وزير الخارجية الإيراني
جواد ظريف:
العرب
هم الملومون على كوارث الشرق الأوسط
جواد ظريف
يعيش
الإيرانيون في منطقة مضطربة يعوزها الاستقرار. وليس بوسعنا تغيير الجغرافيا، ولكن
جيراننا لم يكونوا دائما عاصفين على هذا النحو. وبدون استنطاق التاريخ أكثر مما
ينبغي، وبرغم أننا شعوب عتيقة تقاس ذكرياتها بآلاف السنين لا بالعقود أو حتى
بالقرون، فلا خوف من التجني حينما يقول المرء إن منطقتنا لم يعوزها الأمن
والاستقرار إلا حينما بدأت تصل إليها قوات أجنبية، بل غريبة كل الغربة، وشرعت
تتدخل في شؤونها. وجاء اكتشاف النفط ـ ذلك الإدمان الذي سرعان ما تمكَّن من الغرب
ـ ليزيد القوى الكولونيالية بروزا في منطقتنا، وأعقبت ذلك الحرب الباردة، فكان
ذانك العنصران أساسيين في قرار الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أن تطيحا بحكومة
إيران الشرعية المنتخبة ديمقراطية في عام 1953، وكان ذلك وقودا لمزيد من تدخل
القوى والقوى العظمى الأجنبية.
واليوم
نرى أن ذلك التدخل لم يثمر إلا شرقا أوسط مقطع الأوصال. فحلفاء الغرب الراسخون
بدلا من مراعاة ويلات شعوبهم أو مطامحها ينفقون ثرواتهم على التسلح، ويبعثون إلى
الغرب الثروات التي تدرها مواردهم الطبيعية. وهم ينفقون المليارات من ثراواتهم في
نشر الوهابية ـ وتلك أيديولوجية كراهية وإقصاء من أيديلوجيات القرون الوسطى ـ من
أقصى الشرق إلى الأمريكتين. وهم يدعمون اللاعبين المنظمين غير الدولتيين non-state ممن يبثون الخراب من خلال الإرهاب والحروب
الأهلية. ففي حالة أفغانستان، شطحت العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة
إلى حد الاعتراف الرسمي بطالبان حكومة لها، فهما دولتان من ثلاث دول فقط في العالم
فعلت ذلك. في الوقت الذي تعامت فيه الولايات المتحدة عن الأيديولوجية والتمويل
اللذين أديا إلى خلق القاعدة، وفروعها الحديثة من قبيل داعش والنصرة وأحرار الشام
وجيش الإسلام وبوكو حرام والشباب والقائمة تستمر، مثلما أديا إلى أسوأ هجمة
إرهابية على التراب الأمريكي منذ واقعة بيرل هاربر. والحضور العسكري الأمريكي في
المنطقة الآن لا يرمي إلى مجابهة ما تتعرض له أمريكا من تهديدات وحسب، بل وما
يفترض من تهديدات لهؤلاء الحلفاء الداعمين للإرهاب الذي يوجه الآن سهامه إلى مدن
أوربا والولايات المتحدة.
لقد وثب
حلفاء الغرب هؤلاء ـ عبر تاريخهم الوجيز من العداء لبلدي ـ على إيران في أعقاب
ثورتنا الإسلامية التي حرَّرتنا من دكتاتورية لا تختلف عن دكتاتورياتهم وأتاحت لنا
أن نرسم مسارنا الخاص في التاريخ أمةً مستقلة مسالمة غير متحالفة مع شرق أو غرب.
وفي حين عمدنا نحن، طوعا، إلى تحييد دور الهيمنة في المنطقة، قاموا هم بتمويل
وتسليح ودعم غزو صدام حسين لإيران. فلم تثمر حربه ضدنا طوال ثماني سنوات إلا عن
الموت والخراب، ومن ذلك أول استعمال ميداني للأسلحة الكيميائية منذ الحرب العالمية
الأولى ـ من قبل صدام ضد جنودنا وضد المدنيين كذلك ـ فلم يلق ذلك من المجتمع
الدولي إلا الصمت والآذان الصماء.
أما نحن
الإيرانيين فمنعت عنا ـ وقد عوقبنا لمجرد امتلاكنا وقاحة الإعلان عن تحررنا من
الطغيان الداخلي والهيمنة الأجنبية ـ الأسلحة الدفاعية الأساسية برغم سيل الصواريخ
الذي كان ينهمر على مدننا فيهلل له جيراننا العرب. ومن أولئك الجيران الكويت، وهي
ممول أساسي لحرب العراق علينا ووسيط في مبيعاته النفطية، وسرعان ما صارت ضحية بعد
ذلك لطموحات صدام نفسه. غير أننا، حرصا منا على مصلحة الاستقرار والسلام في
العالم، آثرنا أن ندعم سيادة الكويت في مواجهة الغزو العراقي، برغم عرض صدام علينا
أن نقاسمه المغانم، بل وبرغم أنه أرسل طائرات مقاتلة إلى إيران، في مسعى ظاهره
الحفاظ على الأمن، وباطنه إغواؤنا بالوقوف في صفه. ورفضت قيادتنا ذلك العرض رفضا
حاسما، برغم العداوة التي أبدتها لنا بعض دول الخليج الفارسي منذ الثورة أو
أضمرتها. لقد آثرنا لجيراننا في الخليج الفارسي أن يبقوا دولا مستقرة مستقلة، بدلا
من أن ننعم برضا أكيد وإن يكن عابرا إذ نراها تلقى جزاءها المستحق.
اليوم،
تزعم بعض هذه الدول ـ لا سيما العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وكذلك
الولايات المتحدة نتيجةً لحملتي الدولتين الهائلتين ـ أن إيران تتدخل في شؤون
العرب وتنشر الخوف في المنطقة. في حين أن هذه الدول ـ من سخرية القدر ـ هي التي
شنَّت حربا على دولة عربية شقيقة هي اليمن، وهي التي غزت البحرين، وقاطعت شقيقتها
قطر، وعمدت إلى تمويل وتسليح حماعات إرهابية في حرب سوريا، ودعمت الانقلاب العسكري
ضد الحكومة المنتخبة في مصر، مع إنكارها في ثنايا ذلك كله الحريات الأساسية على
شعوبها. في حين أن إيران ـ وهي أقوى وأقدم كدولة مستقلة من أي من جيرانها ـ لم
تهاجم دولة أخرى منذ نحو ثلاثة قرون. وإيران لا ولن تتدخل في شؤون جيرانها
الداخلية.
ومع
ذلك فإن شؤون العرب شاغل من شواغل إيران. ونحن لا نخجل أن نعترف بأن شؤون غير
العرب شاغلهم الخاص. وكيف لا تكون كذلك؟ نحن شركاء في الحدود والماء والموارد،
ونطير في المجالات الجوية لبعضنا بعضا. ولا يمكن ألا نهتم بكيفية تأثير جيراننا
العرب على هذا الجزء من الكوكب الذي نتخذه جميعا أوطانا لنا.
غير
أن اهتمامنا بشؤون المنطقة ليس اهتماما خبيثا. بل هو على العكس من ذلك يصب في
مصلحة الاستقرار. فنحن لا نرغب في سقوط أي من أنظمة الحكم في البلاد المحيطة بنا.
بل نرغب ـ مبدئيا وعمليا ـ في أن تنعم جميع دول المنطقة بالأمن والسلام
والاستقرار. ومن سوء الطالع أن هذه ليست رغبة بعض جيراننا الذين يستمرئ قادتهم
الأغرار وهم تغيير النظام في إيران، ويدعمون الجماعات الإرهابية الرامية إلى
الإطاحة بالحكومة وخلق الخوف بغية الطعن في أمتنا. وجيراننا يفعلون ذلك وهم يقولون
إن إيران تنشر نفوذها في المنطقة، لا سيما منذ إعلان التوصل إلى الاتفاقية النووية
في عام 2015.
غير
أن النفوذ الإيراني امتد لا بفضل غير مقصود من الآخرين، بل نتيجة أفعالهم وأخطائهم
وخياراتهم الخاطئة هم وحلفائهم الغربيين. فبعد سقوط طالبان وصدام حسين، كان حتما
أن تحظى إيران ـ التي استضافت لاجئيهم ووفرت اللجوء لسياسييهم ـ
بـ"نفوذ" عند أصدقائها يفوق نفوذ من دعموا ومولوا الأعمال الوحشية التي
مارسها نظاما طالبان وصدام حسين على شعبيهما. فلم تكن إيران هي التي منعت العربية
السعودية الفظة من فتح سفارة في بغداد طوال عقد بعد سقوط صدام، ولم تكن إيران هي
التي أصرت على حرب اليمن أو محاصرة قطر.
وقطر
ـ التي نختلف معها في عدد من القضايا المهمة ـ جارة لا نريد أن نراها غير مستقرة.
ولا نريد أن نرى استقلالها يهتز وهي تعاني ضغط شقيقتها السعودية الكبرى. ولما كنا
لا نستطيع أن نسمح بمحاصرتها وخنقها، فقد أمددناها بما هي بحاجة ماسة إليه من
موانئ وممرات جوية. كما أظهرنا دعما فوريا للحكومة المنتخبة ديمقراطيا في تركيا ـ
التي تختلف هي الأخرى معنا في بعض القضايا ـ
حينما تعرضت لمحاولة انقلاب. كما استعملنا نفوذنا في لبنان، وهي أرض مضطربة
تشكلت فيها حكومة وحدة وطنية بعد سنتين من اعتراضات العربية السعودية التي كانت
تؤثر في ما بدا عدم الاستقرار والصراع الداخلي والانقسام الطائفي في الشام على وجود
دولة ناجحة فاعلة.
وفي
سوريا ساعدنا الشعب عندما قامت الجماعات الإرهابية، ومن بينها المتحالفة مع
القاعدة وداعش، بالاندساس في احتجاجات الربيع العربي، وحمل السلاح للاستيلاء على
السلطة وإقامة دولة إرهابية مرعبة ديدنها الذبح الدموي الجماعي. ولقد كان بعض
الجماعات الإرهابية ممولا ومسلحا ـ بصورة مباشرة أو غير مباشرة ـ من بعض جيراننا،
ومن الولايات المتحدة الأميركية نفسها في بعض الأحيان. إن ملايين اللاجئين
السوريين الهاربين من وطنهم ليسوا هاربين من شخص أو طائفة أو حكومة، إنما هم
هاربون من حرب ومن إرهاب. ولكن ما من دولة فعلت قدر ما فعلت إيران في الحرب ضد
داعش وفي منعها من إقامة خلافة غير إسلامية من دمشق إلى بغداد.
لقد
جعلت إيران من أولوياتها التوصل إلى اتفاقية لحل أزمة نووية لا داعي لها، وذلك
تحديدا من أجل منع المزيد من الاضطراب في المنطقة من خلال نقطة جدل جسيمة مع القوى
الغربية. ومن شأن هذا في ما كنا نرجو ونتوقع أن يفيد جميع جيراننا. ومع ذلك لم
نتجاهل أزمات أخرى تؤثر على المنطقة، فعرضنا في حالات كثيرة خططا، وهدنات،
ومفاوضات لإنهاء صراعات مسلحة. فلم تلق أغلب عروضنا إلا آذانا صماء، من الأمريكين
والعرب سواء بسواء. لكن في حين أننا لا نستطيع ولا نريد أن نقصي الدول الكبرى مثل
العربية السعودية عن معادلة الاستقرار في المنطقة، فليس من الممكن أيضا إقصاؤنا
نحن، لأن استقرار أمة يؤثر على استقرار الجميع.
بعد
حل الأزمة النووية، صار بوسع جيراننا أن يتحركوا نحو مزيد من التبادل في التجارة
والاستثمار معنا. كان بوسعهم أن يقبلوا العرض المقدم منا منذ زمن بعيد، ولمرات
متكررة قبل الصفقة النووية وبعدها ـ بمناقشة اتفاقية للأمن الإقليمي. لكنهم عمدوا
إلى عكس ذلك: إذ ضاعفوا عداوتهم لإيران والإيرانيين، وفعلوا كل ما في وسعهم ـ من
حملات حشد، وإطراء فائق للرئيس الأمريكي، ورفض لأي علاقة معنا ـ لتأبيد مغالطة أن
إيران هي جذر جميع مشكلات المنطقة ولا بد من مواجهتها (أو "دفعها إلى
الخلف" إن نحن استعملنا التعبير الشائع في واشنطن) قبل أن تلحق الاضطراب
بالعالم كله.
في
مثل هذا المناخ ـ وفي ظل وعينا الدائم بتجربتنا في القرن العشرين إذ شنت جارة لنا
حربا طوال ثماني سنين على شعبنا بينما العالم كله تقريبا متغاض عن المعتدي ـ فإننا
نسعى إلى امتلاك قدرة دفاعية فاعلة. وبسبب العداوة السافرة لنا منذ الثورة
الإسلامية، سواء من داخل المنطقة أم من الغرب، وبسبب رفض الغرب أن يبيعنا أي أسلحة
دفاعية من شأنها ردع أي صدَّام مستقبلي، فقد أنشأنا قدرة محلية. وهي تتضمن صواريخ
ـ تحتاج إلى اختبار لضمان عملها وفق تصميمها، وهي دقيقة حاليا في حدود سبعة أمتار.
(وهذه الدقة بالمناسبة لا لزوم لها على الإطلاق في ما يتعلق بحمولة نووية قد تخطئ
هدفها المحدد بعشرة أو سبعة كيلومترات ومع ذلك ينهمر منها الموت والخراب في منطقة
شاسعة. لكن الدقة مهمة بصورة عظيمة في مهاجمة الأهداف العسكرية أو المعسكرات
الإرهابية اجتنابا للوفيات بين المدنيين أو غير المقاتلين). ولقد عمدنا إلى إبعاد
قدرتنا العسكرية الدفاعية عن المفاوضات على خطة العمل المشتركة الشاملة JCPOA
ـ مثلما تعرف الاتفاقية النووية على المستوى الرسمي ـ وذلك على وجه التحديد لأن
إيران لن تتنازل مطلقا عن حقها في الدفاع عن مواطنيها أو تفوض في هذا الحق أي طرف
خارجي. ولن يكون هذا الحق ورقة تفاوضية في أي مفاوضات مستقبلية. ولا داعي لأن يخشى
أي طرف أو أي بلد من صواريخنا، أو من أي قدرة عسكرية إيرانية، ما لم يكن يضمر
النية للهجوم على أرضنا أو لإثارة اضطرابات من خلال هجمات إرهابية على ترابنا
الوطني.
إن
العربية السعودية تنفق 63 مليار دولار سنويا على الدفاع، بما يجعلها في المرتبة
الرابعة عالميا في هذا الصدد بعد الولايات المتحدة والصين وروسيا. بينما تأتي
الإمارات العربية المتحدة ـ وهي دولة يقل سكانها من مليون ونصف المليون مواطن ـ في
المرتبة الرابعة عشرة بإنفاقها أكثر من 22 مليار دولار سنويا على الدفاع. في حين
أن إيران لا تظهر ضمن المراكز العشرين الأولى، فإنفاقها 12 مليار دولار يضعها في
المرتبة الثالثة والثلاثين. بل إن ذلك لا يضعها في مصاف المستأسدين على المنطقة. فهدفنا
ليس أن نمتلك أقوى الجيوش أو أفضلها تسلحا، أو أن نمتلك أسلحة بقيمة ترليونات
الدولارات، بل أن نمتلك الحد الأدنى من الخامات اللازمة لردع ومواجهة التهديدات
والهجمات المسلحة. فأهم ما نمتلكه من الأصول اللازمة للاستقرار والأمن والاستقلال
هو شعبنا الذي يختار حكومته كل أربع سنوات ـ خلافا لمواطني حلفاء الولايات المتحدة
في المنطقة.
ونحن
نقوم بدوريات في مياه الخليج الفارسي ـ وذلك هو الاسم الذي أطلقه عليه الغربيون
قبل قرون في ضوء أن أطول ساحل عليه هو الساحل الإيراني ـ لأنه ما من مجال للتشكيك
في حق إيران في الدفاع عن أرضها من الهجمات والمخادعات البحرية. (ويفترض بالمثل أن
حرس السواحل والبحرية الأمريكية لم تتوقفا عن الدوريات في خليج المكسيك أو سواحل
المحيطين الأطلنطي والهادي). ولو أن هناك اتهامات
بـ "سلوك استفزاوي" في الخليج الفارسي، فمن المؤكد أن إيران هي
الطرف الجدير بتوجيهها. فالسفن العسكرية وحاملات الطائرات الأمريكية ـ وهي بحجم
مدن عائمة ـ تضغط روتينيا على السفن
الإيرانية في مياه لا يزيد اتساعها عن 10 كيلومترات في بعض الأجزاء. ولا يمكن أن
يتوقع أحد منا التخلي عن حقوقنا في هذا
المجرى المائي المهم، ذي الأهمية المركزية لمصالحنا الأمنية والاقتصادية.
إن
الرهاب الإيراني الذي يديمه بعض جيراننا ـ والذي أصبح أقرب إلى الهستيريا في ظل
حكم المبتدئين سياسيا ـ يؤثر حاليا على صورة الولايات المتحدة. ويصدق هذا على
الاتفاقية النووية، مثلما يتجلى بصورة أكثر عمومية في العداوة التي أبداها الرئيس
ترامب تجاه إيران في خطبته بالأمم المتحدة في 2017. في حين أنه ما من دليل على "سلوك
رديء" من إيران. و"العدوان" الإيراني وهم، تسهل إدامته على من
ينفقون المليارات على الأسلحة العسكرية الأمريكية وشركات العلاقات العامة، ومن
يعدون بحماية المصالح الأمريكية لا مصالح شعوبهم. وهم في النهاية لا يخدمون لا
أمريكا ولا شعوبهم.
إن
النجاح في تطبيق الاتفاقية النووية ـ من جانب إيران على الأقل ـ دليل على حسن نية
إيران وسلمية نواياها. فلو أن لدينا طموحات في الهيمنة، لما أمكن التوصل نهائيا
إلى اتفاقية. ويمكن في واقع الأمر أن تكون خطة العمل المشتركة الشاملة
نموذجا لحل الأزمات دبلوماسيا، والتوصل إلى نتائج سلمية في النزاعات الإقليمية.
وبدلا من النظر إلى مواكن ضعفها ـ وما من صفقة أو مساومة إلا وتنطوي على نقاط
ضعفها من وجهة نظر كل طرف ـ ينبغي على الدول الأخرى أن تنظر إلى فوائدها. ذلك أن
لجميع الأطراف فوائد، ومن أولئك جيراننا المباشرون.
لقد
اتخذ القادة الجدد في العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ـ بما يظهرون من
طيش ناجم عن نقص الخبرة وغرور ناجم عن التربية في ظل الكبت والثراء ـ موقفا
إقليميا عدوانيا. وخشية الخجل أو الفشل، قد يصعب عليهما التراجع. لكن الإصرار على
المسار الخاطئ لن يجعله صائبا. وكان ينبغي أن تتعلم أمريكا ذلك من فييتنام،
والاتحاد السوفيتي السابق من أفغانستان. وينبغي أن يتعلم جيراننا هذا من
اضطراباتنا الإقليمية. والطريق الصائب ليس صعب التكشف، فكل ما يقتضيه أعين مفتوحة،
وعقل متفتح، واحترام لخيارات الآخرين ومواقفهم، والعزم على المشاركة والبحث عن حل
مقبول من جميع الأطراف لأي مشكلة. لقد تعهدنا نحن الإيرانيين على أن نفعل ذلك مع
ست دول حينما أعدنا بدء المفاوضات حول القضية النووية في 2013. وحتى إذا أبطل طرف
أو أكثر هذه الاتفاقية بدون سبب، أو رفض تنفيذ جانبه منها تنفيذا كاملا، فسيظل أن
الطريق إليها كان صائبا. وأي فشل في نهاية المطاف لن ينتج عن عيب كامن في
الاتفاقية نفسها، بل من نقص الإيمان الذي سوف يشوه عالميا كل من يخل بالتزاماته.
لكن
عند التفكير في كيفية تجاوز المآزق الإقليمية ـ لا سيما ما يتعلق منها بانتشار
الإرهاب ـ قد يكون مفيدا لجيراننا وداعميهم في الغرب أن يلقوا نظرة أخرى أكثر
تمعنا على المبادرات الإيرانية السابقة. لقد اقترحت إيران "الحوار بين
الحضارات" في عام 1998، قبل كثير من أحداث 11/9 وقبل أي فكرة عن "صدام
الحضارات" بين الجمهور. وفي عام 2013 اقترح الرئيس حسن روحاني مبادرة
"عالم بلا عنف أو تطرف" قبل أن تصبح داعش اسما ذائعا. لقد قامت
المبادرتان بتشخيص دقيق للظروف الاجتماعية والثقافية والعالمية التي شجعت على تشكل
وانتشار العنف المتطرف، الظروف التي كثيرا ما تتعرض للنسيان في ثنايا التعهدات
المجيدة باستئصال المشاغبين.
وفي
حين يتضح بلا لبس أنه لا بد من إلحاق الهزيمة بداعش وأتباعها وفضح زيف وعودها، فإن
رجوع السلام والاستقرار إلى الخليج الفارسي يتعلق بدعم الفهم المتبادل والتعاون
الأمني الإقليمي الذي يرفضه بعض جيراننا حتى الآن. في حين أنه ما من سبب يمنعنا من
التعاون. إن لعبة الشطرنج الفارسية القديمة تقتضي الفوز أو التعادل أو الاستسلام
من الخصم في مواجهة الهزيمة. وإنها للعبة عظيمة، لكنها مجرد لعبة. أما في العالم
الحقيقي، فيمكن التوصل إلى نتائج مختلفة، يمكن أن تنتهي اللعبة بانتصار الطرفين
وعدم تعرض أي طرف للهزيمة. ووصولا إلى هذه النتيجة علينا أن نقيم آلية عمل إقليمية
بدلا من إضافة المزيد إلى الجدار الفاصل بيننا. يمكننا أن نبدأ بمنتدى إقليمي
للحوار، وهو ما ظلت إيران علنا وسرا تدعمه دائما.
من
شأن منتدى كهذا أن يقام طبيعيا على احترام السيادة وسلامة الأرض والاستقلال
السياسي لجميع الدول، وحرمة الحدود الدولية، وعدم التدخل في شؤون الآخرين
الداخلية، والتسوية السلمية للنزاعات، والامتناع عن التهديد باستعمال القوة أو
استعمالها، ودعم السلام والاستقرار والتقدم والرخاء في المنطقة. إن منتدى قائما
على هذه المبادئ لكفيل أن يتطور في النهاية إلى تعاون أمني غير عدواني أكثر رسمية
بين جميع الأطراف، بما يضمن ألا يبقى الخليج الفارسي مرادفا للاضطرابات العنيدة.
وستظل
إيران في الوقت نفسه على المسار الذي تنتهجه، مسار الحوار والاحترام المتبادل
والتفاهم. وفي هذا الصدد، قمت في مطلع أكتوبر بلقاءات ناجحة رفيعة المستوى في قطر
وعمان، تلتها قمة مع تركيا في طهران تناولت قضايا عظيمة الأهمية للسلام والاستقرار
في جوارنا. وينبغي أن يأمل الجميع أحر الأمل في أن يقوم مثل هذا التفاعل مع
جيراننا الآخرين.
عن مجلة ذي أطلنطيك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق