الأربعاء، 30 نوفمبر 2016

المهرج والخليفة

المهرج والخليفة
جينيفر بيرسي

في بهو فندق تانجرام بمدينة إربيل بشمالي العراق، كنت أشاهد أنا ومترجمي سالار أحدث فيديوهات الإعدام الداعشية، فلدى سالار فيديوهات غير متاحة علنا. قال سالار ـ وهو سنيٌّ كردي يبلغ من العمر خمسين سنة ـ  إن هذه فكرة ابتكرها الصينيين وعرض فيديو لأربعة رجال في قفص يدنو بهم في حمام سباحة ليموتوا فيه غرقا. ثم يتم رفعهم مبللين مترنحين، والزبد يسيل من فم أحدهم الفاغر. قال "ليس لطيفا في حقيقة الأمر".
كنا في مطعم بالطابق الثالث من الفندق المكل على معسكر اعتقال الإرهابيين. وكان في البهو الأمامي تفاح مجاني، لكن الزبائن قليلون. قدَّم لنا نادلنا "باسم" القهوة، وهو شاب مسيحي.
سألته "من أين أنت؟"
قال "من برطلة"
قال سالار "أنا عائد من هناك أخيرا".
سأله "هل رأيت بيتي؟ هل لا تزال أشيائي هناك؟"
ضحكت أنا وسالار، لكن جفني باسم كانا يختلجان. سأل "هل استولت داعش على أشيائي؟". لم نكن نعلم. قلت إن برطلة لا تزال تحت سيطرة داعش. وكنا قريبين من القرية إلى حد أن نستطيع رؤيتها عبر عدسات التلسكوب.
في الفيديو التالي، أطلق داعشي قنبلة على عربة غارقة في الوقود مكدسة بالأسرى. فاحترق الرجال أحياء. وفيديو آخر يحمل عنوان "واقع الغارة الأمريكية" يصوّر الردّ على غارة أمريكية استهدفت سجنا في الحويجة. بدأ بمقاتل داعشي ينشر رأس جندي كردي بينما ثلاثة أسرى يشاهدون. اقتربت عدسة الكاميرا من وجه أحدهم وهو يشاهد النحر. فصل الجلاد الرأس عن الجسد، وبرغم انفصال الرأس عن الجسد بقي الفم ينفتح طلبا للهواء.
بعد ذلك رأينا فيديو لجندي كردي من البشمرجة ومقاتل شاب من داعش في خندق. قدَّم جندي البشمرجة ماء للداعشي فقبَّل الأخير يده. سأله المقاتل "من أنتم؟" فقال جندي البشمرجة "بشر مثلك". ثم خرج جندي البشمرجة من الخندق وأطلق الرصاص على مقاتل داعش. غير أنه ما من وسيلة إعلامية يمكن أن تعرض هذا الجزء الأخير.
جلس باسم بجانبنا على الأريكة وقال "أنا مسافر غدا".
سألته "هربا من داعش؟"
قال "لا. بل بحثا عن الحب".
كان يحب امرأة من برطلة, ولسنوات كانا يتلاقيان ويخطِّطان للزواج، لكن أسرتها لم تكن راضية عنه لعدم انتمائه إلى أسرة ثرية. وحاولا مرة بعد مرة لكن الأسرة لم توافق على زواجهما.
قال "سأركب القارب إلى اليونان. وأرجو ألا أموت".
على الطريق من كركوك إلى اربيل توجد نسخة من البيت الأبيض الأمريكي وسط مرج منمق، وصحراء خاضعة للميلشيات الشيعية، وأنصاب تذكارية للشهداء، وسوق حيوانات تباع فيه جمال وثعابين وقرد يعض ذيله. وأميال من الأرض منزوعة الأشجار تنهبها الآلات.
كنت وسالار نتحرك بالسيارة بين اربيل وكركوك كل يوم. وكركوك مدينة ثرية بالنفط على الحدود بين العراق والمنطقة الكردية شبه المستقلة ذاتيا. في عموم المدينة تنبعث النيران من حقول الغاز. وكركوك أيضا شهيرة بتنوعها السكاني ففيها الأكراد والعرب والتركمان والمسيحيون الذين يتقاتلون منذ سنين بهدف السيطرة على النفط. في جنوبي كركوك عند الحدود مع داعش نقطة تفتيش اسمها مكتب خالد، تفصل بين المنطقة الكردية والمناطق الخاضعة لداعش. كان سالار يعرف مهرِّبا وعامل إغاثة يدعى عماد متّي يشتري الرهائن المسيحيين من داعش في الموصل ويهرِّبهم عبر الحدود.
عندما زرت عماد متّي في كنيسته بكركوك في أكتوبر الماضي، قال لي إنه بدأ يساعد المسيحيين لأن هذا واجبه تجاه الرب. قال إن داعش أعدمت في الحويجة ولدين وأعادت منهما رأسا وجسدا إلى أمهما. الجسد لولد والرأس للآخر. قال "إن ذلك ترك أثر كبيرا على نفسي. لمس ضميري".
شأن كثير من العراقيين، بدا أن متّي مدفوع إلى العمل بقوة العنف، لكنه في الوقت نفسه محصن ضده. قال "إن ملاك الموت آت إلينا جميعا. وأنا لا أخاف الموت".
في الطريق إلى كركوك، توقفت أنا وسالار في مطعم على الطريق يدعى"عبدالله ريست"، وهو مطعم ضخم ذو موائد بلاستيكية لامعة وصف من الندل واقفين بجوار الجدار. كانت الثلاجات تهدر قرب المراحيض. أكلنا كباب الدجاج والأرز البسمتي والبطاطس المقلية والخبز بالثوم وحساء الدجاج وسلاطة الحمص وطبقا من الرز المحلّى. قال لي متّي إنه سبق أن زار مطعم عبدالله ريست. ففي 2008 دخل انتحاريان المطعم وفجرا نفسيهما فيه. كان ذلك في آخر أيام أحد أعياد المسلمين وكان الحاضرون أسرا تحتفل في المكان. وصل متّي هناك فـ"كان الشواء مختلطا بلحم البشر ودمائهم". كانت الأطباق لم تزل على الموائد واكتشف في طبق عميق لحما غريبا لم يكن غير مخ الرجل الذي كان جالسا إلى المائدة.
غيَّرت الموضوع وسألته عن مسيحي حصل عليه من الخلافة بلا مقابل. قال متّي "إنه كان مثيرا للضيق، حتى بالنسبة لداعش. ضجروا منه فعلا. هو شخص شديد الغرابة. نصف مجنون. تعبت في محاولة إصلاحه، ولكنه طول الوقت يتعاطى المخدرات. أعتقد أنه كان تاجر مخدرات".
يدعى الرجل "أنيس أ. موسى" وهو في الخامسة والخمسين من العمر. عندما استرده متّي لدى نقطة التفتيش سأله عن بطاقة هويته الصادرة من الدولة الإسلامية، فتظاهر موسى أنه لم يحصل منهم على بطاقة . كرّر متّي الطلب وظل يكرِّره إلى أن اكتشف أن موسى يخفي البطاقة في جوربه.
قال لي متّي "إنه شخص مريب وغريب إلى أقصى حد. موضوع على القوائم السوداء لغير المقبول توظيفهم لحساب قوات التحالف. وأوضح أن موسى كان يترجم العربية للقوات الأمريكية في الحرب العراقية الثانية. والحقيقة أنه كان على قدر جيد من التعليم. فقد عاش في فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة وعملا مترجما عربيا لقوات تيتان عندما كانت القوات الأمريكية في الموصل. أي أنه لم يكن جهاديا فقيرا يسهل غسل دماغه.
وذات يوم وجد متّي موسى واقفا على يديه في مكتبه. سأله "لماذا أنت واقف رأسا على عقب؟ فقال موسى "أصلّي"!
سألته إن كان يمكنني أن أقابل موسى.
"عليك فقط ألا تقابليه وحدك وألا تكون بحوزتك أشياء ثمينة".
لم يكن بوسع سالار أن يصحبني فطلبت ذلك من مسيحي آشوري يدعى كرم وهو أصلا من قرقوش ويعيش في الوقت الراهن لاجئا في اربيل. وقرقوش قرية تقع على بعد ثلاثين دقيقة خارج الموصل ويسكنها المسيحيون منذ زمان بعيد. حينما حكيت لكرم عن موسى قال "إلا هذا. أنا أعرفه" فقد كانت أسرة كرم جيرانا لأبي موسى الذي مات أخيرا. قال كرم "أتذكر أنيس. كان يركب دراجته بالمقلوب في الشوارع. وقبل أن تأتي داعش كان يتحرك في سيارة ليدلَّهم على أماكن الجميع. كان ينقل إليهم الأسماء". في السادس من أغسطس سنة 2014، هرب عشرات آلاف المسيحيين من قرقوش بأمر من داعش. لكن موسى لم يهرب، ربما لأنه كان سكران أو لأنه لم يكترث. لا أحد يعرف بدقة. كما أن بعض المسنِّين والمرضى قرروا البقاء أيضا".
قابلنا موسى لدى تمثال مريم العذراء الوضاء في مدخل عنكاوا وهي حي مسيحي في كركوك مليء بالحانات والنساء طويلات الشعور ضيقات السراويل. كنا نقترب من منتصف الليل. والشوارع شبه خاوية إلا من رجال قليلين يدخنون السجائر. كان رجل أحول يمشي بالقرب من تمثال مريم العذراء. قال كرم "هذا هو". كان يرتدي بنطالا من الجينز الصلب وقبعة تنس بيضاء ويحمل على ظهره كالتلميذ حقيبة ثقيلة. انحنى يسعل ويبصق بلغما.
ناديناه. له وجنتان غائرتان مغضنتان وبشرة عكرة.
صافحته. قال موسى "كنت أتمنى بصدق لو أنك مت"، وكنت قد غيَّرت موعدنا مرتين بسبب المرض". هز موسى يديه ثم أشاح بهما في الهواء قائلا "كنت أتمنى فعلا لو كانت صدمتك شاحنة". وبدأ يحكي لي قصة عن انحباسه مع امرأة بينما عساكر الشرطة يرمونه بالحجارة. قال "أبناء الكلبة".
لم أصدق متّي حينما قال إن موسى تسبب في كثير من الضيق لداعش، ثم اتضح لي الأمر: لقد كان موسى يعد بمثابة مجنون القرية، مهرجها، كلبها الضال. لا يستحق حتى القتل أو الظهور في فيديو إعدام. وكان في كلامه إحساس بالكراهية، وطبعا علامات جنون، ولكن كان فيه أيضا إحساس مذلة.
سرنا إلى مقهى مقابل لرصيف مسود من أثر هجمة انتحارية في 2012 على القنصلية الأمريكية. طلب موسى كابوتشينو. خلع حذاءيه ودعك قدميه في جوربيهما. قال "أنا آسف بشأن قدميّ"، وتناول السكرية وكانت بحجم علبة المياه الغازية، وظل يصب في فنجانه ملء جبل من السكر. أخذ يقلبه ثم أكل بعض السكر بملعقة. سألته عن هروبه من داعش.
في أغسطس 2014 استيقظ موسى في الثالثة صباحا غارقا في العرق. كانت الكهرباء مقطوعة والتكييف متوقفا. صعد إلى السطح لينام. ونام زهاء ساعتين ثم استيقظ على ضوضاء. كانت الميليشيات آتية في الطريق رافعة راياتها السود، نزل موسى إلى الشارع. وفوجئت به داعش. سألوه عما يفعله في المدينة وقد حذروا أهلها وأمروهم بالخروج. قال "المكان هنا يعجبني". سلبوه نقوده. وسيارته، ويبدو أنها كانت بي إم دبليو. حملوه على اعتناق الإسلام. وذات يوم كان يتسكع وتاه، فعثر على ألفي علبة جيلي تحت الشمس، ولما نظر عن قرب رأى أسلاكا، فقال لنفسه يااه، هذه قنبلة.
"آسف بشأن قدمي. مدمَّرتان كما ترين. ما الذي كنت أحاول أن أقوله؟ أيوه، كيف حدث أن قوات التحالف التي جاءت إلى الموصل، كيف حدث أن هذه القوات لم تر علب الجيلي الألفين قرب المقابر؟ أنا لا أريد أن تراني داعش. رميت سيجارتي هناك، فلو رأوني لكانوا قتلوني ببطء، ببطء. عموما، ما الذي كنت أتكلم عنه؟"
"جاءت داعش".
قال "لا تقولي داعش. لا تقولي داعش. قولي الأحد عشر. لا تقولي داعش. قولي التسعة زائد اثنين. داعش بالعربية معناها أحد عشر".
هزَّ كرم كتفيه. حملق فينا موسى. كانت عينه اليسرى ثابتة، لكن اليمنى تحوم. وفمه كان مفتوحا.
قلت "جاء الأحد عشر".
قال "جاءت داعش وأخرجوني إلى الشوارع. سألوني ’ماذا تفعل هنا؟’ وأخذوا نقودي. وأذاني رجل في سيارتي البي إم دبليو. القواد. تعرفين ماذا فعلت. صليت للأم المقدسة. ضاعت مني دراجتي الفرنسية الثمينة. لكنني لم أخف من المتفجرات. خفت فقط أن يقتلوني ببطء، ببطء. أخذوني إلى السجن بسبب ـ أشرار. أشرار. ماذا أفعل؟ ماذا أفعل؟ يا ابن الكلبة. عموما، طلبت مني داعش أن أذهب إلى الغابة فقلت ’أي غابة؟’"
كان ما أفزعني منه هو غياب هويته لا تطرفها.
بعد شهر واحد، ألقت داعش موسى في السجن. كانت قرقوش منطقة حربية، ولم يكن بوسعهم أن يتركوا فيها مدنيين. ونقلوه إلى سجن داعشي في الموصل فاحتجز فيه عشرين يوما. كان الحرس يضربونه. وكان ينام في غرفة لا تراها الشمس مع ثلاثين غيره من الرجال، ويأتيهم الطعام عبر فتحة في الباب، فكان يقع على الأرض إن لم يكن أحد حاضرا في انتظاره. "سائق تاكسي ابن كلبة من بغداد. كان ابن كلبة. لا أعرف من أي مصيبة كان يحصل على الويسكي. هؤلاء الذين كانوا معي في السجن ليسوا غير بعض النساء، ولا أريد أن أتكلم عن النساء".
اعتنق الإسلام في السجن لينجو بنفسه وردَّد الشهادة أمام الحرس. ومع ذلك ظلوا يضربونه. "كانوا يجلدوننا بالكابل ثمانين مرة لكنها كانت تقترب من ثمانمائة مرة لأن الدواعش لا يجيدون العد. كانوا يضربونني كل يوم لأنهم كانوا يكرهونني". ثم قطع الحرس رأس سجين، فلما انتهوا من ذلك وضعوا فوهة إم 16 قرب أذن موسى. وقال له الحارس إنه لن يقتله برصاصته لأنها أثمن من ذلك (فثمنها 1500 دينار أو نحو 1.28 دولار) ولأنه لا يستحقها. وأشار إلى الرجل الميت. وقال "عليّ أن أنحر رأسك مثل رأس عمر عبدالله". وجاؤوا بسيف كأنه هلال. لم يكن يخرج من القتيل سوى السعال والدم. حكى لي موسى ما قاله للحارس "أنت لا تخيفني يا رجل. أنت حتى لا تخيف كلبا عندي. على الأقل لن أطالع وجها خرائيا كوجهك".
فضربوه من جديد. وفي الصباح كان يصلي.
"مجانين. مرضى. ليس الدواعش فقط. كل أبناء الكلاب. دمَّروا كل أصدقائي. تعرفين ما أعنيه يا قمر؟ كانوا أبناء كلاب قذرين لا يستحمون إلا كل سنة كبيسة".
ضحكت وقال موسى "لماذا تضحكين؟ تظنين أنني مجنون؟ لماذا تكتبين ما أقول إذن إذا كنت تظنين أنني مجنون؟ كذابة كذابة".
ويوما ما سأل الحراس إن كان بين السجناء من يعرف الألمانية. قال موسى إنه يجيد الألمانية والعربية والكردية والإنجليزية والألمانية والإيطالية والفرنسية والأسبانية  والبرتغالية. فأطلقوا سراحه على الفور وعيَّنوه في محكمة شرعية للترجمة في قضايا الطلاق بين المقاتلين الأجانب وعرائسهم الجهاديات. في القضية الأولى ترجم بين امرأة أمريكية ورجل ألماني. قال موسى "زوجته، أقصد عاهرته، تقول: أريد أن أبتعد عنه لأنه حيوان".  وصمت موسى قليلا "بارك الله فيك اذهبي لحال سبيلك".
أعطته داعش شقة في الموصل، لكنه لم يتبع القواعد، وكانت القواعد كثيرة للغاية، فإعلانات من مكبرات الصوت وأذان من المسجد، وقواعد للتدخين والكحول والنساء، ولم يكن مسموحا للنساء بالعمل إلا في التمريض. حتى المانيكانات كن غير مكشوفات. وأقيمت حول البيوت أسوار لكي لا تنكشف النساء، وكانت لجان الحِسبة ـ وهم المرعبون المسؤولون عن تنفيذ  القواعد الداعشية ـ يجوبون الشوارع بحثا عن أي سلوك يعتبرونه غير مقبول. وذات ليلة، شأن كثير من الليالي، كان موسى يشرب الكحول وحده في شقته وألقى الزجاجة من الشباك. فبدأ شخص يصيح، ولما أطل موسى، رأى رجلا عظيم اللحية كأنه آية الله الخميني يحملق فيه. ركل الرجل الباب فاتحا إياه وضرب موسى بكابل التليفون. وفي يوم آخر أراد موسى أن يدخن وليس مسموحا في الخلافة بتدخين السجائر، لكنه غامر. وضع في جوربه سيجارتين وسار في الشارع يريد أن يدخنهما لدى الجسر. ولدى خروجه رأى رجلا تستوقفه الشرطة بسبب التدخين. قطعت الشرطة أصابع الرجل ورموها في زيت مغلي في محل فلافل. ذهب موسى واشترى كيلو كباب. أكل الكباب ومضى ليدخن سيجارتيه أسفل الجسر.
في محاكم الشريعة لم يكن موسى متعاونا. كان يؤدي القسم. لكنه لم يكن يؤدي الوظيفة. لم يكن ينصت للقاضي، أو يطيعه. وضجرت منه داعش ورتبت لإخراجه من الخلافة. جمع موسى مدخراته المؤلفة من ثلاثين ألف دينار وركب تاكسي إلى المعبر بين كردستان وأراضي الدولة الإسلامية في جنوب كركوك. قضى في الخلافة بالضبط مائة يوم. كان يفكر في السفر إلى طهران، أو ربما الرجوع إلى سوريا. عندما سألته كيف انتهى به المطاف في اربيل، بدلا من كركوك، قال إنه كان يريد أن يعيش هنا منذ أن رجع إلى العراق، لكن متّي لم يسمح له "طلب مني أن أحزم حقائبي وأخرج".
توقف موسى قليلا وارتشف من فنجان الكابوتشينو. "لا تتلاعبي بي, لا تتلاعبي بالعظيم. انت تكلمين الآن يوحنا بولس الثاني. فاذهبي لحالك ولا تتلاعبي بي. هذا هو السبب في أنهم لم يقطعوا رأسي. بالمناسبة، أنا لا آكل إلا الكباب، ومرة واحدة في اليوم. يجب أن تعطيني 50000 دولار وسأردها لك لاحقا. أبي يعتبرني مريضا. قال إنني ولد طيب حين أنام، ولو أنني رفست أخي ذات مرة".
"هل اشتراك أحد من داعش؟"
قال "لا. تركوني وحسب".
"هل لديك أسرة؟"
قال "عشت فترة في إيطاليا، والتقيت فيها بخطيبتي السابقة، وولد ابني سنة 1985. هيا نغير الموضوع. ملعون أبوك من فاتنة. كلبة ممتازة. كلبة هائلة. هل تقرضيني عشرة دولارات؟" ودعك قدمه في جوربها "أنا أتكلم ثمانين لغة" ونظر وراءه. هو في هذه الحرب لا ينتمي إلى أي جهة، ولا نهاية للحرب تلوح في الأفق، فهل يمكن أن يتردى الوضع إلى أسوأ من ذلك؟
"عموما، متشكر على الكابوتشينو. إن شاء الله سأكسر دماغك هذه يوما ما. هذه قصتي. وأنا متعب، اتركيني وحدي".
كتب هذه المقالة بدعم من "صندوق التحقيقات The Investigative Fund " التباع لمعهد ذي نيشن. وكاتبة المقال تكتب لمجلة نيويورك تايمز وهي مؤلفة "معسكر الشيطان: الملحمة الرهيبة العجيبة لرجوع جندي من الحرب" الذي اعتبرته نيويورك تايمز أبرز كتب عام نشره. نشرت الكاتبة مقالات في أبرز المجلات الأمريكية. ونشرت هذه المقالة في جورنيكا مجازين.


تم تخفيف الشتائم في الترجمة العربية لاعتبارات تتعلق بالنشر الصحفي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق