الأربعاء، 29 أغسطس 2012

هيروشيما القادمة

يمثل السادس من أغسطس لحظة ينبغي فيها التأمل، لا تأمل الأهوال التي وقعت في مثل هذا اليوم فقط، بل وتأمل أخطار نووية أخرى ... قادمة.


هيروشيما القادمة

نعوم تشومسكي


ينبغي للسادس من أغسطس أن يكون يوما للتأمل الهادئ، ليس فقط التأمل في الأحداث المريعة التي وقعت في مثل هذا اليوم سنة 1945، ولكن أيضا فيما كشفت عنه: وهو أن البشر في معرض تفانيهم في السعي إلى توسيع قدرتهم على الدمار قد توصلوا أخيرا إلى سبيل لبلوغ الحد الأقصى.
لذكرى ضحايا هيروشيما في السادس من أغسطس هذا العام أهمية خاصة. فهي تحل قبيل حلول الذكرى الخمسين لأزمة الصواريخ الكوبية التي يصفها "آرثر شليزنجر" ـ المؤرخ ومستشار الرئيس الأمريكي كينيدي ـ بأنها "أخطر لحظة في التاريخ الإنساني". لقد أصدر كينيدي إبان تلك الأزمة قرارات كان يعلم ـ بحسب ما يكتب "جراهام أليسن" في "فورين أفيرز" ـ أنها تزيد بنسبة تقارب الخمسين في المائة من خطر احتمال نشوب الحرب النووية، وهو تقدير يعتبره أليسن واقعيا. فقد مضى كينيدي بالرئيس خروشوف "مباشرة إلى شفا الحرب النووية وإنه نظر إلى الهوة ولكن عافتها نفسه" بحسب ماقال الجنرال "ديفيد بورتشينال" الذي كان آنذاك مسئولا رفيعا في فريق التخطيط في البنتاجون. ولا أحسب المرء يمكن أن يعول كثيرا على حكمة اللحظة الأخيرة هذه إلى الأبد.
كانت الكارثة قريبة في عام 1962، وكانت هناك لحظات خطر بالغ منذ ذلك الحين. في عام 1973، وفي الأيام الأخيرة من الحرب العربية الإسرائيلية، نادى هنري كيسنجر برفع مستوى الإنذار النووي. الهند وباكستان اقتربتا من الحرب النووية. وهناك حالات تدخل فيها الإنسان فمنع هجمات نووية كانت لتحدث إثر تقارير زائفة من أنظمة أوتوماتيكية.
إن أحداث أكتوبر 1962 تعد على نطاق واسع أفضل لحظات حكم كينيدي. وأليسن يشير إلى هذه الأحداث بوصفها "دليلا إلى كيفية إحباط الصراعات، وإدارات علاقات القوى العظمى، واتخاذ القرارات السليمة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية بوجه عام". أو بصفة خاصة فيما يتعلق بالصراع الحالي مع إيران.
ينضم أليسن إلى كثيرين سواه ممن يعدون برامج إيران النووية هي أعنف الأزمات الراهنة، بل هم يعتبرونها أشد عنفا من أزمة الصواريخ الكوبية، بسبب خطر القصف الإسرائيلي. والحق أن الهجوم على إيران جار الآن بالفعل، وهو يشتمل على العقوبات الاقتصادية التي وصلت إلى مستوى "الحرب غير المعلنة" بحسب ما يرى المتخصص في الشئون الإيرانية "جاري سيك" الذي خدم في مجلس الأمن الوطني في ظل رئاسات فورد وكارتر وريجان.
انظروا ـ إن أنتم أردتم مثالا آخر ـ إلى فيروس فليم  Flame  الذي تم الكشف عنه في منتصف يوليو والذي تم ابتكاره بالاشتراك بين الولايات المتحدة وإسرائيل وتم استخدامه سرا لمراقبة شبكات الكمبيوتر الإيرانية. يرد في صحيفة وول ستريت جورنال أن البنتاجون يعتبر حرب الإنترنت "مسألة حربية" تبرر للمستهدف بها "حق الرد باستخدام القوة العسكرية التقليدية" (مع استثناء واحد وتقليدي: وهو أن تكون الولايات المتحدة أو أحد حلفائها هي مرتكب هذا الهجوم).
إن تصعيد الحرب غير المعلنة على إيران يزيد من احتمال نشوب حرب واسعة النطاق، حتى ولو نشبت بالمصادفة. وقد تبين هذا الخطر حينما قامت سفينة تابعة للبحرية الأمريكية ـ هي جزء من القوات الضخمة المنتشرة في الخليج ـ بإطلاق النار على مركب صيد مدني في السادس عشر من يوليو مما أسفر عن مقتل شخص وإصابة ثلاثة. الأمر لا يحتاج إلى ما هو أكثر من حادث كهذا لينشب صراع.
لقد اتضح التهديد الإيراني مؤخرا على يد الجنرال "جيورا أيلاند" الذي تصفه صحيفة هاآرتس الإسرائيلية بأنه من "أبرع وأعلم المفكرين الذين أنجبتهم العسكرية الإسرائيلية". أكثر الأخطار التي يشير إليها أيلاند مصداقية هو أن "أي مواجهة على حدودنا سوف تتم تحت مظلة نووية إيرانية". ومن ثم فإسرائيل قد تمتنع عن اللجوء إلى القوة. ويتفق أيلاند مع البنتاجون والمخابرات الأمريكية اللذين يعتبران الردع من بين التهديدات الأساسية التي تمثلها إيران.
ومن بين الطرق المنطقية لاجتناب عواقب دموية بهذا الشكل هو السعي ـ بتعبير قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 687 الصادر في ابريل 1991 ـ إلى "تأسيس الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل ومن جميع الصواريخ الحاملة لها ومنع انتشار الأسلحة الكيميائية عالميا". لقد أثارت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تلك الكلمات في إطار جهودهما لتقديم غطاء شرعي هش لتدخلهما في العراق قبل اثني عشرة سنة. ولكن هذا الهدف كان هدفا عربيا إيرانيا منذ العام 1974، وظل يحظى بالتصديق المرة بعد الأخرى. وهو الآن يحظى بدعم عالمي، بل إن عليه إجماعا على الأقل من الناحية الرسمية. وقد يعقد مؤتمر دولي في ديسمبر للنظر في سبل تنفيذ معاهدة بهذا المعنى. وإن لم يكن من المرجح إحراز تقدم ما لم يتحقق دعم من الرأي العام في الغرب.
إن الفشل مرة أخرى في اقتناص هذه الفرصة يزيد من عتمة الظل الكئيب المخيم على العالم كله منذ السادس من أغسطس المشئوم.

نشرت اصلا في إن ذييس تايمز ونشرت الترجمة في جريدة عمان بتاريخ 18 أغسطس 2012

هناك تعليقان (2):