الاشتراكية تدق أبواب أمريكا من جديد ...
بهاسكار سونكارا: كثير من المعاناة .. قليل من الأفكار
حوار: جيك بلومجارت
بهاسكار سونكارا |
ومع ذلك، يبدو أن الاشتراكية عائدة،
بين الشباب على أقل تقدير. ولو أنكم بحاجة إلى مؤشرات فحسبكم الهيئة التحريرية
الاشتراكية لمجلة جاكوبين Jacobin.
تأسست المجلة قبل عامين على يد "بهاسكار سونكارا" (الذي كان عمره
آنذاك واحدا وعشرين عاما)، وتهدف منذ ذلك الوقت إلى إنعاش اليسار وتجديده من خلال
كتابة قد تكون عملية وبسيطة ويسيرة على القراء، لكنها شديدة الراديكالية. والمدهش
أن المشروع ناجح إلى الآن. وموقع المجلة الإلكتروني اليوم يحظى بنحو مائتين وخمسين
ألف زيارة شهريا. وقد رأى "بهاسكار سونكارا" أن المشروع سوف يبدأ
في إثارة الملل لو ظل مقتصرا في وجوده على الإنترنت فقام بتمويل نسخة مطبوعة
معتمدا في ذلك على حفنة من الاشتراكات وألفي دولار من جيبه الخاص. واليوم أصبح
هناك ألفا مشترك في المجلة، من بينهم ناشطون مهمون، وقادة عماليون، وبعض أهم
شخصيات الميديا (وبكل شفافية أقول إنني من المساهمين بصورة دورية في جاكوبين).
والمطبوعة ماضية في لفت الأنظار.
***
ـ من الجمهور الذي تستهدفه جاكوبين؟
لا يبدو لي أنك راغب في الاشتباك مع المحافظين.
ـ الجمهور المستهدف هو الذي له علاقة
بهدفي جاكوبين المحددين. وهدفها الأول هدف يساري داخلي يتمثل في إعادة التأكيد على
أهمية التحليل الماركسي والطبقي في سياق تزايد الأثر الأناركي على اليسار. هذا
ولسنا دوجمائيين أو متعصبين، ولا نظن أن الأساليب القديمة في التنظيم والتفكير هي
سبل التقدم، ولكننا ملتزمون بتكييف أساليب التفكير القديمة تلك مع الواقع المادي
الجديد.
لكن هناك هدفا ثانيا وهو خاص بجمهور
أوسع ـ ولا أظن أنني قلت هذا بمثل هذا الغباء من قبل. هذا الهدف خاص بجمهور
اللبراليين: إذ تسعى المجلة إلى صياغة أفكار اليسار بوضوح ويسر. نحرص أن تكون
المقالات مبدئية للغاية في مضمونها، وأن تكون غنية بالمعلومات ويسيرة على القراء
ومنطلقة من إيمان. ولقد نجحنا في هذا المسعى على مدار الرحلة. قد يكون اليسار
غاضبا علينا لمجرد أننا لفتنا أنظار أشخاص من أمثال [الصحفي البارز والكاتب
السياسي] كرستوفر هايس و[الصحفي الأمريكي المحافظ] ريهان سلام و[الكاتب البريطاني
المقيم في أمريكيا وذو الميول المحافظة] آندرو سوليفان. لكن هذا جزء من الغرض الذي
نسعى إليه. نحن لا نريد عالما يكون فيه هايس وكاترينا فاندن هويفل وأمثالهما هم
اليساريون في هذا البلد. وأنا هنا لا أحمل عليهما بالمرة، فهم ديمقراطيون
اشتراكيون مبدئيون. وهذا كثير في السياق الأمريكي. ولكن القدر القائم والمتزايد
والمرجو من لفتنا لأنظار الإعلام يجعلنا تذكيرا بتراث سياسي اشتراكي مبدئي منسي
منذ وقت طويل. نحاول أيضا أن ندخل منظورا راديكاليا في السياسة والاقتصاد إلى
جمهورنا الذي يغلب عليه الشباب، في حين أن تركيز مجلات أخرى أنشأها مجايلون لنا ينصب
على الثقافة. والحق أن هذا شائع جدا في الموجة الثانية من الراديكاليين الدوليين،
وكاوتسكي، ولينين، ولوكسمبرج وأمثالهم لم يكونوا أكاديميين.
هذا لا يعني القول بأن هذه الأطر ليس
لها مكانها، فأنا أحب مجلات مثل n+1 وما شابهها،
لكنني أتكلم عن مقالات في للفقر يبدو وكأنها لا يمكن أن تبدأ إلا باستهلال من
مسلسل تليفزيوني. هذا في رأيي هراء. في رأيي أيضا أننا لا يمكن ببساطة أن نكتب عن
الفقر معتمدين على بضع رسوم بيانية. أعتقد أن اليسار قادر على بث جرعة من
التجريبية والعملية وأن أفكاره قادرة على التواجد بجوار أفكار أخرى بفضل جديتها.
لقد ظل اليسار لوقت طويل يتحدث مسميا
الأمور بغير أسمائها، محاولا ترويج نفسه، قابلا أن يتنازل في أفكاره. نحن نقول
بصورة مباشرة إننا إصدارة اشتراكية مسلحة بالنقد الماركسي، لها أهداف سياسية
راديكالية، ولدينا من القدرة على الإقناع ما يدخل بنا إلى دائرة الضوء.
ونظن أن أفكارنا جديرة بالدرس مثل
غيرنا من الإصدارات. ولذلك نلفت أنظار أشخاص مثل هايس وسلام.
ـ منذ المقال الأول في العدد الأول،
قدمت جاكوبين أفكارا عن "الوقت الحر" في مقابل "الوقت المهدر في
الوظائف المملة". "سياسات الحصول على حياة" على حد تعبير بيتر فريز
الذي لا ينسى. مؤخرا نشر "كيفن درام" في "ماذر جونز" مقالين
عن تناقص المتوفر من العمل المعتمد على المهارات البشرية البسيطة، لكنه يقول فقط
إنه يصف ظاهرة، ولا يعرف السبيل إلى تغييرها. جاكوبين من بين الأماكن القليلة التي رأيتها مؤخرا،
ورأيت أنها تحاول تقديم بديل: الاشتراكية لا بوصفها إعادة توزيع بل بوصفها
أيديولوجية تحرير.
تروتسكي |
ـ نعم، نحن نرد الحرية إلى اليسار.
هناك شيء في رؤية الاشتراكية لا يضرب بجذوره في كيتش الإنتاجية السوفييتية.
الاشتراكية ـ إلى حد ما ـ هي مثاليا مجتمع الملكية النهائي. تمدد الديمقراطية
الراديكالي والسيطرة على المجالين الاجتماعي والاقتصادي دونما استغلال من الفرد
للفرد ـ هي مجال تمكين الفرد.
إليك هذا الجدال الحديث: قد تؤدي
التكنولوجيا الحديثة إلى بطالة واسعة النطاق أو تفضي إلى تقليل ساعات العمل. لكن
تغييرات نمط الإنتاج لا تعني بالضرورة تحسينا أو تحريرا ما لم تكن ثمة إرادة
سياسية لتغيير طريقة توزيع ثمار هذه الإنتاجية. هذه نقطة أساسية. وهذا ما سوف
يستفيده الناس من قراءة ماركس. أما إذا لم يكن لماركس وجود في قراءاتك السياسية،
فسينتهي بك الحال كشخص مثل "درام" ذي الخيال السياسي البهلواني الحقيقي.
درام وأمثاله وصلوا إلى أقصى حدود تحليلهم، ويعرفون بوضوح أن لمجلة جاكوبين أفكارا
عن المستقبل ـ حتى لو كان بعضها غير جديد بل مجرد تحديثات لأفكار يسارية تراثية
تلبي احتياجات لحظتنا المادية.
ـ أتذكر رد مات إجلاسياس Matt
Yglesias على المقالة التي نشرها بيتر فريز
بعنوان "أربعة مستقبَلات" والتي حاول فيها أن يتخيل المجتمع فيما بعد
الأجور المنخفضة وساعات العمل الطويلة بصورة لا تصدق. لقد كان تقليص أسبوع العمل
مشروعا تاريخيا من مشاريع اليسار، ولكنه غائب مؤخرا عن الحوار الأمريكي حسب معلوماتي.
اشتراك شخص مثل إجلاسياس في هذا الحوار كان أمرا له قيمته.
ـ نحن في لحظة يبدو فيها كما لو أنه
لا وجود لأفكار. ولكن المجتمع دائما في حالة حركة، وتجري فيه دائما تغيرات تغيب عن
الإدراك حتى لو لم نعترف بها عند وقوعها. المجتمع البشري لم يبلغ ذروته، ولكننا في
الوقت نفسه لا نعيش في أسوأ عالم ممكن. نحن نعيش في عالم استطاعت الحركات العمالية
وغيرها من الحركات التقدمية أن تجعل الحياة فيه أكثر قابلية لأن تعاش، بل هو عالم
أصبحت فيه الرأسمالية نفسها من نواح كثيرة قوة ديناميكية من قوى الحضارة الإنسانية
والاحتمالات المستقبلية. أما وقد قلت هذا، يمكنني القول إن هناك الكثير والكثير من
المعاناة غير الضرورية في هذا العالم. الكثير جدا من الاستغلال والقهر الذي ينبغي
هجرانه والتخلي عنه نهائيا بفضل الوفرة المادية والتكنولوجيا المتقدمة التي في
حوزتنا. المشكلات التي يواجهها المجتمع هي في الغالب مشكلات سياسية أكثر منها
مشكلات مادية حقيقية. وليس هذا من قبيل الإيحاء بتفاؤل في غير محله بالمستقبل،
بقدر ما هو إشارة إلى أهمية أن نبقي الخيال السياسي مشرعا بما يكفي لتبني رؤى أفضل
لمجتمع أفضل.
هذا على مستوى فكري، ولكننا إصدارة
سياسية وعلينا أن نتعامل مع حقيقة واقعية هي أن اليسار متشظ ومهمَّش للغاية حتى في
ظل ظهور شيء مثل حركة "احتلال". أهمية جاكوبين على مستوى من المستويات
تأتي من ظروف موضوعية وتطورات سياسية. وعلى مدار العامين لم تحتل المجلة موضعا في
المتن الإعلامي، لكنها جزء من الحوار، والكثيرون يقرأونها.
ـ أود أن أعرف المزيد عن حكاية
المجلة، وعنك أنت بما أننا في معرض الحكايات.
ماركس |
ـ المجلة بدأت مثل العدد الأول من
مجلة مصورة. أنا لم أقرأ القصص المصورة قط، ولا حتى في طفولتي، وبذلك كنت طفلا
مريبا. لكنني أنتوي تعويض هذا في أقرب إجازة اكتئابية.
المهم، كنت في الكلية، وكان عليَّ
لأسباب صحية أن أتغيب عن الكلية لفصلين دراسيين، سنة 2009. وجدت لدي الكثير من
الوقت، ولم يكن وقتا سعيدا. كنت أقضي أوقاتا طويلة في التعليم الذاتي. ومن هنا جاء
الكثير من مكونات خلفيتي السياسية. قرأت الكثير من [المؤرخ والكاتب السياسي البريطاني]
"بيري آندرسن"Perry Anderson وماركس وأعداد
قديمة من "نيو ليفت رفيو" في تلك الظروف البائسة.
في ذلك الوقت أيضا كتبت أول مقالة
لمجلة "ديسينتDissent". وبدأت
أنخرط أكثر مع يساريين شباب، وإن على مسافة بعيدة في ذلك الوقت. كان لي أصدقاء ومعارف
لديهم الكثير من الأفكار والمواد التي يصعب نشرها، فجمعتها كلها ووضعتها على الإنترنت.
في الأصل كنت أفكر في إصدارة أكثر سخرية، تعتمد عليَّ أنا ككاتب، لكنني أدركت أن
عليَّ أن أعتمد على قدرات كتاب آخرين أقوم بتكليفهم بمهام معينة.
أما عن خلفيتي الاجتماعية فهي الطبقة
الوسطى. أبي وأمي كانا مهاجرين ظلا يحاولان وضع أقدامهما في الولايات المتحدة حتى
نجحا في ذلك. أنا الأصغر بين خمسة إخوة، ومن ثم كانت حياتي هي الأسهل. كان واضحا
لي أن أغلب ما نحققه في حياتنا من نجاح يعتمد على ما نحظى به من فرص. أجدادي كانوا
أميين. وأنا حصلت على أكثر مما حصل عليه إخوتي. كانت مصادفة ميلاد وهذا الإدراك في
حد ذاته كان تسييسيا.
لكن، يبقى أنني كنت طول الوقت مجتهدا
في المدرسة، لذلك لم يتوفر لي وقت ـ إلى أن مرضت ـ للقراءة الحرة والتعلم الذاتي
وتنظيم الوقت لتحقيق هذا. وحينما أرجع النظر الأن أرى أن ذلك المرض كان نعمة هيأت
لي تطوير نفسي وأعتقد أن من بين الدوافع الفكرية المحركة لجاكوبين هو أهمية ما
يمكن لأوقات الفراغ بعيدا عن عملية الإنتاج أن تقدمه للناس من متعة وثروة.
ـ ألم تكن مسيسا قبل ذلك؟
ـ في طفولتي كان أبواي يعملان ستين ساعة في الأسبوع، فكنت أذهب
إلى المكتبة بعد المدرسة، من الثالثة ظهرا إلى السابعة مساء. في الساعة الأولى
كانت المكتبة تضم أطفالا آخرين، ثم تتاح لي ثلاث ساعات للتنقيب في الأكوام. وأنا
في الصف السادس أو السابع، اكتشفت جورج أورول، وقرأت روايتي "1984"
و"مزرعة الحيوانات"، وقرأت أنه كان في كتالونيا يقاتل مع التروتسكيين من
أجل "حزب العمال للتوحيد
الماركسي" P.O.U.M.. واحترت: ما التروتسكية هذه؟ فقرأت كتاب
حياتي لـ ليون تروتسكي ووجدت أنها مثيرة فكريا. ثم كان ضمن مقرر الصف الحادي عشر
كتاب "هوارد زين" التاريخ الشعبي للولايات المتحدة. لم يؤثر بي هذا الكتاب،
وإلى حد ما أتفق مع نقد "مايكل كازين" له. ولكن المعلم قدم لنا الكتاب
قائلا إن "هوارد زين" اشتراكي، فقلت لنفسي لو أن شخصا يحظى بقدر من
المصداقية بحيث يكون من ضمن المقرر على الطلبة وهو اشتراكي، فلا بد أنني فيما
أتصور قادر أن أعتبر نفسي اشتراكيا. وبذلك أكون مرتبطا بأشخاص غير مجانين، بل
ومثيرين للإعجاب، من أمثال زين. وأرجو أن تكون جاكوبين قادرة على لعب نفس الدور
الذي لعبه معي زين لدى طلاب المدارس الثانوية والجامعات اليوم.
ـ لم يشتبك اللبراليون الأمريكيون الأساسيون مع الاشتراكيين
اشتباكا يذكر منذ موت مايكل هارنتن Michael Harrington سنة 1989. برغم وجود اشتراكيين
بالتأكيد: ديسنت، و"الاشتراكيون الديمقراطيون في أمريكا" مثلا. ما السبب
الذي يجعلك تحظى باهتمام لم يحظ به غيرك؟
ـ حسن، هناك ظروف موضوعية، مثل حركة "احتلال". موقع
أدباسترز Adbusters كان له في إطلاق
حركة احتلال دور اكبر من بقية الإصدارات اليسارية، ولكن قلة الاهتمام الذي يلقاه
أدباسترز ترجع إلى قلة المضمون. جزء من سبب رواجنا يرجع إلى أن كتّابنا لديهم نفس
الانحيازات لكنهم أكثر حدة، وكل واحد فيهم يدعم الآخرين ويدفعهم بطريقة غير شائعة
في الأوساط الأخرى التي لا تقوم على مشروع سياسي مشترك. ببساطة، نحن أفضل.
ـ لكن مجلة ديسنت في تسعينيات القرن الماضي كانت لها مشروع سياسي مشترك
ـ ديسينت تجاوزت لحظتها التاريخية. مجلة ديسنت تأسست سنة 1954
في فترة الحرب الباردة. والجرائد لها أعمار، فلا ينبغي أن تستمر إلى الأبد.
وجاكوبين لن تستمر إلى الأبد.
ـ صدر عددكم الخامس غداة حركة "احتلال"، وكان أول
عدد تبدو فيه المجلة مصقولة بصورة لافتة. كل مقالة في العدد كانت لها علاقة بصورة
أو بأخرى بـ احتلال. ولم تكن هناك مقالات ـ بصورة فعلية ـ حول الماركسية التي كانت
تظهر بصورة دورية في الأعداد السابقة.
ـ لا ينبغي أن تكون للقارئ قراءات مسبقة في الماركسية كي
يتعامل مع جاكوبين. نحن نحاول اجتناب المصطلحات اللصيقة بالماركسية مثل "التاريخية
العالمية" و"التناقضات الجوهرية" والكليشيهات التي لا تعني شيئا
لغير العارفين بها. ثم إن الإيكونومست لا تستوجب أن يكون قراؤها مطلعين على
"ثروة الأمم" ليتفهموا مقالاتها. الماركسية اليوم أصبحت هواية بعد
أكاديمية فقدت داعيها السياسي الملح ومقدرتها الفكرية على توصيل المعلومات
المتعلقة بالحاضر وتغييره.
أنا شخصيا أفضل كثيرا أن أحاور مجلة "ذي نيشن" عن
""ذي بافلر"، وليس ذلك فقط بسبب الحجم. أفضل أن أشتبك مع متن
اللبرالية في الولايات المتحدة. هذا هو مستقبل أي يسار: فالذين يعتبرون أنفسهم
ليبراليين قد ينجذبون إلى نقد بنيوي للرأسمالية، لا سيما إذا هو قدم رؤية فكرية
عاقلة ومتماسكة فيها من الراديكالية مثل ما فيها من البرجماتية في الوقت نفسه.
ـ في "اللبرالية والرأسمالية" يقول هارينتن إنه في
فترة الخمسينيات من القرن العشرين كان يصطدم بقوة مع اللبراليين إلى أن تبين أن
"بعض أفضل اللبراليين كانوا ديمقراطيين اشتراكيين دون أن يعرفوا". هل
ترى نزعات شبيهة بتلك بين الليبراليين اليوم؟
ـ طالما كانت اللبرالية أيديولوجية متنوعة وناقصة. فيها من هم
ديمقراطيون اشتراكيون لا أكثر ولا أقل، يؤيدون الاتحادات ويحلمون برجوع عصر دولة
الرفاه الذهبي. بعبارة أخرى "لبراليون مناضلون طبقيون". وعندك
اللبراليون التكنوقراط كـ إزرا كلاينز ذي التراث الفكري الطويل Ezra Kleins. هذا واضح في
تاريخ الصحافة الذي بدأ بالحزبية ثم بالأيديولوجية وصولا إلى أمثال وولتر ليبمان Walter
Lippman الذي جعل اللبرالية جزءا من
حركة "حكومة نظيفة، مدن نظيفة".
ـ في تسعينيات القرن الماضي وثمانينياته عمل هارينتن مع الحزب
الديمقراطي ومن خلاله. وبالرغم من تلك الجهود، تحرك الديمقراطيون بوضوح إلى اليمين
فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية. لماذا لم ينجح هارينتن؟ وهل ينبغي تكرار
المحاولة اليوم؟
ـ جزء من سر عدم نجاح هارنتن يرجع إلى اللحظة التاريخية:
الأزمة البنيوية التي ألمت بالديمقراطية الاشتراكية المتمثلة في مزيج من ارتفاع
الأجور وانحسار الربحية. ولا أريد أن أؤله العمل من خلال جهة أو العمل بمعزل عن
جهة. الأمر يعتمد دائما على الظرف. أنا أقترح إنشاء طرف ثالث على غرار حزب الخضر.
لو أن الوضع يسمح بأن يكون حزب الخضر قريبا من أن يكون القوة الثانية في أمريكا،
فذلك يعني أن هناك حركات من أسفل، حركات قوية لا تسمح بوجود حزب ديمقراطي
نيولبرالي من الأساس. ولكن الحزب الديمقراطي هو المكان الذي يضم الكتلة التصويتية
الضخمة، هو الذي يضم العمال والملونين، وهو الذي يحتويهم لأسباب وجيهة في الحقيقة.
فهو الذي يمثل مصالحهم بصورة أفضل من الحزب الجمهوري. والناس تصوت بذكاء وعقلانية
عندما تصوت أصلا. ولا يمكن تغيير هذا الظرف بالإرادة وحدها.
أهم شيء لليسار الآن هو كيفية بناء قوة من خلال الحركات
الوطنية وأن يلتف حول المسألة الانتخابية في الفترة الراهنة. ومن المهم في تصوري
أن يتوحد الاشتراكيون بحيث يتسنى لحركة مثل "احتلال" أن تصعد، أو أن
يكون بمثابة قطب يلتف حوله حديثو العهد بالتسيس كما في الجامعة، فتنشأ سياسات
اشتراكية وتتضح. أعتقد أن هذا هدف على اليسار الراديكالي تحقيقه في ـ المدى
القريب إذا لم يسيطر عليه المجانين.
ـ لاحظت أنه لا ذكر للدين في جاكوبين. ليس هناك "أفيون
الشعوب" وما شابه. هل هناك مكان للدين في الحركات اليسارية؟
ـ لقد كان في حركة "احتلال" جزء يتعلق بالاحتفال
الجماعي، ولم يكن ذلك اعتباطيا بأية حال. لقد كان اعترافا بجزء من إنسانيتنا. وهو
جزء مهم بالمناسبة. أما عن الدين نفسه فليس بيننا من ينتمي إلى مدرسة "كرستوفر
هتشنز" Christopher
Hitchens المعادية للإلحاد. ولن
يؤثر على علاقتنا بأحد أن يكون مؤمنا بالرب أم غير مؤمن به. ولا أعتقد أن هناك أي
شيء يمكن أن نجنيه من نقد الدين. وبالمناسبة هذا المقتطف من ماركس يساء تفسيره من
قبل الجميع. فالظروف بحسب ماركس هي التي تدفع الناس إلى الالتفات إلى الدين طلبا
للسلوى. وإنني شخصيا أعتقد أن الدين سيظل قائما بطريقة أو بأخرى. فالناس تنجذب
إليه لأسباب وجودية. وإنني أحلم أن أعيش في عالم خال من المصاعب المادية التي تدفع
الناس إلى الدين، ولكننا سنظل نعيش في عالم الكآبة والقلق والألم والغضب
والمعاناة.
مقتطفات من حوار أطول نشر في بوسطن رفيو ـ الترجمة نشرت اليوم في جريدة عمان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق