نشرت نيويورك تايمز مؤخرا ملحقها المخصص للكتب أسبوعيا، وفيه ثلاثة عشر مقالة ـ هي كل ما أتيح لنا رؤيته على الإنترنت ـ جميعها عن الإسلام بصورة أو بأخرى. تصدرت تلك المقالات مقالة كتبتها آيان هيرسي علي، التي هربت من الصومال إلى هولندا، ومن هولندا إلى الولايات المتحدة، والتي كتبت سيرتها الذاتية في كتاب حقق مبيعات خيالية بعنوان "الكافرة"، وهي باختصار نسخة أخرى من تسليمة نسرين. غير أن المقالات ضمت أيضا مقالا للأكاديمي المروق طارق رمضان. أي أن الجريدة راعت التوازن فيما قدمته، وهو ما سنقتدي به في قراءات هذا الأسبوع إذ نقدم نموذجين فقط مما نشر في ذلك الملحق.
يورد بشير تلحمي في مستهل مقاله الوارد على هذه الصفحة سطورا من كتاب عن الإسلاموفوبيا، أو الهلع من الإسلام، جاء فيها أن أحد الرسوم الكاريكاتيرية الأمريكية يصور مقاتلا من الطالبان وهو يرتدي الملابس العربية النمطية، وكأنما الزي الذي يرتديه مسلمو البشتون هو الزي الذي يرتديه المسلمون جميعا، وهو الزي العربي النمطي، وذلك غير صحيح". يبدو من هذه الفقرة أن الكتاب يحاول أن يصحح الخطأ الذي وقع فيه الكاريكاتير، ويوزع المسلمين على سلال عديدة بدلا من سلة الإرهاب التي يضعهم الغرب فيه. فالمسلمون كما نعرف، وكما يتبين من المقال الآخر في هذه الصفحة، ليسوا كتلة ثقافية واحدة متطابقة، بل إن هناك تمايزات لا تكاد تحصى بينهم. غير أن في هذه السطور إشارة إلى أن "زي العرب النمطي" يختلف عن زي مسلمي البشتون، وهذا صحيح لأننا لا نرتدي زي البشتون. ولكن أي زي ذلك الذي يوصف بأنه "زي العرب النمطي"؟
من الواضح من مقال بشير تلحمي ـ المائل للانحياز ضد الكتاب والإسلام ـ أن مؤلفي الكتاب يحاولان تحري الموضوعية، ويرميان إلى وضع حل لسوء الفهم الحضاري المخجل بين الغرب والإسلام كدين وكحضارة. ولكنهما ـ مع ذلك ـ لم يتحريا الدقة الواجبة، فوضعوا العرب جميعا في سلة واحدة، بل في زي واحد.
لا أميل ـ مؤقتا ـ إلى إلقاء اللوم على العرب باعتبار أنهم قصروا في تعريف العالم بأنفسهم، فإذا صح ذلك على البشر العاديين في الغرب، فإنه لا يصح على العلماء والكتاب. لقد ألزم رجلان ـ أستاذ للأديان وتلميذه ـ نفسيهما بتصحيح صورة المسلمين المشوهة، وكان الواجب عليهما ـ كما في أي بحث علمي رصين ـ أن يبحثا، أن يشاهدا الجزيرة مثلا، ويتأملا أزياء مذيعيها، وكلهم عرب، أن ينظروا إلى أي صورة لاجتماع قمة من القمم العربية. ونحن على أية حال لم نقرأ من الكتاب إلا السطور التي يوردها بشير تلحمي في عرضه.
من جانب آخر، تكتب الروائية الأمريكية لورين آدمز مقالا أقل ما يوصف به هو الاحترام. فالكاتبة تتناول ظاهرة نكتفي نحن بتناولها في جلسات النميمة بين المثقفين. تتكلم عن دافع من دوافع ترجمة الأدب العربي أو أدب البلاد الإسلامية إلى الإنجليزية: لماذا يترجمون للكاتبات أكثر مما يترجمون للكتاب؟ لماذا يواجه الكتاب المترجم من لغات المسلمين إلى الإنجليزية مصاعب جسيمة حتى يصدر؟ وهل يجد هذا الكتاب طريقه إلى خارج دوائر الأكاديميين؟
وقد يزعجكم في القراءة ـ مثلما أزعجني في الترجمة ـ هذا الكم الكبير من الأسماء الإيرانية وعناوين الروايات والكتب التي لا نعرف عنها وعن أصحابها أي شيء. ولكن ذلك بالذات ما هدفت إليه لورين آدمز، أن تقول لقراء مقالها: أنتم لا تعرفون شيئا عن إيران. وهي وإن كانت تقول ذلك للأمريكيين، إلا أن الاتهام نفسه يصدق على العرب أيضا، ويزداد وقعه إيلاما بقرب إيران منا.
يورد بشير تلحمي في مستهل مقاله الوارد على هذه الصفحة سطورا من كتاب عن الإسلاموفوبيا، أو الهلع من الإسلام، جاء فيها أن أحد الرسوم الكاريكاتيرية الأمريكية يصور مقاتلا من الطالبان وهو يرتدي الملابس العربية النمطية، وكأنما الزي الذي يرتديه مسلمو البشتون هو الزي الذي يرتديه المسلمون جميعا، وهو الزي العربي النمطي، وذلك غير صحيح". يبدو من هذه الفقرة أن الكتاب يحاول أن يصحح الخطأ الذي وقع فيه الكاريكاتير، ويوزع المسلمين على سلال عديدة بدلا من سلة الإرهاب التي يضعهم الغرب فيه. فالمسلمون كما نعرف، وكما يتبين من المقال الآخر في هذه الصفحة، ليسوا كتلة ثقافية واحدة متطابقة، بل إن هناك تمايزات لا تكاد تحصى بينهم. غير أن في هذه السطور إشارة إلى أن "زي العرب النمطي" يختلف عن زي مسلمي البشتون، وهذا صحيح لأننا لا نرتدي زي البشتون. ولكن أي زي ذلك الذي يوصف بأنه "زي العرب النمطي"؟
من الواضح من مقال بشير تلحمي ـ المائل للانحياز ضد الكتاب والإسلام ـ أن مؤلفي الكتاب يحاولان تحري الموضوعية، ويرميان إلى وضع حل لسوء الفهم الحضاري المخجل بين الغرب والإسلام كدين وكحضارة. ولكنهما ـ مع ذلك ـ لم يتحريا الدقة الواجبة، فوضعوا العرب جميعا في سلة واحدة، بل في زي واحد.
لا أميل ـ مؤقتا ـ إلى إلقاء اللوم على العرب باعتبار أنهم قصروا في تعريف العالم بأنفسهم، فإذا صح ذلك على البشر العاديين في الغرب، فإنه لا يصح على العلماء والكتاب. لقد ألزم رجلان ـ أستاذ للأديان وتلميذه ـ نفسيهما بتصحيح صورة المسلمين المشوهة، وكان الواجب عليهما ـ كما في أي بحث علمي رصين ـ أن يبحثا، أن يشاهدا الجزيرة مثلا، ويتأملا أزياء مذيعيها، وكلهم عرب، أن ينظروا إلى أي صورة لاجتماع قمة من القمم العربية. ونحن على أية حال لم نقرأ من الكتاب إلا السطور التي يوردها بشير تلحمي في عرضه.
من جانب آخر، تكتب الروائية الأمريكية لورين آدمز مقالا أقل ما يوصف به هو الاحترام. فالكاتبة تتناول ظاهرة نكتفي نحن بتناولها في جلسات النميمة بين المثقفين. تتكلم عن دافع من دوافع ترجمة الأدب العربي أو أدب البلاد الإسلامية إلى الإنجليزية: لماذا يترجمون للكاتبات أكثر مما يترجمون للكتاب؟ لماذا يواجه الكتاب المترجم من لغات المسلمين إلى الإنجليزية مصاعب جسيمة حتى يصدر؟ وهل يجد هذا الكتاب طريقه إلى خارج دوائر الأكاديميين؟
وقد يزعجكم في القراءة ـ مثلما أزعجني في الترجمة ـ هذا الكم الكبير من الأسماء الإيرانية وعناوين الروايات والكتب التي لا نعرف عنها وعن أصحابها أي شيء. ولكن ذلك بالذات ما هدفت إليه لورين آدمز، أن تقول لقراء مقالها: أنتم لا تعرفون شيئا عن إيران. وهي وإن كانت تقول ذلك للأمريكيين، إلا أن الاتهام نفسه يصدق على العرب أيضا، ويزداد وقعه إيلاما بقرب إيران منا.
أشرار الكاريكاتير
نيويورك تايمز ـ شبلي تلحمي
هل يوجد فعلا شيء اسمه الإسلاموفوبيا، أو رهاب الإسلام، أو الهلع من الإسلام؟ إثباتا لوجود هذا الشيء، يشير بيتر جوتشوك وجابرييل جرينبرج إلى مذيع في شبكة سي إن إن الأمريكية وقوله لـ كيث إليسن ـ وهو أول أمريكي مسلم يدخل الكونجرس:
لقد أصابني توتر كبير وأنا أستعد لإجراء هذا الحوار معك، فالسؤال الذي كان يلح علي أن أسألك إياه هو"سيدي .. أعطنا دليلا واحدا على أنك لا تعمل مع أعدائنا".
يفترض أن ذلك المذيع كان يعتقد حين طرح السؤال بتلك الطريقة، أن جمهور مشاهديه يشاطره القلق نفسه، بل إن الوضع الراهن للثقافة يشي بهذا، بحسب ما يرى جوتشوك وجرينبرج اللذين يقولان إن "كثيرا من العاملين في الإعلام يحددون خصائص هوية المسلم في إسلامه وحسب، متجاهلين أي مكونات أخرى لتلك الهوية".
في حين يدرس كتاب "الإسلاموفوبيا: اتخاذ المسلمين عدوا" صور المسلمين في الإعلام (كالتليفزيون والسينما)، إلا أن قوة الكتاب تنبع من تركيزه على مجموعة من الرسوم الكاريكاتيرية المنشورة بعد 11/9، والتي يصور أغلبها المسلمين تصويرا غير محبب، إذ تظهرهم إما رجالا مهوسوين بالجنس أو العنف، أو نساء مقهورات، أو أجانب مخادعين. ويرى المؤلفان أن رسامي الكاريكاتير غالبا ما يساوون بين الجماعات الإرهابية ـ مثل الطالبان ـ وبين المسلمين أو العرب بصفة عامة. "ففي أحد الرسوم الكاريكاتيرية يظهر واحد من الطالبان مرتديا الملابس العربية النمطية، وكأنما الزي الذي يرتديه مسلمو البشتون هو الزي الذي يرتديه الملسلمون جميعا، وهو الزي العربي النمطي، وذلك غير صحيح. بينما يشير كاريكاتير آخر إلى أن: المعتقدات الإسلامية أججت كراهية أمريكا في صدور العرب".
ويبقى من الصعب علينا أن نحكم على حجم هذه الرسوم الكاريكاتيرية، ما دمنا لا نستطيع أن نقارنها برسوم أخرى ربما تكون أكثر توازنا. كما أنه من الصعب أيضا أن نقيس تأثيرها على الرأي العام.
يحاول مؤلفا الكتاب، جريتشوك وهو أستاذ الأديان بجامعة ويسليان، وجرينبرج وهو خريج جديد من الجامعة، أن يضعا الرسوم وفقا لترتيب زمني تاريخي يعود إلى أيام الفتوح الإسلامية والحملات الصليبية. حيث يقول المؤلفان إن الرسامين "اعتمدوا على الصور المرتبطة في أذهانهم بالإسلام، وهي الصور التي ورثوها عن خرافات المستشرقين الأمريكيين البديعة، كما استمدوا هذه التصورات من مفاهيم خاطئة عن الإسلام كما فهمه التاريخ الأوربي". غير أن سردهما للخلفية التاريخية وجيز للغاية وذو بعد واحد، مما يعجزه عن مساعدتنا على فهم المواقف المعاصرة.
ولكن ما أهمية التاريخ، على أية حال؟ فالرؤى الأمريكية للمسلمين نتاج سياسات آنية راهنة ومصالح استراتيجية. فعلى مدار القرن العشرين، لا سيما أثناء حقبة الحرب الباردة، كان الأمريكيون ينظرون إلى المسلمين في أغلب الحالات باعتبارهم أصدقاء للولايات المتحدة وحلفاء لها. بل لقد كان الجهاد يعتبر شيئا حميدا حينما كان يعتبر حافزا على محاربة الاتحاد السوفييتي في أفغانستان.
والمؤكد أن هناك طوال الوقت من يحيد بهم التحيز ضد العالم الإسلامي فلا يروا فيه إلا كل ما هو سلبي، تماما كما أن هناك طوال الوقت من هم متأهبون لإساءة استغلال هذه الكراهية وتسخيرها لتحقيق غاياتهم. ويصدق المؤلفان حين يشيران إلى أن الإعلام بصفة عامة ورسامي الكاريكاتير على نحو خاص يقومون بدور. ولكن أغلب الأمريكيين اليوم ينظرون إلى العرب والمسلمين من خلال عدسة الألم الناجم عن 11/9، تماما كما ينظر أغلب العرب والمسلمين إلى الأمريكيين من خلال عدسة الألم الناجم عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومن بعده حرب العراق. وتلك عدسات لا تملك إلا التشويه، ولا يرى الناس من خلالها إلى ملامح "الآخر" المرتبطة بمعاناتهم. وكلما ازداد الألم والمعاناة، كلما ازداد التشوه.
يوضح المؤلفان كيف يمكن لرسامي الكاريكاتير أن يكونوا مساهمين في تغطية الإسلام. فيوصيان باجتناب الصور النمطية وتقديم الأمريكيين المسلمين "وهم يتصرفون كأمريكيين وحسب". ولكن من المستبعد أن تؤدي هذه النصيحة إلى أي تغيير، ما دامت سبل الحماية الأكثر فعالية لا تكمن إلا في النظم الاجتماعية القانونية والسياسية والتعليمية. أي أن القرار هنا بين أيد عديدة.
كان من الممكن لهذا الكتاب أن يزداد قوة لو كان التفت إلى بعض من القضايا مثل الانتهاكات الحكومية للقانون باسم الأمن الوطني، والعجلة في سن تشريعات تنتهك الحريات المدنية، لا سيما حريات المسلمين والأمريكيين ذوي الأصول العربية والمواطنين الأجانب. فليس رسامو الكاركاتير هم الذين يضبطون النغمة كلما جد نقاش في أوقات الأزمات، بل المسئولون الحكوميون. صحيح أن أول رد الفعل صدر عن البيت الأبيض وزعماء الكونجرس تجاه الإسلام بعد 11/9 كان إيجابيا في الأغلب، إلا أن الحرب على الإرهاب اتسعت، وأصبح المسئولون في واشنطن أقل ميلا إلا الوقوف في وجه الانحياز ضد الإسلام، بل وصار البعض منهم يشتبه في المسلمين بعامة. وكان بوسع المؤلفين هنا أن يعتمدا على الأدلة المتاحة: إذ إن هناك آلافا من المسلمين المحتجزين في المعتقلات الوقائية، دون أن توجه إلى أي منهم تهمة مقنعة بارتكاب جريمة إرهابية.
ينتاب أمريكا اليوم قلق واضح تجاه الإسلام. وليس مذيعو السي إن إن هم الذين يشعرون به وحدهم. ولكنه قلق أقل عمقا مما يشير المؤلفان جريتشوك وجرينبرج. ومن الممكن بكل سهولة أن يؤدي تحول في المصالح الاستراتيجية إلى تحول في المفاهيم. بل إنه حتى في هذه اللحظة، لا يزال التعليم الأمريكي قوة لا يستهان بها في دعم الحريات المدنية، فلا يزال أغلب الطلبة الأمريكيين يتعلمون ألا يأخذوا في الاعتبار أعراق الناس أو أديانهم. وفي الوقت نفسه، فإن كثيرا من الأمريكيين سعوا إلى معرفة أكبر بالإسلام، فأدى ذلك إلى تحرك عدد من صناع السينما، والكتاب والصحفيين والباحثين إلى إشباع هذا الطلب على المعلومات المتزنة الخاصة بالإسلام. وبرغم هذه الجهود، فسوف يبقى لصدمة 11/9 على الأرجح نصيب الأسد في تشكيل رؤية كثير من الأمريكيين على مدار سنوات قادمة.
كاتب المقال هو أستاذ الدراسات السياسية في جامعة ميريلاند وزميل معهد بروكنجز.
ما وراء البرقع
لورين آدمز
كثر الكلام في مسألة الاضطهاد الذي تتعرض له النساء المسلمات المحجبات. فباتت أندية الكتب الأمريكية تعنى بقراءة ما تصدرنه من سير ذاتية، وباتت الروايات التي تتناولهن تتصدر واجهات المكتبات لدينا [في أمريكا]، وبات المثقفون يناقشون السبل الواجبة لوصف معاناة أولاء النساء وكيفية إنقاذهن.
غير أن الأمم التي تنتمي إليها أولاء النساء ـ والتي نحاربها أو نلاحقها بدبلوماسيتنا بينما نفكر في قرار غزوها ـ تبقى مخبوءة خلف حجاب من نوع آخر. فكثير من الأمريكيين لا يفهمون كيف يمكن للمسلمين أن يكونوا عربا، أو أفارقة أو آسيويين، ناهيكم عن أن يكونوا أوربيين أو أمريكيين. وكثير من الأمريكيين ينسون أن المسلمين قد يكتبون بالعربية والتركية والأردية والدارية والبشتو [وكلتا اللغتين الأخيرتين تنويعتان على الفارسية كما ينطقها الأفغان] والصينية والإندونيسية والملاوية وعدد آخر من اللغات بما فيها الفارسية، لغة إيران. وشأن اللغات إذ تتعدد على ألسن المسلمين، تتسع تنويعات الإسلام نفسه في حيوات الكتاب المسلمين وشخصياتهم. فهناك مسلمون علمانيون تأثروا بالثقافة الإسلامية دون ممارسة للإسلام، ومسلمون معتدلون يمارسون الإسلام لكنهم متسامحون، وأصوليون راديكاليون، وهؤلاء قتلة معادون للغرب. ولكن ثمة حكما تعميميا وحيدا يصدق، وهو أن أغلب الأدب الإسلامي المعاصر لم يصدر بعد في ترجمات إلى اللغة الإنجليزية.
أثر البرقع سمة ذهنية ليست حكرا على الإسلام، وليست جديدة. فقد وصفت فرجينيا وولف هذه السمة في عام 1925، حينما كتبت عن الرؤى البريطانية لتلك البراري العجيبة المعروفة بالأدب الأمريكي: "إن الترحال في رحاب أدب بلد أجنبي يماثل كثيرا رحلاتنا خارج الوطن. فالمشاهد التي تألفها عيون أبناء البلد الأجنبي ولا تتوقف أمامها تبدو لنا نحن مدهشة ... وبينما تملؤنا الرغبة في ولوج قلب هذا البلد، فإننا نسعى إلى كل ما يبدو بعيدا عما ألفناه ومغايرا له، وما أن نجد مثل هذه الأشياء حتى نعتبرها جوهر ذلك البلد الأجنبي".
وهناك، اليوم، أسباب عديدة، تكمن خلف تشوه صورة الأدب الإسلامي لدينا. فالأدب المترجم ـ بغض النظر عن لغته الأصلية ـ يواجه مشقة كبيرة في العثور على ناشر أمريكي. كما أن القائمين على النشر في أمريكيا لا يجيدون في الغالب لغات الإسلام ـ على عكس اللغات الأوربية لا سيما الفرنسية والأسبانية. "فلكي تقترح كتابا على دار نشر، لا بد أن يكون لديك فصلان وملخص على الأقل بالإنجليزية" حسب ما تقول ناهد مظفري، المؤرخة الإيرانية التي قامت بتحرير مختارات من الأدب الإيراني صدرت في عام 2005 بعنوان "أوقات غريبة يا عزيزي". وتضيف مظفري قائلة إنه "لا يوجد من المال ما يكفي لدفع نفقات الترجمة. ولذلك فأغلب ما يصدر من كتب هو نتاج حنين المنفيين أو جهود الأكاديميين ... الذين يقومون بترجمة الفصلين وإعداد الملخص في أوقات فراغهم. وهؤلاء وأولئك ليسوا بالضرورة كتابا جيدين، ولذلك فكثير من النصوص تموت شهيدة الترجمة".
وهكذا فإن ما يصل إلى الأمريكيين من سير ذاتية وأعمال قصصية للمسلمين تكون في الغالب مكتوبة بأقلام المنفيين أو أبناء المهاجرين، وتكون دائما مكتوبة بالإنجليزية، أو بلغة أوربية. ولكم مثالا على ذلك كتاب "الكافرة" وهو السيرة الذاتية التي صدرت حديثا للمهاجرة الهولندية صومالية المولد آيان هيرسي علي والذي كان من أكثر الكتب مبيعا. ربما لا يكون مدهشا أن هذا الكتاب الحبيب إلى صناع الدعاية الأمريكيين، الصادر بعد 11/9، كان موضعا لتغطيات خبرية واسعة وعروض نقدية كثيرة، ووصل إلى أيدي عدد من القراء يفوق ما حققه نظيره الصادر قبل 11/9 للكاتبة المصرية نوال السعداوي والتي ظلت تتعرض لمثل مواضيع أيان هيرسي علي ـ مثل الختان وزواج الأطفال والرجم ـ في رواياتها وكتبها السيرية منذ خمسينيات القرن الماضي. لقد انتصرت السعداوي على التحيز ضد المرأة ودرست الطب في القاهرة، وناضلت من أجل الرعاية الصحية في القرى، وفقدت وظائفها بعدما أعربت عن رأي مناهض لقمع المرأة، بل لقد اعتقلها أنور السادات في عام 1981. وظهر اسمها على قوائم الموت لدى الأصوليين بعد عقد من ذلك، وقد واجهت السعداوي كل ذلك دون تأييد شعبي ذي بال ودونما صياح من الغرب. أما هيرسي علي ـ التي صدر كتابها بعد مقتل شريكها في العمل المخرج الهولندي ثيو فان جوخ واضطرارها إلى الاختباء ـ فقد لفتت انتباه الصحافة العالمية وحصلت على وظيفة كزميل مقيم في معهد أمريكان إنتربرايز في واشنطن. بينما تمت ترجمة أعمال السعداوي بالدرجة الأساسية في دور نشر بريطانية صغيرة لا تروج كثيرا لكتبها، ولم تحقق عموما غير نسب توزيع متواضعة.
يمثل الدوي عاملا واضحا في صياغة سوق الترجمة. حيث يريد الناشرون أن يستنسخوا صيغة النجاح المضمونة التي يعمل على أساسها منتجو هوليود. ولنا في هذه النقطة مثالا شيقا يتمثل في النتائج التي أعقبت نشر المهاجرة الإيرانية آزار نفيسي لكتابها "قراءة لوليتا في طهران" الذي كان من أكثر الكتب مبيعا في عام 2003، والذي تناول ناديا نسائيا للكتب يعنى بقراءة الأدب الغربي في إيران بعد ثورة عام 1979.
فقد شهدت السنوات التالية لصدور كتاب نفيسي ونجاحه اهتماما أمريكيا بنشر عدد كبير من السير الذاتية لنساء من إيران: أفشينيه لطيفي وكتابها "حتى بعد كل هذا الوقت: قصة الحب والثورة والخروج من إيران" ورويا حقاقيان "رحلة من أرض لا: قصة فتاة أسرتها الثورة في إيران" وناهد راشلين وكتابها "فتيات فارس" وآزيده موفيني وكتابها "جهاد طلاء الشفاه: أن تنشأ إيرانيا في أمريكا، أمريكيا في إيران" والسيرة الذاتية المصورة لمارجاني ساترابي بعنوان برسيبوليس [وهو اسم عاصمة قديمة لإيران]. بل لقد شهد هذا العام وحده صدور روايتين للأمريكية الإيرانية بوروتشيستا خاكبور بعنوان "أبناء ومواضيع أخرى ملتهبة" ولداليا صوفير بعنوان "شيراز في سبتمر" والتي تصور فيها حياة أسرة من يهود إيران وسط جيران مسلمين.
كثير من هذه الأعمال يمثل محاولات أدبية جادة. إلا أنها باهتمامها بأحداث العقود الماضية ـ وأبرزها الإطاحة بالشاه المدعوم أمريكيا وصعود الثيوقراطية الإسلامية ـ تصرف انتباه القراء عن تعقد إيران اليوم ومتناقضاتها. في حين أن الصور المرتبطة في أذهان القراء الأمريكيين بإيران هي صور الأهوال الاجتماعية من قبيل: الزواج القسري للأطفال، رجم الزناة، الجلد لمن ترتدين الزي الغربي والمغامرات الجنسية السرية المقرونة بالترويج السري للمشروبات الكحولية.
وذلك "لأن ما يتلهف الناس على نشره ليس سوى أكثر الرؤى سوداوية، مغفلين الرؤى الإنسانية المختلفة والثرية" حسب ما تلاحظ الشاعرة والمسرحية زارا هوشمند التي شاركت في كتابة السيرة الذاتية للفنان الإيراني منير فرامنفرميان والتي صدرت العام الماضي في أمريكا بعنوان "حديقة المرآة". وتواصل هوشمند قائلة إن السبب في هذا يرجع "جزئيا إلى الصحفيين الغربيين، والصحفيين الإيرانيين القادرين على الكتابة في الغرب، فهؤلاء وأولئك لم يروا من إيران الكثير. فهم لا يعرفون أبعد من شمال طهران، وذلك أشبه بزعمك حينما تكتب عن الشرق الأمريكي أنك اقتنصت جوهر التجربة الأمريكية".
يكاد الاستثناء الوحيد من هذه القاعدة يتمثل في السيرة الذاتية للحاصلة على نوبل للسلام شيرين عبادي والتي صدرت عام 2006 بعنوان "صحوة إيران" متناولة فيها قصة حياة إيرانية تميزها الشجاعة.
"هناك وسائل عديدة متاحة أمام الإيرانيين والأمريكيين للوصول إلى تفاهم عابر للثقافات" هكذا يقول رامين جاهانبيجلو في رسالة إلكترونية. هو مؤلف العديد من الكتب، من بينها "حوارات مع إيزاياه برلين"، وهو الذي استضاف مؤتمرا لتقديم المثقفين من الهند وأوربا وأمريكا الشمالية لإيران، وقد أقيم ذلك المؤتمر في سجن إيفين في طهران على مدار أربعة أشهر في عام 2006. وهو الآن يعمل بالتدريس في جامعة تورنتو.
قال جاهانبيجلو في رسالته الإلكترونية إن "الإصغاء إلى النساء الإيرانيات ليس سوى سبيل من بين تلك السبل. ولكن قصص الكثير من العناصر الاجتماعية داخل المجتمع الإيراني تبقى مجهولة. وإني أعتقد أن رؤية الأمريكيين للإيرانيين وطريقتهم في التفكير لم تزل منقوصة، وربما غير ناضجة، لو جاز لي القول. فإيران بلد معقد حافل بالتناقضات".
أثناء رحلة لي في السنة الماضية، تنقلت فيها بين مدن مشهد وتبريز وأبادان وأصفهان وشيراز ويزد، وجدت الكثير من المؤلفات لكتاب إيرانيين لا نعرفهم في أمريكا، ووجدت أن كتبهم تركز على وجود الشعب الإيراني المعقد الذي لا يكثر الكلام فيه. من بين هؤلاء زويا برزاد التي تؤلف أعمالا أدبية تحقق مبيعات هائلة في إيران، شأن كورماك مكارثي أو آني برولكس لدينا. وفي الوقت الذي كنت فيه في إيران كانت الطبعة الفاخرة من روايتها "بعد أن اعتدنا الأمر" والطبعة الشعبية من روايتها "سوف أطفئ النور" تحقق مبيعات كبيرة في السوق الإيرانية. كما كتبت برزاد ـ وهي إيرانية من أصل أرميني ـ عن حرب إيران والعراق التي استمرت ثمانية أعوام انتهت في عام 1988، بعد أن أزهقت ثمانية ملايين روحا من الجانبين. وإذا كان الأمريكيون قد نسوا تلك الحرب اليوم، فإنها لم تزل تستولي على القص المعاصر في إيران.
وعثرت أيضا على أعمال جولي ترجي وهي كاتبة معروفة في إيران بحنينها الدائم للطفولة، ولم تصدر بعد الترجمة الإنجليزية لأحدث رواياتها وهي "العودة"، وإن كانت مطبعة جامعة تكساس قد أصدرت الترجمة الإنجليزية لمجموعتها القصصية "قصر في السماء" عام 2003.
من بين الكتاب الإيرانيين المرموقين كاتبة تدعى منيرو رافانيبور وهي من منطقة جنوب إيران التي يظهر فيها التأثير العربي كما لا يظهر في أي منطقة أخرى من إيران. وليس غريبا من ثم أن تستلهم قصصها أساطير الخليج العربي والحياة القروية البسيطة على البلدان الساحلية. من أحدث أعمال رافنيبور روايتا "ناظلي" و"قلب الحديد" وكلتاهما غير مترجمتين بعد إلى الإنجليزية.
يصعب في بعض الأحيان العثور على أعمال كبار الكتاب الإيرانيين سواء في الولايات المتحدة أو إيران. وليس أدل على ذلك من شاهرنوش بارسيبور التي سبق لها أن عملت ضد شاه إيران، ولكنها لم تقع في أسر الافتتان بثورة عام 1979. لها رواية عنوانها "نساء بلا رجال"، وتتناول فيها خمس نساء ـ بينهن عاهرة ـ يجتمعن في حديقة رمزية في إيران المعاصرة، وقد أودت بها هذه الرواية إلى السجن في عام 1980. تلت هذه الرواية رواية أخرى بعنوان "طوبى ومعنى الليل" وهي رواية تصف بعض القوى التاريخية التي لا يعرف كثير من القراء الأمريكيين من أمرها شيئا، وإن تكن وثيقة الصلة بعلاقة إيران الحالية مع الولايات المتحدة والغرب عموما. هذه القوى التي تتناولها الرواية تتمثل في الاستعمار البريطاني والروسي والإطاحة ـ المدعومة من المخابرات الأمريكية ـ بحكومة محمد مصدق المنتخبة ديمقراطيا في خمسينيات القرن الماضي. وإذا كانت دار فيمينيست بريس ـ أو المطبعة النسوية ـ قد قامت بنشر ترجمتين لروايتي بارسيبور، إلا أن الأعمال الحديثة للكاتبة غير متاحة في الإنجليزية مثلما هي ممنوعة من التداول في إيران.
أحيانا ما يكون السبب في لفت النساء المسلمات أنظار الغرب هو موضعهن في سياق سياسي كبير، وليس فقط من أجل إسهامهن الأدبي. يرى بول بيرمان أن وصف أيان بوروما لهيرسي علي في كتابه "اغتيال في أمستردام: وفاة ثيو فان جوخ وحدود التسامح" كان مثالا مهما على أن الأوربيين عاجزون عن الانتباه إلى حجم القسوة التي يمارسها المسلمون على المرأة. في يونيو الماضي كتب بيرمان مقالا مطولا في ذي نيو ريببليك أدى إلى نزاع مرير سواء في الولايات المتحدة أو في أوربا، حيث تسابق المثقفون (وكان أغلبهم ذكورا) إلى الزعم بأنهم كانوا الأكثر انتقادا لطريقة الإسلام في التعامل مع المرأة.
في عام 2006، وقعت آزار نفيسي ضحية صدمة أدبية مماثلة، عندما نشرت مجلة التعليم العالي الأمريكية مقالا عن حامد دباشي الأستاذ في جامعة كولومبيا، وأشار المقال إلى النقد الذي وجهه دباشي لنفيسي في حوار أجرته معه صحيفة الأهرام ويكلي المصرية، حيث قال دباشي إن نفيسي تؤيد حروب المحافظين الجدد في أمريكا. فما كان من نفيسي إلا أن نشرت استنكارا، رفضت فيه فكرة أنها تؤيد التغيير الجبري للنظام في إيران. وكان بعض النقاد قد أشاروا في معرض تناولهم لكتاب "قراءة لوليتا في طهران" إلى أنه يوحي ضمنيا بأن الانفتاح على الروائيين الغربيين لا الإيرانيين هو دواء للاستبداد وحل للمشكلات الإيرانية، فأشارت نفيسي في استنكارها العلني إلى أنها تسعى طوال الوقت إلى مساعدة الكتاب الإيرانيين في الوصول إلى ناشرين أمريكيين.
ويبقى أن ثمة هوامش كثيرة وملاحظات شتى فيما يتعلق بقصة الأدب الإسلامي المترجم إلى الإنجليزية، لا سيما ما تكون المرأة كاتبته أو موضوعه. فـ "بنات الرياض" رواية كتبتها بالعربية رجاء الصانع ـ وهي شابة سعودية تدرس حاليا طب الأسنان في شيكاغو ـ وأحدثت ضجة في بلدها، ولكنها في الترجمة الإنجليزية التي صدرت في الولايات المتحدة الصيف الماضي تبدو أقرب إلى كتابة مراهقة.
ديدي فيلمن هو محرر بإحدى دور النشر في نيويورك وهو محرر المجلة الإلكترونية المعنية بنشر الأدب المكترجم "كلمات بلا حدود". وقد عنيت المجلة في أعدادها الثلاثة الأولى بنشر أعمال من العراق وإيران وكوريا الشمالية ـ أي الدول التي اعتبرها بوش في خطاب حالة الاتحاد عام 2002 دول محور الشر. يقول فيلمن "إن ما نريده من الناس هو أن ينظروا إلى الآخر لا كما يتمنونه أو يتوقعون منه أن يكون، بل كما هو كائن بالفعل. ومثل كل محاولة لزحزحة التقسيمات المستقرة، فإن المهمة التي اخترناها لأنفسنا أبعد ما تكون عن السهولة أو البساطة".
لورين آدمز كاتبة مقيمة في كلية إيوجين لانج، من أهم رواياتها .. مرفأ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق