الأحد، 13 ديسمبر 2009

كيف تكتب رواية عظيمة


كيف تكتب رواية عظيمة
إعداد: ألكسندر أولتر
نيكولاس بيكر
في أغلب الأيام يستيقظ نيكولاس بيكر في الرابعة صباحا، ليكتب في بيته في برويك الجنوبية بولاية مين. يترك النور مطفأ، ويجعل صفحة الكمبيوتر سوداء، والكتابة بالرمادي؛ فلا تكسر الشاشة عتمة المكان. وبعد ساعتين من الكتابة في هذه الحالة التي يصفها بالحلمية، يعود إلى الفراش، ثم ينهض في الثامنة والنصف ليقوم بتحرير ما سبق وكتب.
كتب روايته الأولى "الطابق المسروق" أو The Mezzanine عبر إملائها على كمبيوتر مزود ببرنامج للتعرف على الصوت. أما روايته الأخيرة "المحرر" The Anthologist فهي رواية مروية بضمير المتكلم، والمتكلم فيها شاعر محبط يكافح كي يكتب مقدمة مختارات شعرية جديدة. أطلق لحيته تشبها ببطل روايته، وارتدى قبعة لينة بنية، وثبت كاميرا فيديو على حامل ليصور نفسه وهو يلقي محاضرات في الشعر. ومن بعد قام بتفريغ أربعين ساعة من التسجيلات، فصار بين يديه قرابة ألف صفحة من الملاحظات والتفريغات. قال بيكر إن خلق صوت البروفيسير المحبط كان "أمرا تحتم عليَّ أن أعمل عليه كثيرا حتى أصل إلى إحساس الضياع".
وبرغم ذلك، رأى بيكر المسودة الأولى منظمة أكثر مما ينبغي. فقسَّم الرواية إلى مقاطع مرقومة، ثم ذهب إلى أحد مواقع الإنترنت المتخصصة في الترقيم العشوائي، ورتب المقاطع بناء على أحد أنظمة الترتيب العشوائي التي أمده بها الموقع. وإذا بالرواية فوضى شاملة. فكان عليه أن يعود إلى النظام الأصلي، برغم أن بعض التوزيعات العشوائية بدت نافعة. "كان علي أن أدفع نفسي دفعا إلى الترتيب القديم".
أورهان باموق
غالبا ما يقوم الروائي التركي الحائز على نوبل في الأدب أورهان باموق بإعادة كتابة السطر الأول في روياته من خمسين إلى مائة مرة. "أصعب شيء دائما هو الجملة الأولى ـ هي المؤلمة"، هكذا يقول باموق الذي صدرت له مؤخرا باللغة الإنجليزية رواية "متحف البراءة" ـ وهي قصة حب تدور في اسطنبول في السبعينيات من القرن الماضي.
يكتب باموق بالقلم، على كراسات رسم، يكتب في صفحة، ويترك المقابلة لها فارغة للتعديلات، ويدرج ما يشبه البالونات الحوارية المعهودة في القصص المصورة. ثم يرسل كراساته إلى طباع يعيدها إليه مخطوطات مطبوعة، فيدخل عليها تعديلاته، ثم يعيدها إلى الطباع، وتستمر هذه العملية من ثلاث مرات إلى أربع.
يقول باموق إنه يكتب في أي مكان يأتيه فيه الإلهام، في الطائرات، في غرف الفنادق، على أرائك الحدائق. ومع ذلك، فهو لا يستسلم لاندفاعات العفوية حينما يتعلق الأمر بحبكة قصة أو ببنيتها. يقول باموق "إنني أخطط لكل شيء".
هيلاري مانتل
تحب الروائية البريطانية هيلاري مانتل أن يكون أول ما تفعله في صباح كل يوم هو الكتابة، قبل أن تنطق بكلمة، أو تأخذ رشفة من فنجان قهوة. بسرعة تدون أفكارا وملاحظات مستقاة من أحلامها. "وأنزعج جدا إذا لم أفعل هذا".
هي مهووسة بتدوين الملاحظات ودائما معها دفتر مخصص لهذا الأمر. العبارات الغريبة، شذرات الحوارات، والأوصاف التي ترد على خاطرها، جميعا تنتهي مدونة على لوحة معلقة في مطبخها، وتبقى هنالك إلى أن تجد لها مانتل مكانا في رواية لها.
قضت هيلاري مانتل خمسة شهور في البحث وفي الكتابة قبل أن يثمر ذلك عن روايتها الفائزة بالبوكر "قاعة الذئب"، وهي دراما تيودرية تدور أحداثها في بلاط هنري الثامن والتي تصدر طبعة منها هذا الشهر في الولايات المتحدة. كان التحدي الأكبر أمامها هو أن تأتي روايتها مطابقة للتاريخ. فكان أن أعدت كتالوج بالشخصيات مرتبة إياها ترتيبا ألفبائيا. كل شخصية تحتل بطاقة توضح في أي الأماكن بالضبط كانت تتواجد في تواريخ بعينها.
تقول "هناك حاجة حقيقية إلى معرفة مكان تواجد دوق سفولك في لحظة معينة. فلا يمكنك أن تقول إنه كان في لندن بينما تاريخيا هو كان في مكان آخر".
في أحد الأيام، كانت مانتل تمر بحالة من الاهتياج لعجزها عن إدراج كل ما تريد قوله في الرواية. فأخذت حماما، وتلك وسيلتها المعتادة لتصفية تفكيرها، وإذا بها تندفع من الحمام قائلة "إنهما كتابان يا هيلاري". وهي الآن تعمل على رواية تالية تنتهي أحداثها بقطع رأس كورنول عام 1540.
كازو إيشيجيرو
منذ أن كان مراهقا وحتى أصبح في منتصف العشرينيات والروائي كازو إيشيجيرو يحاول دون أن يصادفه النجاح أن يجعل من نفسه كاتب أغنيات. وكان ذلك السعي المبكر هو الذي ساعده على تكوين أسلوبه السردي الموجز المعتمد على ضمير المتكلم حيث يبدو الراوي على معرفة بأكثر ما يقوله أو تقوله.
إيشيجيرو ـ صاحب الروايات الست ومن بينها "بقايا النهار" الحائزة على جائزة بوكر ـ "يقضي سنتين في البحث من أجل كتابة رواية، ثم يكتبها في سنة. ولأن رواياته تروى بضمير المتكلم، فإن النبرة تكون عاملا في غاية الأهمية، ولذلك فهو "يقيم رواته صوتيا" عن طريق كتابة بضع فصول من وجهات نظر بضع شخصيات. وقبل أن يبدأ في تسويد المسودة الأولى، يعد ملفات من الملاحظات والخرائط التي لا تكتفي بعرض الحبكة الأساسية بل وملامح السرد الدقيقة، وعواطف الشخصية وذكرياتها.
الهوس بالتجهيز "يمنحني فرصة لجعل شخصياتي تخفي معنى وتداري آخر حينما تقول شيئا وهي تعني شيئا آخر".
يجمع إيشيجيرو ملاحظاته ويكتب مسودة أولى بالقلم الرصاص. ويراجعها بالقلم الرصاص، ثم يطبع النسخة المنقحة على الكمبيوتر، وفي هذه النسخة الرقمية ينقح مرة أخرى، وفي هذه المرة قد يحذف كتلا ضخمة ربما تصل إلى مائة صفحة.
وبرغم كل العمل الأولي هذا، فإن بعض الروايات تتأبى على الاكتمال، ومن ذلك رواية تدور أحداثها في بريطانيا العصور الوسطى. "عرضت على زوجتي جزءا منها نقحته بعناية فقالت لي: إنه بشع. عليك أن تتبين اللغة التي يتكلمون بها مع بعضهم البعض, إنهم يتكلمون لغة بلهاء".
مايكل أونداتجي
يفضل الروائي الحائز على جائزة بوكر مايكل أونداتجي الدفاتر المسطرة التي تنتجها شركة موجي. وفيها، وبخط اليد، يكمل المسودات الثلاث أوالأربع الأوليات، وفي بعض الأحيان يقوم ـ حرفيا ـ بالقص واللصق، حيث يستخدم المقص والمواد اللاصقة في نقل بعض الفقرات أو الفصول من مواضعها. حتى أنك تجد في بعض دفاتره صفحات مكونة من أربع طبقات.
تتوارد الكلمات في سلاسة على الكاتب، ويبقى القدر الأكبر من العمل متمثلا في ترتيب الجمل وإعادة كتابتها. "أنا شخصيا لا أفهم ما يسمونه بالنضوب". هكذا يقول أونداتجي الذي يعمل حاليا على رواية جديدة. "فلو حدث ووقفت، أعمل على مشهد آخر".
بدأ أونداتجي شاعرا، ويقول إن الحبكات تأتيه على هيأة "ومضة موقف صغير". روايته الصادرة عام 1992 بعنوان "المريض الإنجليزي" بدأت من رؤية صورتين: إحداهما لمريض راقد في فراشه يكلم الممرضة، والثانية للص يسرق صورة له.
وأحيانا يمر بمرحلة "فوضوية"، فيحذف شخصيات أو يعيد ترتيب مشاهد. "بعض الكتاب يكونون على علم بما ستكون عليه آخر جملة قبل أن يشرعوا في الكتابة، أما أنا فلا أعرف أبدا كيف ستكون الجملة التالية".
ريتشارد باورز
ريتشارد باورز، روائي غالبا ما تنطلق رواياته من أفكار، وتأتي محكمة الحبكات ومكتظة بالعلوم السرية. ريتشارد باورز كتب رواياته الثلاثة الأخيرة في فراشه، ممليا إياها على كمبيوتر فيه برنامج للتعرف على الصوت.
لكي يكتب أحدث روايته "كرم" التي تدور حول البحث عن جين السعادة، عمل بهذه الطريقة لمدة تتراوح ما بين ثمان ساعات وتسع كل يوم. ثم استخدم قلما إلكترونيا للمراجعة والتحرير بملامسة الشاشة، معيدا صياغة بعض الجمل، ومحددا بعض الكلمات.
"ذلك يعيد لي الحكي من خلال الصوت ويعيد لي كذلك استخدام اليد واللمس". ويضيف باورز قائلا "إنني أحب استخدام أجزاء مخي المختلفة".
دان تشاون
يكتب دان تشاون المسودة الأولى على بطاقة ملونة يشتريها من أوفيس ماكس. ويقول إن أفكار كتبه تأتيه على هيأة صور وعبارات، لا على هيأة حبكات أو شخصيات أو مشاهد. يبدأ بتدوين سريع لهذه الصور، دون أن تكون في ذهنه قصة تنتظم فيها. ويظل يقلب الصور في رأسه المرة بعد الأخرى إلى أن تظهر الشخصيات والثيمات.
بدأت أحدث رواياته ـ وعنوانها "في انتظار ردك" وتتناول ثلاث حكايات متداخلة عن انتحال الهوية ـ بصور مبعثرة لمنارة في برية، وسيارة منطلقة باتجاه القطب الشمالي تحت شمس ليلة، وصبي وأبوه في سيارة إلى مستشفى بينما يد الصبي مكسورة ومحاطة بالثلج. وصف دان تشاون كلا من هذه المشاهد في بطاقة منفصلة، ثم بدأ يكسوها بالحبكة، متنقلا بين البطاقات الملونة بالأزرق والوردي والأخضر وهو يتنقل بين القصص الثلاث.
خلال المراحل الأولى للكتابة، يملأ جيبه بالبطاقات أينما كان، وفيما تتراكم البطاقات يرتبها في كتالوج اشتراه من مزاد أقامته إحدى المكتبات. وينقضي في الغالب نحو سنتين قبل أن يتكون شيء شبيه برواية. وأخيرا يكتب البطاقات على الكمبيوتر ويظل يكتب باهتياج من الحادية عشرة مساء وحتى الرابعة صباحا.
"كنت أحسب أن معدلي ككاتب قصة قصيرة هو قصة مكتملة من كل عشرين قصة"، هكذا يقول دان تشاون، مضيفا أن معدله في الإنجاز تحسن مع اكتاسبه للخبرة. ويقول إن "لدي على الأقل روايتين أظنهما ميتتين، وقد تصبح ثلاثة لو توقفت الرواية التي أعمل عليها الآن قبل أن تكتمل".
كيت كريستنسن
كانت كيت كريستنسن قد قضت سنتين وكتبت مائة وخمسين صفحة من روايتها "في العتمة" ـ عن سكير يعمل كاتبا من الباطن ـ قبل أن تكتشف أن الرواية في حقيقتها كانت عن شيء مختلف تماما، فما كان منها إلا أن فككت المسودة الأولى، ورمت قدرا كبيرا من صفحاتها وبدأت من جديد. وتكرر الأمر نفسه في روايتها الثانية، والثالثة، والرابعة. أما روايتها في 2009 بعنوان "مشكلة" ـ وفيها قصة لامرأتين شبيهة بمغامرة فرار ثيلما ولويز إلى المكسيك ـ فتوقفت بعد بدايتها مباشرة. تقول كيت كريستنسن ـ التي تعمل في بيتها بـ تريبيكا ـ إن أغلب وقت الكتابة لديها هو وقت عدم الكتابة. في صباح معظم الأيام، تكون مشغولة في الأعمال المنزلية وكتابة الرسائل الإكترونية وإجراء المكالمات في محاولة لتجنب الكتابة. في الماضي كانت تلعب سوليتير ثلاثين مرة قبل أن تكتب الجملة الأولى.
في الشهر الماضي، بدأت تكتب رواية جديدة بعنوان "النجم" عن شاعر في السابعة والخمسين من عمره تطرده زوجته ويحاول استرداد ابنه من براثن جماعة تستولي على عقله. تقول كيت كريستنسن "إن الأمور في البداية ـ وأنا الآن في البداية ـ تكون مرعبة، حيث لا تكون للرواية حياتها الخاصة". الرعب إذن هو ما تشعر به الحاصلة في العام الماضي على جائزة بن فوكنر.
مارجريت آتوود
ضع يدك اليسرى على المنضدة، وضع يدك اليمنى في الهواء. ولو بقيت طويلا على هذا الوضع، ستأتيك الحبكة. ذلك كان رد مارجريت آتوود حينما سئلت من أين تأتيها الأفكار. وحين سئلت عما إذا كانت لجأت شخصيا إلى هذا التكنيك قالت إنها "لم تضطر إلى هذا".
نادرا ما تعاني آتوود من النضوب. لقد كتبت حتى الآن ثلاث عشرة رواية، بجانب الشعر والقصص القصيرة والأعمال غير القصصية. حين تخطر لها فكرة، تدونها بسرعة على دفتر، أو فوطة مائدة، أو قائمة طعام في مطعم، أو في هامش صفحة من جريدة. تبدأ بفكرة عامة جدا عن الكيفية التي ستسير عليها الرواية، و"عادة يتضح أنها فكرة خاطئة". تراوح ما بين الكتابة بالقلم والكتابة بالكمبيوتر. وحينما يبدأ قوس سردي في التشكل، تطبع الفصول وترتبها كومات على الأرض، وتلعب في ترتيبها من خلال تحريك الكومات على الأرض.
حدث لها مرتين أن تخلت عن كتابين بعد كتابة أكثر من مائتي صفحة في كل منهما، مرة في أواخر الستينيات، وأخرى في مطلع الثمانينيات. لم تستطع أن تستخلص من أحد الكتابين غير جملة واحدة، ومن الآخر استطاعت أن تستخلص قصتين قصيرتين إحداهما بعنوان "سرعة الدوامة".
على مدار عمرها الإبداعي البالغ أربعين عاما، انتقلت مارجريت آتوود من القص واللصق باستخدام المقص، إلى التعامل مع العصر الإلكتروني. بل إنها مؤخرا استخدمت المدونات والتويتر لترويج روايتها الأخيرة "سنة الفيضان".
إدودج دانتيكات
قبل أن تشرع في رواية، تقوم إدودج دانتيكات بتجهيز كولاج وتعلقه على لوحة في مكتبها، تضع فيها صورا تلتقطها أثناء رحلاتها إلى بلدها الأصلي هاييتي وصورا تقصها من مجلات متنوعة الاهتمامات. تقول إدودج دانتيكات ـ التي تعمل من بيتها في ميامي ـ إنها تعلمت هذه الطريقة من لوحة القصة التي يستخدمها مخرجو السينما لرسم خريطة المشاهد. "أحب هذه الطريقة اليدوية. صحيح أنها غير مسايرة للموضة. ولكنني أحب الأشياء غير المسايرة للموضة".
أحيانا يكبر الكولاج إلى أن يجور على أربع لوحات كاملة، وكلما ازدادت الحبكة وضوحا، كلما امتدت يدها إلى الصور بالحذف إلى أن يتقلص الكولاج في لوحة واحدة.
يوجد الآن لدى إدودج دانتيكات لوحتان مليئتان بالصور لمدينة ساحلية في هاييتي حيث تدور روايتها الجديدة التي تجري أحداثها في قرية مستلهمة من القرية التي نشأت فيها أمها.
تكتب إدودج دانتيكات المسودات الأولى في دفاتر امتحانات زرقاء رديئة تشتريها إلكترونيا من أحد المتاجر. وهي تستخدم مائة دفتر في العادة لكتابة المسودة. تقول "إن الشركة التي أشتري منها تحسبني قطعا طالبة في الثانوي". بعد المسودة الأولى تنقل الرواية إلى الكمبيوتر وتبدأ المراجعة والحذف.
ثم تسجل شريطا لنفسها وهي تقرأ الرواية كاملة ـ وهي حيلة تعلمتها من وولتر موزلي ـ لتغير الفقرات التي تتلعثم في قراءتها.
جونو دياز
"أعتقد أن تسعين في المائة من أفكاري تتبدد بسبب بشاعة ذاكرتي وبسبب أنني فيما يبدو مصر على عدم تدوين شيء. إذ بمجرد أن أكتب شيئا، حتى يرفضه عقلي تماما".
غير أن إعمال عقله في كل شيء لا يخلو من خسائر، أبسطها أنه يكتب ببطء بالغ. يقول جونو دياز إنه رمى نسختين أوليين من روايته "حياة أوسكار واو القصيرة الرائعة" ـ تعادلان نحو ستمائة صفحة ـ قبل أن يتشكل بين يديه ما يشبه النسخة النهائية. كما أنه مهووس بالبحث. فحينما كان يكتب "أوسكار واو" قرأ ثلاثية "ملك الخواتم" لتولكن أكثر من عشر مرات ليدخل إلى ذهن بطله وهو مراهق من الدومينيكان مهووس بالفنتازيا والخيال العلمي.
غالبا ما يستمع إلى الموسيقى التصويرية لبعض الأفلام أثناء الكتابة، إذ أن كلمات الأغاني تشتت تركيزه. وحين يحتاج إلى عزل نفسه عن العالم، فإنه يذهب إلى الحمام ويجلس على حافة حوض الاستحمام. "وكان ذلك يصيب مطلقتي بالجنون. ولكنها دائما ما كانت تعرف أنني موشك على الكتابة كلما سحبت دفترا ودخلت إلى الحمام".
أميتاف جوش
انتهت الرواية الأولى لـ أميتاف جوش بالفشل. كان في منتصف العشرينيات، يجري أبحاثا في التنمية الزراعية في أحد مراكز البحوث بكرلا في الهند. ظل يعمل على المسودة الأولى لمدة عام. ولكنها "كانت بشعة فكان علي أن أرميها. ومنذ ذلك الحين كتب ست روايات منها "بحر الأفيون" و"القصر الزجاجي" ولكن الأمر لم يزل مرهقا.
"ولا يسهل مطلقا، بل هو صعب دائما، هو اختبار دائم". ويضيف أميتاف جوش ـ الذي يقضي وقته بين جوا بالهند وبروكلن بالولايات المتحدة ـ "إنني وصلت في لحظة من حياتي إلى عدم الثقة بأي جملة يبدو أنها أتت بسهولة".
يكتب أميتاف جوش باليد، ثم يطبع المخطوطات على كمبيوتره المحمول. وكل صباح يراجع ما كتبه في اليوم السابق, وكل جملة في أي كتاب له مرت ـ حسب ما يقول ـ بعشرين مراجعة.
يقول أميتاف جوش ـ الذي يعمل حاليا على الجزء الثاني من الثلاثية التي بدأها ببحر الأفيون ـ إنه حريص على اختيار كل شيء ابتداء من القلم الذي يكتب به وحتى نوع الورق الذي يكتب عليه. فيصر على الكتابة بأقلام بيليكان ذات الحبر الأسود، وعلى أن تكون من أفضل الأنواع، ويشتري ورقا أبيض مسطرا من مصنع فرنسي. يقول "إن من يعمل كثيرا على الورق، يستولي عليه التفكير حتى في المسافات بين السطور، وأنا أفضل المسافات الواسعة بين السطور".
راسل بانكس
يعيش الروائي راسل بانكس في شمالي نيويورك، ويكتب المقالات والقراءات النقدية مباشرة على الكبميوتر لكنه يجد نفسه فارغا كلما حاول أن يكتب الرواية عليه مباشرة. يكتب بيده إذن، المسودات الأولى، من الثامنة صباحا وحتى الواحدة والنصف ظهرا في غرفة استوديو صغير خصصه للكتابة، وكان من قبل يستخدم كمعصرة لاستخلاص شراب القيقب. يقع هذا الاستوديو الخشبي الصغير على بعد ألف ياردة من منزله.
تبدأ رواياته في بعض الأحيان من جملة أو عبارة. ومع تقدم القصة، يكتب على الكمبيوتر بضع ورقات يلخص فيها الحبكة في خطوط عريضة، ويكتب ورقة أقل حجما يفصل فيها ما سيحدث في العشر صفحات أو العشرين صفحة التالية "وذلك هو الذي يمنعني من الوقوع من حالق".
ينقل مخطوطاته إلى الكمبيوتر بمجرد أن تكتمل لديه مسودة، ويبدأ سلسلة لا تنهي من المراجعات. وهو الآن في غمار كتابة رواية جديدة تجري أحداثها في ميامي.
كولم مكان
حين يكون في منتصف رواية، يقوم كولم مكان أحيانا بطبع فصل أو اثنين بخط كبير الحجم، ويقوم بتدبيسه على هيأة كتاب، ويمضي به إلى حديقة سنترال بارك، وهناك يبحث لنفسه عن أريكة هادئة ويقرأ كأنما الكتاب لشخص غيره.
في أحيان أخرى، وحينما يقوم بمراجعة حوار أو النظر في صوت إحدى الشخصيات، يعمد إلى تصغير حجم الخط المستخدم، "وذلك يرغمني على تأمل كل كلمة لأفهم سر وجودها". ويقول كولم مكان ـ في رسالة إلكترونية ـ إن تغيير الشكل الفيزيائي للكلمة بعطيه مسافة نقدية.
في أثناء قيامه بالبحث قبل كتابته روايته "فليدر العالم العظيم حول نفسه" ـ والتي نافست على الفوز بالجائزة الوطنية للرواية ـ كان عليه أن يقابل قتلة وضباطا وينصت إلى عاهرات وحملة تاريخ شفوي عساه يقبض على روح نيويورك السبعينيات التي تتناولها روايته.
غالبا ما تأتي أصعب لحظة في نهاية المشروع، حين يكون قد استنفد نفسه عاطفيا، وبات يخشى أنه لن يكتب رواية أخرى. وفي تلك اللحظات يذكر نفسه بنصيحة صمويل بيكيت "ليس مهما. جرب ثانية. افشل ثانية. افشل ثانية".
آن رايس
حين كانت تعمل على روايها الأولى "حوار مع مصاص الدماء"، في مطلع السبعينيات، كانت آن رايس تنقح كل فقرة تكتبها على آلتها الكاتبة قبل أن تنتقل إلى التالية لها. أما في هذه الأيام، وقد انتقلت إلى العمل على الكمبيوتر، فقد أصبحت المراجعة فورية وأكثر سلاسة. تكتب فصلا كل يوم، لتكون على ثقة من وحدة النبرة والأسلوب، وهي في الغالب تعمل لثماني أو تسع ساعات متواصلة حين تكون مشغولة بكتابة رواية. وهي تقضي في بعض الأحيان من عام إلى اثنين في البحث قبل أن تبدأ في كتابة المسودة الأولى.
تكتب بحجم خط 14، وتجعل المسافات بين السطور مضاعفة، وتستخدم ماكنتوش حجم شاشته ثلاثون بوصة، بحيث يكون مجالها البصري كله ممتلئا بالكلمات. تقول رايس المشغولة حاليا في كتابة الرواية الثالثة من ثلاثيتها عن الملائكة: "كلما كبر حجم الشاشة كلما ازداد التركيز".
تقوم باستمرار بتحرير ما تكتبه، مرجئة بعض التغييرات الطفيفة للمرحلة النهائية. "وحتى حينما تنتهي من ذلك كله، تجد من يأتي بعدك، ليجد خطأ مطبعيا فيتهمك بالسذاجة".
جون راي
لكي يكتب روايته الثالثة، التي تدور أحداثها في أنفاق المترو بمدينة نيويورك، استقل الروائي جون راي المقيم في بروكلن قطارات الأنفاق متنقلا في جميع أرجاء المدينة وهو ينقر على كمبيوتره المحمول مسودة الرواية الأولى. كان غالبا ما يجلس في ركن على مقربة من عربة السائق، واضعا السماعات على أذنيه. وظل يعمل بتلك الوتيرة لمدة ست ساعات يوميا وعلى مدار قرابة عام.
في البداية لم تكن كتابته في القطار تهدف إلى أغراض بحثية، بل لكي يعزل نفسه عن كل ما يمكن أن يشتت انتباهه، مثل البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية. ثم بدأ الناس والحوارات التي تجري في القطار تتسلل إلى كتابه، الذي تناول فيه حياة مراهق مصاب بالشيزوفرينا والبارانويا. وفي الرواية شخصية لامرأة متشردة استلهمها راي من امرأة كان يراها في محطة ستيلول ببروكلن. ترد في الرواية أيضا بصورة حرفية شذرات حوارية كان راي ينصت إليها في جولاته تلك، ومن ذلك حوار حول ضرورة أن يقضي الناس ليلة في أي بيت قبل أن يقوموا بشرائه لمراقبة أي نشاط ما وراء طبيعي.
كانت الكتابة في الضوضاء، وفي القطارات المزدحمة صعبة في بعض الأحيان، ولكنها كانت بصفة عامة لطيفة، بالمقارنة مع الظروف التي كتب فيها روايته الأولى. يقول راي إنه بعد طرده من وظيفته في جاليري عام 1996، انتقل للعيش في خيمة أقامها داخل طابق تحت الأرض تعمره الفئران في حي دامبو ببروكلن. في تلك الخيمة كتب روايته الأولى مستخدمة آلة كاتبة تعود إلى أربعينيات القرن الماضي. "كنت أحاول أن أحقق كل صورة نمطية للروائي ما أمكنني ذلك".

نشرت في ملحق قراءات صباح الأحد 13 ديسمبر 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق