الأحد، 3 مايو 2020

التوصل إلى اللقاح ليس إلا الخطوة الأولى


التوصل إلى اللقاح ليس إلا الخطوة الأولى
نجوزي أوكونجو إيويلا

بات واضحا الآن وضوحا كبيرا أن العالم لا يمكن أن يخرج من وضعه الراهن الخاص بحظر فيروس كورونا ما لم يعثر على لقاح. ولم يحدث من قبل أن اعتمد كل هذا العدد من الأنفس، واسباب العيش، والاقتصادات، كلَّ هذا الاعتماد على تدخل صحي واحد. لكن في الوقت الذي يسارع فيه العلماء إلى التوصل إلى لقاحات محتملة، لا بد أن يتذكر المجتمع الدولي أن الهدف النهائي لا يتمثل في مجرد إنتاج لقاح آمن فعال بل يتمثل في إنهاء الوباء. ولا يمكن أن يحدث هذا بعد إنتاج بليون من الجرعات وإتاحتها رخيصةً للجميع وبخاصة في الدول منخفضة الدخول.
وإن مسعى بهذا الحجم ليتطلب منظورا جديدا: إذ لا بد من اعتبار اللقاحات سلعا عامة عالمية. فلا ينبغي السماح للأجندات أو الأرباح المحلية بتوجيه جهود أوسع نشر للقاح في التاريخ. لا بد أن تعمل الحكومات وشركات الأدوية والمنظمات متعددة الجنسيات مجتمعة على التوصل إلى اللقاح وإنتاجه وتوزيعه. لأن إنتاج بلايين الجرعات من لقاح جديد وتوزيعها يمثلان تحديا حتى في أفضل الأوقات، أما في فترة وباء فإنها سوف تقتضي جهودا عالمية غير مسبوقة.
الحيلولة دون النقص
تأملوا فقط ما شهده العالم أخيرا من حالات نقص في معدات الحماية وأدوات التحليل. لا بد من جهد دولي منسق لتجنب نقص مماثل في اللقاح تفاديا لعدم تطعيم أعداد ضخمة من البشر. من سوء الحظ أن توزيع اللقاحات بالعدل كثيرا ما كان مشكلة في الماضي. فالطلب المتزايد على لقاح إتش بي في HPV  في الدول المتقدمة على سبيل المثال أعاق في الفترة الأخيرة وصوله إلى المراهقات اللاتي يحتجن إليه في الدول النامية. وفي أثناء وباء إنفلونزا الخنازير سنة 2009، تقدم عدد غير قليل من الدول بطلبات شراء للقاح قبل إتاحته، فاشترت فعليا أغلب المعروض العالمي تاركة القليل لبقية العالم.
يجب بالطبع أن يسعى العلماء إلى التوصل إلى أكثر من لقاح واحد. لكن حتى وجود العديد من اللقاحات الفعالة لن يضمن ألا يحدث التدافع إلى الشراء، فالمعروض في النهاية سوف يكون محدودا. وواجب كل حكومة أن تجعل الأولوية لمواطنيها، لكن هذا الواجب في أثناء الوباء يقتضي التفكير والعمل على نحو عالمي. ولو أعاقت اتفاقيات التصنيع أو قيود التصدير توزيع اللقاحات وسمحت للفيروس بالبقاء في أي مكان فلن يأمن مكان في العالم من تجدد العدوى.
من وسائل ضمان كفاية المعروض وعدالة التوزيع للقاحات أن يزال بعض الحواجز التي فرضتها حقوق الملكية الفكرية وقوانين انتقال التكنولوجيا وتشجيع المصنِّعين والمجموعات البحثية على العمل المشترك تحقيقا لهدف مشترك. وبتلك الطريقة حينما تظهر أولى اللقاحات الآمنة الفعالة، يمكن أن يبدأ العديد من المصنعين على الفور في إنتاجها بالتزامن. ولقد أبدت صناعة الأدوية بالفعل شيئا من النية للسماح بهذا: فقد  أعلن معهد سيروم في الهند أنه لن يحتفظ بحق الملكية الفكرية في لقاحه المحتمل لكوفيد 19 كما أقام عملاقا تصنيع الأدوية جي إس كيه وسانوفي شراكة غير مسبوقة للاشتراك في مواردهما، واتفق العديد من المصنعين على عدم التربح من لقاحات كوفيد 19. وهذا يبشر بالخير في ما يتعلق بمبادرة جديدة تعرف بمبادرة تسريع الوصول إلى أدوات كوفيد 19 (ACT)  التي أطلقها بعض زعماء العالم ومنظمة الصحة العالمية لتيسير التوصل إلى وسائل تشخيص كوفيد 19 وعلاجاته ولقاحاته وإنتاجها وتوزيعها العادل.
كما أن ضمان إمكانية التصنيع العاجل للقاح فور التوصل إليه يثير تحديات غير هينة. فأغلب لقاحات كوفيد 19 المحتملة يجري العمل عليها من خلال منظمات تفتقر إلى القدرات التصنيعية الضخمة. ولأن بين هذه المنظمات ما سيفشل حتما في التوصل إلى لقاح فاعل، فلا بد من وضع آليات لتقليل مخاطر الاستثمار في قدرات التصنيع والبحث. والقيام بذلك سوف يعني إمكانية الإنتاح السريع لأفضل اللقاحات بأحجام كبيرة وإتاحته لجميع من يحتاجون إليه بغض النظر عن المكان الذي يعيشون فيه.
نهج راديكالي جديد
قد يبدو هذا لكم مهمة صعبة، لكن ثمة سابقة فعلية هي: جافي Gavi، وهذه عبارة عن شراكة صحية عالمية مخصصة لزيادة الوصول إلى التحصينات، وإنني أعمل فيها رئيس مجلس إدارة، وقد أطلقت جافي برنامجها التجريبي للالتزام المسبق بالسوق في عام 2009. وقد ساعدت هذه الآلية التمويلية المبتكرة بالفعل في تسريع نشر  اللقاحات. وكان يمكن قبل وجودها أن ينقضي أكثر من عقد لتنخفض أسعار اللقاحات الجديدة ـ مثل لقاح المكورات الرئوية PCVـ انخفاضا يسمح للدول الفقيرة بشرائها. وجاء برنامج الالتزام المسبق بالسوق ليمثل عنصرا فارقا، إذ أتاح اللقاحات لتلك البلاد بتوفير دوافع للمصنعين من خلال إيجاد سوق حيث لم يكن ثمة سوق من قبل.وقد عمل البرنامج بناء على مبدأ الصناديق الملتزمة بضمان سعر اللقاحات، بمجرد ترخيصها فساعد من ثم على إزالة بعض المخاطرة المتعلقة بالاستثمار في زيادة التصنيع، بضمانه جوهريا وجود سوق لها في حالة التصنيع. استعملت جافي نهجا مماثلا في التعجيل بإنتاج لقاح إيبولا في الوقت المناسب لمنع أحدث وباء في جمهورية الكونغو الديمقراطية من الخروج عن السيطرة. وعلى الرغم من أن كوفيد 19 مرض شديد الاختلاف، فبإمكان آليات تمويل مماثلة أن تساعد في ضمان إتاحة اللقاحات على نحو متسارع. ولأن هذه الآليات سوف تنطوي على اتفاقيات ملزمة قانونيا للمصنعين، فإن من شأنها أن تساعد أيضا في منع التكالب على الشراء وتعزيز قدرة متساوية على الوصول إلى اللقاح.
يأتي من بعد ذلك تحدي توصيل اللقاح. وذلك أيضا لن يكون أمرا يسيرا. فحتى في ظل الظروف الطبيعية، بوسع مسائل النقل وسلاسل التوريد، والنظم الحاكمة، والقلاقل الأهلية، والصراعات والكوارث الطبيعية جميعا أن تقوض توصيل اللقاح. لكن في غمار أزمة عالمية، من المرجح أن تكون العقبات اللوجستية أشد إحباطا، وبخاصة في أفقر دول العالم.
لقد كانت الأنظمة الصحية في تلك البلاد ضعيفة بالفعل قبل فيروس كورونا.  وهي الآن تتعرض لضغط فادح، وليس هذا فقط بسبب الوباء. لقد زاد كوفيد 19 من خطورة تفشيات أمراض أخرى مميتة مثل الحصبة وشلل الأطفال والحمى الصفراء. وذلك لأنه على الرغم من أن منظمة الصحة العالمية توصي بالاستمرار في برامج التطعيم الروتينية قدر الإمكان في فترة الوباء، فقد أوصت كذلك بتعليق بعض حملات التطعيم من بعض الأمراض التي كانت تسد الفجوات التطعيمية، وذلك في بلاد كثيرة، بهدف تقليل مخاطرة انشار كوفيد 19 وللحفاظ على الموارد الصحية العامة النادرة.
وهذا أمر مثير للقلق إلى أقصى حد. فتعليق بعض برامج التطعيم الروتينية لا يمكن فقط أن يؤدي إلى وفيات غير حتمية لا حصر لها، بل بوسعه أيضا أن يعيق قدرة العالم على إنهاء وباء فيروس كورونا. فالتفشيات الكبرى ـ إما في فترة الحظر أو بعدها مباشرة ـ سوف تفرض حتما مزيدا من الضغوط على الأنظمة الصحية المحلية الضعيفة.
 لقد تسبب تعليق بعض حملات التطعيم ـ بسبب كورونا  ـ إلى عدم تطعيم ما لا يقل عن 13.5 مليون شخصا في الدول التي تدعمها جافي. وإنه لأمر ملح أن تستأنف الدول منخفضة ومتوسطة الدخول حملات التطعيم بأسرع ما يمكن وأن تحافظ على استمرار حملات التطعيم الروتينية خلال الوباء. لأن سلاسل التوريد العامة، ومعدات سلاسل التوريد المحكومة، والعمالة الصحية المدربة، وأنظمة البيانات، وجهود مراقبة الأمراض التي تتكون منها البرامج القائمة هي التي ستتكون منها في نهاية المطاف أعمدة شبكات التوصيل التي ستوفر لقاحات كوفيد 19 لمن يحتاجون إليها.
وتحقيقا لهذا الهدف، تعمل جافي مع بعض الدول لدعم أنظمتها الصحية وإبقاء برامجها التطعيمية الروتينية قائمة. وقد أتاحت بالفعل دفعة من 200 مليون دولار لحماية عمالة الرعاية الصحية بتوفير معدات الوقاية الشخصية، وإجراء الرقابة والتدريب الحيويين، وتمويل تحليلات التشخيص. لكن هذا المبلغ بسيط بالمقارنة مع بلايين الدولارات التي سوف تلزم للتوصل إلى اللقاح أو اللقاحات الكفيلة بإنهاء الوباء وتوصيلها. هذه لقاحات للإنسانية كلها. وذلك يعني أنه لن يلزم فقط أن تتاح للجميع بل إن الأمثل هو أن تُخْتَبَر وتصنَّع في شتى أرجاء العالم.
ليس من المرجح بعد أن يتم الترخيص للقاح فاعل، وليس هذا مرجحا خلال ما لا يقل عن اثني عشر شهرا. ولكن لا بد من توجيه بعض التركيز من سباق التوصل للقاح إلى الاستعداد لتوصيله (ويتضمن ذلك محاولة العثور على أدوية لحين توافر اللقاح). ولئن كانت التعددية والعولمة تتعرضان في السنوات الأخيرة للهجوم، فإن أزمة الوباء الحالية فرصة لدفع المجتمعات إلى التكيف والتطور من رأسمالية أصحاب الأسهم إلى رأسمالية أصحاب المصلحة، وحشد جميع الإسهامات حول هدف مشترك هو: عالم واحد، يحظى بالحماية. لأنه لا أمان لأحد ما لم يتوافر الأمان للجميع.
كاتبة المقال رئيس مجلس إجارة جافي، وتحالف اللقاح، ومبعوث منظمة الصحة العالمية الخاص للتعاون العالمي من أجل مقاومة كوفيد 19. وقد سبق لها العمل وزيرة للمالية في نيجيريا.



نشر المقال أصلا في فورين أفيرز في 30 ابريل 2020 ونشرت الترجمة في جريدة عمان اليوم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق