تشارلز سيميك
"حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل"
وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر متحدثا بعد مهمة فاشلة في يوغوسلافيا عام 1991
الآن وقد أصبح المراسلون الحربيون المستقلون سلالة شبه منقرضة، وعملة شبه بائدة، وأصبحنا نخوض حروبا يتناقص يوما بعد يوم ما نراه في الصحف والتليفزيونات من صور دمارها ومذابحها، فإن من المهم أن نتذكر زمانا لم يكن الأمر يجري فيه على مثل ما يجري عليه الآن. فقبل أن يفرض البنتاجون سياسة تطويق الصحفيين بالقوات المسلحة ـ بحيث يحد من حركتهم ويزيد من صعوبة ظهور الصور والتقارير التي لا تلائم الرواية الرسمية ـ كان المراسلون الحربيون يتحركون كيف يشاءون في البلاد التي تمزقها الحروب، ناقلين ما يرونه ومسجلين ما ينتهون إليه من نتائج. وكان ذلك عملا بالغ الخطورة، لدرجة أن ثلاثة وأربعين صحفيا لقوا مصرعهم في البلقان فيما بين عام 1991 وعام 2001، وذلك عدد يقل عن عدد الذين لقوا مصرعهم في العراق بين عام 2003 وعام 2009، حيث مات في تلك الفترة مائة وخمسة وأربعون شخصا في تبادلات لإطلاق النار، وفي تفجيرات انتحارية، واغتيالات مدبرة نفذتها أطراف عديدة في الصراع يعنيها ألا يدس الصحفيون أنوفهم فيما لا ينبغي لهم.
ابتداء من انتخابات عام 1987 التي كان من المفترض أن تنقل هاييتي من عهد آل دوفالييه Duvaliers الدموي إلى عهد الديمقراطية، فما كان من أمرها إلا أن أثمرت عن مجزرة أخرى، يؤرخ مارك دانر لأكثر الصراعات عنفا في البوسنة وكرواتيا في مطلع تسعينيات القرن الماضي، ومرحلة ما بعد غزو العراق، والتعذيب في السجون السرية في شتى أرجاء العالم، والقرارات السياسية العديدة التي صدرت من واشنطن فكان لها أثر نافع أو ضار على شعوب تلك البلاد. تلك المقالات الطويلة، الناتجة عن بحث دءوب، والمكتوبة بلغة سلسة، والتي ظهر معظمها على صفحات هذه المجلة (أي: نيويورك ريفيو أوف بوكس) تجتمع فيها التحليلات السياسية والخلفيات التاريخية والمشاهدات العينية التي توفرت لمارك دانر، فتنقل لنا روح المعاناة البشرية الكامنة وراء أحداث قد تبدو لنا شديدة البعد.
عنوان الكتاب مستلهم من رئيس هاييتي السابق ليزلي مانيجات الذي تولى السلطة بعد الضباط الدوفاليين Duvalierist الذين أجهضوا انتخابات عام 1987. كان مانيجات قد قال لمارك دانر إن العنف السياسي "ينزع اللحم عن الجسد الاجتماعي" فيتيح لنا أن نرى ما دون سطح أفعال المجتمع الحقيقية. وذلك ما يجعل هذه المقالات تجربة قرائية فاتنة. وفي الوقت الذي تعرفنا فيه هذه المقالات بما جرى للبلاد التي اندلع فيها العنف، فإننا نعرف ما عرفه مارك دانر نفسه وما فهمه بعمق فيما يتعلق بحدود عواقب تدخلاتنا العسكرية.
بدأ مارك دانر من هاييتي التي وصل إليها لتغطية "التحول إلى الديمقراطية" لمجلة ذي نيويوركر عام 1986 في أعقاب خروج فرانسوا ابن دوفالييه Duvalier إلى منفاه الرغد في فرنسا على متن طائرة عسكرية أمريكية لم تكن سوى لفتة مجاملة من إدارة ريجان. كان مارك دانر على قدر من السذاجة ـ حسب ما يعترف هو نفسه ـ جعله يتوقع أن الانتخابات الحرة سوف تؤدي إلى تشكيل حكومة شعبية بما يكسر الحلقة المفرغة المكونة من العنف والانقلابات العسكرية والطغاة المتتالين، وهي الحلقة التي يتحول فيها طبيب ريفي خجول إلى وحش انتحاري، ويتحول فيها جنرال يتهته إلى كاليجولا سكران. ولكنه انتهى إلى إدراك أن العنف هو المحرك الذي تعمل به آلة السياسة في هاييتي، وهو مغير الأنظمة الحاكمة، وهو منهج النقاش. فالصراع من أجل السلطة دائم ولانهائي، نافذ إلى كل مظهر من مظاهر الحياة، محدد لما يتمتع به أي مواطن هاييتي من ثروة ومن سمعة. يكتب مارك دانر:
(("عندنا، إذا لم يذهب الرجل إلى السياسة، فإن السياسة تذهب إليه" كما قال لي الرئيس السابق الذي استقيت منه عنوان هذا الكتاب. لقد كان ذلك الرئيس أستاذا جامعيا، ومثقفا، وكاتبا، ينتمي إلى عائلة سياسية شهيرة، وقد وصل إلى السلطة بفضل الجيش بعد انتخابات دموية مجهضة، ثم ترك السلطة إثر انقلاب وقع بعد شهور قليلة من توليه)).
يكرر التاريخ نفسه في البلاد الشقية. فغياب المؤسسات المحترمة والقوانين المستقرة ـ التي يمكن أن يعول عليها المرء في حماية نفسه ـ يجعل هذه المجتمعات ملعونة مرغمة على خوض الصراع نفسه مرة بعد مرة، واقتراف الخطأ نفسه مرة بعد مرة، وتحمل عواقب ذلك كله كلما تكرر ذلك كله. ولقد قال وزير مالية سابق في هاييتي إن "نظاما كاملا من القهر والتعذيب والقتل قد وضع في هاييتي، ووضع فيها لكي يبقى هو الحاكم والسامح بتكوين الثروات".
وما أكثر الأماكن التي يصدق عليها ما يصدق على هاييتي، وإن كان الفساد فيها أحسن اختفاء وراء قشرة من القانون والنظام. أما في هاييتي الفقيرة، ذات الشق الحاد بين النخبة المتعلمة الصغيرة الناطقة بالفرنسية وبين بقية السكان الجهلة الناطقين بالكريولية (بحيث لا يفهمون في الغالب ما يقوله رؤساؤهم) فإن هذه الحقائق الدامغة سافرة للغاية. ولقد كان دوفالييه الأب الذي حكم هاييتي منذ عام 1957 وحتى وفاته في عام 1971 يؤمن أنه لا ينبغي أن تكون هناك حدود أمام الإرهاب، فليس ينبغي على المرء أن يقتل أعداءه وحدهم، بل وأن يقتل أصدقاء أعدائه، وأن يكون قتله لهم بأحسن وأبهى وأقسى صورة ممكنة.
في يوم الأحد التاسع والعشرين من نوفمبر عام 1987، وهو اليوم الذي قام فيه الجنرال هنري نامفي ـ وهو قائد المجلس العسكري الذي حكم البلد منذ رحيل دوفالييه الابن ـ بإجهاض الانتخابات، وقعت مذبحة أخرى مذهلة في وضح النهار. فبدون كلمة تحذير، فتح الجنود النارعلى الناخبين المصطفين في أماكن الاقتراع. وافترشت شوارع العاصمة الهاييتية بورتو برينس جثث رجال ونساء وأطفال غارقة في برك من الدم. ولم يكن الوضع في الريف مختلفا عنه في العاصمة. وحسب ما قالت عجوز موسرة لمارك دانر في مكالمة هاتفية فإن "كل ذلك يعيدنا إلى دوفالييه، الأب ... فاهم" وبعد وهلة صمت عادت العجوز فأضافت: "أنت قد ترى في هذا الذي حدث مذبحة، ولكن ذلك لم يكن غير يوم عادي من أيام دوفالييه".
ترجع المساعي الأمريكية لإعادة صياغة السياسات في هاييتي إلى عام 1915 حينما أرسلت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية قوات المارينز لإنهاء فوضى الصراع الداخلي هناك. فبقيت تلك القوات لتسع عشرة سنة بدعوى أن الشعب الهاييتي غير مؤهل لحكم نفسه بنفسه. استولى الأمريكيون على الأرض وكونوا جيشا وشرطة كان المفترض بهما أن يمنعا التمرد ويحميا العاصمة الأمريكية. ولم تكن تلك هي النهاية. فقد تلقى بابا دوك دوفالييه دعما عسكريا أمريكيا خلال سنوات حكمه الأولى الأكثر دموية. وحصل على أربعين مليون دولار من واشنطن، وتلقى كذلك دعما من قوات المارينز لحماية نظامه من الحركة الشعبية التي قد يكون فيها تهديد لحكمه.
في عام 1994، أصدر الرئيس الأمريكي بيل كلينتن أوامر للقوات الأمريكية بالتدخل لإعادة الرئيس المنتخب جان برتراند أرستيد إلى الحكم إثر الإطاحة به، وحماية المصالح الأمريكية، ومنع الأعمال الوحشية. غير أن مارك دانر يكتب أنه "على الرغم من إرسال عشرين ألف فردا من الجيش الأمريكي إلا أن ذلك لم يؤد إلى تغيير الديناميكية الأساسية. فالجنود الأمريكيون لم يجابهوا رجال الميليشيات الذين بقوا محتفظين بالأسلحة، رغبة منهم ـ أي الجنود الأمريكيين ـ في عدم المخاطرة بأرواحهم. أما عن جان برتراند أرستيد، فقد حملته مروحية أمريكية إلى القصر الرئاسي، فمارس من هنالك لونا ما من الحكم، إلى أن حملته الطائرة مرة أخرى إلى المنفى بعد عقد من ذلك.
***
كان من الطبيعي أن تعود مساوئ التدخل الأمريكي ومزاياه لتصبح مرة أخرى موضوعا ملحا أثناء حروب يوغوسلافيا السابقة التي قام مارك دانر بتغطيتها بعد سنوات قليلة من زيارته لهاييتي. لقد تحقق السلام في البوسنة وهرزيجوفينا Herzegovina بفضل اتفاقية دايتن Dayton في نوفمبر من عام 1995، وبعد قرابة أربع سنوات من ذلك كان تدخل الناتو في كوسوفو وقصف صربيا. ولا يتأمل مارك دانر ـ الذي أمضى وقتا في البوسنة أثناء الحرب ـ مجرد تجربة وجوده هناك، ولكنه يتأمل كذلك في الحوادث التي أدت إلى انفصل جمهوريات عديدة لتصبح دولا مستقلة معترفا بها، والحروب التي تلت ذلك، وذوبان دولة كبيرة كانت معروفة باسم يوغوسلافيا منذ العام 1918.
الأمر الذي يعني مارك دانر ـ مثلما يعني تقريبا كل من كتبوا عن هذه الحروب ـ هو كيف تأتى أن يقف المجتمع الدولي والولايات المتحدة على وجه الخصوص بدون القيام بأي شيء لمواجهة قصف سراييفو وقتل بشر عزل على أيدي القوات الصربية مثلما شاهد العالم كله على شاشات التليفزيون. لماذا لم يحدث تدخل عسكري لمواجهة التطهير العرقي الصربي؟ لماذا لم يتم توفير غطاء جوي لحماية وتأمين البوسنيين المعزولين بلا أي وسيلة للدفاع عن أنفسهم في سربرنيكا؟ ربما يمكننا ـ ونحن نرجع النظر فيما مضى من حوادث ـ أن نتفهم بعضا من تردد الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي إزاء ما يمكن القيام به، ولكن ما لا يمكن تفهمه هو تلك الأعمال الوحشية التي سبقها الكثير والكثير من الإنذارات التي كان ينبغي أن تنبه أشخاصا قادرين على القيام بشيء ما ولكنهم تقاعسوا إلى أن فات الأوان.
يسرد مارك دانر تدخل الولايات المتحدة، ابتداء من الرئيس بوش الأول والزيارة الفاشلة التي قام بها وزير الخارجية بيكر إلى بلجراد في يونيو من عام 1991. لقد حاول بيكر أن يبقي على وحدة يوغوسلافيا برغم ما جاء في تقرير استخباري للسي آي آيه ـ بحسب ما نقلته نيويورك تايمز عن مصدر مجهّل ـ عن التنبؤ بأن التجربة اليوغسلافية القديمة قد أخفقت، وأن الدولة في سبيلها إلى التفكك، وأن ذلك سيكون مصحوبا بعنف عرقي وقلاقل تفضي إلى حرب أهلية. يكتب مارك دانر في كتابه قائلا إن "لا يوجد من يقدر على إثبات أن تهديدات ملموسة أو حتى أفعالا (ويمكن للمرء أن يتخيل الكثير منها بعيدا عن الحرب السافرة) كان يمكنها أن تحول دون مجيء الصراعات". غير أن التدخلات العسكرية لم تكن مطروحة، لما كانت الولايات المتحدة مشغولة في أماكن أخرى بالاضطراب القائم في الاتحاد السوفييتي وفي الشرق الأوسط، إلى جانب انشغالها بالانتخابات الرئاسية التي كانت وشيكة فيها.
يزعم مارك دانر أنه مع اقتراب انفصال كرواتيا وسلوفينيا، أتت تحذيرات بيكر من إعلان الاستقلال من جانب واحد ومن استخدام القوة للحفاظ على وحدة الاتحاد اليوغسلافي، فبدت تلك التحذيرات من بيكر موجهة ضد استخدام الصرب للقوة. غير أن الأمر لم يكن له علاقة بالصرب، بل بالجيش اليوغوسلافي والحكومة اليوغسلافية ـ التي كانت لم تزل قائمة ـ فهما اللذان بصورة طبيعية كان لهما مصحة في المحافظة على الاتحاد.
لم يكن الموقف ـ قبل اندلاع العنف على أقل تقدير ـ بالوضوح الذي يحملنا مارك دانر على تصوره. فلم تكن يوغسلافيا ـ برغم الأبواق الوطنية العرقية المزعحة ـ بالمكان الذي تسوء فيه الحياة، على الأقل بالنسبة لسكانها، وبصورة خاصة للأسر مزدوجة الإثنية أو لمن يعيشون كأقليات في جمهوريات تسيطر عليها جماعات إثنية أخرى. لقد كان أولئك وكثير غيرهم من اليوغسلافيين يتمنون أن يسود العقل وأن ينشأ بصورة تدريجية اتحاد كونفدرالي ما بين الجمهوريات. غير أن المجتمع الأوربي أوقف ذلك كله بأن أعلن في مارس من عام 1991 أن للجمهوريات اليوغسلافية الحق والحرية في تحديد مستقبلها. وحين دفعت ألمانيا كلا من سلوفينيا وكرواتيا إلى الانفصال فورا، مثلما فعلت الولايات المتحدة لاحقا مع كل من البوسنة وهرزجوفينا.
بدون تفكير في العواقب، شجعت هذه الدول القادة الوطنيين والجماعات العرقية ـ التي استأنست منها ميلا ـ على تفكيك بلد متعدد الثقافات على حساب أولئك الذين لم تكن لهم ولاءات عرقية واضحة مثل الصرب الذين وجدوا أنفسهم ـ على الرغم من كونهم أكبر الجماعات العرقية في يوغسلافيا ـ أكبر أقلية في كرواتيا وتقريبا نصف سكان البوسنة/هرزيجوفينا. لم يكن من بين الأحزاب الوطنية الأثيرة لدى الولايات المتحدة ـ ومن بينها السلوفاك ـ ما له مصلحة في الهوية متعددة الثقافات. حتى السمات الفاشية الواضحة في حزب الاتحاد الديمقراطي الأوكراني الحاكم HDZ الحاكم في كرواتيا ـ بخطبها المعادية للصرب ـ تم التغاضي عنها بوصفها قليلة الأهمية. وكذلك النزعات الإسلامية في البوسنة. فما كان يمكن لسلوبودان ميلوسوفيتش أن يحظى بكل تلك الحرية التي نالها لو لم تكن يوغسلافيا ـ بآخر حكوماتها وجيشها عديد الأعراق ـ قد سيقت بتلك القوة لتنتهي من الوجود.
في ضوء ذلك كله، يمكن أن نفهم لماذا شعر الصرب أنهم مهددون عندما لم يكتف أعضاء المجتمع الدولي كله بالوقوف في جانب الانفصاليين، بل وأصروا على البدء فورا في إعادة كتابة تاريخ يوغسلافيا، جاعلين منهم القاهرين ومن عداهم الضحايا، برغم أن الحاكم الملطلق ليوغوسلافيا منذ 1945 وحتى وفاته في عام 1980 وهو مارشال تيتو كان كرواتيا وبرغم أن سلوفينيا وكرواتيا كانتا أكثر جمهوريات الاتحاد الفيدرالي رخاء. كما أعلن المجتمع الأوربي أنه لا يمكن تغيير حدود الجمهوريات بحيث أنه يمكن ـ مثلا ـ لكرواتيا أن تنفصل، بينما لا يمكن أن يحدث ذلك للصرب الذين يعيشون في منطقة تدعى كراجينا ويريدون الانفصال عن كرواتيا، كما لا يمكن هذا أيضا لألبان كوسوفو الذين كانوا يريدون الانفصال عن صربيا.
وبطبيعة الحال عندما قامت قوات المدفعية والمشاة الصربية في خريف 1991 بمحاصرة مدينة فاكوفار الصربية، وكشف ميلوسوفيتش للعالم عن خططه لحماية المصالح الوطنية الصربية من خلال تدمير المدن وإطلاق النار على المدنيين العزل، لم يبال أحد بتذكر ما أفضى إلى الحرب ولم يتعاطف أحد مطلقا مع الصرب الذين ألحقت بهم صور شيطانية. يعتقد مارك دانر أنه كان لا بد من استخدام القوة فورا، ناقلا ذلك عن مخطط عسكري أمريكي، وموافقا إياه على أن القصف الجوي المركز على القوات الصربية المحيطة بفوكوفار كان يمكن أن ينهي الصراع، وإن كان مارك دانر يعترف بأنه كان من غير المحتمل أن تستخدم دولة جيشها لإنهاء صراع أجنبي.
يدهشني أن مارك دانر لا يشير إلى محاولات كثيرة مبكرة للتوسط بين الأطراف المتصارعة من أجل إحلال السلام. ومن ذلك بصفة خاصة أن الدبلوماسي البرتغالي خوسيه كوتيلييرو قام في فبراير ومارس من عام 1992 بمحاولة تفادي الحرب الأهلية بجمعه قادة ثلاث جماعات عرقية في لشبونة للتوصل إلى اتفاقية دستورية تسبق إعلان الجمهوريات استقلالها. وكان يمكن للترتيبات التي اقترحها أن تقسم البوسنة إلى ثلاث مناطق مستقلة لكل منها حكم ذاتي ولها جميعا حكومة مركزية ضعيفة مع حصول المسلمين على خمسة وأربعين في المائة من الأرض، والصرب على اثنين وأربعين ونصف في المائة والكروات على اثنتي عشرة في المائة.
في مذكراته، نجد أن السفير الأمريكي السابق وولتر زيمرمان ـ الذي شجع الزعيم البوسني المسلم علي عزت بيجوفيتش على رفض الخطة في وقتها ـ يؤكد أن مقترحات خوسيه كوتيلييرو ربما كانت ستنجح ويحصل المسلمون من جرائها على مكاسب تفوق ما حصلوا عليه من أي خطة لاحقة من بينها صيغة دايتن التي أنهت القتال في عام 1995. لماذا إذن خربت الولايات المتحدة اتفاق لشبونة ومضت إلى أن اعترفت بالبوسنة وهرزيجوفينا في اليوم التالي مباشرة في الوقت الذي أجمعت فيه وكالاتها المخابراتية على القول بأن هذا الاعتراف سوف يتلوه تفجر للوضع؟
يقدم لنا ديفيد جيبز ـ في كتابه البارع عن تدمير يوغوسلافيا والصادر بعنوان "منع الأذى قبل كل شيء" ـ تفسيرا مقبولا. كانت الولايات المتحدة قلقة من جهود الأوربيين الرامية إلى تكوين سياسة خارجية مستقلة. وباعترافها بالبوسنة، أكدت الولايات المتحدة زعامتها وصححت افتقارها إلى سياسة واضحة في تلك المرحلة المبكرة. بعبارة أخرى، كان بحث الولايات المتحدة عن مصلحتها الخاصة هو الذي يكمن وراء قرارها.
مهما تكن القصة الكاملة لهذا القرار، فإن ما حدث بعد ذلك كان بمثابة جحيم على الأرض. فلقد مات قرابة مائة ألف إنسان في السنوات الثلاث التالية، من المدنيين والعسكريين، وكان موتى المسلمين ضعف موتى الصرب. والسرد التفصيلي الذي يقدمه مارك دانر للأعمال الوحشية والتي بلغت ذروتها في سربرينيكا يوجه اتهاما قويا لعجز المجتمع الدولي عن اتخاذ قرار ولهمجية الصرب كذلك، فلقد اتبع الصرب نمطا من الإبادة العرقية للمسلمين شبيها بالذي اتبعه الكروات ضد الصرب قبل خمسين عاما من ذلك. ولا يعني ذلك أن المسلمين والكروات معفيون تماما من اللوم والمسئولية. فقد قال جون دويتش ـ وكان في ذلك الوقت مسئولا في وزارة الدفاع الأمريكية ـ "إن من أسباب صعوبة اتباع سياسة قويمة في ذلك الصراع هو مدى السوء الذي تحلت به جميع الأطرف". وعلى أية حال، كان بيت بوش الأبيض والجنرالات مجمعين على رفض التدخل. فقد كانت في العالم في ذلك الوقت مأساتان، وكان الأمريكيون يفضلون التدخل في مأساة الصومال على مأساة البوسنة، معتبرين الصومال أقل مخاطرة وأربح مكسبا.
يطرح مارك دانر السؤال الأكثر صعوبة: ما السر في قسوة الصرب الاستثنائية؟ يوعز مارك دانر ذلك إلى أيديولوجيا مرتبطة باعتقاد في صربيا العظمى (والتي ـ بالمناسبة ـ لم أسمع كلمة عنها إلى أن سقطت يوغوسلافيا) والإحساس شبه الهستيري بالظلم التاريخي، وحدَّة الخطاب والرعب من إبادة وشيكة للصرب (وينسى أن المذابح التي نفذها الفاشيون الكروات في حق الصرب أثناء الحرب العالمية الثانية كانت لم تزل حية في كثير من الأذهان).
يقترب مارك دانر من الحقيقة حينما يلقي اللوم على الساسة الممتلئين بالطموح الخالين من الرحمة، ومع ذلك فليس من المقنع أن نجده يصف ميلوسوفيتش بالدكتاتور برغم أنه كان مرغما في أحيان كثيرة على التعامل مع أحزاب المعارضة ومع المظاهرات المتواترة في الشوارع. لقد كان ميلوسوفيتش ـ شأن الغالب مع كل الرجال الذين يجلبون الكوارث على شعوبهم ـ متآمرا وصوليا. ولم تكن سياسته الوطنية تهدف إلى حل أي مشكلة لمواطنيه الصرب، بل كان الهدف الوحيد من وجودها هو زيادة قوته الشخصية وإثراء شركائه. وبدلا من حماية المصالح الوطنية الشرعية، كان يسلك سلوك سفاح، فاستطاع بذلك أن يبدد أي تعاطف دولي تجاه الصرب.
أما أتباعه (وقد خرج ثمانون ألفا منهم من بلجراد في عام 2006 ليوجهوا له التحية الأخيرة والذين كانوا في الأصل نازحين من كرواتيا والبوسنة وكوسوفو بسبب التطهير العرقي ـ فما كانوا يربطون بين سياساته ومأساتهم. كل ما كانوا يتذكرونه عنه، وكل ما كانوا معجبين به فيه، هو العناد. فقد ظل يقول لا لكل شخص، حتى حينما يكون قول لا في غير مصلحته. يعطينا مارك دانر الانطباع بأن ميلوسوفيتش كان عبقريا شريرا خطط مسبقا لكل شيء. وأنا لا أراه على هذا النحو. فالزعيم الكرواتي الجنرال فرانجو تودجمان هو الذي كان يعرف كيف يضع الخطط لكل شيء. كان يعرف أنك ينبغي أن تحظى بحلفاء أقوياء إن كنت تريد أن تفلت باقترافك تطهيرا عرقيا.
في كل من كرواتيا والبوسنة كانت لكثير مما جرى علاقة بالانتقام. فبحسب ما يوثقه مارك دانر في مقالاته، فإن المذبحة التي وقعت في سربرنيكا كانت انتقاما لمقتل الصرب على أيدي المسلمين الذين استخدموا "المنطقة الآمنة" للقيام بغارات ليلية على القرى المحيطة. وذلك ما برر به الجنرال القاسي غير المتسامح راتكو ماليديتش مبررا للحق في قتل عدد من المسلمين يبلغ مثلي أو ثلاثة أمثال من قتلوا من الصرب بغض النظر عن المسئولية الفردية لهؤلاء المسلمين عما حدث للصرب. ولا عجب أن احتاج المجتمع الدولي إلى نحو أربع سنوات حتى يفهم فهما كاملا أي نوع من الشياطين أطلقه ميلوسوفيتش من قارورته.
إنني أشارك مارك دانر في غضبه وفي رأيه بأنه كان يمكن القيام بشيء ما لكسر حصار سراييفو ومنع المذابح الجماعية في سربرنيكا، ولكن أوربا والولايات المتحدة وقعتا بين سياسيتين متناقضتين أخلاقيا وعمليا: إما نشر قوات حفظ السلام لإيقاف أعمال القتل ـ وذلك كان ليمثل محاباة للصرب الذين سيطروا بحلول منتصف عام 1995 على نحو سبعين في المائة من الأراضي البوسنية ـ أو السعي إلى مجابهة التطهير العرقي الصربي من خلال قصف الصرب والسماح للمسلمين والكروات ـ الذين كانوا يعتبرون ضحايا ـ بتطهيرهم عرقيا في المقابل.
يعترف مارك دانر أن اتباع السياسة الأخيرة كان ليعني مئات الآلاف من اللاجئين الإضافيين، ولكنهم اللاجئون الصرب في هذه الحالة. ولكنه يعتقد أنها كانت السياسة المفضلة، إذ بدلا من الفصل العرقي، كان يمكن لتلك السياسة أن تؤدي ـ في حال عزم الولايات المتحدة على تولي "مسئولية ومهمة بناء دولة جديدة" ـ إلى "إقامة دولة بوسنية متماسكة". وكان من شأن ذلك ـ فيما يرى مارك دانر ـ "أن يجعل للبوسنة مستقبلا مختلفا تماما عن السلام البارد الكئيب" الذي حققته اتفاقية دايتن، وبسبب مثالية ذلك الطرح وصعوبته أرى أنه ما كان يمكن أن يصدق. ولا أعتقد ايضا أن مارك دانر يفهم المعنى الكامل لهذا الذي يقترحه. فمن أجل تحقيق العدالة كان ينبغي أن نرتكب ظلما وحشيا بمعاملتنا جميع الصرب البوسنيين بوصفهم مذنبين، وذلك أمر ما كان بوسع الولايات المتحدة وأوربا ـ في نهاية المطاف ـ أن ترغما نفسيهما على القيام به.
***
مقالات مارك دانر عن العراق، المنشورة في هذه الصفحات (أي مجلة نيويورك ريفيو أوف بوكس) بين سبتمبر 2003 وابريل 2009 والمكتوبة بعد زياراته لمشاهدة أحداث سياسية مهمة هناك، وهي المقالات التي قرأتها وأثارت إعجابي في أوقات صدورها، تبدو الآن أكثر قوة بعد جمعها معا بين دفتي كتاب واحد. برغم كل مساوئ التحليل والتنبؤات السياسية حين تتم في موقع الحدث، إلا أن هذه المقالات تبدو تقارير صحفية في أحسن حالاتها. فقد استطاع مارك دانر في هذه المقالات أن يحيي أمام أعيننا بغداد وقد مزقها الصراع الطائفي والمئات من التفجيرات الانتحارية، وشوارعها وقد اصطفت فيها الحواجز الشاهقة المنسوفة، مثلما يحيي أمام أعيننا الفلوجة وقد استحالت مبانيها ركاما بفعل قصف مدفعية قوات المارينز. وبسبب مناهضته لحرب العراق، يبدو مارك دانر أكثر تشككا في مزاعم حكومة الولايات المتحدة، وأكثر تفهما للتعقيد البالغ الذي يتسم به الموقف على الأرض مما كان عليه في يوغوسلافيا. ويجيد مارك دانر عرض المسافة بين الحقيقة العارية (أي البلد المدمر بسبب احتلالنا له وبسبب الحرب الأهلية وبسبب المشكلات السياسية الجسيمة وبسبب الإرهاب) وبين مسئولى إدارة بوش برؤيتهم الواثقة في هامشية الحقيقة في مقابل القوة وفي أن بوسعهم أن يجعلوا الحقيقة تبدو على أي نحو يعن لهم. فإسقاط تمثال صدام حسين، والتلويح بالأصابع الأرجوانية عقب الانتخابات الأولى، وغيرها من المشاهد ليست سوى صور معدة بإتقان لما أرادوا لنا أن نراه، أما البقية فقد رأوا أن تبقى محجوبة عن أعيننا نحن الأمريكيين.
يعتقد كل من مارك دانر ورون سسكند ـ الذي يقتطف مارك دانر بارتياح من كتابه "مبدأ الواحد في المائة" The One Percent Doctrine ـ أن الهدف من غزو العراق كان ضرب مثال بصدام حسين، وتبيان ما ينبغي أن يتوقعه منا كلُّ مُبدٍ طيشا إلى امتلاك أسلحة دمار شامل وكل من يهزأ بسلطة الولايات المتحدة. وذلك ما وافقهما عليه هنري كيسنجر، فقد ساند حرب العراق، ونقل مارك دانر عنه قوله: "لأن أفغانستان لم تكن كافية. فإن الراديكاليين الإسلاميين يريدون إذلالنا، وعلينا نحن أن نذلهم". ويكتب مارك دانر أنه من أجل الهيبة الأمريكية وتأكيدا على القوة الأمريكية، فقد كان لا بد أن تحل صورة "الدبابات الأمريكية التي تتبختر منتصرة في شوارع العاصمة العربية المهزومة" محل صور "الأبراج المنهدمة التي يتصاعد منها الدخان". كان ينبغي لذلك أن يكون استعراضا لعملية "الصدمة والرعب" التي لم تكبحها أسلحة الضعفاء، وما أسلحة الضعفاء هذه إلا الأمم المتحدة والقانون والمحكمة الدوليان وكل ما شابه ذلك مما يستخدمه العالم كبحا للقوة الأمريكية.
أما ما يصفه مارك دانر ـ مما هو قائم فعليا وعمليا على الأرض ـ فيشبه ما أطلقت عليه بابرا تاتشمان "مسيرة الحمقى" وذلك أبعد ما يكون عن صورة القوة التي لا تقهر. ففي كتابها الشهير ـ "مسيرة الحمقى: من طروادة إلى فييتنام" الصادر عام 1984 ـ درست تاتشمان شخصيات تاريخية اتخذت قرارات مأساوية تناقض مصالح دولها، وكانت قرارات ذات أثر عكسي حتى في وقتها، وكان ثمة مسارات أفضل منها.
عندما نقرأ كتاب مارك دانر اليوم فإنا ندرك أنه لم يكن ثمة أي شيء مشابه ـ ولو من بعيد ـ للتأمل فيما قبل غزونا للعراق. لقد كان زعماؤنا واثقين من أنفسهم، فرفضوا السماح لأمم المتحدة بالاستمرار في التفتيش، وكانوا يعتقدون أن كل ما سيؤدي إليه حساب حجم المخاطرة هو منع العمل. فما الذي يمكن أن يكون مهما في الحساب الحذِر القائم على الأسباب والنتائج بالنسبة لقوة عسكرية عظمى تنفق على الدفاع أكثر مما تنفق دول العالم كله مجتمعة؟ وحينما حدث في أعقاب غزو العراق أن بدأت عمليات النهب للوزارات في بغداد، والجامعات، والمستشفيات، ومحطات الطاقة، والمصانع، مما أتى تقريبا على على البنية الأساسية للعراق وأتى على أي احترام من العراقيين لكفاءتنا، فإن مائة وأربعين ألفا من الجنود الأمريكيين وقفوا دون أن يفعلوا أي شيء لمنع الفوضى.
وبالمثل، عندما اتخذ بول بريمر (سفير الولايات المتحدة لدى العراق والمكلف بالإشراف على إعادة الإعمار هناك) قرارا بفصل جميع البعثيين من الحكومة وتسريح الجيش ـ الأمر الذي أذل ثلاثمائة وخمسين ألفا شخصا وجعلهم بلا عمل وحولهم إلى أعداء وحول خطة البنتاجون القائمة على النصر السريع والخروج السريع إلى احتلال طويل الأمد ـ لم يكن أحد من أعضاء مجلس الأمن الوطني أو العاملين في وزارة الخارجية قد تلقى تحذيرا مسبقا من العواقب المحتملة لقرار كذلك. ويوضح مارك دانر في كتابه أن الفشل الممنهج في العراق يرجع في جانبه الأكبر إلى تصميم من أصحاب القرار على عزل أنفسهم عن أي شخص في الحكومة يعرف أي شيء. وكما أشار مؤرخ فيما يتعلق بالفريد في طيشه فيليب الثاني ملك أسبانيا فإن "فشله لم يهز مطلقا إيمانه العميق بعبقرية سياسته في جوهرها".
أكثر مقالين إزعاجا في الكتاب هما المتعلقان بالتعذيب، واللذين نشرهما مارك دانر في ابريل الماضي بعدما حصل على تقرير سري لمسئولي اللجنة الدولية للصليب الأحمر. ففي ثنايا إشراف اللجنة على تطبيق معاهدة جينيف والإشراف على معاملة السجناء، سافر مسئولو الصليب الأحمر إلى جوانتانامو وأجروا مقابلات شخصية مع عدد من النزلاء الذين كشفوا عن طبيعة الاستجوابات التي تعرضوا لها سواء في جوانتانامو أو حيثما اعتقلوا في شبكة سجوننا السرية المنتشرة في شتى أرجاء العالم. يصف هؤلاء النزلاء تفصيليا، ودون أن يطلع أحدهم على إفادات الآخرين، دقائق ما أطلق عليه الرئيس بوش "حزمة الإجراءات البديلة" والتي لا يمكن أن نطلق عليها ـ برغم الإصرار على الإنكار ـ لفظا آخر غير التعذيب.
استلهاما من النظامين الشيوعيين في الاتحاد السوفييتي السابق وفي الصين، وغيرهما من أنظمة الحكم القمعية، سواء القديم منها أو الحديث، تم تعديل هذه "التقنيات" بعون من محامين في وزارة العدل ومسئولين في المخابرات المركزية الأمريكية، وأطباء، ومتخصصين في علم النفس. ولم يكتف هؤلاء جميعا بمجرد إحياء ممارسات غير قانونية طالما أنزلت الألم والإرهاب بالبشر في أسوأ فصول التاريخ البشري سمعة وأكثرها ظلمة، بل إنهم فعلوا ذلك كله بمساهمة من كبار المسئولين في الحكومة ممن أصروا على إطلاعهم دقيقة بدقيقة على مدى ما تحققه تلك "الاستجوابات" من تقدم، وممن تفننوا في تطبيق تقنيات الإيهام بالغرق، والحرمان من النوم، وغيرهما من الممارسات البربرية على بعض السجناء.
ولأن القانون الدولي (الذي وقعت عليه الولايات المتحدة الأمريكية) يمنع المعاملة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة، فإن ممارستنا للتعذيب كانت تجري تحت مظلة من التعمية والتبرير بل والنفي، لا من قبل إدارة بوش والمدافعين عنها، بل ومن قبل الكونجرس نفسه، ومن قبل كثير من الأمريكيين، الذين أقر أكثر من نصفهم تلك المماسرات بحسب أحدث استطلاعات الرأي. والأمر الذي يجعل قراءة مقالي مارك دانر عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر أكثر إصابة بالرعب هو أنهما كتبا في وقت كان لم يزل لدينا فيه بعض الحق في الأمل بأن تقوم الإدارة الجديدة بإجراء نوع ما من التحقيق الجاد وربما الملاحقة القضائية.
ولكن، لم يعد من المحتمل أن يحدث هذا. فإدارة أوباما اتخذت خطوات لإنهاء التعذيب والإفراج عن وثائق تكشف عن تواطؤ رسمي، ولكنها فيما يبدو غير مهتمة مطلقا بتحري الحقيقة وإجراء تحقيق شامل في الجرائم التي اقترفها زعماؤنا وكبار مسئولينا السابقين. وهنا يصبح لكتاب مارك دانر قيمته الكبرى. فينبغي أن يقرأه كل من لا يزال يرى حروبنا حروبا صليبية أخلاقية. فقد يعرفوا من ثنايا صفحات هذا الكتاب لماذا يُقبِل كثير من المستفيدين من معوناتنا الضخمة على تفجير أنفسهم لا لشيء إلا لإيذائنا، ولماذا لا يمكن للحروب القائمة على الأوهام أن تسفر إلا عن مزيد من الأزهام، ومزيد من الحروب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق