحالة التي تجرى عليها تجربة عن التلقي العلمي، كما يصف زمباردو في كتابه عددا من التجارب المقنعة ـ وإن تكن أقل شهرة ـ والتي تبين جميعا سلوكا مزعجا وقاسيا يسلكه البشر العاديون. بل إن ثمة نموذجا صادما يتعلق بتلاميذ يخبرهم أستاذهم أن التلاميذ ذوي العيون الزرقاء أعلى مقاما من التلاميذ ذوي العيون السوداء. فيؤدي ذلك إلى سلوك تراتبي [هيراركي] انتقامي. ثم يعود المدرس ليخبر الأطفال بأن هناك خطأ: وأن الأطفال ذوي العيون البنية هم الأعلى، وذوي العيون الزرقاء هم الأدنى. فيحدث ببساطة أن تنعكس التجربة: ويبدو أن الأطفال ذوي العيون البنية لم يتعلموا شيئا من الألم الناجم عن التمييز.


أبرياء أبو غريب

يستخلص زمباردو أن سمات معينة في الموقف الذي يمر به البشر هي التي توضح سبب انتهاج البشر سلوكا قاسيا انتهاكيا تجاه غيرهم، وأن هذه السمات الموقفية هي الأكثر تأثيرا من السمات الشخصية الإنسانية. ثم يربط كل هذه الرؤى بسرد تفصيلي للانتهاكات التي قام بها جنود الولايات المتحدة في سجن أبو غريب، حيث يرى أن ألوان الإذلال والتعذيب التي تعرض لها السجناء لم تنتج عن سمات شخصية شريرة وإنما عن نظام شرير يشبه نظام السجن في تجربة سجن ستانفورد وهو نظام يضمن انتهاج البشر لسلوك وضيع. ويرى أن المواقف تحدث نتيجة لنظم، والنظام في نهاية المطاف هو ما ينبغي أن نتصدى له، وليس من يمثلونه من العاديين. ثم يضطلع بتحليل السمات التي تفسد النظم والمواقف، ويقترح سبلا لعلاجها.
يركز "تأثير إبليس" على تجربة سجن ستانفورد وتبعاتها. غير أن الحكاية التي يقصها زمبارو لا تجد دعما جيدا من تجربته المعيبة التي لم تتكرر. فـ آش وملجرام (شأن أغلب علماء النفس الذين يجرون مثل هذه التجارب) لا يخبران حالاتهما بالموضوع الحقيقي لدراستيهما. فتتصور الحالات أنها تشارك في تجربة خاصة بالتلقي أو التعلم. وهكذا يحال بينهم وبين افتعال أدوار معينة، أو محاولة إرضاء أمنيات الدارسين. أما حالات زمباردو فلم يقتصر شأنها على أن عرفت ما كان يقوم بدراسته، بل تلقت تشجيعا على أداء أدوارها حتى الثمالة بغية إنجاح الدراسة. وفي هذا الصدد يكون "التجهيز" الذي تلقاه الحرس إشكاليا على نحو خاص، في ضوء سلوكهم فيما بعد التجهيز.


ولذلك، لنا أن نشك كثيرا في بعض السلوكيات التي تمخضت عن تجربة سجن ستانفورد، ونذهب إلى أنها السلوكيات التي يمكن لأي موقف واقعي من النوع نفسه أن يستنفرها من هؤلاء البشر، ومن ثم فلا يمكن أن تقام نتائج علمية صلبة على هذا التمثيل الواعي. (حينما أراد الحراس أن يخلعوا النظارات العاكسة التي نزعت الإنسانية عن علاقتهم بالسجناء، تم تذكيرهم بأنهم مطالبون بارتدائها كجزء من التجربة). وهناك مشكلات أخرى. فدراما الاعتقال والحبس ـ بالنسبة لأغلب السجناء ـ هي بالأساس دراما عن البراءة والإدانة. فلو أن السجين بريء، فإنه يكون مشغولا بإثبات براءته، ولو أنه مذنب، فمن المحتمل أن يحاول تقييم الأدلة ليقرر ما إذا كان الاعتراف بالذنب أفضل استراتيجية متاحة له.
وهناك أخيرا دراما الدور المزدوج الذي لعبه زمباردو كمشرف على الدراسة ومشرف على السجن. فقد جعله ذلك بصورة كبيرة مشتبكا عاطفيا في النتاج النهائي، وحاضرا أكثر ما ينبغي في المشهد، موجها الممثلين، وهو ما يزيد من صعوبة إمكانية الاعتماد علميا على النتائج السلوكية. وإذا كان هو نفسه ينتقد هذا الجانب في تجربة سجن ستانفورد إلا أنه فيما يبدو لا يدرك إلى أي مدى كان دوره الدرامي نافذا في مجرى الأحداث، خاصة وأن التجربة برمتها قد انتهت بسبب غضب زوجته فيما بعد (والتي لا تزال زوجته حتى الآن، والتي يصفها بأنها "بطلة حياتي النقيةُ").


والخلاصة أن القارئ ينبغي أن يعتبر تجربة سجن ستانفورد مجرد قضية جانبية، يحتمل كثيرا أن تكون نتائجها صحيحة، أو لعلها صحيحة إلى حد ما، ولكن التجربة نفسها لم تقدم الكثير لإثبات هذه النتائج. وليس غريبا أن نجد زمباردو ـ بعد خمسة وثلاثين عاما شهدت الكثير من أوجه استثمار أهمية تجربة سجن ستانفورد ـ وقد كرس لها ما يربو على نصف كتابه، ولكن العمل الحقيقي الذي يقيم عليه نتائجه يتمثل فيما يصف من أبحاث. فزمباردو يكون في أفضل حالاته حينما يقوم بتحليل الحالة الراهنة لمعارفنا الخاصة بدور المؤسسات في تكوين السلوكيات الشريرة. فقد قدم الباحثون فيضا من البراهين على أن البشر من مختلف الأنواع يسلكون سلوكيات شريرة عند التعرض لأنواع معينة من المواقف الضاغطة. ومن خلال تأثير السلطة وضغط الأنداد، يقوم البشر بأشياء يذهلهم فيما بعد أنهم قاموا بها، أشياء يظن أغلب البشر مسبقا أنهم لا يمكن أن يقوموا بها.
























محامي الشيطان


أول قضية موفقة يتبناها زمباردو هي الخاصة بالمهانة: فليس لدينا مبرر للقول بأن الأعمال الوحشية هي نتاج شرذمة من "النعاج الضالة" كما لا يوجد لنا مبرر للظن بأن ممارستها تتم على أيدي أناس بعيدين عنا في الزمان والمكان. بل ينبغي أن نفهم أننا جميعا في قارب واحد، وأن لا حصانة لأي منا، ومن ثم فينبغي أن نتحلى بالرحمة في الحكم على الأفراد، مدركين أننا في حقيقة الأمر لا نعرف ما الذي كنا لنفعله نحن أنفسنا، لو أننا واجهنا ضغوطا مماثلة. وثاني قضاياه الموفقة تتعلق بتعليمنا أن "نلقي اللوم على النظام": أي أن ننظر تحديدا إلى كيفية تصميم المؤسسات، وأن ننتقد من يصممونها بحيث تمثل تحديا للبشر غير المحصنين، تلقي عليهم ضغوطا يتكيفون لها بطريقة سيئة. لقد قدم زمباردو "شهادة خبير" نيابة عن الضباط الذين تم اتهامهم بالإشراف على التعذيب في أبوغريب، وقد كان لب شهادته يقوم على أنه لا ينبغي لنا أن نظن بأن هذا عمل حفنة من "الفاسدين" المنحرفين، وأنه لا بد لنا من أن نفهم أن الأخيار يمكن أن يرتكبوا أشياء شريرة إذا ما تعرضوا للضغط، وأنه لا غنى لنا عن تعلم كيفية هيكلة المؤسسات بحيث لا تلقي مثل هذه الضغوط على الأفراد. أي أنه باختصار يقول بالمسئولية الجمعية، لا كبديل كامل للمسئولية الفردية، وإنما كمرافق لها بالضرورة، إذا كان من الحتمي أن يواجه البشر مرارا وتكرارا بمطالب ليس من المحتمل أن يستجيبوا لها على نحو جيد.

التعليم ضد الخوف


يبدو زمباردو أحيانا وكأنه يلقي بكل الأهمية في خانة الموقف الخارجي، ويلغي كل أهمية لدواخل الأفراد. وذلك بوضوح شطط في تأويل البيانات التي قد تؤدي إلى رؤية أكثر نجاحا. فحتى إذا كان جميع المشاركين في تلك التجارب قد تصرفوا بطرق متماثلة تماثلا دقيقا، فليس بوسعنا أن نستخلص أن دواخلهم السيكولوجية لم تساهم بأي نصيب: إذ إنهم قد يكونون مدفوعين بمشاعر ونزعات مشتركة بين البشر، وسيكون من المهم للغاية في تلك الحالة أن نعرف ماهية هذه القوى الدافعة. فهناك صلة قديمة بين الخوف وعدم الإحساس بالأمان من ناحية والسلوك العنيف من ناحية أخرى، وذلك على أقل تقدير منذ أيام جان جاك روسو الذي خلص إلى ضرورة أن يهدف التعليم إلى إمداد البشر باستراتيجيات تساعدهم على التكيف مع مخاوف الحياة وجعلهم يفهمون كيف يمكن للتحاب والتعاون أن يبطلا ضعفنا الكامن. يشير بحث سيكولوجي حديث عن الاشمئزاز ـ أجراه باول روزن ـ إلى أن هناك صلة بين العنف، وعجز المرء عن قبول طبيعته الجسدية، مع التنبؤ المشئوم بالموت والتحلل وما يرافقه من انبعاث للأبخرة المنتنة. وهكذا نجد أنفسنا مجددا ـ عندما نفكر في هذا المصدر من مصادر العنف ـ غير بعيدين عما أكد عليه روسو: ينبغي أن نشجع البشر على عدم التنكر لحيوانيتهم، بل على فهم أننا جميعا فانون وأن علينا أن نتعلم استراتيجيات التعاون بين بعضنا البعض. وهناك أبحاث أخرى تشير إلى أن التصورات المشوَّهة عن الذكورة هي الملومة ولو في جزء بسيط من الاستعداد للعنف الذي نراه من حولنا: فالناس ينشأون على الظن بأن "الرجل الحقيقي" لا ينبغي أن يحتاج للآخرين، ولا ينبغي له أن يكون ضعيفا، لا ينبغي أن يكون إنسانا، فعلا. ومن ثم يكون رد فعلهم عنيفا تجاه من يذكرهم بضعفهم. ويقترح هذا البحث ـ مرة أخرى ـ نتيجة روسوية: ينبغي أن نعلِّم الرجال (والنساء) أن اعتمادنا على بعضنا البعض واهتمامنا ببعضنا البعض ليسا أفعالا مخجلة أو غير رجولية. وهذه المناطق الشائقة من البحث السيكولوجي ذات أهمية بالغة لمشروع زمباردو الكلي، ولكنه يتجاهلها، ملقيا كل الأهمية في خانة الموقف الخارجي. غير أن المواقف في نهاية المطاف لا تستخرج السلوكيات الشريرة من حجر أو فيل. وإذن فماذا عن كثير من الأفراد الذين يساهمون في عدم تحصين أنفسهم؟ على زمباردو أن ينظر في هذا السؤال.
الإنسان أم الظروف


والأهم من كل ذلك، أن البشر ليسوا سواء. فالبحث الذي يصفه زمباردو يبين مستوى مدهشا من السلوكيات الشريرة في المواقف التجريبية، ولكنها لا تكشف عن سلوكيات شريرة متماثلة. فهناك أولا المرتكبون الناشطون والمشاركون الجبناء المتعاطفون. وإذا كان كلا الفريقين من الفاسدين أخلاقيا، لكنهم فاسدون أخلاقيا على أنحاء مختلفة. وهناك أخيرا الداعون إلى التغيير، والذين لا يجدون من القوة ما يحملهم على تحدي النظام، ولسمات هذا الفريق يخصص زمباردو الفصل الأخير من كتابه. وإذن فهو يعرف أن للفرد أهمية لا تنكر، وهو [أي زمباردو] بالفعل لا يهتم فقط بالتساؤل عن كيفية تحسين تصميم المؤسسات، وإنما بالتساؤل عن كيفية جعل البشر يسلكون سلوكيات صحيحة داخل مؤسسات فاسدة. (غير أن الاستبيانات التي يستخدمها علماء النفس قبل إجراء مثل هذه التجارب لا تمدنا لسوء الحظ إلا بالقليل عن الاختلافات الرهيفة بين طرق التربية والتعليم التي تفضي إلى الاختلافات بين البشر). وإذن ما الذي ينبغي ـ من وجهة نظر زمباردو ـ أن يركز عليه مجتمع جيد يريد للبشر أن يتحلوا بالقدرة على التصرف الجيد في ظل المؤسسات أو الضغط الأخلاقي؟

احتموا بالخيال


أولا وقبل كل شيء، يدعو زمباردو إلى تركيز مجتمعي كامل على التفكير النقدي منذ الطفولة. فينبغي تشجيع الأطفال منذ أيامهم الأولى على التفكير في التقاليد والأعراف التي تحكم حيواتهم وأن يطرحوا الأسئلة الشغوفة المزعجة. إننا بحاجة إلى ثقافة الداعين إلى التغيير ولن نحصل على هذا ـ كما يرى زمباردو عن حق ـ ما لم نشجع على المساءلة السقراطية للسلطة سواء داخل العائلة أو قاعة الدرس. وبعد ذلك يؤكد زمباردو على أهمية دعم ثقافة المحاسبة الذاتية. فالناس ـ كما يعرف كل من تجاوز السرعة المحددة ـ يميلون إلى ارتكاب أفعال شريرة عندما يكونون مجهولين أو يحسبون أن أحدا لا يراهم: ومن ثم فجعل الناس يعون أنفسهم كأفراد عليهم مسئولية شخصية يقلل من احتمال أن يمتثلوا لدوافع عنف قد تكون لديهم. والتدريب على المسئولية الفردية مسألة لها علاقة بتنمية الفرد والموقف الخارجي معا. وزمباردو يركز على الثانية منهما (دعم البنى والهياكل التي تدفع إلى المحاسبة الفردية) ولكن علينا أن نسعى ـ مع جون ستيوارت ميل ـ إلى الأولى أيضا، بأن نفكر في سبل لتنشئة أطفالنا بحيث يكونون جاهزين وشغوفين بأن يروا أنفسهم كأفراد، لا كورثة مجهولين للتقاليد. وينبغي أن نشجع على النظر إلى الآخر كفرد: فالبشر ـ حين يساقون إلى رؤية الآخرين بوصفهم مجرد أرقام مجهولة مكونة لجماعة، يكونون أكثر ميلا إلى ارتكاب أفعال شريرة في حقهم أكثر من ميلهم إلى ذلك عندما ينظرون إليهم كأفراد ذوي أسماء وتواريخ متميزة.


لا يركز فيليب زمباردو على التنمية العاطفية، ولكنها بلا شك شريك محوري في مستقبل أي مجتمع عازم على ألا يتردى على طريق تجربة سجن ستانفورد أو أبو غريب. فالذي غاب عن الحرس في التجربة حينما عزت عليهم القدرة على رؤية الآخر بوصفه إنسانا، هو التعاطف وقريبه التحاب. والتحاب كما يبين بحث دانيل باتسن الممتاز وثيق الصلة بالمقدرة على تتبع حكاية مأزق الآخر بخيال خصب قادر. ولا شك أن الموقف الخارجي قادر على تعزيز هذه المقدرة، كما تبين من الموقف الخارجي في تجربة باتسن. ولكن الخيال عضلة ينال من قوتها طول العهد بالتفكير الروتيني وتضيف إلى قوتها التحديات الجسام، وهو ما يشير إلى دور حيوي للفن والإنسانيات في أي منهج للمواطنة القويمة.
فلنأمل لـ "تأثير إبليس" ـ الذي يواجهنا بأسوأ ما فينا ـ أن يثير حوارا جادا يفضي إلى استراتيجيات أكثر منطقية وأقل عجرفة للتعامل مع الضعف الإنساني المشترك بيننا جميعا.

كاتبة المقال، مارثا نوسباوم، أستاذة القانون والأخلاقيات في جامعة شيكاجو، وأستاذة زائرة في جامعة هارفرد. صدر لها عام 1986 "هشاشة الألوهة: الحظ والأخلاق في التراجيديا والفلسفة لدى الإغريق"، و"الاختباء من الإنسانية: الاشمئزز والعار والقانون" عام 2004، و"جبهات العدالة" عام 2004.




كونديرا يحصل على جائزة من التشيك
أسوشييتد بريس ـ حصل ميلان كونديرا على جائزة الدولة في الأدب من جمهورية التشيك عن أول طبعة تصدر في وطنه الأم من روايته الشهيرة "كائن لا تحتمل خفته".

وقد صرح المتحدث باسم وزير الثقافة التشيكي يوم الاثنين الماضي أن كونديرا كتب رسالة إلى وزير الثقافة فاكلاف جيهليكا يعرب فيها عن شكره لحصوله على الجائزة التي تبلغ ما يعادل خمسة عشر ألفا وسبعمائة دولار أمريكي.

وأضاف المتحدث أن كونديرا قال إنه لن يستطيع أن يحضر حفل التسليم يوم الخميس التالي بسبب مشكلات صحية لم يحددها، ليستعاض عن حضوره بكلمة مسجلة.

من المعروف أن الرواية صدرت للمرة الأولى عام 1984، ولكنها لم تصدر في التشيك إلا في العام الماضي، فتصدرت قائمة أكثر الكتب رواجا هناك.

ولد كونديرا في تشيكوسلوفاكيا عام 1929، ولكنه يعيش منذ عام 1975 في فرنسا التي أصبح من بين مواطنيها منذ 1981، والتي نشر فيها كتبه ومن بينها "الخلود" و"الجهل" و"البطء" و"كتاب الضحك والنسيان" وآخر أعماله "الستار".




تعليم تولستوي الاختصار

الجارديان ـ "قل لي، لماذا تدور هذه الحرب المقرفة؟" ذلك سؤال تطرحه إحدى شخصيات "الحرب والسلام" للروائي الروسي ليو تولستوي. وبعد مائة وأربعين عاما من صدورها للمرة الأولى نشب نزاع عليها بين ناشرين كل منهما أصدر ترجمة لها إلى اللغة الإنجليزية، وهو صراع يتعلق أساسا بالوزن.

تقع الترجمة الأمينة التي قام بها المترجمان الشهيران ريتشارد بيفير ولاريسا فولوكهونسكي في 1267 صفحة حافلة بالموت والميلاد والحب والحرب والسلام والشخصيات التي تصل إلى خمسمائة شخصية احتاجها جميعا ليو تولستوي ليبين كيف تعاملت طبقة النبلاء الروسية مع غزو نابليون لروسيا عام 1812.
في جميع المكتبات الأمريكية، تقبع هذه الطبعة في مواجهة النسخة "الأصلية" المختصرة التي قام بإعدادها المترجم البريطاني آندرو برومفيلد. صدرت رواية برومفيلد للمرة الأولى في بريطانيا في مطلع العام الحالي في 886 صفحة، متخلية عن الاستطرادات الفلسفية والفرنسية، ومتباهية بنهاية سعيدة. وهذه النسخة ـ على حد تعبير الناشر الروسي لها وهو إكو Ecco ـ "أقصر مرتين، وأمتع أربع مرات، فيها كثير من السلام قليل من الحرب".
كتب بيفير رسالة مفتوحة انتقد فيها "موقف إكو الانتهازي من تولستوي". في حين اعتبر محرر الرواية في دار نوبف knopf أن النسخة القصيرة من الرواية تمثل "غلطة لا تغتفر".
ورد محرر النسخة القصيرة دانيال هالبرن قائلا إن هذا كلام "غير غريب. فمستر بيفير لم يتعامل مع ترجمة إكو بأي طريقة حقيقية ذات معنى. وربما السبب في هذا أن بيفير لم يقرأ الأصل الروسي لهذه الترجمة. إن وصف هذه النسخة بأنها "غير حقيقية" وصف بائس بل ومضحك".
بيفير لا يجيد الروسية، زوجته هي عضو الفريق الذي يجيد الروسية. ولكن ذلك لم يحل دون أن ينجز الزوجان من قبل عملا كبيرا لقي نجاحا محققا، فقد سبق لهما أن ترجما رائعة تولستوي الأخر "آنا كارنينا" وتم إدراج ترجمتهما في قائمة الكتب الموصى بها من نادي أوبرا وينفري وسرعان ما أصبحت من أكثر الكتب مبيعا.
غير أن اتهام بيفير لإكو بالتدليس في التعامل مع تولستوي هو اتهام لا يقوم على أساس. فالنسخة القصيرة التي صدرت في روسيا للمرة الأولى عام 2000 تعتمد على نسخة مبكرة من الرواية جمعها باحث روسي بعد خمسين عاما من البحث. حيث اعتمد على ثلاثة فصول نشرها تولستوي مسلسلة في جريدة روسية عام 1865 وعام 1866 وشكلت أساسا لمسودة أكملها الكاتب في ديسمبر من عام 1866 وكتب على الصفحة الأخيرة منها كلمة "النهاية". وإن كان تولستوي قد عاد بعد ثلاث سنوات إلى مسودته، مضيفا استطرادات وتأملات يرى البعض أنها هي التي تمنح الرواية شخصيتها.
شطحات إكّو

روبي هدسن ـ صنداي تايمز

لمقالات أمبرتو إكو في السياسة والإعلام إحساس ووقع مختلفان تماما. إذ إن لإكو أفكارا متناغمة تسيطر عليه، منها على سبيل المثال تراجعنا عن قيم التنوير لصالح القيم المطلقة من ناحية، ومن ناحية أخرى الميل إلى النزعة التوفيقية غير النقدية، ولكن هذه المقالات البارعة هي أقل تقديرا وأقرب إلى الصحافة من مقالات أورهان باموق التي ينشرها بدوره بين الحين والآخر.

قليل من طروحات إكو هي التي لا تتمتع بالرسوخ الكافي. ومن هذه رأيه أن حرب الخليج كانت أولى الحروب التي يتعاطف فيها المتحاربون مع أعدائهم. ولكن إكو يبقى كاتبا مستفزا بأفضل ما للكلمة من معنى. حيث يقول في مقال له ـ على سبيل المثال ـ وبوضوح لا مجال فيه للبس إننا لا بد أن نجمع الذين يحاولون فهم الإرهاب مع الذين يتعاطفون مع الإرهاب جميعا في سلة واحدة. أما تحليلاته الرشيقة للذوق، وعلماء الأنثروبولوجيا التبريريين المدافعين عن العقيدة المسيحية، والحاجة بين الحين والآخر إلى تبني أقل الشرين شرا فهي جميعا تحليلات نافذة للعقل وللذاكرة على السواء، وفي هذا السياق يبرز مقاله الذي يدافع فيه عن مدرسة تقيم ـ على مضض ـ فصلا دراسيا مكونا من طلبة مسلمين فقط. ولكل هذا فإن كتاب إكو الجديد "دفع عقارب الساعة إلى الخلف" كتاب راق وحكيم وجدير بالقراءة.

هناك تعليق واحد:

  1. It's very nice step mate,go ahead
    I'llhardly try to support u with reviews form Oz papers.
    Highnoon man

    ردحذف