الخميس، 18 ديسمبر 2014
جيوش قوية في بلاد ضعيفة: عودة رجال أفريقيا الأقوياء
جيوش قوية في بلاد ضعيفة:
عودة رجال أفريقيا الأقوياء
درو هنشاو ـ باتريك مكجرورتي
في صباح نفس اليوم النوفمبري الذي
استولت فيه بوكو حرام على قرية أخرى في شمال نيجريا، قامت قوات شرطة مكافحة الشغب بإحاطة
مجلس النواب في العاصمة أبوجا، لكنها لم تكن إحاطة الحماية من هجوم الجماعة
الإسلامية سيئة السمعة، بل إحاطة منع أحد الساسة من الدخول للإدلاء بصوته.
كان رئيس البرلمان النيجيري أمينو
تامبوال قد انضم أخيرا إلى المعارضة، وهي خطوة خطيرة في ظل وجود حكومة يسيطر عليها
حزب واحد. وقضت محكمة هناك بحقه في الاحتفاظ بمنصبه، ولكن الشرطة أقامت المتاريس
حول البرلمان لأنها رأت غير ما رأته المحكمة، وأوقفت سيارته عند البوابة.
كان المشرعون النيجيريون يستعدون
للتصويت على تجديد قانون يتيح للشرطة اعتقال المشتبهين بلا سبب في المناطق التي
تهددها بوكو حرام، وكان من المتوقع أن يقود تامبوال الكتلة التشريعية المناهضة
لتخويل الدولة هذه السلطة الطاغية. وبدلا من إجراء التصويت في ذلك اليوم، أطلقت
الشرطة قنابل الغاز وأغلقت البرلمان النيجيري كله.
وليست دراما نيجريا السياسية غير
مثال واحد على نزعة مؤسفة مستشرية في القارة كلها. ذلك أن عقدين من الانتخابات
والنمو الاقتصادي في أفريقيا لم يمحوا القوة العسكرية التي طالما نعمت بها الجيوش
في كثير من الدول، الكبير منها والصغير على السواء. بل إن القوات المسلحة في أغلب
أجزاء القارة قد حصلت في السنوات الأخيرة على مزيد من النفوذ في ظل أولوية محاربة
الإرهابيين الإسلاميين.
يقول لاري دياموند مدير مركز
الديمقراطية والتنمية وسيادة القانون في جامعة ستانفورد إن "هناك دلائل على
[رجوع] الحكم العسكري بطبيعته الافتراسية في أفريقيا. وهذه مأساة في عدد من هذه
البلاد". ولعل أفريقا بدولها الأربعة والخمسين تمثل لأصدقاء التنمية
الديمقراطية أهم اختبارات العالم لما إذا كانت المؤسسات التمثيلية [النيابية]
قابلة للازدهار في ظل مستويات المعيشة المتدنية والاقتصادات راديكالية التغير. فلقد
زار زعماء الولايات المتحدة وأوربا وأمريكا اللاتينية دول القارة المختلفة تعزيزا
للحكم المنفتح القابل للمحاسبة السياسية. وهم على بيِّنة من أن الصين، وهي أكبر
شكاء القارة الاقتصاديين، تقدم نموذجا مقابلا للحكم الأوتقراطي المدعوم من قوى
السوق.
في الوقت الراهن، يبدو أن تقدم الديمقراطية في
أفريقيا قد توقف. في عام 1990، كانت ثلاثة فقط من دول القارة هي التي لديها
ديمقراطيات انتخابية، بحسب مؤسسة فريدم هاوس الداعمة للديمقراطية ومقرها واشنطن.
وبحلول عام 1994، قفز الرقم إلى ثماني عشرة، وبعد عقدين من ذلك لا ينطبق الوصف
الديمقراطي إلا على تسع عشرة دولة.
هذه السجل المؤسف يثير أسئلة صعبة
حول إمكانية تحول الدول الفقيرة إلى ديمقراطيات قادرة على الاستمرار. يبدو أن من
بين الدول الأفريقية بعضا قادرا على المضي في ذلك الاتجاه كبوتسوانا وزامبيا على
سبيل المثال. حيث تطالب الطبقتان الوسطيان الصاعدتان هناك حكومتيهما بمزيد من
المحاسبة والشفافية، علاوة على التحسن التدريجي الذي تشهده الخدمات العامة.
ولكن عددا أكبر من الدول الأفريقية
كأنجولا والسودان غنية بالموارد، وفيها حكومات أوتقراطية مشكَّلة من حزب واحد، وهي
تعزز قبضتها على السلطة، بفضل ارتفاع أسعار النفط من ناحية والقروض الصينية منخفضة
الفوائد من ناحية أخرى. ويرجو بعض أساتذة العلوم السياسية أن يفضي تباطؤ نمو
الاقتصاد الصيني وتهاوي أسعار خام النفط إلى بث روح الديمقراطية من جديد في
أفريقيا وإلى إرغام نظم الحكم المنغلقة على الرجوع إلى إجراء الانتخابات رجوعا إلى
القروض الغربية.
لكن نشر الديمقراطية ليس في بساطة
التلويح بالمعونات والتصفيق للانتخابات بحسب ما يقول خبراء نشر الديمقراطية. وحتى
الحالات الواعدة كغانا وبينين لا بد لها أن تواجه تاريخا طويلا من حكم العسكر
المتضافر في تطورها السياسي.
في كثير من الدول الأفريقية، يدير
العسكر العرض منذ أولى أيام الاستعمار [الكولونيالية]. فقد قام المستعمرون
الأوربيون منذ أوخر العقد الأول من القرن التاسع عشر بتجنيد ابناء البلاد في جيوش
جديدة للمساعدة في غزو القارة الشاسعة. وعلى مدار القرن الإمبريالي التالي، استخدم
الأوربيون هذه الألوية الاستعمارية في قمع الأفارقة من المحامين والموظفين
المدنيين والصحفيين ممن كانوا يناضلون من أجل الاستقلال.
وبعد الحرب العالمية الثانية، انسحبت
بريطانيا وفرنسا وغيرهما من الإمبراطوريات الأوربية. ولكن الجيوش في كثير من دول
أفريقيا حديثة الاستقلال بقيت تقمع مجتمعاتها. فشهدت القارة ستين انقلابا في ما
بين 1960 و1990 بحسب إحصاء البنك الأفريقي للتنمية، فمنها ما كان انقلابا على
نتائج انتخابية لم يستسغها العسكر، ومنها ما وعد باقتلاع الفساد السياسي فاستولى
على السلطة ليقيم فساده الخاص.
اعتمد كثير من هذه الأنظمة على مناصرة
واشطن أو موسكو في فترة الحرب الباردة. ووجد الرعايا السوفييت أنفسهم مفلسين في
الغالب بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991، وفقدت الولايات المتحدة
اهتمامها بدعم الأنظمة الفاسدة كزائير في ظل موبوتو سيسي سيكو.
حاولت دول أفريقية كثيرة في حقبة ما
بعد الحرب الباردة أن تهرب من مآزقها المالية بإجراء انتخابات في مقابل قروض
ومساعدات من الولايات المتحدة، فإذا بالعسكر الذين سادوا في يوم من الأيام على
بلاد كغانا ونيجريا يرجعون إلى ثكناتهم، وفي ما بعد هجمات القاعدة في الحادي عشر
من سبتمبر سنة 2001، بدأت حكومات أفريقية كثيرة تتلقى تدريبا عسكريا من مسؤولين
أمريكيين يريدون إبرام تحالفات جديدة في الحرب ضد الإرهاب الإسلامي.
واستقرت السياسات في أفريقيا على
مدار العقد الماضي بصورة نسبية، وانتعشت الاقتصادات الأفريقية. وساعدات احتياطيات
النفط والغاز والمعادن الهائلة على اجتذاب 56 بليون دولارا من الاستثمار الأجنبي
المباشر في عام 2013 بحسب ما تقول الأمم المتحدة ـ وهو ما يقارب ثلاثة أمثال
الثمانية عشر بليون دولارا في العقد السابق. ولسوف يصل النمو الاقتصادي ـ بعد
جموده قبل عشرين عاما ـ إلى 5% خلال العام الحالي، بحسب تقديرات البنك الأفريقي
للتنمية، وهو معدل يتجاوز مثيله في أي منطقة أخرى باستثناء آسيا.
وبهذا النمو تم تمكين طبقة وسطى
جديدة. وإذا بالمستهلكين الكوزموبوليتانيين في السنغال وأوغندا وغيرهما يشرعون في
التظاهر للمطالبة بالديمقراطية على الطريقة الغربية. ويرجو أساتذة العلوم السياسية
أن تنجح هذه الكتلة الصاعدة في إقناع العسكر أنه خير لهم أن يحصدوا ثمار التقدم
الاقتصادي من الهامش بدلا من وقوفهم في موقعهم عقبةً في طريق الديمقراطية.
ولكن الأمر لم يفلح في أغلب الحالات
بتلك الطريقة. فبرغم النمو الاقتصادي المتسارع، تبقى مؤسسات أفريقيا المدنية ضعيفة
تناضل من أجل توفير الخدمات الأساسية. فالمستشفيات العامة في غرب أفريقيا تخوض
صراعا مريرا ضد إيبولا. والجهات الراعية للأطفال تشاهد الصغار وهم ينضمون إلى صفوف
المتمردين الإسلاميين في نيجريا وكينيا.
وفي ظل ضعف قدرة الدولة، تبرز الجيوش
الأفريقية بما تنعم به من قوى بشرية وتمويلات. علاوة على أنها أفضل تنظيما، فقد
درَّبت الولايات المتحدة منهم قرابة اثنين وخمسين ألف عسكريا في 2013 فقط بتكلفة تسعة
وتسعين مليون دولارا. وهكذا غالبا ما يلجأ الرؤساء الأفارقة والمتظاهرون مثلهم ـ
عند اختمار المشكلات ـ إلى المؤسسة القادرة الوحيدة لديهم.
يقول مولباه مورلو زعيم أحد أحزاب
المعارضة الكبرى في ليبريا إنه "عندما تشعر بخطر داهم، فإنك تتصل
بالجيش"، برغم أن تاريخ بلده نفسها يبيِّن خطر ذلك النهج. فبعدما شهدت 2013
نهاية حرب أهلية دامت أربعة عشر عاما، دفعت الولايات المتحدة لشركة داينكورب
إنترناشيونال الأمنية ومقرها مكلين بولاية فرجنيا لتدريب جيش جديد قوامه ألفا فرد،
في حين لم تحصل مؤسسات أخرى مثل وزارة الصحة إلا على الفتات.
وتبيِّن أزمة إيبولا تلك الفجوة. فقد
ترك بعض الأطباء الليبيريين مواقعهم عندما
انتشر الوباء في يونيو ويوليو، وناضلت وزارة الصحة في تعقب من يعبرون الحدود
حاملين الفيروس القاتل. وفي ظل عجز تام اتصلت الرئيسة إيلين جونسن سيرليف بالجيش.
وكانت تلك خطوة خاطئة، بحسب ما تقول
حاليا السيدة جونسن سيرليف. فبدلا من عزل الأفراد حاملي الفيروس، حاصر عسكرها
أحياء كاملة، فارضين عليها الحجر الصحي، بل وعمدوا في بعض الأحيان إلى إطلاق
الرصاص على الحشود مما أسفر عن مقتل صبي مراهق. ففزع الناس في الأماكن الأخرى، وباتوا
يخفون جيرانهم المرضى، فانتشر الفيروس بلا هوادة.
وقالت السيدة جونسن سيرليف الأسبوع
الماضي "لم أدر ماذا أفعل. فالقدرة مشكلتنا الدائمة".
ولا يلجأ رؤساء أفريقيا المأزومون
وحدهم إلى الجيوش طلبا للعون. ففي بعض أفقر دول أفريقيا، كمالي وغينيا والنيجر،
تقول الجماعات المناضلة من أجل الديمقراطية إنها لا تجد غضاضة في إطاحة الجيوش بين
الحين والآخر بهذا الرئيس المنتخب أو ذاك، لو أن الانقلاب يعجِّل بالعملية
الديمقراطية.
يقول أليكس فاينز المحلل الأفريقي في
مركز تشاتهام هاوس البحثي بلندن إن "المجتمع المدني يريد، بسبب إحباطاته، اي عملية
انتقال [للسلطة]. وعلى المدى القصير، يبدو الانقلاب العسكري خيارا مناسبا لتحقيق
ذلك".
ذلك ما حدث الشهر الماضي في بوركينا
فاسو، البلد الديمقراطي الهادئ في غرب أفريقيا المضطرب. كان الضابط السابق بالجيش
بلايس كومباوري قد فاز بأربع انتخابات وحكم سبعة وعشرين عاما والدستور كان يمنعه
من الحكم لفترة خامسة. فلما حاول أن يغير الدستور للحكم مرة أخرى، خرج عشرات آلاف
المتظاهرين إلى الشوارع وأضرموا النار في المباني الحكومية مطالبين بتركه منصبه.
ووسط الفوضى، تشكَّل تحالف غريب، انتهى
إلى استيلاء الضباط على السلطة ووعدهم بإجراء انتخابات جديدة في غضون عام. وفي
الصباح التالي خرج المتظاهرون من جديد إلى الشوارع ومضوا يكنسونها في إشارة رمزية معناها
الترحاب بالحكام العسكريين الجدد.
يقول أريستايد زونجو المدير التنفيذي
للاتحاد البوركينابي لتقليل وفيات الأطفال "نحن في المجتمع المدني من أصررنا
على أن يأتي الجيش ليستعيد النظام، وهذا من وجهة نظري أمر مقبول إلى حد
بعيد".
وما هكذا كان يرجو أنصار الديمقراطية
أن تتقدم إليه أفريقيا. لقد كان النشطاء يذهبون في تسعينيات القرن الماضي إلى أن
الديمقراطية سوف تمهد الطريق للتنمية، إذ تجعل الانتخابات الرؤساء قابلين
للمحاسبة، فيقوم هؤلاء الرؤساء بتحسين الحكم وتوسيع نطاق الخدمات، وبتحسن الحكم
تتوافد كبرى الشركات على القارة.
ولكن هذه الدائرة الفضيلة لم تكتمل.
فبرغم أن نهاية الحرب الباردة دفعت كثيرا من طغاة أفريقا إلى الانتخابات، تسارع
دخول الشركات بوتيرة أسرع من تحسُّن الحكم. واليوم تتوسع شركات مرموقة مثل وولمارت
وجنرال إلكتريك في بلاد لم يواجه قادتها يوما منافسة انتخابية حقيقية.
والانتخابات اليوم تجرى في شتى أرجاء
القارة، لكن درجات مصداقيتها تتفاوت. ففي بعض البلاد يعمد الحكام إلى استخدام قوات
الأمن في تهميش قيادات المعارضة. وبعض الحكام الأقل طغيانا يعمدون إلى شراء
الولاءات بوظائف الدولة وغيرها من أشكال الرشوة على نحو مدهش للكثيرين حتى في
البلدان النامية.
وثمة جيل كامل من الحكام المنتخبين
يسعى إلى إطالة أمد بقائه في السلطة، فمن المتوقع، في العام القادم، أن يقوم كل من
فاور جانسينجبي في توجو وجوزيف كابيلا في الكونغو بالسعي إلى الحكم لفترة رئاسية
ثالثة. (وسيكون على كابيلا في الكونغو أن يغيِّر الدستور، أما في توجو فلا قيود
على المدد الرئاسية)، ولقد ورث كلا الرجلين السلطة عن أبويهما اللذين كانا قيادتين
عسكريتين سابقتين.
في حين أن زعماء أفارقة آخرين
مؤمَّنون بقدر أكبر. فالرئيس الأنجولي جوزيه إدواردو دوس سانتوس قائد عسكري استخدم
ثروة بلده النفطية الهائلة في بناء شبكة شرطية ساعدته على تحييد منافسيه على مدار
أكثر من ثلاثين عاما، وقد فاز حزبه الحاكم بثلثي الأصوات في انتخابات أجريت سنة
2012 ووصفها المراقبون بالمعيبة.
روبرت موجابي، تسعون عاما، حكم
زمبابوي ابتداء من 1980. وقد قام هذا الأسبوع بإحكام قبضته على السلطة بصورة أكبر
إذ تمكن في مؤتمر حزبي من تحييد منافسين محتملين ودفع بزوجته جريس، تسعة وأربعون
عاما، إلى منصب حزبي رفيع. والزعيم الثوري السابق باول كاجامي رئيس رواندا منذ عام
2000 يعمل على إدخال تعديلات دستورية يعتقد على نطاق واسع أن الهدف منها هو إبقاؤه
في السلطة بعد انتهاء فترة ولايته الثانية ـ والأخيرة دستوريا في ما يفترض ـ في
عام 2017. ويقول إنه سوف يفعل ما يطلبه منه الشعب الرواندي.
شباب القارة يجهد زعماءها في السيطرة
على ما يهب حولهم من رياح سياسية. فأكثر من نصف الأفارقة تقل أعمارهم عن تسع عشرة
سنة، والنمو الاقتصادي لم يترجم بالنسبة لكثير منهم إلى وظائف ومستويات معيشة
أفضل، وهم لا يتماهون بالضرورة مع زعماء المعارضة، فهم في الغالب شيوخ كالرؤساء،
ومنهم من يرى أن الجيش هو أفضل الحلول السيئة.
وهذه بالنسبة للولايات المتحدة أرض
وعرة. فالولايات المتحدة تريد أن تقيم مجتمع أفريقيا المدني لكنها في الوقت نفسه
تريد أن تقيم جيوشها. وفي 2009، وأثناء زيارته الأولى لأفريقيا كرئيس للولايات
المتحدة، قال باراك أوباما أمام برلمان غانا إن "أفريقيا ليست بحاجة إلى رجال
أقوياء، بل إلى مؤسسات قوية". ولكن وجود الرئيس أوباما في السلطة تزامن مع
صعود الإرهاب الإسلامي في أفريقيا ممثلا في جماعات مثل بوكو حرام في نيجريا
والشباب في الصومال. فاتجهت أغلب الجهود الأمريكية إلى تدريب الجنود لا إلى بناء وزارات
الصحة أو المفوضيات الانتخابية.
فنجم عن ذلك تكوين جيوش قوية في بلاد
ضعيفة بحسب ما يقول شين مكفيت المسؤول السابق في شركة داينكورب الذي قام بتدريب
العسكر في كل من بوروندي وليبريا، مضيفا أنه "إذا كانت المؤسسة الأقدر هي
الجيش، فعند الأزمة سوف تعتمد البلد على الجيش، سواء كان الأداة المناسبة أم لم
يكن".
يبقى للجيش حضور متغطرس في نيجريا
أكبر بلاد أفريقيا من ناحية عدد السكان. ونيجريا تبدو على السطح ديمقراطية مزدهرة،
ينمو اقتصادها بمعدل 7% سنويا خلال سنوات الفترة الرئاسية الأربع للرئيس جودلاك
جوناثان أحد أوائل قيادات البلد المتتخبة غير المنتمية إلى العسكر. لكن جيش نيجريا
ـ الذي حكم البلد بلا توقف منذ 1966 إلى 1999 ـ لا يزال ينعم بسلطة غير هينة،
ويتلقى خمس ميزانية البلد المقدرة بثلاثين بليون دولارا.
ومع ذلك يظل الجيش يخسر أراضي أمام
بوكو حرام، وهي جماعة من المتعصبين كانت حتى وقت قريب غير مسلحة إلا بالأقواس
والسهام والسيوف. أما العسكر الذين يشكون من نقص الرصاص والدروع الواقية من الرصاص
فتركوا مساحات شاسعة من الأرض في شمال نيجريا تكاد تماثل مساحة بلجيكا، في الوقت
الذي ينفق فيه قادة العسكر الكثير على معدات براقة من بينها طائرات هليكوبتر حديثة
الصنع اشتروها أخيرا وتحطمت بسبب عجز الضباط النيجيريين عن التواصل مع الطيارين
الأوكرانيين الذين تم تعيينهم لتشغيلها بحسب ما قال أحد خبراء الأمن.
دافع جوناثان عن جهود جيشه، فحينما
اشتكى كاشيم شيتيما، وهو محافظ إحدى الولايات الواقعة في منطقة نفوذ بوكو حرام، من
استشراء الفساد في الجيش، هدد جوناثان عبر التليفزيون بسحب جنود حراسة منزل شيتيما
وتعريته أمام بوكو حرام.
والجيش بدوره يدافع عن جوناثان. فقد
منع العسكر زعماء المعارضة من النزول في المطارات أثناء حملاتهم الانتخابية، كما
صادر العسكر في يونيو الجرائد المحتوية على مقالات تنتقد فساد الحكومة. (وقال وزير
الدفاع لاحقا إن الجرائد كانت تستخدم لتمرير رسائل بين الإرهابيين في أرجاء
البلد).
"إن جنودي غير منخرطين في
السياسة"، هكذا قال المتحدث باسم الجيش النيجيري العميد كريس أولوكولاد رافضا
التعليق على حوادث بعينها. وفي بيان من مكتب الرئيس جوناثان جاء أن "من الخطأ
المطلق اتهام الإدارة بالقمع. فهذه الإدارة لا يمكن أن توصف بغير التسامح الأقصى
مع المعارضة".
وفي أكتوبر، انشق تامبوال رئيس
البرلمان عن الرئيس جوناثان. فسرعان ما سحبت الشرطة حراسته. وعندما منعوا سيارته
من دخول البرلمان الشهر الماضي، ساعده النواب على الدخول من باب جانبي، فطاردتهم
الشرطة جميعا وقصفتهم بقنابل الغاز داخل مبنى البرلمان، ولم يحل ظهر ذلك اليوم إلا
وقد أغلق مبنى البرلمان في أكبر الديمقراطيات الأفريقية.
ومضت بوكو حرام تجوب بسياراتها قرية
أزايا كورا النائية بلا معارضة ولا مواجهة من أحد، فأجهزت على أرواح خمسة وأربعين
مواطنا، بحسب ما قال أحد المواطنين، ثم عادت آمنة إلى الغابات.
شاركت في كتابة المقال ماتينا ستيفس من جوهانسبرج
نشر المقال في وول ستريت جورنال
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق