الجمعة، 19 مايو 2017

هاري كونزرو: ليس بيني وبين الفشل الإبداعي إلا القهوة

يومي في الكتابة:

هاري كونزرو: ليس بيني وبين الفشل الإبداعي إلا القهوة

 يبدأ يومي الكتابي في حوالي الخامسة صباحا، عندما تبدأ ابنتي البالغة من العمر عشرة شهور في الصياح المستبد في مهدها. في العادة تأتي بها كيتي (زوجتي، الروائية أيضا) إلى سريرنا لترضعها، فكان ذلك في سالف العصر والأوان كفيلا بأن يلقي بها مرة أخرى في بحر النوم، لكنها الآن أصبحت قوية الإرادة حتى أن الساعة تصل إلى السادسة وهي لا تزال تمارس مهاراتها الرهيفة فتمد إصبعا في أنفي أو تشد شعر أمها أو تجذب سلك المصباح الموضوع على المنضدة المجاورة للسرير. في هذا الوقت تقريبا يستيقظ أخوها البالغ من العمر أربع سنوات وينضم إليها، وفي العادة ينتهي الحال بأن أنزل بهما عسى أن تنال كيتي ساعة أخرى من النوم. ويتحول عبثنا في غرفة المعيشة في نهاية المطاف إلى إفطار واستحمام وارتداء الثياب الداخلية كقبعات وإعداد غداء للحضانة التي تقع على مسافة مسيرة قصيرة من منزلنا. بعد توصيل الولد إلى الحضانة والانشغال  بعمل أي شيء في قائمة اليوم ـ كطلاء الأظافر أو كشط أرقام بطائقة الائتمان أو صنع قنبلة من المواد المنزلية المتوفرة ـ ندفع جثثنا إلى مقهى قريب لنطلب قهوة اسبريسو قوية هي كل ما يفصلنا عن هزيمتنا الإبداعية المدوية الشاملة.
المثالي أن أكتب في غرفة ساكنة تطل على منظر بهي ملهم للعالم الطبيعي. وليست لدي دائما هذه الغرفة. لكن لدي بدلا منها ضوضاء الشارع وصندوق بريد عامر بالرسائل الإدارية، ولدي ـ إن ساء حظي تماما ـ مكالمات هاتفية يتحتم أن أجريها. حينما كنت مكتئبا، ولم أنشر، وفي مطلع العشرينيات من عمري، نشأت لدي فوبيا كاملة الأوصاف من استعمال الهاتف. كان بوسعي أن أؤجل اتصالا ما طوال أيام. ولا زلت أمقت الاتصال بالبنك أو المحاسب، ويصعب عليَّ أن أركز في الكتابة قبل أن أنتهي من التعامل مع هذا النوع من المهام.
أنا وكيتي نكتب في البيت. وحينما تحضر جليسة الأطفال في العاشرة صباحا، يستقر البيت. كان من عادتي أن أضيع قدرا غير محتمل من الوقت، لكنني لم أعد أتمتع بهذه الرفاهية الآن. أصنع مجالي باستعمال السماعات، وأغطية كبيرة للأذنين أنعزل بها عن العالم. أشغل موسيقى، حريصا في العادة أن تكون بسيطة، وبصوت شديد الانخفاض، فلا هدف منها إلا إيهامي بالتركيز التأملي الذي أحتاج إليه للكتابة. ولأسباب واضحة لا تكون أغنيات، وإن لم يكن من بأس بالأغنيات لو أنها بلغة لا أجيدها. وحينما تفلح الموسيقى تختفي وتصبح جزءا من البيئة التي أستطيع التفكير فيها. تفلح معي الآن مقطوعة A Red Score in Tile  وطولها 45 دقيقة، لوليم باسينسكي. أنا دائم البحث عن الموسيقى الملائمة للكتابة. وكثيرا ما أتبادل القوائم مع كتاب آخرين. في بعض الحالات المزاجية أستطيع الكتابة على سولو البيانو لرافيل، أو قناة بيزيك، وفي حالات مزاجية أخرى تشتتني الموسيقى فإذا بي أستمع بدلا من أن أكتب.
عندي ديسكتوب وعندي لابتوب. في كتابة الرواية أنشئ وثيقة وورد، لكنني أغير اسمها كل صباح لتتسنى لي متابعة التغييرات في مختلف النسخ حين أحتاج إلى استرجاع ما أكون حذفته. أدون ملاحظات على الورق، في دفاتر كعوبها من أسلاك ملولبة، ولكن خطي فظيع، وبالذات حينما أحاول تدوين أفكار بسرعة، لذلك تكون الطباعة أسرع. وأحتفظ بنسخة احتياطية. ولا أفهم الكتاب الذين لا يفعلون ذلك. الشاشة تكون فوق كومة من الكتب بارتفاع مستوى العين. وطاولتي دائما في حالة فوضى. اشتريت أخيرا لوحة مفاتيح جيدة (ذات مفاتيح ميكانيكية، لكنها ليست مرتفعة الصوت) وأعتقد أنني استسلمت لفيتش لوحات المفاتيح منذ سنين. ما الذي بوسعي أن أقوله؟ إنه أمر أحبه. أقضي وقتا كبيرا في تصفح الإنترنت، لكن بعضه يكون بهدف البحث. وأستطيع أن أركز بصورة أفضل حين لا أكون موزعا بين ملف الوورد وثلاثين نافذة مختلفة على مستعرض الإنترنت.
في بعض الأيام يسير كل شيء بحسب الخطة. حين أكون مضغوطا و/أو مستغرقا في ما أفعله، أتناول طعامي وأنا جالس إلى طاولتي. في أيام أخرى، نتناول الغداء أنا وكيتي معا، أو ننتهي ونحن نلعب مع ابنتنا أو نثرثر مع الجليسة. يرجع الولد في الرابعة عصرا، وفي العادة يعصف بباب غرفتي لينال حضنا. أفرح دائما حينما أراه. حينما أكون في مزاج موات، أخرجه من الغرفة وأعمل حتى السادسة مساء، أي موعد العشاء، فالحمام، فقراءة قصص ما قبل النوم. في بعض الليالي نخرج، أو نشاهد فيلما في البيت، ولكن بمجرد انتهاء غزوة غرفة النوم، نستأنف العمل في الغالب، وبعض أفضل الأفكار تواتيني بالليل، ولكنني أوقف نفسي لأرتاح، لأنني إذا لم أحصل على كفايتي من النوم، أعجز عن العمل.

باختصار

ساعات الكمبيوتر: من 6 إلى 10
ساعات مهدرة في الإنترنت: ما معنى مهدرة؟
القهوة: فنجان في الصباح، وربما فنجان في البيت بعد الغداء
مواد مستهلكة أخرى: نعم.

هاري كونزرو (1969 ـ ) روائي بريطاني صدرت له حديثا رواية "دموع بيضاء" عن دار هاميش هاملتن.

نشر أصلا في صحيفة جارديان في 13 مايو 2017 ونشرت الترجمة في جريدة عمان


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق