الثلاثاء، 13 نوفمبر 2012

رئيس البنك المركزي الأوربي: على دول أوربا أن تتنازل عن سيادتها



رئيس البنك المركزي الأوربي "ماريو دراغي" لدير شبيجل:
على دول أوربا أن تتنازل عن سيادتها

حوار: مايكل ساوجا ـ آنا سايث

في حواره هذا يدافع رئيس البنك المركزي الأوربي ماريو دراغي عن سياسات أزمة اليورو ويتعهد بالحفاظ على استقرار الأسعار. يقول أيضا إنه يقف في صف ألمانيا فيما يتعلق بتشجيع الإصلاح في منطقة اليورو.
***

ماريو دراغي

شبيجل: سيادة الرئيس دراغي، هل لديك حساب ادخاري في البنك؟
ـ نعم
ـ هل تعرف سعر الفائدة الذي تحصل عليه؟
ـ حوالي 1.75 في المائة. هذه هو السعر الحالي للفائدة في إيطاليا.
ـ سعر الفائدة على الحسابات الادخارية في ألمانيا أقل من هذا. والعائدات ليست حتى قريبة من أن تعوض ارتفاع الأسعار. فهل المدخرون يدفعون فواتير أزمة اليورو؟
ـ لا. ولكن، إذا لم نحل أزمة اليورو، فسوف ندفع الثمن. ولو أننا نجحنا في حلها، فكلنا سوف نستفيد، وبالذات دافعو الضرائب والمدخرون الألمان.
ـ ومع ذلك، كثير من الناس ـ لا سيما في ألمانيا ـ قلقون من قيمة نقودهم لأن البنك المركزي الأوربي قلل أسعار الفائدة إلى مستوى منخفض تاريخيا وأعلن عن نيته للقيام بشراءات ضخمة للسندات الحكومية التي تقوم بإصدارها الدول الأوربية الجنوبية المدينة. هل الناس محقون في قلقهم؟
ـ إننا نأخذ قلق الناس ومخاوفهم بغاية الجدية. والناس محقون في تساؤلهم عما جعلنا نشعر بضرورة الإعلان عن برنامج شراء السندات الحكومية.
ـ إذن اشرح لنا لن لو تفضلت
ـ أزمة الثقة تعني أن تتدفق النقود إلى ألمانيا. وهذا ينزل بأسعار الفائدة في ألمانيا ويرفعها في الدول الأخرى إلى مستويات عالية وغير مبررة. ببساطة أقول إن أسعار الفائدة قد عكست ـ هي وأشياء أخرى ـ  أن منطقة اليورو قد تتفكك. ولكن هذا تكهن غير قائم على أساس، وكان لزاما علينا أن نواجهه.
ـ ومن هنا كان القرار بمساعدة الحكومتين في روما ومدريد.
ـ لا، لقد كان هناك عامل حاسم آخر وراء اتخاذ هذا القرار. فالعائدات المرتفعة لهذه السندات تسببت في ارتفاع صاروخي لأسعار الفائدة على القروض الإسكانية والتجارية. وهذا وضع فعالية سياستنا النقدية في موضع خطر: فمهما يكن تقليلنا لأسعار الفائدة، لا يبقى لذلك أي نفع على الاقتصاد الحقيقي. ولم يكن بوسعنا أن نكتفي بالجلوس والفرجة على ذلك.
ـ يرى كثير من الخبراء أن أسعار الفائدة على القروض في أسبانيا وإيطاليا بلغت بالفعل مستويات منذرة بالخطر.
ـ لا يوجد سبب لهذا الظن ولدينا الكثير من الأدلة على هذا. وانظروا مثلا إلى بنك في أسبانيا لم يكد يستطيع إصدار سند، برغم أنه كان ـ بكل موضوعية ـ يمثل مؤسسة ائتمانية قادرة قدرة أي مؤسسة مماثلة في ألمانيا. ولا عجب في أن تفرض البنوك أسعار فائدة مختلفة كليا بحسب الجهة التي تقيم فيها من حدود دولة ما. ولهذا السبب أيضا، يستطيع أي زوجين أن يحصلا على شروط مختلفة تمام الاختلاف لرهن عقاري لشراء شقة، بحسب مكانهما، أهو مدريد أم ميونخ.
ـ ولكن ليس غريبا بالنسبة لأسعار الفائدة على القروض أن تختلف من بلد لبلد
ـ هذا صحيح، لكن حجم الفارق تجاوز كل المستويات الطبيعية. ولا ينبغي لأسعار الفائدة أن تتطابق في عموم منطقة اليورو كلها، ولكن ليس من المقبول أن تكون هناك فوارق كبرى ناجمة عن انهيار أسواق رأسمالية أو مخاوف من تفكك منطقة اليورو. علاوة على ذلك، كانت الأسعار قصيرة الآجال أعلى من الأسعار طويلة الآجال في بعض البلاد، وذلك أمر دأبنا على اعتباره نذير خطر. ولقد أشارت جميع تحليلاتنا إلى أننا كنا في مواجهة أزمة ثقة، وأنه لم يكن ثمة بديل من إجراء تصرف ما حيال ذلك.
ـ لكن كثيرا من الناس لا سيما في ألمانيا يعتقدون أن إجراءاتكم تفتقر إلى الشرعية. فأنتم تتحايلون على عجز الحكومات المالي بطبع النقود.
ـ هذا غير صحيح. نحن ممنوعون من شراء السندات مباشرة من الحكومات ونحن ملتزمون بهذا المنع. ولكن مسموح لنا شراء السندات مما يعرف بالسوق الثانوية ـ أي البنوك والمؤسسات المالية ـ لو لزم هذا لسياساتنا المالية. وهذا بالضبط ما نقوم به.
ـ السؤال إذن، لماذا أخفتم الناس بإعلانكم أنكم تتهيأون لشراء "كميات بلا حدود"؟ ألم تكونوا مدركين أن هذا سوف يصيب الناس بالقلق؟
ـ لقد استخدمت تعبير "بلا حدود" لكي أشير بوضوح إلى عزمنا الأكيد على الدفاع عن اليورو. وعلى الناس أن تفهم كيف تعمل الأسواق. ولكن اللا محدود لا يعني الخارج عن السيطرة. على العكس، نحن لن نقوم بشراء السندات إلا من الدول التي تقبل شروطا صارمة، وسوف نراقب بأقصى انتباه ما إذا كان ثمة التزام بهذه الشروط.
ـ لدينا شكوك في هذا. هل سترفضون بالفعل مساعدة دولة ما إذا هي لم تنفذ متطلبات الإصلاح؟
ـ بالطبع. إذا لم تلتزم دولة بما تم الاتفاق عليه، فنحن من جانبنا لن نستأنف البرنامج. وقد أعلنا أننا سوف نقوم بتعليق العمليات بمجرد أن تكون إحدى الدول المشمولة في البرنامج خاضعة للمراجعة. وحينئذ سوف نطلب من صندوق النقد الدولي والمفوضية الأوربية أن تقيّم مدى حفاظ الدولة على شروط الاتفاقية، ولن يتم استئناف العمليات إلا بعد انتهاء التقييم إلى نتيجة إيجابية.
ـ ليس على المرء إلا أن ينظر في حالة اليونان الراهنة ليدرك مدى إمكانية الثقة في تصريحات من هذا النوع. لقد حنثت الحكومة في أثينا مرارا بالتزاماتها تجاه الترويكا المكونة من صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوربي والمفوضية الأوربية، وها هم الآن على وشك استلام القسط الثاني من المعونة المالية.
ـ هذه مقارنة غير جائزة. فاليونان لن تكون على الإطلاق جزءا من برنامجنا الموجه حصريا إلى الدول التي تقوم بتمويل أنفسها، حاليا كما في السابق، من السوق الرأسمالي. وهذا وضع مختلف كل الاختلاف.
ـ ومع ذلك فكثير من الناس يشعرون بالقلق من أن البنك المركزي الأوربي يريد أن يضيف قدرا رهيبا من السندات الحكومية من أوربا الجنوبية على موازنته، ويرون أنها مخاطرة كبيرة. وأنتم بالفعل لديكم في دفاتركم نحو 200 بليون يورو على هيأة أوراق مالية من دول مثل البرتغال وأيرلندا. هل دافعو الضرائب هم الذين سيحتملون في نهاية المطاف سداد هذه الديون إذا ما عجزت الحكومات عن خدمتها؟
ـ لا أتوقع هذا، بل العكس بالضبط. فنحن حتى الآن نحقق أرباحا على مشترياتنا من السندات، تتوجه إلى البنوك المركزية الوطنية، وبذلك تربح الحكومات ودافعو الضرائب.
ـ هل يمكن أن تضمن استمرار الوضع على ما هو عليه؟
ـ هناك شيء واحد واضح تماما: إذا استمر نجاح حكومات أوربا الجنوبية في تنفيذ الإصلاحات السياسية على النحو الذي رأيناه في الشهور الماضية، فدافعو الضرائب الألمان سوف يجنون أرباحا من مشتراياتنا. وليس ثمة من إجراء تجاه أزمة اليورو خير من الإصلاحات الهيكلية الناجحة في أوربا الجنوبية.
 ـ ذلك  أيضا يمكن التعبير عنه بطريقة مختلفة: أن ميزانيتكم باتت تعتمد على التطورات السياسية في مدريد وروما ولشبونة. هل تعتقد أن من الحكمة أن يجعل بنك مركزي نفسه معتمدا بهذه الصورة على الحكومات؟
ـ نحن لا نجعل أنفسنا معتمدين على أحد، بل العكس تماما. عندما تصاعدت الأزمة في مطلع الصيف، كان أمام البنك المركزي الأوربي ثلاثة خيارات: أولا: ألا يفعل شيئا تاركا الأزمة تسوء وتسوء مع ما في ذلك من مخاطر لا سيما على دافع الضرائب الألماني، ثانيا: تقديم الدعم غير المشروط، وثالثا: تقديم الدعم وفقا لشروط معينة. والبنك المركزي الأوربي آثر الخيار الثالث، فقد بدا أنه يشكل  الطريقة المثلى لمواجهة أسباب الأزمة. والآن على الحكومات أن تلتزم بالسياسات المالية والاقتصادية السليمة. وبهذا نضمن الإصلاح في منطقة اليورو، ونضمن استقلالنا وليس اعتمادنا على أحد.
ـ التجربة تبين العكس. فإن أنتم خفضتم من أسعار الفائدة افتعالا، بات أسهل على الحكومات أن تقترض، وقل بالتالي الداعي إلى الإصلاح.
ـ أسعار الفائدة العالية هي أوضح الضغوط القائمة على الحكومات الرافضة للإصلاحات، في هذا أتفق معكما. وهذا بالضبط ما يجعلنا نصر على الالتزام بالشروط الصارمة. علاوة على أننا لا نريد أن نقضي على الفروق القائمة بين أسعار الفائدة في مختلف الدول. كل ما سوف نفعله أننا سنتدخل حينما تتضخم الفوارق.
ـ يتشكك كثير من الخبراء في مقدرتكم على إحداث فارق في هذا الصدد.
ـ أخالفهم الرأي. وهناك أمثلة ومؤشرات متاحة سوف تساعدنا في إصدار حكم بناء على أساس متين.
ـ عندما أعلنتم عن برنامجكم، ثبتت أسعار الفائدة في أسبانيا مثلا عند 6.5 في المائة. هل كنتم تتوقعون هذا الرقم؟
ـ لن أقول هذا. لقد قررنا ألا نعطي أرقاما محددة فنبقى مقيدين بها من بعد. ما يمكنني قوله هو أن التحليل الجيد سوف يوفر المؤشرات اللازمة فيما يتعلق بالدرجة التي يصبح عنها الفارق مثيرا للقلق.
ـ نخشى أنكم بتم واقعين في شرك نقاش سياسي مع  الحكومات الأوربية لا طائل منه. فمن أجل تثبيت أقدام الاتحاد النقدي، تناصرون أنتم المزيد من مركزة السياسة المالية والاقتصادية. وحتى هذه اللحظة لم نر الكثير من في هذا الاتجاه.
ـ أنا لا أرى الأمر على هذا النحو. الحكومات ماضية على الطريق الصحيح. وقد ألزمت أنفسها بتحويل المزيد من الصلاحيات في سياساتها المالية وسياساتها الموازنية إلى المستوى الأوربي. وسيكون عليهم اتخاذ القرارات اللازمة في هذا الصدد في قمتهم في ديسمبر.
ـ حتى الآن، لا تزال الحكومات مستعدة فقط للتنازل عن المزيد من السلطات للمفوضية فيما يتعلق بالسيطرة على ميزانياتها. ولكن القرارات الفعلية سوف يظل يتم اتخاذها على المستويات الوطنية.
ـ لقد اتخذت الحكومات قرارات لم يكن من الممكن مجرد تصورها قبل عام واحد. وهذا يمثل تقدما، وإن يكن غير كاف.
ـ ولم لا؟
ـ لأن هناك حاجة إلى قواعد إذا نحن أردنا استعادة الثفة في منطقة اليورو. ولكن هذه مجرد خطوة أولى. فهناك حاجة أيضا إلى ضمان الالتزام بهذه القواعد. وهذا ما كان مفتقدا في الماضي وما ينبغي للحكومات أن تعمل عليه.
ـ وزير المالية الألماني فولفجانج شاوبل يقترح أن يكون للمفوضية الأوربية للشئون الاقتصادية والنقدية قول مباشر في الميزانيات الوطنية. ما رأيك أنت في هذا المقترح؟
ـ أنا أؤيده بكل تأكيد. ستكون الحكومات على قدر كبير من الحكمة إن هي نظرت فيه بجدية. وإنني أعتقد بشدة أنه من أجل استعادة الثقة في منطقة اليورو، لا بد للدول من أن تنقل جزءا من سيادتها للمستوى الأوربي.
ـ ولكن هذا على وجه التحديد ما تعزف كثير من الحكومات عن القيام به. ما السر في كل هذه المقاومة؟
ـ حكومات كثيرة لم تدرك بعد أنها فقدت بالفعل سيادتها الوطنية منذ وقت طويل. فلقد كانت في الماضي تملك السماح لديونها بالتراكم، لكنها الآن باتت تحت رحمة عطف الأسواق المالية. وهذا يبدو أشبه بمفارقة، ولكنه مع ذلك القول الصواب. ولن يحدث لدول منطقة اليورو أن تسترد سيادتها من جديد إلا عندما تكون مستعدة لتقاسم سيادتها مع المستوى الأوربي.
ـ الإجراء الثاني الذي أردتم من خلاله تثبيت أقدام الاتحاد النقدي هو تأسيس آلية إشراف واحدة يتربع على قمتها البنك المركزي الأوربي. وهي مع ذلك غير مفعلة الآن، ولن يتم تفعيلها إلا اعتبارا من الأول من يناير 2013. هل يحبطك هذا؟
ـ على الإطلاق. الأهم بالنسبة لي هو أن تعمل آلية الإشراف الواحدة بطريقة جيدة، وليس موعد تفعيلها. وإلا، فإن سمعة البنك المركزي الأوربي واستقلاليته ستكون على المحك.
ـ في تصورك، لماذا سيكون البنك المركزي الأوربي أفضل في الإشراف على البنوك من الهيئات الوطنية التي تقوم بهذه المهمة حاليا؟
ـ ليس الأمر أننا نريد أن نحل محل هيئات الإشراف الوطنية، على العكس، نحن نريد أن نعمل معها عن قرب. ولكن هذه الهيئات نفسها بحاجة إلا الاستقلال عن حكوماتها في تقييمها للمشكلات. لقد كانت مشكلات البنوك في الماضي تتعرض لنوع من التعتيم المرة بعد الأخرى.
ـ كما في أسبانيا ...
ـ لن آتي على ذكر أسماء. ومع ذلك، أنا على يقين أننا سوف نكون أقدر على العمل بمزيد من الاستقلالية والسرعة إذا كانت فرانكفورت [حيث مقر البنك المركزي الأوربي الرئيسي] في قلب عملية اتخاذ القرار.
ـ ولكن هذا يعني أن استقلالية سياستكم النقدية سوف تكون مهددة. هل ستبقون قادرين على اتخاذ قرار نزيه فيما يتعلق بأسعار الفائدة إذا كان هناك خطر بأن تتعرض بنوك كبرى للخراب المالي من جراء هذا القرار؟
ـ أنا واع بالخطر، ولذلك لا بد من وجود فصل صارم بين منطقتين من البنك المركزي الأوربي. ينبغي أن يوكل مجلس البنك الحاكم المهام الإشرافية إلى لجنة مستقلة مؤلفة في أغلبها من المشرفين.
ـ يبدو هذا متواضعا للغاية، لأن لديكم الآن بالفعل مسئوليات تفوق أي رئيس لبنك مركزي من قبل. أنت الدائن الأضخم لكثير من دول منطقة اليورو، أنت رئيس المشرفين المصرفيين وأنت الذي تصمم هيكلا جديدا لمنطقة اليورو بجانب رئيس المجلس الأوربي "هرمان فان رومبوي". هل يكون من الخطأ وصفك بأقوى رجل في أوربا؟
ـ أنا بالقطع لا أرى نفسي بهذه الطريقة. بالنظر إلى الاتحاد البنكي ـ على سبيل المثال ـ نحن نقدم الدعم التقني فقط، وذلك لأننا طولبنا بهذا.
ـ إنك تظهر مع زعماء العالم في الأخبار عقب كل قمة. وتريد أن تقول إنه لا نفوذ لك.
ـ أتفهم أسباب هذا الانطباع، ولكنني أعرف تماما أنني مجرد رئيس لبنك مركزي وليس لي تفويض سياسي، وأنني أعمل حصريا مع المجلس الحاكم للبنك المركزي الأوربي.
ـ لدى الناس في ألمانيا تحفظات عديدة على سياستك في الأزمة. هل يدهشك أن تتعرض لكل هذه الانتقادات؟
ـ لقد أتيحت لي الفرصة لتبادل العديد والعميق من الرؤى مع أعضاء في [البرلمان الألماني] البوندشتاج مؤخرا. والانطباع الذي خرجت به هو أنني تمكنت من إيضاح عدد من القضايا، لا سيما ما يتعلق بأن الإجراءات التي اتخذناها كانت في حدود التفويض المخول لنا لضمان استقلاليتنا وضمان ثبات الأسعار في المدى المتوسط.
ـ هذا الخوف ينبع من تجربة تاريخية. فالألمان تعلموا أن البنوك المركزية حينما تغرق الأسواق بالنقود فذلك لا يفضي إلا إلى التضخم.
ـ وينبغي أن نتعامل بكل جدية مع تلك المخاوف. لكن العلاقة ليست بهذه البساطة. فلقد تسبب طبع النقود أحيانا ـ كما في جمهورية فيمار [في التاريخ الألماني] ـ  في التضخم. وفي أحيان أخرى لم يؤد ذلك التصرف إلى تلك النتيجة.
يخطب دراغي في البرلمان الألماني، البوندشتاج. والجملة  التعليقية تقول "والآن قفوا للحظة ثابتين"
ـ هل تشير إلى قرار "نظام الاحتياطي الفدرالي" [الأمريكي] في مستهل الألفية بتخفيض أسعار الفائدة تخفيضا حادا، وهي السياسة التي ساهمت في فقاعة الأسعار في سوق الإسكان والأزمة المالية في 2007-2008. كيف تعتزم استبعاد تكرار شيء مماثل لهذا في أوربا؟
ـ نحن ملتزمون بتأمين ثبات الأسعار واجتناب فقاعات الأصول. وقد رأينا حتى الآن شيئا من ارتفاع الأسعار في بعض أسواق الأصول على المستوى المحلي. ولا بد من التعامل مع هذه الظاهرة إقليميا من خلال هيئات الإشراف والهيئات السياسية، كأن يطلب من البنوك مثلا أن تمسك بالمزيد من رأس المال عن العرض العقاري.
ـ ماذا تقول لدافعي الضرائب الألمان الذين يخافون من التضخم؟
ـ في الوقت الراهن أنا لا أرى أية مخاطر على ثبات الأسعار. ولا يزال البنك المركزي الأوربي ملتزما بضمان ثبات الأسعار مثلما فعل دائما في الماضي. ونحن نتوقع بشدة أن تنخفض معدلات التضخم في منطقة اليورو خلال السنة القادمة إلى ما دون هدفنا المحدد باثنين في المائة.
ـ في مستهل الاتحاد النقدي، قيل للألمان إن البنك المركزي الأوربي سوف يتصرف مثلما يتصرف البنك المركزي الوطني المعروف بالـ بوندسبنك. ولكن الأداء اليوم يذكر الناس بـ بنكا ديطاليا، الذي تسامح كثيرا مع أرقام تضخم خرافية في سبعينيات القرن الماضي.
ـ وأنا أرى أن هذه الاتهامات، بكل تهذب، لا أساس لها. لسببين، في السبعينيات، لم يكن البنك المركزي الإيطالي ـ بنكا ديطاليا ـ مستقلا. الوضع اليوم مختلف تماما. ولكن هناك سببا شخصيا كذلك. أسرتي أنا فقدت بسبب التضخم قدرا كبيرا من مدخراتها في ذلك الوقت. ومن ثم فبوسعكم أن تطمئنوا إلى أنني على المستوى الشخصي ـ لا المهني وحده ـ ملتزم بثبات الأسعار.
ـ اثنان من أعضاء البنك المركزي الأوربي الألمان استقالا احتجاجا، و"جينز فايدمان" رئيس البوندسبنك يعارض سياستك بلا مواربة. ألا يجعلك هذا تعيد التفكير؟
ـ بالطبع. هذا يعكس مخاوف نأخذها في حسباننا عند اتخاذ القرار. لكن ثقوا في هذا، ثقوا أننا عند اتخاذ أي إجراءات، نبقى ملتزمين بالتفويض الموكل إلينا.
ـ زميلك السابق، يورجن شتارك، الذي استقال، يرى الأمر على نحو مختلف.
ـ مجلس البنك المركزي الحاكم لا يوافقه في تصوراته.
ـ لكن الحقيقة أنك تفعل أشياء لم يكن من الممكن تصورها من قبل.
ـ ونحن الآن نمر بأزمة لم يكن من الممكن تصورها من قبل. ولذلك ليس من المجدي كثيرا مقارنة أفعالنا بأفعال الماضي. عندما نتكلم عن ثقافة البوندسبنك، نتكلم عن ثقافة الاستقلال والثبات في الأسعار. وأنا مرتبط بعمق بكلا المبدأين ويمكنني أن أضمن لكم أن كل عضو في المجلس الحاكم ملتزم مثلي بتحقيق ثبات الأسعار في ظل استقلالية تامة وبما يتسق تمام الاتساق مع التفويض الممنوح لنا من المؤسسين.
ـ في حوار له مع شبيجل مؤخرا حذر فايدمان من أن قيام البنك المركزي بالتمويل قد يصبح إدمانا، كالمخدرات.
ـ المخاطرة قائمة، ونحن منتبهون إليها. ولكن قيام البنك المركزي بالتمويل قد يكون نافعا أيضا، كالدواء. وينبغي أن يوضع هذا افي الاعتبار.
ـ إلى متى يمكن أن تدوم هذه المساجلات بينك وبين فايدمان؟
ـ أنا شخصيا أود لبعض المناقشات أن تتقدم بطريقة أكثر انضباطا. أنا وفايدمان لا نزال نحتفظ بفهم كبير لأحدنا الآخر. لدينا الهدف نفسه واختلافاتنا في الرأي حول سبل العلاج ليست عصية على الذوبان.

نشر الموضوع أصلا هنا ونشرت الترجمة في صفحات جريدة عمان الاقتصادية في الثاني عشر من نوفمبر 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق