قبل أن تتلاشى لغة
روس بيرلين
في عام 2013، وخلال مؤتمر للغات المهددة بالزوال، أعلنت
الأستاذة المتقاعدة ليندا لامبريشت عن اكتشاف استثنائي للغة لم تكن معروفة من قبل.
لامبريشت تحمل صينية هاوايية، تبلغ من العمر 71 عاما، شديدة الحماس، لكنه الحماس الذي
لا يدفع إلى اللغو. أطلقت على اللغة اسم لغة هاواي الإشارية. أمام قاعة مليئة
باللغويين، أوضحت أن لب المعجم اللغوي لهذه اللغة ـ أي الكلمات من قبيل
"أمّ" و"خنزير" و"صغير" ـ متمايز عن أي لغة إشارة
أخرى.
اقتنع اللغويون فورا. ووصف وليم أوجريدي ـ رئيس قسم
اللغويات بجامعة هاواي ـ الأمر "بأنه للمرة الأولى خلال ثمانين عاما تكتشف
لغة جديدة في الولايات المتحدة، ولعلها المرة الأخيرة". ولكن اللغة الجديدة
المكتشفة قبل ثمانين عاما كانت في ألاسكا النائية، بينما كانت لغة هاواي الإشارية
تختبئ في وضح نهار هونولولو، المنطقة الحضرية التي يسكنها قرابة مليون إنسان. باكتشاف
من ذلك النوع، يبدو العالم أكثر ضخامة.
كان الاعتراف في اللحظة الأخيرة بلغة هاواي الإشارية
ومساندتها دفعة قوية وشبه سريالي لـ لامبريشت، التي تعد هذه اللغة لغتها الأولى. لقد
ظلت لغة هاواي، على مدار عقود، موصومة أو مهملة، ثم حازت أخيرا اسما متفقا عليه،
و"شفرة لغوية" رسمية من المنظمة الدولية لوضع المعايير، واهتماما من
اللغويين في شتى أرجاء العالم، ومنحة لثلاثة سنوات من "برنامج توثيق اللغات
المهددة بالانقراض" التابع لمدرسة الدراسات الأفريقية والشرقية في لندن.
لكن بمجرد أن بدأ اللغويون يثبِّتون وجود اللغة، كانت هي
على شفا هاوية الانقراض، فلم يكن يتذكرها غير حفنة من الإشاريين. وبدا لـ لامبريشت
أنه ما لم تحدث معجزة تتعافى بها لغة هاواي الإشارية، فقد يتبين أن ذلك الإعلان
المدوي عن وجودها لم يكن غير نعي مبكر لها.
مضت ثلاث سنوات على إعلان الوجود، ولا تزال لامبريشت
تنقب عن لغتها إشارة تلو إشارة. ولعلها الشخص الوحيد في العالم القادر على استعمال
لغة هاوي الإشارية بصورة منتظمة، فتشير إلى الكاميرا بينما لغوي يدعى جيمس
"وودي" وودوارد وحفنة من خريجي جامعة هاواي يوثقون كل حركة.
بقيادة من لامبريشت، ووودوارد، والباحثة باربرا إيرث،
يهدف المشروع إلى توثيق ما قد يكون آخر حوارات تجري بين أبناء لغة هاواي الإشارية.
يتمثل الهدف في توثيق ما لا يقل عن عشرين ساعة من التصوير التليفزيوني الدقيق لهذه
اللغة في بيئتها الطبيعية ثم تدوينها، وترجمتها، وأرشفتها. ويأمل الباحثون أن
يحققوا قفزة على طريق إحياء لغة هاواي الإشارية من خلال هذا العمل ـ بجانب سلسلة
من الكتيبات المصورة الحاوية أكثر من إلف إشارة، وفصل دراسي منتظم في جامعة هاواي
من المقرر أن يبدأ اعتبارا من العام القادم.
يواجه المشروع عقبات هائلة. أولاها تشكك كثير من مستعملي
اللغة الباقين أنفسهم. فمجتمع الصم الصغير في هاواي منقسم انقساما عميقا. إذ يقول البعض
إن لغة هاواي الإشارية ليست لغة حقيقية، والبعض يراها تخلفا، والبعض يتشكك في
لامبريشت نفسها.
لكن أخطر ما يهدد لغة هاواي الإشارية هو لغة الإشارة
الأمريكية التي تغزو العالم كله ـ من هاواي إلى تايلند إلى توجو ـ بمثل سرعة
الإنجليزية نفسها. فعالم الصم ـ الذي بقي شديد المحلية حتى وقت قريب ـ يتعولم باطراد بطرق غير متوقعة. والتقدم الذي
تحققه لغة الإشارة الأمريكية ـ جامعة بين الناس بلا أدنى شك عبر طرق عديدة ـ يمثل خطرا غير بسيط على كثير من لغات الإشارة
التي يقدر عددها في العالم بنحو أربعمائة لا نعرف شيئا عن أغلبها.
هاواي مجرد بداية، لكن ثقافة الصم في شتى أرجاء العالم ـ
التي يعدها الكثيرون من أهلها ثقافة، لا إعاقة ـ تواجه الأخطار
من كل صوب. فهناك "تنميط" الطلبة الصم من خلال وضعهم في مدارس سمعية،
وتشجيعهم فيها على أن يكونوا كغيرهم ولكن "بقدرات خاصة"، في عملية يطلق
البعض عليها الاستيعاب العمدي. وزرع الأجهزة السمعية (والعلاج الجيني المحتمل) يهددان
بصورة أكثر جذرية لغات الإشارة، ويدين بعض الناشطين الصم هذه "العلاجات"
معتبرين إياها لونا من الإبادة الجماعية.
لو أن فقدان لغة كلغة هاواي الإشارية يعني نهاية نظام
تعبيري كامل، فاختفاء لغة الإشارة عموما ـ وهي الشكل الوحيد الكامل من اللغة
المستقل استقلالا تاما عن الكلام ـ سوف يعني إفقارا دائما للتواصل البشري.
شأن كل لغة طبيعية، لغة هاواي الإشارية هي النتاج
المتطور لتاريخ محدد، وابتكار غير واع من مجتمع معين. ولكي تبقى هذه اللغة، لا بد
أن يتخذ الإشاريون المحليون قرارا مدروسا باستعمالها. ولعل مثل ذلك يصدق أكثر فأكثر
على الصمم نفسه. فحكاية لغة هاوي الإشارية تثير أسئلة حاسمة في عصر العولمة: هل
لثقافات الهامش مستقبل؟ هل يمكن أن يختار الكثيرون أن يكونوا مختلفين إلى هذه
الدرجة، وهل يفعلون ذلك مجتمعين؟
***
ليندا لامبريشت، يسارا، أثناء تدريسها لغة هاواي
|
برغم أن اللغات الإشارية تتوازى مع اللغات المنطوقة في
جوانب معينة، إلا أنها تمثل جوهريا طريقة مختلفة في التواصل. فهي لا تنبع من اللغات
المنطوقة ولا تصب فيها. واللغات الإشارية جميعا لا تفهم بعضها بعضا مثل يفترض
الذين يسمعون، فهي في مثل تنوع واختلاف اللغات المنطوقة.
تطورها التاريخي متميز أيضا. فالأطفال يجيدون الإشارة
قبل أن يجيدوا الكلام، ولقد ذهب عالم اللغات الإشارية العظيم وليم ستوكو إلى أن
الإشارة أسبق من الكلام في تاريخ اللغة البشرية. الطبيعي لطفل من كل ألف طفل أن
يولد أصم، ولكن بعض الأماكن التي تتزايد فيها معادلات الصمم الوراثي ـ كقرية السيد
في إسرائيل أو بينجكالا في بالي ـ تمثل أماكن ازدهار طبيعية للغات الإشارة. بالنسبة
للغات الإشارة، ولثقافة الصم بعامة، يسلك الانتقال العابر للأجيال مسارا أبعد ما
يكون عن المباشرة. فالغالبية الساحقة من الراشدين الصم ينجبون أبناء يسمعون، بينما
يولد أغلب الصم لآباء يسمعون لا علاقة لهم بمجتمع الصم.
والإشارة ليست تمثيلا صامتا، والإشارات ليست
"محض" إيماءات يمكن أن يفهمها أي شخص. فالإشارات "الأيقونية" ـ
أي التي يعبر شكلها نفسه عن معناها ـ تلعب دورا في كل لغة إشارة، ولكنها قد تختلف
اختلافات بديعة ورهيفة عن بعضها بعضا. ففي لغة هاوي الإشارية على سبيل المثال يشار
إلى كلمة "البكاء" بنقرات بالإصبع كالـ"دموع" تنساب من جانبي
العين، بينما يشار إلى كلمة "النحيب" بخطوط متصلة منهمرة. ومع ذلك يبقى
التجريد والعرف جوهريين، مثلما في الكلام، لأنه لا يمكن التعبير عن كل شيء بإشارات
واضحة ذاتيا. فلا شيء واضح مثلا في إشارة لغة هاوي المعبرة عن "الرجل"
أو "الولد": يد مفرودة تتحرك من أعلى لأسفل أمام الرأس.
على مدار أغلب التاريخ المسجل، كانت لغة الإشارة خفية عمليا
على من يسمعون. وإلى أن نشرت دراسة وليم ستوكو التأسيسية للغة الإشارة الأمريكية
سنة 1960، لم تكن أي لغة إشارة قد حُلِّلت بوصفها نظاما تواصليا مكتملا له نحوه
الخاص. في عام 1965 نشر ستوكو قاموس لغة الإشارة الأمريكية، فكان بدوره هو الأول
من نوعه.
والآن لم يعد هناك وجود لتلك العزلة الجغرافية التي
تسببت ذات يوم في نشأة لغات جديدة، فباتت اللغات الإشارية تمثل ما يشبه الجبهة
الأخيرة. يقول ألبرت بيكفورد من الفريق العالمي للغات الإشارة في قاعدة بيانات
إثنولوج اللغوية "إننا لا نعرف في حقيقة الأمر عدد لغات الإشارة" وقالت
لي فكتوريا نايست عالمة اللغويات في جامعة ليدن إنه "يبدو منطقيا أن نفترض
أننا لم نكتشف بعد أغلب لغات الإشارة المستعملة اليوم في العالم".
تذكر طبعة إثنولوج الحديثة ـ الصادرة في وقت سابق من
العام الحالي ـ 141 لغة إشارة. وهناك تقارير عن أكثر من مائة لغة أخرى حسبما يقول
بريكفورد، وإن لم تتوافر معلومات مؤكدة عن وجودها، فالأمر لا يعدو مؤشرات بسيطة عن
استعمال الصم في مكان ما إشارات مختلفة. وقد لا نعرف مطلقا الكثير عن هذه اللغات،
أو حتى نتثبت من وجودها.
***
كان إعلان لامبريشت في عام 2013 ذروة عمل استغرق عمرها
كله. ولدت صماء، لا تكاد تسمع أي شيء، حتى ضجيج صافرطة الشرطة إذ تهدر في الشارع. "كبرت في غاية الإحباط،
أقول لنفسي أنا لست صماء، أنا لست صماء، أنا أسمع! أريد أن أصبح ممثلة، أريد أن
أصبح راقصة، أريد أن أكون نجمة سينما!" هكذا حكت لي لامبراشت في أواخر العام
الماضي في جامعة هاواي. "وأحبطني تماما أنني لا أستطيع أن أكون أيا من
هذا".
كان التيليتايب Teletypeـ وهو شكل
مبكر من الكتابة النصية والتعليق المغلق الذي أتاح متابعة التليفزيون والأفلام ـ
تطورا بدّل حياتها تماما عندما شاع في السبعينيات. قالت "شعرت بعد ذلك
بالاستقرار. كنت أكره صممي إلى أن أزيح حاجز التواصل بظهور كل تلك الأدوات".
لامبرشت هي الصغرى بين سبعة أشقاء، بدأت الإشارة بلغة
هاواي في منزلها في أواخر الأربعينيات بعد أن أخذت اللغة عن أخوين أكبر منها كانا أصمين
مثلها. فلعلها كانت من أواخر من تعلموا لغة هاواي الإشارية بصورة طبيعية، كلغة
أولى، كما أن أخذها اللغة عن أفراد أسرتها أمر استثنائي أيضا. في ذلك الوقت، كانت
قاعة مدرسة الصم الوحيدة في هاواي هي أقرب وطن للغة هاواي الإشارية، وهنالك تعلم
أحد شقيقيها اللغة.
ولكن لغة الإشارة الأمريكية كانت قادمة بالفعل. وبعيد
الحرب العالمية الثانية، وفد إلى هاواي عدد غير مسبوق من الأمريكيين الصم، إما
بهدف العمل أو بهدف التقاعد. وفي غضون عقود قليلة، سيطرت لغة الإشارة الأمريكية،
وأوشكت لغة هاواي على الركود. تذكرت لامبريشت "كنا نتعرض للكثير من الإهانات،
والكثير من السلبية. كان الصم هنا يضعون أنفسهم في مرتبة أدنى من الذين جاؤوا بلغة
الإشارة الأمريكية. فكان الناس يقولون ’هؤلاء من أمريكا، هؤلاء بيض البشرة، هؤلاء علما’".
عاشت لامبريشت من تدريس لغة الإشارة الأمريكية لمدة 33
عاما، وكان أغلب طلبتها من الذين يسمعون، ولكنها في وقت فراغها كانت تتعقب لغة هاواي
الإشارية، باحثة عن المسنين في المستشفيات ودور الرعاية. قال جيف، زوج لامبريشت
"كنا نذهب إلى الجزر الأخرى بحثا عن الناس، وكلهم الآن موتى، موتى،
موتى". ولقد ثَّق الأمريكيون المهتمون عددا صغيرا من الإشارات المحلية،
وشجعوا لامبريشت على القيام بالمزيد. وبعد سنين أدركت أنها تجمع بقايا لغة كاملة
أصيلة.
بدون تمويل وبدون خبرة لغوية، توقفت جهود لامبريشت سنة
2007، حينما جاءت امرأة تدعى باربرا إيرث إلى هاواي وانضمت إلى فصلها لتدريس لغة
الإشارة الأمريكية. وبعد مسيرتها المهنية المكرسة للعمل في شؤون الجندر والتنمية
في آسيا وأفريقيا، بدأت إيرث تصاب بالصمم وأرادت أن تتعلم لغة الإشارة.
تبنت قضية لامبريشت، وتعمقت في تاريخ لغة هاواي
الإشارية، وبدأت إيرث تبحث عن تمويل لدعم المشروع. وبعد ثلاث سنين، وجدت ما يكفي
لدراسة استطلاعية فأجرت مقابلات مع 19
مسنًّا وطفلين لأبوين أصمين في أربع جزر في هاواي. وافق وليم أوجريدي ـ رئيس قسم
اللغويات في جامعة هاواي ـ على استضافة المشروع في الجامعة: "طرقت باربرا
بابي وقالت إن لغة إشارة مجهولة توجد هنا في هاواي وإنها بحاجة إلى مساعدة لتثبت
وجودها".
كان التقدير المبدئي يشير إلى وجود 280 إشاري بلغة هاواي
على قيد الحياة ثم سرعان ما عدِّل الرقم ليصل إلى 40، ثم هبط إلى 10 أو نحو ذلك من
المسنين المتمكنين بلغة هاواي الإشارية. واستطاعت
لغة الإشارة الأمريكية أن تغزو هؤلاء الإشاريين، وإن بقي دليل ـ لا سيما في إشارات
لامبريشت ـ على تميز لغة هاواي، ووجودها قريبا من السطح بما يسهل إنقاذها. فهل
مثلما استعيدت لغات منطوقة كلغة الباسك وويلز وهاواي من حافة الانقراض، يمكن أن
تكون لغة هاواي الإشارية أول لغة إشارية تنجو من الزوال؟
***
ليندا لامبريشت تجري حوارا بلغة هاواي الإشارية في هونولولو
|
يرى جيمس وودوارد أن الانقراض الجماعي للغات الإشارة يرجع إلى التحيز
والشوفينية. ويرى أن كل لغة إشارة محلية جديرة بأن تحظى بفرصة أن تكون لغة تعليم محترمة
ومحدّثة تمنح المجتمعات خيارا وفرصة لا يتوقفان. وشأن انتشار الإنجليزية، قد
يمكِّن انتصار لغة الإشارة الأمريكية من التواصل، ولكن الوسيلة لا يمكن أن تغني عن
الدفء والتاريخ اللذين سرعان ما ينسى الناس أنهما كانا موجودين في يوم من الأيام.
حدث في يوم من أواخر السنة
الماضية في هونولولو، أن جلست في ملتقى ضمَّ بعضا من آخر الإشاريين بلغة هاواي
الإشارية. بجانب لامبريشت، كان هناك ثلاثة إشاريين مسنين آخرين انضموا إلى المشروع
خلال العام الماضي. كانت إشاراتهم الطريفة السريعة تنتمي كلها تقريبا إلى لغة
أالإشارة الأمريكية، كالمعتاد، ولكن بين الحين والآخر كانت تطفو على السطح نتفة من
لغة هاواي الإشارية.
أشارت هيلدا لوبيز قائلة
"أهذه ثقافة صماء أم ماذا. أحبها. أحبها. أحبها". وقبلت يدها وهي تشير
قائلة إن "لغة هاوي الإشارية هي فعلا رقم واحد في حياتي. والذين لا يحبونها
عقولهم صغيرة".
أوضحت لي لوبيز أن اسمها
بالإنجليزية هو هيلدا، ولكن اسمها الإشاري ـ اسمها الحقيقي، اسمها اليومي في مجتمع
الصم ـ هو إيماءة إشارية إلى الفم، وهو مأخوذ من واقعة حدثت في حفل عيد ميلادها
الخامس عندما أطلق شخص مسدس صوت
فأسقط لها بعض أسنانها. هي إشارة اسمية كلاسيكية
في لغة هاواي الإشارية: جريئة، وطريفة وشخصية، وأساسها سمات جسدية ووقائع لا تنسى.
شأن أي لغة، يمكن أن تلين لغة
هاواي الإشارية للغويين، ولكن سماتها وأسلوبها الخطابي المميز، يستعصيان أكثر على الإدراك. فحتى أثناء إشارتها بلغة أمريكا، يبدو أن لوبيز تجسد أسلوب لغة هاواي.
قالت لي "إن الناس حينما يستعملون لغة أمريكا الإشارية، يطيلون الكلام
ويضجرون الآخرين. أما لغة هاواي فقصيرة مثيرة سريعة".
فضاء الإشارة في لغة هاواي
الإشارية أوسع منه في لغة أمريكا، فيمكن أن يستعمل في الإشارات أي موضع من أعلى
الرأس إلى أسفل الجذع. والإشارات التي تأتي بغير اليدين بل في أماكن أخرى من الجسم
قد يكون لها دور مهم أيضا. فـ "الركل" لا يشار إليه بغير الساق، على
سبيل المثال، بينما الحاجب المرفوع جزء حيوي من النحو، إذ يستعمل في إجابة الأسئلة
التي تجاب بنعم ولا، ويستخدم في البداية بمعنى "لو". أما
"الصوتيات" المصاحبة لإشارات معينة، فيتسنى للإشاريين الآخرين أحيانا أن
يقرأوها على الشفاه، فتنعكس فيها اللغات المنطوقة، إذ تستعار من كلمات بلغة هاواي
أو الإنجليزية أو عامية هاواي.
تفكر لوبيز بالإشارة وبها تحدث
نفسها. قالت لي في اعتزاز "أنا صماء 100%. لا أسمع الأصوات لكنني أشعر بها،
أشعر باهتزازات الأجسام في صدري، كالطبول، وصافرة الشرطة. الشيء الوحيد الذي أسمعه
هو مفرقعات الألعاب النارية، ولا أحب روائحها، تصيبني بالغثيان، لكنني أحب الصوت
والاهتزاز".
لم تعرف لوبيز أبويها
البيولوجيين قط، ولكنها فخورة أشد ما يكون الفخر بجذورها الإثنية المختلطة وبكونها
من هاواي. هناك على الأقل دليل واحد يتمثل في رسالة مؤرخة بعام 1821، اكتشفتها
باربرا إيرث، وتربط لغة هاوي الإشارية بماضي هاواي. في تلك السنة، التقى مبشر
أمريكي ـ كان قد وصل حديثا إلى مملكة هاواي ـ برجل أصم وساومه على أربعين قطعة حطب
وخنزير. وكتب المبشر أن بعض إشارات الرجل كانت "شائعة الاستعمال" بين
الصم والذين يسمعون. الإشارات التي سجلها لكلمات "الخنزير"
و"النقود" و"يرى" ونظام العد بالتصفيق لا تزال حاضرة في لغة
هاواي الإشارية اليوم.
معدل الصمم الوراثي في هاواي
طبيعي. لكن بحلول أواخر القرن التاسع عشر، توافدت موجات من المهاجرين الصينيين
والبرتغاليين والفلبينيين إلى هاواي للعمل في المزارع التي كان يديرها الأمريكيون،
فتشكل في هونولولو مجتمع عديد الأعراق من الصم، ضم بين من ضم ماسحي أحذية،
وغسالات، وبائعي زهور. بل لقد أقيم ما وصفته صحيفة معاصرة [لتلك الحقبة] بـ
"العرس الأصم الفاتن" الذي حضره ثمانون ضيفا كلهم كانوا يستعملون
"لغة الإشارة".
كانت "نقطة التحول، وبداية
النهاية للغة هاواي الإشارية" في ما ترى باربرا إيرث هي إنشاء مدرسة هاواي
للصم سنة 1914. شأن أغلب مدارس ذلك الوقت، شجعت المدرسة على الشفاهية، وهي هنا
بمعنى قراءة الشفاه والكلام التي تعد بصورة شبه مطلقة في مجتمعات الصم أمرا محتقرا
مؤلما بعيدا عن الطبيعية مفتقرا إلى الفعالية. ولكن المدرسة ولو لفترة على الأقل
كانت بيئة طبيعية لانتقال لغة هاواي الإشارية بصورة سرية. قال لي أحد الطلبة
السابقين، نورمن جالابين، إنه تعلم لغة هاواي الإشارية في "أفنية المدرسة
وسكنها" برغم أن المعلمين "كانوا إذا رأوك تشير بها، فقد يضربونك في بعض
الأحيان، يصفعونك، أو يضربونك بمسطرة، أو يقرصون خدك".
خلال أربعينيات القرن العشرين،
كانت لغة هاواي الإشارية بالفعل لغة في حالة انتقال بحسب ما يقول جالابين:
"فما كان الناس يستعملون إشارة هاواي لـ’أم’ بل الإشارة الأمريكية، لكنهم
ظلوا يستعملون إشارة ’أب’ في لغة هاواي". ابتداء من 1939، استطاع قليل من
المعلمين أقوياء الشخصية أن يلعبوا دورا حيويا في الانتصار على الشفاهية وأضفوا
الشرعية على لغة الإشارة، ولكنهم انتهوا إلى ترويج لغة الإشارة الأمريكية على حساب
لغة هاواي في ثنايا ذلك.
كان العمل والتعليم والحصول على
الخدمات الحكومية ـ ابتداء من مترجمي المحاكم إلى الرعاية الصحية العقلية بلغة
الإشارة ـ مشكلات دائمة في المجتمع، لكن كثيرا من أهل هاواي الصم برعوا في العمل
نجارين ونقاشين وميكانيكية وسعاة بريد بل وصناعا للكمنجات المحلية. ومثلما حدث في
أماكن أخرى، كان هناك ناد غير رسمي للصم يتصدر مركز مجتمعهم، فينظم حفلات الكريسماس،
ومباريات البولينج
والذهاب سنويا إلى الشاطئ حيث يقوم أكثر من مائة شخص بصيد السمك وشيه لمدة أسبوعين
متواصلين.
غير أن هيلدا لوبيز، شأن كثير
من الصم في هاواي، غادرت الجزيرة إلى أمريكا للدراسة وللعمل، فوصلت إلى كاليفورنيا
وهي مراهقة. وكانت الصدمة الثقافية حادة: "لم تكن هناك إلا لغة أمريكا
الإشارية وبالفعل لم أكن مرتاحة إليها. بدا أن الناس يعرفون الكثير، وشعرت أنني لم
أكن شديدة الذكاء. ارتبكت ونسيت لغة هاواي الإشارية، صرت بالفعل لا أتذكرها".
والآن فقط، تزيل طبقات من لغة الإشارة الأمريكية، وتبدأ في إحياء لغتها الأولى.
***
ليس للغة إشارة ما للغة الأمريكية من تأثير. وأعداد الإشاريين المحددة المحدثة
ليست معروفة في أي لغة إشارة. في الصين، على سبيل المثال، أكثر من 20 مليون أصم،
ولكن لغة الإشارة الصينية ـ التي لم توثَّق تقريبا ـ لم تلق الاعتراف كلغة متميزة
إلا قبل ثلاثين سنة.
بالمقارنة، تمثل لغة الإشارة
الأمريكية سلطة يتوفر لها الدعم والترويج من مؤسسات مثل المعهد الوطني للصم،
وجامعة جالوديت في واشنطن التي تقول عن نفسها إنها "الجامعة الوحيدة في
العالم التي لديها برامج وخدمات مصممة خصيصا لتهيئة الصم وضعاف السمع". تلعب
جالوديت دورا حاسما في مجتمع الصم الأمريكي وفي حياة لغة الإشارة الأمريكية. وحتى
وقت قريب، كانت الجامعة تعد مركز الإعداد الجامعي في هونولولو (لضمان مستوى
المتقدمين الصم لجالوديت) وتدريب مترجمي لغة الإشارة الأمريكية في هاوي (لترسيخ
اللغة بصفة عامة).
لعل لغة
الإشارة الأمريكية تصطبغ الآن بالعالمية، لكن جذور اللغة تكمن ـ ولو جزئيا على أقل
تقدير ـ في لغات إشارية محلية انقرضت منذ زمن بعيد. كانت اللغة الإشارية الفرنسية
أول لغة إشارة "منهجية" حديثة وضعت شفرتها في الستينيات والسبعينيات من
القرن الثامن عشر بهدف التعليم الرسمي، وكانت قد أخذت من إشارات موجودة في مجتمع
الصم الباريسي بفضل جهود آبي ميشيل دي ليبي. وحينما افتتحت أول مدرسة أمريكية للصم في هارتفورد بولاية كونكتيكت سنة 1817،
كانت لغة الإشارة الفرنسية مهمة ولعلها انصهرت في حفنة من لغات نيو إنجلند
الإشارية. فكانت النتيجة هي لغة الإشارة الأمريكية. (وقد تكون لغة الإشارة
البريطانية مهيمنة في المملكة المتحدة لكنها لم تكتسب مكانة رسمية إلا في 2003،
وليس لها ارتباط مباشر بلغة الإشارة الأمريكية).
يوجد اليوم
ما لا يقل عن 500000 إشاري بلغة أمريكا في الولايات المتحدة، واللغة واللغات
المستلهمة منها منتشرة أيضا في مناطق الكاريبي والهادي وأفريقيا وجنوب شرق آسيا.
وانتشار هيمنة اللغة المتزايد في بلاد في جميع القارات يعكس قوة ثقافة الصم في
أمريكا والدور الذي لعبه المبشرون والمعلمون الأمريكيون بحسن نية في نشر ثقافة
الصم من خلال لغة الإشارة الأمريكية.
في الماضي،
كما قال لي جيمس وودوارد، كان المبشرون غالبا ما يقولون للصم في البلاد الأخرى
إنهم قوم بلا لغة. وأضاف أن "الوضع الآن يتحسن. لكنني رأيت ذلك يجري في أواخر
1999 في تايلند حينما وفد عليها الأمريكيون. أعتقد أن الوعي يتزايد في أوساط الصم
في الولايات المتحدة بالخطر الذي شكلته لغة الإشارة الأمريكية على لغات الإشارة
الأخرى، بدفعها إلى الانقراض، أو بتخريبها".
وشأن اللغة
الإنجليزية، يلعب رونق لغة الإشارة الأمريكية دورا في نموها. فقد كتبت اللغوية
فكتوريا نايست أن "الإشاريين في غرب أفريقيا يميلون إلى اعتبار اللغات
الإشارية المعتمدة على اللغة الأمريكية أرقى من اللغات الإشارية ذات الأصول
المحلية. وبالمثل، وصفت ميسيلا توميتا ـ وهي شابة من هاواي تخرجت في جالوديت وتزور
هولندا حاليا حيث ترى الجميع يستعملون لغة الإشارة الأمريكية بدلا من الهولندية ـ
"لقد شعرت أن لغة الإشارة الأمريكية تسيطر على العالم. وفي موضع أقرب إلى
الوطن، درس وودوارد لغة الإشارة الأمريكية في نسختها السوداء، والتي يبدو أنها
تطورت خلال النصف الثاني من القرن العشرين في المدارس الخاصة بالصم في جنوب الولايات
المتحدة. هذه اللهجة، التي تمثل إلهاما للامبريشت، تحمل سمات مميزة واضحة، ولكنها
الآن مهددة أيضا بالانقراض. إذ يوشك الإشاريون السود جميعا الآن أن يكونوا
مستعملين للغة الأمريكية المعيارية.
في مدرسة
هاواي للصم والمكفوفين، أصبحت لغة أمريكا هي المعيارية سنة 1960. واليوم أكثر من
نصف المعلمين صم وينتظر من الطلبة أن يشيروا باللغة الأمريكية وأن يتعلموا القراءة
والكتابة بالإنجليزية. ولا تستعمل لغة هاواي ـ إلا بين الحين والآخر ـ حينما
يتوافر لها معلم متفان، إذ اقتراح ليندا بتدريس اللغة هناك قد قوبل بالرفض.
قال لي
وودوارد بنبرة من يقر حقيقة "إنني أعتقد أن لغة الإشارة الأمريكية هي سبب
انحدار لغة هاواي" لكنه عاد فأضاف "ليس بوسعك فعلا أن تفصل القضايا
الشخصية عن القضايا اللغوية".
***
يفرض وشوك اختفاء
لغة ضغطا هائلا على المجتمع. على مدار سنين، كان آخر اثنين يجيدان لغة الآيابانيكو
في المكسيك إجادة تامة لا يتكلمان بها، إلى أن أقنعتهما ضغوط خارجية بالتصالح مع
اللغة. ويقول وليم أوجريدي إن هناك لغة لا يتكلمها غير ستين شخصا لكن فيها أربعة
أنظمة كتابية متنافسة. في أي مجتمع يتكلم لغة مههدة بالانقراض، توجد في الغالب
جماعات ترى أن اللغة لا تستحق الإنقاذ. "لكن في العادة، عندما يفوت الأوان،
ينشأ إحساس عميق بالندم" حسبما يقول أوجريدي.
في هاواي،
يشهد مجتمع الإشاريين الذين يستعملون لغة هاوي انقساما عميقا، ولامبريشت هي واجهة
اللغة، لكن بوصفها رئيسة سابقة لاتحاد ألوها للصم، فهي في "الجانب"
المضاد لكثير من الإشاريين القدامى المنتمين إلى مجموعة تعرف بـ خريجي مدرسة الرأس
الماسي (تسميا باسم مدرسة الصم السابق).
المنظمتان
هما التعبير المؤسسي عن الانشقاق العنيد في مجتمع الصم والذي يرجع إلى أواخر
سبعينيات القرن العشرين. البعض يعتبره انقساما جيليا وتاريخيا ولغويا، ولكنه في
الوقت نفسه انقسام شخصي وذاتي ووجودي بطريقته الخاصة. في 2014، في ذكرى تأسيس
مدرسة الصم المئوية، أقيم احتفالان: واحد أقامته مجموعة الرأس الماسي، وواحد
أقامته مجموعة لامبريشت. قالت لي لوبيز "أشعر الآن أنه طبيعي، هذا
الصراع".
لأن لغة
هاواي الإشارية كانت قد بدأت تتراجع بحلول
خمسينيات القرن الماضي، فأغلب شباب الإشاريين لا يكادون يستطيعون استعمالها، فلم
يكن هناك مكان تقريبا يمكنهم اكتسابها فيه. يتباهى الكثيرون بهويتهم كصم هاوايين
ويدعمون بحماس لغة هاواي الإشارية بوصفها رمزا لهذه الهوية. ولكن بعض من يجيدون
هذه اللغة من كبار السن في مجموعة الرأس الماسي لا يبالون مطلقا بإحيائها. قالت
دارلين إيوان الناشطة المحلية والمعلمة في مدرسة الصم "برغم أنهم يستعملون
لغة هاوي في أحاديثهم، فهم لا يعدونها لغة حقيقية".
في وقت مبكر،
حذرت واندا آندرو ـ وهي من مجموعة الرأس الماسي ـ الباحثين. قالت لي "لقد قلت
لهم ’اسمعوا الحقيقة مني أنا، لغة هاواي الإشارية فات أوانها، لقد ماتت’ فقدان لغة
هاواي الإشارية مؤسف، ولكنها لم تكن أكثر من مزيج من كل شيء، هي أقرب ما تكون إلى لكنة". لغة الإشارة
الأمريكية مكّنت آندرو ـ وهي الآن في السبعينيات من عمرها ـ من حياة
كوزموبوليتانية، ومن الدراسة في جالوديت، ومن العيش لعقود من الحياة داخل القارة
الأمريكية وفي النهاية مكنتها من الزواج من أصم أسترالي.
وتفسيرا
لبقاء البعض على مسافة من المشروع أضافت آندرو أن "الناس يقولون إنهم غير
راغبين لا أكثر، لأنهم لا يريدون العمل مع ليندا" وواصلت "ولو أنهم لا
يتذكرون [الإشارات] فهم لا يتذكرونها وانتهى الأمر. أو لعلهم خائفون مما قد يكون
وراء المشروع، أو لا يريدون أن يشعروا أن أحدا يستعملهم ... أنا لا أؤيد ليندا،
أعتقد أنها نرجسية بعض الشيء".
وافق بعض
المقربين من مجموعة الرأس الماسي على أن العداوة الشخصية والتشكك في السلطة ـ التي
تحدد تسجيل إشارات دون أخرى ـ جزء من المشكلة. في حين يقول أنصار لامبريشت إنها تبذل
جهود إحياء اللغة بصورة منفردة تقريبا. وتشير لامبريشت نفسها إلى القوة المعطلة
قائلة إن "اللغة في قلوبهم، لكنهم يعاندون. يريدون أن يكونوا حديثين".
ينعكس
الانشقاق ـ الذي يؤثر على كيفية توثيق اللغة ـ في انشقاق مماثل بين الباحثين. وودوارد
وإيرث يعترفان الآن أن لغة الإشارة الأمريكية كان لها حتما تأثير أكبر مما كان مفهوما من قبل
على محو لغة هاواي الإشارية وإزاحتها من مكانها لحساب هجين منها ومن اللغة
الأمريكية يطلق عليه وودوارد لغة هاواي الإشارية الأمريكية.
تعتقد إيرث
أنه حينما يشير الإشاريون عن لغة هاواي الإشارية اليوم، فهم يعنون في الحقيقة هجين
لغة هاواي الإشارية الأمريكية، وهي رؤية لا يوافقها عليها وودوارد. بعد مقابلة
كثير من أعضاء الرأس الماسي، تذهب إيرث إلى أن هجين لغة هاواي الإشارية الأمريكية
هو المتبقي فـ"أنا لم أر لغة هاواي الإشارية النقية. وقليلون للغاية هم الذين
يحتفظون بعناصر قوية منها ... وليس بوسعهم استعادتها لأنهم لم يعرفوها قط".
ويعترض وودوارد على هذا بقوله إن "العامين الماضيين شهدا استعمال لامبريشت
لغة مختلفة عن هجين لغة هاواي الإشارية الأمريكية" خلال جلسات تسجيل لم
تحضرها إيرث التي تزداد ابتعادا عن المشروع.
إشارات
"الأزرق" و"الأخضر" و"الأصفر" أصبحت علامات بارزة
في هذا النزاع. يذهب وودوارد إلى أن
إشارات لامبريشت المميزة لهذه الألوان منطقية دلاليا، لأنها ترتبط بوضوح بإشارات
لغة هاواي الخاصة بالماء والبامبو والأناناس. لكن إشاريين آخرين أثاروا شكوكا
حينما قالوا إنهم لم يروا قط هذه الإشارات ويرون أنها قد تكون خاصة بلامبريشت أو
أسرتها. إشاراتهم هم لهذه الألوان هي إشارات لغة الإشارة الأمريكية، وليس في
ذاكرتهم أي إشارات إليها من لغة هاواي. شعرت إيرث أن الضغط من أجل العثور على
إشارات "أصلية" غير أمريكية ينطوي على مخاطرة بتشويه البحث كله.
قال وودوارد
الذي سبق أن عمل مع آخر الإشاريين بلغة تشيانج ماي في شمال تايلند قبل وفاته
بمضاعفات السكري في مطلع 2015 "إذا لم يكن هناك شخص آخر يعرف الإشارة وليندا
تعرفها، فلا أعرف ما الذي يمكن عمله إلا اعتماد إشارتها. من المرجح أن تكون إشارات
لامبريشت للأحمر والأخضر والأصفر هي المعيارية في تعليم لغة هاواي. قال وودوارد
"إذا لم يبق غير شخص واحد، فعلينا أن نوثق إشاراته".
***
الآن يصل مشروع
التوثيق إحياءً للغة هاواي الإشارية شهره الأخير وقد حقق تقدما، ليبقى العمل
الأشق. قال لي وودوارد أخيرا "إننا لم نقدر على القيام بكل ما كنا نريد
القيام به". وهو يتقدم حاليا إلى برنامج توثيق اللغات المهددة بالانقراض
لتمديد المنحة ستة أشهر. قال إن الفريق لا يزال حتى الآن يعثر على إشارات جديدة.
وفي حين
تواصل لامبريشت عملها مع وودوارد، فهي تبحث في ما وراء هاواي، نظرا لانتشار لغة
الإشارة الأمريكية في جزر المحيط الهادي كله: "أريد أن أقول للناس: أنتم لستم
أسرى لغتكم المحلية، بوسعكم أن تستعيروا من لغة أمريكا، لكن أرجوكم لا تديروا
ظهوركم للغتكم". يعتقد وودوارد أن لدى الجزر التي لا عدد لها في المحيط
الهادي أو ربما يكون لديها لغات إشارة أصلية تقليدية تخصها، بل إنه وضع يده على
لغة من هذه فعليا في ماجورو إحد جزر مارشال.
قالت
لامبريشت في آخر حديث لي معها إن "الوقت يمر بسرعة"، فأكبر الإشاريين
الذين انضموا للمشروع، وهي امرأة يابانية هاوايية تدعى ميلدريد تحتضر الآن.
"أتذكر ميلدريد وهي تقول لي ’أنا لا أحب لغة هاواي، أحب اللغة الأمريكية، هذه
لغة المتعلمين أمثالي’ فأقول لها ’لا، لا، لا، إنها لغتنا المحلية’". كانت
ميلدريد تعد من أبرع الإشاريين بلغة هاواي، ولكنها رفضت الإشارة أمام الكاميرا
حينما زرتها السنة الماضية.
وفي فبراير،
قالت لي ليندا، إن ميلدريد وقعت وقعة صعبة ونقلت إلى المستشفى. لم تعد تقوى على
المشي فصارت حبيسة المستشفى، تعيش هناك برفقة ابنها. زارتها ليندا قريبا
"رأيتها تشير، ولاحظت أنها رجعت إلى لغة هاواي. ذهلنا. لم يكن الآخرون
يفهمونها، فقلت اسمحوا لي أن أترجم. الآن حينما أزورها أحاول أن أقتنص كل ما
أستطيع اقتناصه في حياتها. في زيارتي القادمة أريد فعلا أن أصطحب الكاميرا معي
وأسجل".
عن جارديان في
10 أغسطس 2016
نشرت الترجمة في شرفات 16 أغسطس 2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق