أودافي أتوجن:
أكتب ليلا .. عندما ينام العالم
الكتابة بالنسبة لي رحلة،
وبداية الرحلة طقس قديم
عليَّ أن ألتزم به لأيام عديدة قبل أن أشرع في الرحلة.
في ذلك الوقت، أسمح لنفسي بشيء من الكسل، والانخراط في مهام صغيرة تستنزف طاقتي.
أعمد إلى التنظيف، والمسح، وإعادة ترتيب غرفة المكتب وتمزيق ما تراكم عندي بمرور
السنين من ورق زائد عن الحاجة. أضبط وضع الكرسي، وأعيد ضبطه، وطاولة الكتابة،
وأجلس لأتأكد أن المنظر من الشباك منضبط تمام الانضباط، فالأشجار العالية بعيدة،
ومن ورائها السماء الزرقاء. الأجواء مهمة للغاية، لذلك أقضي أياما في تجهيز مكان
العمل. وأخيرا أذهب إلى الجيم. وعندئذ فقط أكون مستعدا لوضع القلم على الورق ـ أو
الأصابع على لوحة المفاتيح ـ لأسابيع وشهور ممتدة أمامي.
أكتب في الغالب بالليل بينما
العالم نائم، وعندما يبدأ العالم في التململ أسمح لنفسي بساعتي نوم، وأستيقظ بحلول
العاشرة صباحا. أبدأ يومي بزجاجتي ماء، وأحيانا بثلاث، وكوب من الشاي الأسود. بغير
سكر. أنهمك في أعمال بسيطة لنحو نصف ساعة ثم أتناول الطعام. ثم أستحم، وعندئذ أجد
نفسي قادرا على البدء في العمل من جديد، مطوِّرا قصتي في رأسي. يمكنني أن أبقى
أستحم إلى الأبد، فلعلي في حياتي القادمة أكون سمكة.
يكون الظهر قد حلَّ تقريبا
حينما أجلس إلى طاولتي المرتَّبة أحسن الترتيب، وأظل أكتب إلى أن تبدأ كلاب جاري
في النباح. هي لا تراني ولكنني أحملق فيها من خلال شباكي على أي حال. وكلما ازددت
حملقة علا نباحها. أظل أكتب بينما تنبح الكلاب وأقول لنفسي إن عليَّ أن أتعلم الكتابة
على وقع النباح. فإذا لم تتوقف عن النباح، أفتح الشباك، وأضع سماعة صغيرة على
حافته وأشغل موسيقى صاخبة. أترك غرفة المكتب قليلا وأستغل الوقت في إعداد بعض
الطعام. غالبا ما تفلح حيلة الموسيقى، فتتوقف الكلاب عن النباح ويصير بوسعي الرجوع
إلى غرفة المكتب لاستئناف الكتابة.
أعمل حاليا على ثالث كتبي.
وبحسب حالتي المزاجية، أشغل موسيقى الجاز من خلال الكمبيوتر لتحفيزي على البدء.
وأغلق الموسيقى بمجرد أن أستعد تماما للكتابة، والغوص في العالم الذي أبدعه.
أستعمل كمبيوتر ديل لاتيتيود
إي 4310، كان علي أن أستقل الطائرة إلى العاصمة لاجوس لأشتريه سنة 2011. هو لابتوب
لطيف أنتج معي كتابين. أحرسه وأغار عليه. ليس مسموحا لأحد أن يلمسه، ولا حتى زوجتي.
أفكر أنني حينما أنهي كتابي الثالث سوف أعرض هذا الكمبيوتر للبيع في مزاد وأصبح
ثريا من مبيعات جهازي السحري السعيد الذي أمكنه أن ينتج ثلاث روايات خلال سنوات
كثيرة. الحياة لطيفة. وعجيبة. لقد كنت أظن أن كتبي سوف تحقِّق لي الثراء، لكن يبدو
أن الكمبيوتر الذي أنتج كتبي هو الذي سيحقق لي ذلك. إذا حدث وحقق لي كتاباي مليون
جنيه قبل أن أنهي الكتاب الثالث، فقد أعدل عن فكرتي القبيحة ببيع كمبيوتري العزيز.
لذلك #أنقذوا_كمبيوتر_أودافي [#SaveOdafe’sLaptop].
في بعض
الأحيان حينما تنفد الكتابة مني، آخذ استراحة أحصي خلالها أحذيتي، ولدي منها عشرات
قليلة. أتذكر أيام لم يكن لدي أي حذاء، في طفولتي التي عشتها في كنف سيد له من
الزوجات اثنتان. أجمع بين القمصان والسراويل والأحذية لأقرر التوليفة المثلى، إلى
أن أقتنع أنني قادر على مباراة ديفيد بيكهام في الأناقة. وليس هذا من غرور، بل من
رغبة في تضييع الوقت، وهو أمر بات جزءا من الموهبة لكاتب متفرغ للكتابة. وهو أيضا
مرض حميد، ففيه تطهير ما لي، وعون لي على توجيه طاقتي الإبداعية حينما أرجع إلى
طاولتي.
الكلاب الآن
في قيلولتها. والصمت يخيم على العالم. ولكنني غافل عن هذا الصمت، تلهيني عنه الكتابة.
آخذ استراحة في السادسة مساء. ذلك وقت بعض التمرينات الرياضية، الضغط، والمد،
والأثقال، وما إلى ذلك. ثم أعود لأستحم وأسمح لذهني بالانطفاء. يستغرق العشاء
والتليفزيون نصف الساعة التالي من حياتي. أنام في قرابة الثامنة والنصف، وأستيقظ
قبيل منتصف الليل لمواصلة عملي. الهدوء أكبر كثيرا في الليل، والسلام تام.
هذه هي حياتي
الآن، وأنا شاكر أن وصلت إلى هذه المرحلة. فكم رغبت في الوصول إلى هذه النقطة التي
وصلت إليها. التفرغ للكتابة تحد أكبر مما كنت أتخيل، لكنني أستمتع بالتجربة حقا،
وأتعلم منها كل يوم.
عن جارديان ـ نشرت في جريدة عمان قبل أيام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق