الأحد، 17 مارس 2013

أوربا على شفا حرب كالعالمية الأولى





رئيس وزراء لوكسمبورج "جان كلود يونكر" يحذر وينفي في وقت واحد:

 أوربا على شفا حرب كالعالمية الأولى

جان كلود يونكر، 58 عاما، الرئيس السابق لمجموعة اليورو ، ورئيس وزراء لوكسمبرج، يشجع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي على المزيد من الإصلاحات الهيكلية، ويبين لماذا يرى تشابها بين 2013 والعام السابق على الحرب العالمية الأولى ويظهر دعمه لحملة إعادة انتخاب أنجيلا ميركل.

 

شبيجل: السيد رئيس الوزراء، سبعة أسابيع مرت منذ انتهاء عملك كرئيس لمجموعة اليورو. ألا يحدث لك أحيانا أن تصحو في جنح الليل وتقول لنفسك: من المؤكد أنني لا بد أن أدلي بحوار إضافي حول  أزمة اليورو؟

يونكر: لا، أنا لا أعاني من أعراض الانسحاب. يمكنني القول إنني أعيش حالة عقلية متزنة. حياتي أقل ارتباكا، وأنا أكثر هدوءا، وأكثر ارتياحا.

ـ على مدار ثماني سنوات، كنت أقرب إلى الرئيس غير الرسمي للاتحاد النقدي. عندما تقوم بحساب منجزاتك خلال هذه الفترة ألا ينبغي عليك أن تعترف أن أوربا نزحت إلى التفكك أكثر مما مالت إلى الترابط؟

ـ بالنسبة لجيلي، كان الاتحاد النقدي دائما مسألة صياغة للسلام. ولكنني اليوم ألاحظ بمزيد من الأسي أن كثيرا للغاية من الأوربيين يعودون إلى العقلية الإقليمية أو حتى الوطنية.

 

ـ ما الذي تعنيه بهذا؟

ـ الطريقة التي قام بها بعض الساسة  الألمان بجلد اليونان بعد سقوطها تركت جروحا بليغة هناك. كما أنه صدمني بالقدر نفسه أن أرى في مظاهرات أثينا لوافت تظهر المستشارة الألمانية ميركل في زي النازي. لقد طفت على السطح بغتة مشاعر كنا نحسبها في ذمة الماضي. كذلك كانت الاتخابات الإيطالية الأخيرة مناهضة لألمانيا بصورة مفرطة، ومن ثم مناهضة لأوربا.

 


مظاهرات الطلبة في أثينا في 14 فبراير ضد سياسات التقشف

ـ أنت تبالغ. فما من أحد اليوم يشكك بجدية في السلام والصداقة داخل أوربا.

ـ هذا صحيح. لكن كل من يعتقد أن قضية الحرب والسلام الداخلية في أوربا قد انتهت إلى الأبد يقع في خطأ جسيم. فالشياطين لم تنصرف بعد، إنما هي نائمة وحسب، مثلما يتبين لنا من الحرب في البوسنة وكسوفو. إنني أرتعد من مدى تشابه ظروف أوربا في 2013 بظروفها قبل مائة عام.

 

ـ 1913، العام السابق على الحرب العالمية الأولى. هل تعتقد فعلا أن أوربا قد ينشب فيها صراع مسلح؟

ـ لا، ولكنني أرى تماثلات واضحة فيما يتعلق برضا الناس عن أنفسها. في 1913، كان الناس يؤمنون بأن الحرب لن تقوم مرة ثانية داخل أوربا. فالقوى العظمى داخل القارة كانت قد بلغت من شدة التشابك الاقتصادي حدا جعل الرأي العام المنتشر يرى أن هذه القوى لا تقوى على تحمل تكلفة الدخول في صراعات مسلحة. كان الرضا عن الذات قد بلغ أشده على نحو خاص في غرب أوربا وشمالها، وكان مبعث هذا الرضا هو الإيمان بأن السلام قد ساد إلى أبد الآبدين.

 

ـ تميل الأجيال الجديدة إلى سد آذانها عن ساسة بروكسل كلما حاضروهم حول خنادق فيردون [في إشارة إلى معركة بين فرنسا وألمانيا سنة 1916 انتهت بانتصار فرنسا بعد نحو سبعة شهور من القتال ـ ويكبديا].


جنود فرنسيون أثناء معركة فيردون

 ـ ليس بوسعنا في الحقيقة أن نعول على تحريفات تاريخية في تبيان ضرورات الحاضر الأوربية. قضايا المستقبل ليست أقل أهمية. سكان أوربا سوف يبلغون بحلول منتصف هذا القرن سبعة في المائة من سكان العالم. اليوم يأتي أكثر من ثمانية بالمائة من النمو الاقتصادي العالمي من مناطق أخرى في الكوكب. أوربا الموحدة هي أمل قارتنا الوحيد في اجتناب السقوط أسفل رادار العالم. رؤساء حكومات ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة يعرفون أنهم لا يحظون بصوت مسموع في العالم إلا لأنهم يتكلمون عبر ميكروفون الاتحاد الأوربي.

 

ـ المشكلة الوحيدة أن الالتزام تجاه أوربا وتجاه الوحدة النقدية ليس له مردود سياسي لأنه يستوجب الكثير من الإصلاحات التي لا تحظى بالرضا الشعبي. في ذروة أزمة اليورو، أنت نفسك قلت: نحن رؤساء الحكومات نعرف جميعا ما الذي ينبغي أن نفعله، المشكلة أننا لا نعرف كيف سيعاد انتخابنا حين نفعله. ألا يزال هذا صحيحا؟

ـ لو جاز لي أن أستظرف لقلت اليوم: إننا لم نعرف منذ وقت طويل ما الذي ينبغي أن نفعله، وها نحن لا يعاد انتخابنا.

 

ـ وإجابتك الجادة؟

ـ ابتداء، نحن دفعنا من أجل سلسلة إصلاحات بعيدة المدى في أوربا. أبقينا على اليونان في منطقة اليورو، استحدثنا في الاتحاد النقدي آليات ضخ أموال الإنقاذ وأسسنا الاتحاد البنكي الأوربي. ومع ذلك، أنا قلق من أن الهدوء المؤقت الذي تشهده أسواق المال قد ينال من إرادة التجديد. قد يبعث رسالة خاطئة لو استشرى من جديد الخوف من الإصلاحات في أوربا.

 

ـ يفترض أنك تلمح هنا إلى الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند

ـ على الإطلاق. ليس في قصر الإليزيه من يجادل بأن فرنسا ليست بحاجة إلى الإصلاحات. لكن حكومة الحزب الاشتراكي في باريس ترفض مطالبات تدعوها إلى محاكاة أجندة 2010 الإصلاحية (الخاصة بسوق العمل ونظام الرفاه الذي ابتدعه المستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر قبل عقد من الزمن) وهي محقة في هذا. ففي نهاية الأمر ليس كل ما يصلح في ألمانيا قابلا للانتقال إلى فرنسا بحذافيره.

 

ـ بعد انتخابات إيطاليا الأخيرة، بات واضحا أن شعوب جنوب أوربا لا تستصوب مبادراتك الإصلاحية. ألا يقلقك هذا؟

ـ لقد تم تفسير نتائج انتخابات إيطاليا على نطاق واسع بوصفها اعتراضات طاغية على اليورو، ولكن هناك عوامل أخرى فاعلة في الأمر. "بيبي جريلو" صنع اسمه بالدرجة الأساسية بوصفه منتقدا للطبقة السياسية في بلده، في حين يتعهد "سلفيو بيرلسكوني" بتخفيف الضرائب. والمفارقة أن الحزب الذي أقام حملته على مناهضة اليورو، أي حزب "ليجا نورد"، خسر كثيرا من ناخبيه. وعليه فإنني لا أرى نتيجة الانتخابات الإيطالية بوصفها تصويتا ضد اليورو في المقام الأكبر وضد سياسة الإصلاح الأوربية.

 

ـ عندك دائما قدرة مذهلة على تغليف المرارات الأوربية بالسكر. الواقع الواضح هو أن الخاسر الأكبر في الانتخابات الإيطالية هو رئيس الوزراء الإيطالي "ماريو مونتي" الذي رفض الشعب مساره الودود تجاه أوربا رفضا واضحا. هل هذا يعلن نهاية سياسة الإصلاح في إيطاليا؟

ـ سيكون هذا خطأ واضحا. عواقب نتيجة الانتخابات الإيطالية لا يمكن أن تعني النكوص فجأة إلى السياسات التي تسببت في المشاكل. لا يمكن أن تتم مقاومة الأزمة الاقتصادية والمالية بإنهاك بلد مثقل فعلا بالديون بمزيد من الديون الجديدة. لا سبيل للالتفاف على سياسة صلبة في الموازنة.

 

ـ بعبارة أخرى، الساسة في إيطاليا ينبغي أن يتبعوا سياسة لا ترضى عنها أغلبية الشعب الإيطالي.

ـ سأقول الآن كلاما جريئا: لا ينبغي لأحد أن يتبع سياسات خاطئة، لمجرد خوفه من ألا يعاد انتخابه. وعلى الذين الذين يعتزمون ممارسة الحكم أن يتحملوا مسئولية دولهم ومسئولية أوربا ككل. وهذا يعني أن يتبعوا السياسات الصحيحة حتى لو اعتقد أكثر الناخبين أنها السياسات الخاطئة.

 

ـ لو تردت الأمور إلى أسوأ ما يمكن، ينبغي على الساسة أن يعرضوا عن إرادة الشعب. أليس هذا مفهوما غريبا بعض الشيء للديمقراطية؟

ـ  طبعا ينبغي أن يحترم الساسة إرادة الشعب بقدر المستطاع، بشرط أن يخضعوا للمعاهدات الأوربية. لو أن الإيطاليين يعتزمون التراجع عن الضريبة العقارية فسوف يكون لزاما عليهم أن يجدوا سبيلا آخر إلى تنفيذ التزاماتهم. نحن في أوربا لا بد أن نتبع المبدأ الذي أرساه "مارتن لوثر": تكلموا اللغة التي يفهمها الناس، لكن لا تقولوا لهم فقط ما يريدون أن يسمعوه.

 

ـ أنت بارع دائما في إعطاء الدروس للآخرين. يحلو لك الكلام عن المسئولية الأوربية، ولكن عندما يتعلق الأمر بلوكسمبرج كمركز مالي، تدافع باستماتة عن المصالح الوطنية.

ـ هذا بعيد كل البعد عن الصواب. الحقيقة أنه كلما تحقق تقدم في أوربا في التقعيد الضريبي المشترك، كان يتحقق بقيادة لوكسمبرج، أو هو لمزيد من الدقة كان يتحقق تحت قيادتي أنا. في 24 يونيو سنة 1991 ـ وكنت وزيرا للمالية في ذلك الوقت ـ قمنا في الساعة السابعة وأربع وخمسين دقيقة من مساء ذلك اليوم بالموافقة على تنسيق ضرائب القيمة المضافة والاستهلاك. في عام 1997، وبتوجيه مني، تبنى "مجلس العلاقات المالية والاقتصادية" ECOFIN الضرائب الأوربية على الفوائد المحصلة من المدخرات جنبا إلى جنب ميثاق أداء خاص بضرائب العمل إيقافا للتنافس الضريبي المضر داخل الاتحاد الأوربي.

 

ـ ولكن هذه الاتفاقية لم يتم التوصل إليها إلا بعد سنوات من قيام لوكسمبرج ودول أخرى بحظر التنسيق الضريبي على المدخرات.

ـ صحيح. لكن ألم يحدث أبدا أن كان التقدم ممكنا في أوربا بعدما غيرت ألمانيا موقفها؟ إن كسر التابو داخليا يستوجب استعدادا حذرا. ولقد احتاج الأمر من جانبي إلى قدر كبير من الإقناع في لوكسمبرج لاستحداث ضريبة على فوائد المدخرات.

 

ـ مؤخرا، انتهى عدد كبير من الدول الأوربية ـ ومن بينها ألمانيا وفرنسا ـ إلى تأييد فكرة فرض ضريبة على المعاملات المالية. لماذا صوتت لوكسمبرج ضد هذه الفكرة؟

ـ لقد كنت من الناحية المبدئية مؤيدا لهذه الضريبة. بل وكنت مؤيدا لتطبيقها داخل منطقة اليورو في حال فشلنا في إقناع الأعضاء المتبقين في الاتحاد الأوربي. ثم حدث أن رفضها عدد من دول اليورو، ومنها أيرلندا وهولندا ودول قليلة أخرى. فكانت لوكسمبرج ستجد نفسها في وضع غير تنافسي إذا هي قبلت بهذه الضريبة.

 

ـ بعد ثمانية عشر عاما في منصبك، تعتزم الآن الترشح في العام القادم لمنصب رئيس الوزراء مرة أخرى خلال الانتخابات العامة في لوكسمبرج. لماذا ترتكب نفس الأخطاء التي ارتكبها أبوك الروحي في السياسة "هيلموت كول" حينما ضيع فرصة مثالية لخروجه فأخرجه التصويت من منصبه بعدما قاد ألمانيا ستة عشر عاما؟

ـ أعرف الكثير من الساسة العظماء الذين لم يتمكنوا من البقاء في السلطة ستة عشرعاما. ومع ذلك تمكنت أنا من البقاء على القمة ثمانية عشر عاما. ولا زلت أريد تحقيق أشياء كثيرة عظيمة لبلدي. والخبرة في هذا الصدد ليست عيبا، لا سيما في رئاسة حكومة دولة صغيرة في المشهد الأوربي الذي بات أكثر صعوبة.

 

ـ هل الأمر مثلا أنك ترى أنه لا بديل لك؟

ـ في أعلى مكاتب الحكومة، ينبغي للمرء أن يكون مستعدا للانسحاب في أية لحظة، وإلا فما هو بالفرد الحر. ليس الأمر أنني لا أجد وظيفة مرموقة أتكئ عليها، فأنا محام، ومن ثم فأنا أرى نفسي قادرا على الاندماج من جديد في المجتمع.

 

ـ أنت الآن في الثامنة والخمسين. هل تغريك إحدى وظائف القمة في الاتحاد الأوربي؟

ـ لا. في عام 2004، كان يمكن بسهولة أن أكون رئيس المفوضية الأوربية لأن كل الدول الأعضاء كانت تطالبني بتولي المنصب. ولكنني كنت وعدت شعب لوكسمبرج أنني سوف أبقى رئيسا لحكومتهم.

 

ـ ماذا عن خلافة "هرمان فان رومبيوي" في رئاسة المجلس الأوربي (وهي الهيئة القوية الممثلة لقادة الاتحاد الأوربي السبعة والعشرين)؟

ـ لقد قلت لرؤساء الدول والحكومات عندما طلبوا مني تولي الوظيفة في عام 2009 ـ بأغلبية كبيرة ـ إنني مستعد لتوليها، لكن البعض فيما يبدو لم يريدوني ...

 

ـ أنت تشير إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي

ـ ما الذي يجعلني الآن أتولى منصبا كان يمكن أن أتولاه في 2009؟ بصدق، هذا يبدو لي أمرا سخيفا.

 

ـ أعلنت أيضا في أكثر من مناسبة أنك راغب في التنحي عن رئاسة مجموعة اليورو، ولكنك عدت وقمت بتمديد فترة رئاستك لها بطلب من أعضاء آخرين.

ـ يمكنك أن تأخذ هذا وكأنه نقش في الصخر، ها أنا أقولها ولن أتراجع: أنا أستبعد أن أكون خليفة لـ "هرمان فان رومبيوي".

 

ـ تجرى هذا الشهر الانتخابات العامة في ألمانيا لانتخاب نواب جدد في البرلمان الوطني البوندشتاج. هل تدعم الحزب الديمقراطي المسيحي المحافظ لو طلب هذا منك؟

ـ لقد طلب مني بالفعل ووافقت. وتكلمت أخيرا مع حاكم ولاية سارلاند الألمانية لترتيب فعاليات حملة انتخابات البوندشتاج. أنا دائما أدعم الحزب الديمقراطي المسيحي، وغالبا ما يكون ذلك مع المستشار.

 

ـ وما رأي صديقك المرشح لمنصب المستشار عن الحزب الديمقراطي الاشتراكي  "بير شتاينبروك" في هذا؟

ـ أنا أتكلم كثيرا في فعاليات الحزب الديمقراطي الاشتراكي وفي فعاليات ينظمها حزب الخضر، ولكني لا أعتزم مناصرة حملتي الحزب الديمقراطي الاشتراكي وحزب الخضر.

 

ـ ومع ذلك، أنت أقرب كثيرا من الناحية السياسية للسياسة الأوربية التي يتبعها الديمقراطيون الاشتراكيون. فأنت مثلا تؤيد سندات اليورو، التي يرفضها الساسة في الحزب الديمقراطي المسيحي.

ـ قد يبدو في كلامي وقاحة، ولكن الأمر يرجع إلى الحزبين الديمقراطي المسيحي والديمقراطي الاشتراكي في تحديد موقفهما مني. أما أنا فما الذي يحملني على أن أقول مع من بالضبط أشترك أكثر في قضايا مفردة؟

 

ـ إذا كنت تؤيد حملة حزب ميركل الديمقراطي المسيحي، فعليك من ثم أن تقر بسياسة المستشارة تجاه أوربا.

ـ إنني أشعر أنني قريب جدا من المستشارة والحزب الديمقراطي المسيحي. لكن بعيدا عن هذا، أحب أن أتحدى بعض المفاهيم المسبقة أثناء حملة الانتخابات الألمانية. شائع جدا في ألمانيا كما تعرف أن الألمان وحدهم الملتزمون  بنهج ثنائي قوامه التضامن والصلابة. أحب أن أبين أن المفوضية الأوربية لم تقم قط باتخاذ إجراءات ضد لوكسمبرج بناء على عجز مفرط في الميزانية، لكنها فعلت ذلك ضد ألمانيا.

 

الترجمة من الألمانية إلى الإنجليزية لباول كوهين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق