الجمعة، 2 نوفمبر 2012

قصتان لـ كينيث جانْجِمي








قصتان
كينيث جانْجِمي
كينيث جانْجِمي*
أن تتجاوز الثلاثين

بحذرٍ عبر نِك طريق فيفث آفينيو. نظر في كلا الاتجاهين تحسبا للشاحنات المسرعة، وسائقي التاكسي القادمين من العالم الثالث وقائدي الدراجات النارية في عكس الاتجاه. كان يريد أن يعيش حتى يصل إلى عيد ميلاده. ولكنه في الوقت نفسه سعيد بكونه في التاسعة والعشرين، السن الذي لعب فيه داستن هوفمن دوره في فيلم "الخِرِّيج". كم يود نِك لو يجمّد عمره فيبقى إلى الأبد في التاسعة والعشرين.
فكر نِك في الناس الذين لم يبلغوا الثلاثين قط. الشاعر والمسرحي الإنجليزي كريستوفر مارلو مات في التاسعة والعشرين، وكذلك كان عمر آن بولين عندما ذبحت. مات ستيفن كرين في الثامنة والعشرين بالسل، ووِلفرد أوِن  قتل في الحرب العالمية الأولى وهو في الخامسة والعشرين. روبرت بروك مات في السابعة والعشرين، وأوبري بيردسلي في السادسة والعشرين.  وكل من بيروجولوسي وجين هارلو ـ رمز الإثارة في الثلاثينيات ـ ماتا في السادسة والعشرين أيضا. قتل جيمس دين في الرابعة والعشرين وهو يقود سيارته الرياضية. وكان جيم موريسن في باريس، متخما بمزيج من المخدرات والكحول، حينما مات في السابعة والعشرين. جول لافورج، الشاعر الفرنسي العبقري، كان في العمر نفسه حيما مات بالسل.
كانت جيا كارانجي، الموديل الاستثنائية، تكسب عشرة آلاف دولار في اليوم من الظهور على أغلفة المجلات، حين زلت قدمها إلى الإدمان على الهروين، قبل أن تموت بالآيدز وهي في السادسة والعشرين. فكانت مثالا نموذجيا للشابة الجميلة التي تدمر نفسها بنفسها. فبعد أن ولدت لعائلة نبيلة من نيو إنجلند، ظهرت في بعض الأفلام السرية ثم بدأت تتسكع مع عصابات الدراجات النارية في كاليفورنيا.
فعلتها سيلفيا بلاث وتجاوزت الثلاثين، على استحياء. جيمي هِندريكس مات في السابعة والعشرين بعد تناوله حبوبا منومة أدت إلى موته مختنقا في قيئه. وكان من قبل الأثير لدى البلاستر كاسترز. قرأ نِك عنهم، وعرف أنهم زمرة من المراهقين من شيكاغو كانوا يصنعون تماثيل جبسية لنجوم الروك. ماتت جينيس جوبلن بعد ثلاثة أسابيع من موت جيمي هندريكس، وأيضا في السابعة والعشرين، نتيجة جرعة زائدة من الهروين. سمع نِك وصفا لها باعتبارها "خلطة من [الموسيقي الأفروأمريكي] ليدبيلي، والمحرك البخاري، و[المقاتلة] كالاميتي جين، و[مغنية البلوز] بيسي سمث، وبريمة النفط، وسمكة بوربون عفنة".
اثنتان من بنات مارك توين الثلاث ماتتا في العشرينيات. بَدِي هولي مات في الثالثة والعشرين في حادث طائرة. موسيقي الجاز بِكس بيدربيكي مات في الثامنة والعشرين نتيجة إدمان الكحول. وكانت حياته مادة لكتاب وفيلم "الشاب ذو البوق". كان هانك وليمز في التاسعة والعشرين عندما مات في المقعد الخلفي لسيارة نتيجة مزيج من المخدرات والكحول. كان نِك معجبا بثلاثة من الرجال المشاهير يحملون اسم وليمز. تيد وكان لاعب بيسبول عظيما، وهانك وكان من نجوم الموسيقى الريفية، وتينيسي وكان من أفضل كتاب المسرح في القرن العشرين. ليتهم كانوا إخوة!
كان بين بيرسي بيشه شيلي والثلاثين شهرٌ واحد حينما غرق وهو يبحر من ساحل توسكاني. وحُرق جثمانه على الشاطئ. كان جون كيتس في الخامسة والعشرين عندما مات بالسل. وقرأ نِك في ترجمة لحياته أن قصيدته "أنشودة للعندليب" المؤلفة من ثمانية مقطوعات كل منها يتكون من عشرة أبيات قد كتبت في جلسة صباحية واحدة. فقد قيل إن كيتس كان جالسا في حديقة. وقد أكد كاتب ترجمته ـ وهو بروفيسير في هارفرد ـ أنه "لا توجد قصيدة في اللغة الإنجليزية تضاهي هذه القصيدة طولا وجودة وكذلك سرعة في الكتابة".
قد تكون القصة حقيقية، ولكن نِك لم يصدقها. فليس من الوارد أن ينهي شاعر قصيدة مؤلفة من ثمانين بيتا في مثل ذلك الوقت القصير. صحيح أن آلن جينسبرج كان يكتب بمثل تلك السرعة، ولكنه كان يكتب شعرا حرا. أما كيتس فكان مقيدا بالقافية والتفعيلة. ولعل كل ما كتبه في ذلك الصباح لم يزد عن ملاحظاته المبدئية، ومعظم أبيات القصيدة، ثم وضعها في مسودة أولية. أما الانتهاء من قصيدته "أنشودة للعندليب" فمن المؤكد أنه استغرق وقتا أطول، ومراجعات وتنقيحات ومسودات عديدة. فكر نِك في أستاذ هارفرد. ما الذي يعرفه الأكاديميون بحق الجحيم عن العمل المتعلق بكتابة الشعر؟


حامل الفاكهة

نظر نِك إلى الحامل الزاخر بالفاكهة وفكر في إحدى أغنياته المحببة "نعم، ليس لدينا موز، ليس لدينا اليوم موز". وصلت أنواع من الفاكهة قبل موعدها هذا العام. بسبب ارتفاع درجة حرارة الأرض؟ هل سينتهي المطاف بالكوكب وفيه غابات قطبية؟ تفحص جودة العنب الأحمر الخالي من البذر وسعره، وكذلك الخوخ الجنوبي وكنتالوب كاليفورنيا. كان نمو الفاكهة أفضل من أية قصيدة. طالما كان نك يحلم بقضاء بضعة أيام في كرمة للعنب قبل نضج العنب، أن يسير في بستان خوخ قبيل قطف لخوخ، أن يقف وسط حقل شاسع أخضر في كاليفورنيا، والكنتالوب ناضج في كل اتجاه.
نظر إلى الملصقات الملونة على أطراف صناديق الفاكهة. كانت الملصقات عبارة عن صور لفواكه ذكية وأسماء مثل كالكسيكو وساليناس وموديستو وستوكتُن، وإنديو، وكواتشيلَّا وماديرا وفرينسو وفيزاليا وواطسُنفيل. لقد صدرت كتب توثق أفضل الملصقات باعتبارها فنا شعبيا أمريكيا. لاحظ أن هناك صندوقا من العنب واردا من مكان في كاليفورنيا اسمه "سورة الغضب". وبجواره امرأة جذابة تنتقي الموز والجريبفروت. بعد بضع ثوان تفتق ذهنه عن مدخل.
قال "كلما اشتريت الجريبفروت، تواجهني مشكلة السقط".
تساءلت وهي تنظر إليه "السقط؟"
"نعم، دائما ما يحدث سقط من الكيس لواحدة منها".
ابتسمت، ولكن نك لاحظ ما كانت المرأة تشتريه. غير رأيه بشأن مقابلتها، وترك حامل الفاكهة وواصل سيره. النساء اللاتي تشترين الموز والجريب فروت في منتصف يونيو، عندما يكون العنب والبطيخ والخوخ في عزها، هن نساء لم تُخلقن له. تساءل عن الخطأ الآخر الذي ارتكبته ثم قال "قال نيلسن آلجرن إياك وامرأة مشكلاتها أسوأ من مشكلاتك".


* كاتب أمريكي ولد في عام 1937 في نيويورك ودرس الهندسة ثم تركها وتفرغ لكتابة القصص والروايات. سئل في حوار معه: ما الخصائص المهمة في الرواية من وجهة نظرك؟ فقال "لم أكتب في حياتي رواية تقليدية، ولست مهتما بكتابة رواية تقليدية، ونادرا ما أقرأ الروايات التقليدية، ولذلك لا يمكنني أن أجيب سؤالك".

نشرت هاتان القصتان اليوم الجمعة 2 نوفمبر 2012 في ملحق مرايا الذي يصدر مع جريدة عمان


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق