الأحد، 14 أكتوبر 2012

إذا أردت أن تكتب رواية فاعلم أن الناس زهقت



إذا أردت أن تكتب رواية فاعلم أن الناس زهقت

معتمدا على التشابه الصوتي بين النطق الياباني للرقم "تسعة" وبين حرف "كيوQ" الإنجليزي، يتلاعب هاروكي موراكمي  بعنوان روايته الصادرة باليابانية في عام 2009، جاعلا إياه على هذا النحو: "1Q84" أو هو "ألف كيو أربعة وثمانون" بدلا من "1984" أو "ألف وتسعمائة وأربعة وثمانون" وهو عنوان رواية جورج أورول الشهيرة. صدرت رواية موراكامي في ثلاثة أجزاء قوامها ألف صفحة، وبيع منها في أول شهر لصدورها مليون نسخة، ومؤخرا صدرت ترجمتها الإنجليزية، فكانت تلك مناسبة لأن تقوم الجارديان بإجراء هذا الحوار مع الكاتب الذي أراد له أبواه أن يحصل على وظيفة في مؤسسة ميتسوبيشي، لكنه آثر أن يدير حانة، قبل أن يتجه للكتابة.

حوار إيما بروكس


 تبلغ رواية هاروكي موراكامي الجديدة، "1Q84"، ألف صفحة موزعة على ثلاثة أجزاء انتهى منها الكاتب في ثلاث سنوات، غير أنه من الممكن في رحلة بالطائرة تمتد لإحدى عشرة ساعة من نيويورك إلى هونولولو أن تقرأ نصف هذه الرواية، وإن كان وقع هذا على موراكامي لا يبدو جيدا بأية حال، فسرعة القراءة قياسا إلى سرعة الكتابة غير مشجع بالمرة للكاتب. لكن إذا كان لشيء أن يحكم على قوة الرواية، فهو إمكانية قراءتها في مؤخرة الدرجة السياحية في رحلة جوية طويلة، تختفي أثناءها على مدار الساعات الإحدى عشرة في هذا العالم الموراكامي.
نجلس في الجناح الرئاسي بفندق "هيات وايكيكي" المطل على شاطئ مثالي محاط بالجبال. لا يزال موراكامي، البالغ من العمر ثلاثة وستين عاما، يبدو أشبه بمراهق يتزلج على الماء. يقضي وقته بين هاواي، واليابان، ومكان ثالث يطلق عليه "الـ هناك". و"الـ هناك" هو المكان الذي يختفي فيه كل صباح ليكتب رواياته، وهو مكان تعيش فيه شخصيات من نوعية الشخصيات التي وسمت عالم موراكامي وأسلوبه: غامضون، مصمتو الوجوه، أقوياء المشاعر لكنها مشاعر مكبوتة يحول دون خروجها انعزال غير متوقع من كاتب يبيع بالملايين، ولكن هذه هي الصيغة التي جعلته أشبه بأصحاب الأتباع وزعماء الجماعات السرية. قبل أن أسافر إلى هاواي اعترفت لي صديقة بأن جزءا من حماستها لموراكامي يرجع إلى رغبتها في أن تكون من نوعية الأشخاص الذين يحبون موراكامي.
يقول الكاتب أكثر من مرة في الحوار "أنا لا أنظر إلى نفسي باعتباري فنانا، أنا شخص عادي يجيد الكتابة، هه".
الهدوء الذي يتسم به موراكامي نابع من خلفيته كمدير ومالك لحانة جاز حينما كان في العشرينيات من عمره، وكذلك من اتّباعه الصارم لروتين حديدي. فبحسب ما يروي في سيرته الصادرة مؤخرا بعنوان "ما الذي أتكلم عه حينما أتكلم عن الجري"، يصحو موراكامي في الرابعة صباحا في أغلب الأيام، يكتب حتى الظهر، ثم يقضي بقية النهار في التمرين على سباق الماراثون وتفقد متاجر بيع التسجيلات القديمة، ثم يأوي هو وزوجته إلى الفراش في التاسعة مساء. هذا النظام، الذي تكاد تبلغ شهرته شهرة رواياته، فيه مسحة من التصحيح الصارم لما كان عليه شبابه من فوضى. وهو أيضا النظام الذي لا غنى عنه لمن يريد إنتاج 1000 صفحة معقدة في ثلاث سنوات.
المسألة بالنسبة لموراكامي ـ المتين متانة ثور صغير ـ مسألة قوة. "مسألة بدنية. فلو ظل أحد يكتب كل يوم طوال ثلاث سنوات، فينبغي له أن يكون قويا. طبعا ينبغي له أيضا أن يكون ذا قوة عقلية، ولكنه في المقام الأول ينبغي أن يكون قويا بدنيا. هذا أمر بالغ الأهمية. من الناحيتين البدنية والعقلية ينبغي للمرء أن يكون قويا".
عادة التكرار لديه، سواء هي أسلوبية، أم مجرد عرض جانبي للترجمات من اليابانية إلى الإنجليزية، تضفي على كل ما ينطق به سمت العمق. كتب عن الأهمية المجازية للجري قائلا إن إكمال أمر ما كل يوم هو بالنسبة لكتابته أشبه بمثال يحتذى. يقول "نعم" ثم يصدر صوتا تأمليا طويلا: "ممممممممم" يتبعه بقوله "أحتاج للقوة لأنني لا بد أن أفتح الباب". ويحاكي مكابدته من أجل فتح باب. "كل يوم أذهب إلى مكتبي فأجلس إلى منضدتي وأفتح الكمبيوتر. وفي تلك اللحظة يتحتم علي أن أفتح الباب، وهو ثقيل، وضخم. على المرء أن يذهب إلى الغرفة الأخرى. مجازيا بالطبع. وعليه من بعد أن يعود إلى هذه الغرفة، وعليه أن يغلق الباب، وإذن فالمرء فعلا بحاجة إلى قوة بدنية ليفتح الباب الموصد. فإذا فقدت هذه القوة، لن يكون بوسعي أن أكتب رواية، سيكون بوسعي أن أكتب قصصا قصيرة، أما الرواية فلا".
هل ثمة خوف ما تحاول بهذه التصرفات الصباحية أن تقهره؟
"إنه مجرد روتين". يقولها ويقهقه. "ملل يعني. روتين. لكن الروتين مهم للغاية".
لأن بالداخل فوضى؟
"إيييه. وأنا أدخل لا وعيي. أدخل إلى تلك الفوضى. ولكن فعل الدخول والخروج هو نفسه روتين. على المرء أن يكون عمليا. ولذلك فإنني أقول لنفسي كل مرة، إذا أردت أن تكتب رواية فعليك أن تكون عمليا، لأن الناس زهقت. توقعاتها صارت تخيب" يضحك من جديد. "كل مرة يتوقعون أن يقال شيء جميل، شيء فيه فن وإبداع وديناميكية. ما أريد أن أقوله هو أن على المرء أن يكون عمليا".
شخص يستيقظ مبكرا بهذه الدرجة قادر تقريبا أن يعيش حياتين. وهذه من مجازات موراكامي، أن تنشق حياة واحدة حياتين، إما نتيجة لتغير راديكالي في الظروف، أو نتيجة فجوة بين الحياتين الداخلية والخارجية لذات منقسمة. تبدأ روايته الجديدة بداية واقعية بدرجة لا بأس بها، حيث البطلة "أومامي" ـ أو "النحل الأخضر" باليابانية ـ حبيسة سيارة أجرة في طريق علوي سريع ومزدحم في طوكيو. تبدأ الرواية في عام 1984، في تحية واضحة لأورول، ولكي تجتنب "أومامي" التأخير، تترك السيارة، وتنزل على سلم من سلالم الصيانة لم يعد مستخدما، إلى المستوى الأرضي، فإذا بها تجد نفسها في عالم مواز، هو الذي تطلق عليه "أومامي" اسم "ألف كيو وأربعة وثمانون". وشأن إبداع موراكامي كله، تجمع الرواية بين سرد واقعي محكم، وسريالية مجنونة ـ فيها ساعات تطير وكلاب تنفجر وكيان اسمه "البشر الصغار" يظهر من فم تيس ميت ـ القصد منها هو شد انتباه القارئ بسرعة وحمله على التساؤل عما إذا كان الأمر كله هراء، والشك فيما إذا كان الكاتب نفسه جزءا من روايته.
في "1Q84" شخصية محرر في إحدى دور النشر التي تتعامل مع كاتب نجم. يقول المحرر للكاتب النجم "إن الناس يجدون أنفسهم في بحيرة من علامات الاستفهام الغامضة. والقراء عادة ما يرون في هذا الغياب للوضوح علامة على ’كسل الكاتب’".
فيقول له الكاتب "لو نجح كاتب في كتابة قصة مؤلفة بطريقة مثيرة على نحو استثنائي ومن ثم تحمل القارئ على المضي معها حتى النهاية، فمنذا الذي بوسعه أن يصف كاتبا كهذا بالكسل؟". هذا وقد بيع من "1Q84" مليون نسخة في الشهر الأول من صدورها في اليابان.
في خلفية موراكامي عناصر غامضة حتى عليه هو نفسه. فهو لا يعرف لماذا قرر أن يصبح كاتبا. بل لقد دهمه الأمر ذات يوم، على حين غرة، قادما من المجهول، وهو يشاهد مباراة بيسبول، ولم تكن له أية ميول سابقة في هذا الاتجاه. كان في أواخر العشرينيات يدير حانة للجاز يسميها "القط بيتر" على اسم قطه. كان ذلك في عام 1978، وكانت فترة تمرده توشك على الانتهاء. كان قد نشأ في ستينيات القرن الماضي، ابنا وحيدا لأستاذ جامعي وزوجته ربة البيت، وشأن جيله كله، رفض هاروكي الالتزام بالمسار الذي كان متوقعا له أن يسلكه. تزوج فور أن انتهى من دراسته الجامعية، ولم يسع إلى المزيد من الدراسات بل طلب نقودا ليفتح حانة الجاز ويشبع من خلالها ولعه بالموسيقى. وكان جميع أصحابه من حوله يتمردون بدورهم، فبعضهم انتحروا، وذلك شيء كثيرا ما يكتب عنه موراكامي، يقول "لقد رحلوا. كان عهدا تسيطر عليه الفوضى، ولم أزل مشتاقا إليهم. وأحيانا أشعر بغرابة شديدة لبلوغي الثالثة والستين. أشعر بنفسي كما لو كنت الناجي من كارثة ما. وكلما أفكر فيهم، أرى أنني يجب أن أعيش، يجب أن أعيش بمنتهى القوة، لأنني لا أريد أن أهدر سنوات من حياتي ... لا بد أن تكون هي الغرض الأكبر، الحياة. ولأنني نجوت، فإن على عاتقي التزامات يجب أن أوفيها. لذلك، في كل مرة أكتب فيها إبداعا، أجدني أفكر المرة بعد المرة في الراحلين، الأصحاب".
حينما يرجع موراكامي بصره إلى ماضيه، يرى كم كان وضعه قلقا مرتبكا. كان مثقلا بالديون، يقضي ساعات طوالا في العمل هو وزوجته في الحانة غير واثقين مما سيئول إليه مصيرهما في المستقبل. "في عام 1968، أو 69، كان يمكن أن يحدث أي شيء. كان أمرا مثيرا في غاية الإثارة، لكنه كان خطرا بالدرجة نفسها، فالرهان كان في غاية الضخامة، إن كسبت كسبت الكثير، وإن خسرت ضعت".
كانت الحانة رهانا، مقامرة؟
"بل الزواج. كنت في العشرين أو الحادية والعشرين. لم أكن أعرف شيئا عن الدنيا. كنت غبيا. بريئا. كانت مقامرة من نوع ما. مقامرة بحياتي. ولكنني نجوت، على أية حال".
زوجته، "يوكو تاكاهاشي" هي أولى قرائه. والرواية التي خرجت من وحي خياله وهو يشاهد مباراة البيسبول كان عنوانها "اسمعوا غناء الريح" وقد فازت بجائزة يابانية للكتاب المبتدئين. ظل لفترة يدير الحانة بجانب الكتابة وكان ذلك أمرا ضروريا لتطوره، يقول "كان لدي نادي الجاز فكان لدي من المال ما يكفيني. لذلك لم أكن مضطرا أن أعيش من الكتابة. وذلك مهم جدا". وحينما حققت روايته "غابة نرويجية" من المبيعات ثلاثة ملايين نسخة في اليابان، لم يعد موراكامي بحاجة إلى الاستمرار في إدارة الحانة، وإن كانت تخطر له في بعض الأحيان رؤية يرى فيها نفسه في عالم مواز لا يزال يعيش تلك الحياة. وهو ليس مقتنعا بأنه كان ليكون أقل سعادة.
"تسألين إن كان ينتابني إحساس بحيوات بديلة؟ أومممم. نعم. أشعر بها غريبة للغاية. وأحيانا أتساءل لماذا أنا روائي في هذه اللحظة. فليس هنالك سبب مهني محدد هو الذي جعل مني كاتبا. لقد حدث شيء ما، فأصبحت كاتبا. وأنا الآن كاتب ناجح. وحينما أذهب إلى الولايات المتحدة وأوربا، أجد ناسا كثيرة يعرفونني. كان أمرا غريبا للغاية. منذ بضع سنوات ذهبت إلى برشلونة، لحفل توقيع، فحضره ألف شخص. وقبلتني البنات. وكنت في غاية الاندهاش. ما الذي حصل لي؟"
يكتب بالحدس، دونما تخطيط. جاءته روايته الأخيرة بينما هو في إشارة مرور مزدحمة في طوكيو، قال لنفسه ماذا لو خرجت من هذا الزحام ونزلت من سلم الطوارئ، هل يتغير مسار حياتي؟ "تلك كانت نقطة الانطلاق. شعرت لحظتها أنه سوف يكون كتابا كبيرا، سيكون في غاية الطموح. ذلك ما كنت أعرفه. كنت قبل خمس سنوات أو ست سنوات من تلك اللحظة قد كتبت رواية "كافكا على الشاطئ"، وكنت أنتظر مجيء الكتاب الثاني، وجاء. وعرفت أنه سوف يكون كتابا ضخما. مجرد إحساس".
كيف لرواية تبلغ من الطول ما تبلغه "1Q84" أن تبدو في الوقت نفسه موجزة؟ ذلك جزء من ذكاء موراكامي، برغم أن ذلك قد يترك القارئ بإحساس غريب بعدم الشبع. أما الاصطناع في الرواية، فقد يلجأ إليه الكاتب ليكون تعليقا منه على طبيعة الاصطناع ذاته، ويكون ذلك بنبرة مثيرة للغيظ ولكن بصورة مبهرة. " لم يعد شيء يدهش تينجو منذ أن رأى قمرين في السماء وشرنقة هوائية تتجسد على سرير أبيه في المصحة".
ومثلما في رواياته السابقة، فإن بعض أدفأ المشاهد تتماس بالكاد مع الخط الحكائي الأساسي. ففي "الغابة النرويجية"، التي كتبها موراكامي بأقصى قدر ممكن له من التقليدية راجيا أن تحقق له نجاحا تجاريا، كان أدفأ المشاهد هو الذي بين البطل ووالد صديقته المحتصر. وفي "1Q84"، فإن أدفأ المشاهد هي التي بين "تينجو" ـ حبيب "أومامي" ـ وأبيه المحتضر الذي يصعب عليه أن يكن له مشاعر حب. يقول موراكامي أن أغلب شخصياته لم تعش طفولة سعيدة، وليس    ذلك من قبيل الصدفة. فعلى الرغم من أن فترة نشأته لم تشهد أحداثا دراماتيكية إلا أنه كان يشعر بأنه "منتهك على نحو ما. ذلك أن والديّ كانا يأملان أن يكون هذا الصبي شيئا معينا، ولكنني لم أكنه". يضحك. "كانا يتوقعان مني أن أحصل على درجات مرتفعة في المدرسة، ولم أكن أحصل عليها. لم أكن أحب أن أذاكر لأوقات طويلة، كنت أريد أن أفعل ما أريد أن أفعله وحسب. أنا شخص شديد الصلابة. كانا يتوقعان مني أن ألتحق بدراسة جيدة، ثم أعمل في ميتسوبيشي أو ما شابهها من الشركات، ولكنني لم أفعل ذلك. كنت أريد أن أستقل. ففتحت نادي الجاز وتزوجت وأنا طالب في الجامعة. وكانا غير راضيين عن ذلك كله".
كيف عبرا عن عدم رضاهما؟
"فقط شعرا بخيبة رجائهما فيّ. ومن الصعب على شاب صغير أن يحتمل شعورا كذلك. أعتقد أنهما شخصان لطيفان، ولكنني مع ذلك انجرحت، ولا أزال أتذكر ذلك الشعور. كنت أريد أن أكون ابنا جيدا، ولكنني لم أستطع أن أكون كذلك. أنا عن نفسي ليس لدي أبناء. وأحيانا أسأل نفسي ما الذي كان يمكن أن يحدث لو كان لي أبناء. لا أستطيع أن أتخيل ذلك. لم أكن طفلا سعيدا، ولا أعرف هل كنت سأكون أبا سعيدا. ليست لدي أدنى فكرة".
من أين إذن وجد الثقة ففعل ما أراد أن يفعل؟
"الثقة، في مراهقتي؟ لأنني كنت أعرف ماذا أحب. كنت أحب القراءة، كنت أحب الاستماع للموسيقى، وأحب القطط. تلك الأشياء الثلاثة. لذلك، وعلى الرغم من أنني كنت طفلا وحيدا بلا إخوة، إلا أنني كنت أستطيع أن أجد السعادة، لأنني كنت أعرف ما الذي أحبه. وتلك الأشياء الثلاثة لم تتبدل منذ طفولتي. لا زلت أعرف ما الذي أحب إلى الآن. تلك هي الثقة. فإذا لم يعرف المرء ما الذي يحبه فقد ضيع المرء نفسه".
تروج آراء موراكامي في اليابان في كل موضوع يتناوله، خاصة وهو المثقف الأشهر هناك. وهو على الرغم من عزوفه عن الظهور العام بسبب خجله وتواضعه، إلا أنه يشارك من خلال كتبه في النقاشات الوطنية، ودليل ذلك أنه في صبيحة تفجيرات محطات المترو سنة 1995 كتب سلسلة مقالات صحفية عنوانها "تحت الأرض". وهو يشعر أنه ملتزم بتمثيل بلده بوصفه روائيا يابانيا، ولذلك يوافق على حضور الفعاليات العامة خارج اليابان، وبو أنه يعزف عن مثيلاتها في اليابان. وبرغم أنه قام بترجمة كثير من الروايات إلى اليابانية ـ ومن بينها أعمال كاتبه المفضل ريموند كارفر ـ إلا أن الترجمة من اليابانية أمر شديد الصعوبة عليه حسب ما يقول. ولذلك فهو لم يعمد مطلقا إلى ترجمة أعماله بنفسه، فقط يتدخل مع مترجميه بكلمة هنا أو هناك.
كان موجودا في هونولولو في مطلع العام الحالي حينما ضرب الزلزال والفيضان بلده، يقول إن "اليابان تغيرت. فقد الناس ثقتهم. لقد كنا نعمل بمنتهى الجدية منذ نهاية الحرب، ولمدة ستين عاما، وكنا نزداد سعادة كلما ازددنا ثراء، ولكننا في النهاية وجدنا أننا لسنا سعداء، مهما بذلنا من جهد في العمل. ثم جاء الزلزال، وتحتم نقل كثير جدا من الناس من أماكنهم، بات لزاما عليهم أن يهجروا بيوتهم وأحياءهم. إنها مأساة. وكنا فخورين بالتكنولوجيا التي أبدعناها، ولكن قوتنا النووية كشفت عن وجهها الحقيقي الكابوسي، لذلك بدأ الناس يفكرون في أن علينا أن نغير تغييرا جذريا من طريقتنا في الحياة. أعتقد أنها نقطة تحول كبرى في اليابان".
يشبِّه الزلزال بأحداث 11/9 التي يرى أنها غيرت مسار التاريخ. وهو من وجهة نظر روائي "حدث إعجازي"، يصعب أن يكون حقيقيا. حينما أرى التسجيلات التليفزيونية للطائرتين إذ تقتحمان المبنيين يبدو لي أن معجزة تجري وقائعها أمام عيني. ليس لائقا من وجهة النظر السياسية القول بأنه حدث جميل، ولكنني ينبغي أن أعترف بأنني أرى فيه جمالا. هو حدث رهيب، حدث مأساوي، ولكنه جميل مع ذلك. مثالي أكثر مما ينبغي. لا زلت لا أصدق أنه حدث فعلا. أحيانا أقول لنفسي إنه لولا أن حطمت الطائرتان المبنيين لكان العالم اليوم مختلفا تماما عما هو عليه".
يقول موراكامي إن التغير الذي يجري لليابانيين هو جزئيا بمثابة الحساب الذي يكون عقب فقدان الكثير والاضطرار إلى ترتيب الأولويات. ويقول إن أولوياته هو في غاية البساطة، فهو على سبيل المثال لا يعرف كم لديه بالضبط من المال "عارفة، أجمل ما في الثراء هو أن المرء لا يعود مضطرا إلى التفكير في المال، فأجمل ما يشتريه المال هو الحرية، والوقت. أنا لا أعرف كم أجني سنويا من المال. لا أعرف. لا أعرف كم أدفع للضرائب. ولا أريد أن أفكر في الضرائب".
يسكت لفترة طويلة.
"ذلك شقاء. يهتم به محاسب وتهتم به زوجتي. وهما لا يعرِّفاني بأي شيء. أنا أعمل وحسب".
لا بد أن يكون واثقا في زوجته!
"نحن متزوجان منذ أربعين عاما أو نحو ذلك. وهي لا تزال صاحبتي. وهناك حوار بيننا، دائما هناك حوار. تساعدني كثيرا، وتنصحني في كتابتي، وأنا من جهتي أحترم رأيها. وأحيانا نتشاجر، فرأيها في بعض الأحيان يكون في غاية الفظاظة. نعم يكون كذلك في بعض الأحيان".
لعله يحتاج إلى ذلك.
"أظن ذلك. لو كان المحرر يتعامل معي بهذه الطريقة لأصابني الجنون". يهز كتفيه "ولكني أستطيع أن أترك محرري، أما زوجتي فلا أستطيع أن أتركها".
مات أبوه منذ سنتين، ولا تزال أمه حية. يتمنى لو كانا فرحا بنجاحه كروائي، ولكنه لا يزال متشككا. وإن كان لديه ما يعزيه، فهو عضو في ناد للجري في هاواي، وهو حاليا أكبر الأعضاء سنا. وهو يجري، مثلما يكتب، كل يوم. الدأب هو السر. "أحب أن أقرأ الكتب، أحب أن أستمع للموسيقى. أجمع التسجيلات. والقطط. ليست لدي قطط في الوقت الراهن.  ولكنني حينما أرى قطة وأنا ماش في الطريق، أكون سعيدا".



نشر هذه الترجمة ورقيا لا أذكر أين أو متى بالضبط
 

هناك 3 تعليقات:

  1. ممتع جداً استاذ أحمد , دمت بكل الخير

    ردحذف
  2. حوار ممتع بالتوفيق يا استاذ أحمد

    محمود

    ردحذف