الاثنين، 8 أغسطس 2016

تخريب مصر ... قمع عبد الفتاح السيسي وعجزه يدفعان إلى ثورة قادمة

تخريب مصر
قمع عبد الفتاح السيسي وعجزه يدفعان إلى ثورة قادمة


خيبة الأمل راكبة جمل

في مصر يسمُّونهم "شباب القهوة" وفي الجزائر هم الحيطيتس أي "المضطجعين إلى الجدران" وفي المغرب  يشار إليهم باصطلاح diplômés chômeurs الفرنسي "أي الجامعيين العاطلين". في العالم العربي كله تتضخَّم صفوف الشباب الممرورين.
كتلة الشباب في أغلب الدول هي التي تقود الطفرة الاقتصادية. لكن الطغاة العرب يعدون الشباب خطرا، ولهم في ذلك سبب. فالشباب أفضل تعليما من آبائهم، وأكثر اتصالا بالعالم وتشككا في السلطة السياسية والدينية، وهم الذين تصدّروا ثورات 2011، وأطاحوا برؤساء تونس ومصر وليبيا واليمن وهدّدروا الملوك والرؤساء في دول أخرى كثيرة.
والآن إما أن هذه البلاد ـ باستثناء تونس ـ قد انزلقت إلى الحرب الأهلية أو شهدت ثوراتها تنتكس على أعقابها. ويسوء حظ الشباب العرب: فقد بات أصعب عليهم أن يجدوا وظائف وأيسر عليهم أن ينتهوا إلى السجون. والخيارات النمطية أمامهم هي الخيارات بين الفقر أو الهجرة، أو الجهاد بالنسبة للأقلية.
هذا الوضع ينشئ الظروف المواتية للانفجارة القادمة. فالمزيج السام من الضغط الديمغرافي، والقمع السياسي، وانعدام الكفاءة الاقتصادية ليس أدعى للقلق في أي مكان شأنه في مصر في ظل حكم رجلها القوي عبدالفتاح السيسي.
معركة كتلة الشباب
الشرق الأوسط ـ مثلما يتبين من موجزنا عن الشباب العرب ـ هو أكثر أماكن العالم تشاؤما بين الشباب، وهو المكان الذي يخشى فيه على الجيل التالي أن يواجه أسوأ مما يواجهه الجيل الحالي. فالسكان العرب يتزايدون عددا بسرعة شديدة. وبرغم أن نسبة من تبلغ أعمارهم بين 15 و24 عاما وصلت إلى الذروة بـ 20% من إجمالي 357 مليونا سنة 2010، فسوف يستمر عدد الشباب العرب في التزايد من 46 مليون في 2010 إلى 58 مليون في 2025.
ولأن مصر هي أضخم الدول العربية، فإنها دولة مركزية بالنسبة لمستقبل المنطقة. فلو نجحت مصر سيبدأ الشرق الأوسط يبدو أقل حلكة، وإذا فشلت فسوف يزداد اضطراب المنطقة اليوم قبحا على قبح. لقد أثبت الجنرال السيسي الذي استولى على السلطة بانقلاب في 2013 أنه أشد قمعا من حسني مبارك الذي أطاح به الربيع العربي، وأنه في مثل انعدام كفاءة محمد مرسي الرئيس الإسلامي المنتخب الذي أطاح به السيسي.
النظام الحاكم متهاو، وبقاؤه قائم على سخاء ضخ الأموال من دول الخليج (وعلى الدعم العسكري الأمريكي بدرجة أقل). وحتى مع بلايين البترودولارات، تتسع هوة الميزانية وعجوزات الحساب الحالي في مصر لتصل إلى قرابة 12% و7% من إجمالي الناتج المحلي على الترتيب. وبرغم المظهر الوطني للسيد السيسي، فقد مضى بقبعته العسكرية يدا في يد صندوق النقد الدولي للحصول على حزمة إنقاذ بـ 12 بليون دولار.
بطالة الشباب الآن تصل إلى ما يزيد على 40%. والحكومة متورمة بالفعل بموظفين لا يفعلون شيئا، وفي اقتصاد مصر المتصلب التابع للدولة، يعجز القطاع الخاص عن استيعاب فيالق العمال الجدد التي تنضم سنويا إلى سوق العمل. والمدهش أن خريجي النظام الجامعي المصري الكسيح أقل فرصا في الحصول على الوظائف من أشباه الأميين في ذلك البلد.
تنبع ويلات مصر الاقتصادية جزئيا من عوامل خارجة على سيطرة الحكومة. فلقد أثرت أسعار النفط المنخفضة على جميع الاقتصادات العربية، ومن ضمنها الدول المصدرة للطاقة المعتمدة على عائداتها. ولقد أبعدت الحروب والإرهاب السائحين عن الشرق الأوسط. كما أن لأخطاء الماضي ثقلا كبيرا، ومن بين تلك الأخطاء تركة الاشتراكية العربية ومصالح الجيش الاقتصادية الهائلة.
ولكن السيد السيسي يزيد الأمور سوءا. فهو يصر على الدفاع عن الجنيه المصري، ليتفادي زيادة التضخم وثورات الخبز. وهو يتصور أن بوسعه السيطرة على تكلفة الغذاء، وأغلبه مستورد، بدعمه العملة. ولكن أدوات السيطرة على رأس المال فاشلة في الحيلولة دون نشوء سوق سوداء للدولارات (فقد فقد الجنيه المصري ثلثي قيمته الرسمية) كما تسببت في نقص قطع الغيار والآلات المستوردة. وهو ما يزيد التضخم على أية حال (14% ويتزايد). كما أنه يضير الصناعة ويفزع المستثمرين.
بوجودها على ضفة قناة السويس، وهي إحدى شرايين التبادل التجاري العظيمة في العالم، ينبغي أن تكون مصر في موضع يتيح لها الانتفاع من التجارة العالمية. غير أنها تقع في النصف السفلي من مؤشر البنك الدولي للدول التي يسهل العمل فيها. وبدلا من القضاء على البيروقراطية لإطلاق مواهب الناس، يصب السيسي أموال دفاعي الضرائب في مشاريع شديدة الطموح. فلقد عمد إلى توسيع قناة السويس، ومع ذلك تتراجع عائداتها. وتبقى خطط إنشاء مدينة صحراوية جديدة شبيهة بدبي مدفونة في الرمل. واقتراح إنشاء جسر يربط بين مصر والعربية السعودية أشعل مظاهرات بعدما وعد السيسي برد جزيرتين سعوديتين كانتا تحت السيطرة المصرية منذ زمن بعيد.
ويبدو أن داعمي السيد السيسي العرب بالأموال يفقدون صبرهم. فالمستشارون الإماراتيون رجعوا إلى بلدهم، محبطين من البيروقراطية المتكلسة والقيادة الغبية  التي ترى أن مصر ليست بحاجة إلى نصيحة من الخلايجة محدثي النعمة ـ "أشباه الدول" التي لديها "النقود مثل الرز" مثلما قال السيد السيسي وأحد معاونيه في شريط صوتي مسرّب.
هل الجنرال الذي تعرفونه أفضل؟
ليس أمام العالم خيار ـ في ظل أهمية مصر الاستراتيجية ـ إلا أن يتعامل مع السيد السيسي. ولكن الغرب ينبغي أن يعامله بمزيج من البرجماتية، والإقناع، والضغط. يجب أن يتوقف عن بيع الأسلحة الغالية لمصر فلا هي بحاجة إليها ولا هي بقادرة على دفع أثمانها، سواء أكانت طائرات F-16  الأمريكية أم حاملات مروحيات مسترال الفرنسية. وأي مساعدة اقتصادية ينبغي أن تكون مصحوبة بشروط صارمة: لا بد من تعويم العملة أخيرا، ولا بد من تقليص حجم موظفي الحكومة، ولا بد من تقليل أنظمة الدعم المكلفة والفاسدة. أما أكثر الناس فقرا فلا بد من تعويضهم في الوقت المناسب بمدفوعات مباشرة.
ذلك كله يجب أن يتم تدريجيا. فمصر شديدة الهشاشة، والشرق الأوسط شديد الاضطراب والحساسية، فلا يحتمل كلاهما العلاج بالصدمات. والبيرقراطية المصرية سوف تكافح في كل الحالات لإحداث التغير الراديكالي. غير أن من شأن التوجيه الواضح نحو الإصلاح أن يساعد على استعادة الثقة في الاقتصاد المصري. وينبغي أن تصر دول الخليج على تلك التغييرات، وأن تمسك الرز عن السيد السيسي في حال مقاومته.
في الوقت الراهن خفت الكلام عن انتفاضة أخرى، أو حتى انقلاب آخر بهدف التخلص من السيد السيسي. فالأمن السري الذي بوغت في 2011 يبذل الآن أقصى الجهد لقمع ومنع أي معارضة. ولكن الضغوط الديمغرافية والاقتصادية والاجتماعية في مصر تزداد بلا حاكم. والسيد السيسي لا يقدر على تحقيق استقرار دائم. فالنظام السياسي في مصر بحاجة إلى الانفتاح مرة أخرى. والبداية المناسبة هي أن يعلن السيد السيسي أنه لن يترشح ثانية للرئاسة في 2018.

إيكونوميست [أونلاين] ـ 6 أغسطس 2016




هناك تعليق واحد: