الثلاثاء، 16 أبريل 2013

نهاية كل شيء




نهاية كل شيء
كارلوس لوزادا

أرجو أن تكونوا استمتعتم به عندما كان متاحا. أتكلم عن الجنس، الجنس الذي حلت نهايته الأسبوع الماضي.
قد يبدو هذا أمرا عظيم الشأن، ولكنه ليس كذلك، في ضوء أن كل شيء سواه قد انتهى بالفعل.
الطبيعة، والحقيقية. النقود والأسواق. الرجال والزواج. الإيمان والعقل. كلها انتهت. السلطة انتهت في مارس، وهذا منطقي بعد أن انتهت الزعامة السنة الماضية. التاريخ انتهى قبل نحو عقدين من الزمن، أما المستقبل فانتهي قبل سنتين فقط.
في الناحية الإيجابية، المرض انتهى، هو والفقر، والعنصرية، والحرب، وحتى الواجب المدرسي.
ولو كنتم تظنون أن كل هذه الأشياء لم تزل موجودة فليس عليكم إلا أن تتناولوا كتاب "نهاية الجنس" الصادر في الأسبوع الماضي لـ دونا فريتاس، أو كتاب "نهاية السلطة" الصادر لـ مويسز نعيم الشهر الماضي. أو راجعوا "نهاية النقود" لـ ديفيد وولمان أو "نهاية المرض" لـ ديفيد آجوس"، وهذه صدرت في سنة 2012 التي أكدت فيها هانا روزين "نهاية الرجال" وتخيل فيها جون هورجان "نهاية الحرب".
قد يغض المرء نظره عن استشراء "نهاية الـ " بوصفها مجرد حيلة لجذب الانتباه يلجأ إليها الناشرون ومحررو المجلات والكتاب والمدونون والمتكلمون في مؤتمرات تيد TED  وغير هؤلاء من صناع الأفكار ـ قد لا تكون "نهاية الـ " غير أداة تسويقية لا تدل إلا على ما هو أكثر قليلا من نهاية الخيال.
ولكن الأمر أكبر من ذلك. فـ "نهاية الـ " هي أيضا عنوان مثالي لعصرنا. تلائم لحظة تقدس التنقل لا الاستقرار. وتستولي على جمهور مفتون بما هو قادم لا بما هو قائم. وتناسب تماما حالة الجدل العام التي تمثل فيها المواقف المتطرفة منطلقات لا غنى عنها.
نحن لا نعرف ما هو قادم، هذا أمر صعب الإدراك. كل ما نعرفه هو أن ما لدينا بالفعل ـ أي القديم من الوظائف والأيديولوجيات والهواتف ـ ممل وعتيق وبال. ومنتهٍ.
ولا بد أن تكون الحالة الأولى في أزمنة النهاية هذه هي حالة "نهاية التاريخ؟" المنشورة لـ فرانسيس فوكوياما سنة 1989. في مقالة من تسعة آلاف كلمة في مجلة ناشونال إنترست، أعلن فوكوياما انتصار الأسواق الحرة والشعوب الحرة، لا في العالم الواقعي بل في عالم الأفكار. فكتب يقول "إن ما لعلنا نشهده الآن ليس مجرد نهاية الحرب الباردة، أو انقضاء فترة معينة من تاريخ ما بعد الحرب، وإنما نهاية هذا التاريخ نفسه: بمعنى أن هذه هي نقطة النهاية لتطور البشرية الأيديولوجي وتسويد الديمقراطية اللبرالية الغربية في العالم".
صارت هذه المقالة الشاملة العليمة الحافلة بإحالات إلى ماركس وهيجل هوسا فنوقشت وفُصِّلت على أيدي صحفيين باحثين وصحفيين وساسة في شتى أرجاء العالم. وغرست لفوكوياما البالغ وقتها ستة وثلاثين عاما من العمر مكانا على خريطة كبار المفكرين.
فما سر الجاذبية؟ قال لي فوكوياما إن إعلان النهاية "يبث إحساسا قياميا [أبوكاليبتيا] بأن ثمة تحولا ضخما يوشك أن يحدث. تشعر أن ثمة ما يجري، ويأتي قولك بنهاية شيء ما ليمنحك ما يشبه لحظة الإدراك، لحظة الفتح، لحظة ’وجدتها’".
كانت المقالة ـ التي تحولت بعد ثلاث سنوات إلى كتاب ضخم ـ تنطوي على ميكانيزم دفاع ذاتي داخلي: أن نهاية التاريخ ليست فوق رءوسنا مباشرة، ولكنها إلى حدوث في "المدى البعيد" غير المحدد. فإذا لم ينته التاريخ، يكون عليك أن تتحلى بالصبر. وفي الخاتمة أشار فوكوياما إلى أن النضال الأيديولوجي حينما ينتهي قد تصبح الحياة في غاية السخف حتى أننا قد "نحمل التاريخ على أن يبدأ من جديد. وهو في كلتا الحالتين على حق.
"نهاية التاريخ" طرحت نموذجا صلبا للنهاية. أما اليوم، فلو كان عنوانك كتابك هو "نهاية الـ" شيء ما، فاحتمالاته الأرجح أن يكون طويلا ومتناقضا ومتنازعا ـ ولكنه يبقى قادرا على الإيحاء بأنه غير قابل للتفنيد. ولو أنكم قضيتم وقتا كافيا مع هذه النوعية من الكتب والمقالات، سترون خمسة أنواع متمايزة من النهايات، بدرجات متفاوتة من المصداقية والطنطنة والقدرة على الإقناع.

النهاية المزورة

في كتابه الصادر سنة 2010 بعنوان "نهاية الأسواق الحرة" يؤرخ "إيان بريمر" للمواجهة الحاسمة بين رأسمالية السوق الحرة التقليدية وما يسميه رأسمالية الدولة ـ كما في الصين وروسيا والملكيات العربية ـ حيث تعمد الحكومات إلى استخدام قوى السوق لكنها تبقي القضمات الكبيرة من الاقتصاد تحت سيطرتها. يوضح الكتاب ـ حسبما يقول بريمر في مقدمته ـ كيف أن هذا النمط الرأسمالي "يهدد الأسواق الحرة ومستقبل الاقتصاد العالمي".
وهي قصة جيدة يدعمها بريمر بفيض من الإحصائيات والنوادر. لكننا في الفصل الأخير نصادف أخبارا محيرة، إذ يكتب بريمر أنه بمرور الوقت "ربما سوف تصمد الأسواق الحرة أمام رأسمالية الدولة ... مثلما صمدت أمام الشيوعية على الطراز السوفييتي".
لحظة. إذن في "نهاية الأسواق الحرة" تبقى الأسواق الحرة وتسود؟
ها هنا يلوذ بريمر بعنوانه الفرعي "من يكسب الحرب بين الدولة والشركات؟". أعرب الكاتب في مجلة فورين بوليسي أنه يعتقد أن الأسواق هي التي ستكسب "لكنها عملية تتحققق على المدى البعيد، ونتيجتها أبعد ما تكون عن اليقينية ... وهذا ما يجعل العنوان الطويل ينتهي بعلامة استفهام".
آه، علامة الاستفهام، ورقة التوت اللازمة لكثير من كتب "نهاية الـ"، التي يتمترس من ورائها الكتّاب وقاية من مطالب الإثبات.
يستخدمها أيضا "ريتشارد زوسكينج" في كتابه الصادر سنة 2008 بعنوان "نهاية المحامين؟" الذي يذهب إلى أن تكنولوجيا المعلومات سوف تنهي مهنة المحاماة. وهو يحذر القراء في الصفحة الأولى من كتابه بقوله "إن علامة الاستفهام في العنوان تشير على أقل تقدير إلى أنني لا أكتب ما أكتبه لأدفن المحامين، بل للتحقيق في مستقبلهم".
ولكن تحقيق زوسكيند هذا يسلم نفسه للغموض المطلق حيث يخلص إلى أن "مستقبل المحامين إما أن يكون مزدهرا أو كارثيا" مضيفا أن "حجج هذا الكتاب ونتائجه التي توصل إليها قد تدعم أيا من النهايتين للمباراة".

نهاية شيء "كما نعرفه"

قد يكون هذا أكثر أنواع النهايات شيوعا وأوضحها في أفضل هذه الأعمال. فهناك شيء ما ليس في طريقه القسري إلى الانتهاء، لكنه يتغير بطريقة واضحة، ومن ثم فبوسعك إعلان نهاية شيء ما كما نعرفه. (ولا غضاضة في عنوانك).
ينطلق أغلب الكتاب معتمدين على هذا التكتيك. ففي مطلع "نهاية السلطة" يعترف نعيم أن السلطة لم تنته وأن من الناس من لا يزالون يمتلكون الكثير منها. طرحه إذن ليس أن السلطة اختفت، لكن أنها "تتضاءل"، وأن الأشخاص والمؤسسات والدول ذات السلطات الكبيرة بات يحدهم جميعا منافسون جدد ورقابة أشد، فما عادوا جميعا بمثل ما كنوا عليه من قبل من قوة.
وبالمثل تذهب هانا روزين في "نهاية الرجال" إلى أن التوازن بين القوة الاقتصادية ـ من الوظائف إلى مستويات التعليم ـ تنتقل من جنس إلى جنس. وتعلن أن "الاقتصاد الحديث بات مكانا النساءُ هن اللاتي يمسكن فيه البطاقات".
ولكنها تعود فتكتب أن سلطة الرجال أبعد ما تكون عن الانتهاء فـ "نعم، الولايات المتحدة وكثير من الدول الأخرى لا تزال فيها فجوة أجور أساسها الجندر ... ونعم، المستويات العليا من السلطة لا تزال خاضعة لسيطرة الرجال". لكنها تقول إن "هذه التفاوتات هي آخر اصطناعات عصر يأفل".
وحينما سألتها مؤخرا عن العنوان، أعربت روزين عن بعض الهواجس، قائلة "إنني ظللت أقدم على العنوان وأحجم عنه مرات كثيرة، وكنت بالذات في حيرة من أمري إزاء استخدام علامة الاستفهام. ولكنني لست نادمة على العنوان".
لقد قررت أنه العنوان المناسب لأن الكتاب يتناول "نهاية التسليم بهيمنة الذكور. نهاية فكرة نوع معين من الرجال".
نهاية سلطة الرجال؟ ليس بالضبط. تغيرات كبرى على الاثنين: السلطة والرجال؟ بالتأكيد.

نهاية لم أكن أقصد أنها النهاية

افتحوا كتاب "نهاية الجنس" وستجدون أن الطلبة الجامعيين الذين قامت فريتاس بدراستها المسحية عليهم وحاورتهم يحرزون أهدافا في كل صفحة تقريبا. فهم يمارسون "الجنس الرديء، والجنس الممل، والجنس أثناء السكر فلا يتذكرون مع من مارسوه،  والجنس التافه، والجنس في غياب الرغبة، والجنس الذي تمارسه ’لأن الجميع غيرك يمارسونه’ أو لأنها ’جاءت هكذا’" وذلك ما تكتبه الكاتبة.
فمن الواضح إذن أن الجنس قائم. لكن طرح فريتاس ـ وهو مثير للاهتمام ولا شك ـ هو أنه في أوسط الطلبة الجامعيين، فإن كل هذه الحمى لم تعد مشبعة، فكله "جنس من أجل الجنس".
فلم لا يكون العنوان إذن هو نهاية الرومنسية؟ أو هوان الحب؟ لماذا كان اختيار عنوان يجعل الناس يتخيلون ـ كما لا بد تخيلتم ـ أن الناس لم تعد تمارسه؟
هذا يتوقف على معنى كلمة "النهاية".
قالت لي فريتاس مؤخرا "أنا لا أقول بنهاية الجنس. أنا في واقع الأمر أستخدم العبارة في سياق أكثر فلسفية. ففي عالمي، ووفقا لخلفيتي الأكاديمية، نستخدم ’النهاية the end’ فنعني بها غرض شيء ما أو معناه". وفي ظل المعلومات المغلوطة التي تحفل بها أذهان الطلبة فيما يتعلق بثقافة العلاقات الجنسية العابرة فإن "الشباب بحاجة إلى أن يطرحوا هذا السؤال على أنفسهم".
كان الكتّاب في الماضي يعتمدون على هذا المعنى الثانوي لكلمة النهاية، ولكنهمكانوا يعترفون بهذا مبكرا، وهذا أفضل. ففي تمهيد كتابه الصادر سنة 1995 بعنوان "نهاية التعليم" على سبيل المثال، يقول "نيل بوستمان" إن كلمة النهاية قد تعني الغرض أو المنتهى، ويعد أنه سوف يتعامل مع كلا المعنيين.
تعترف فريتاس أن الناس لم يفهموا عنوان الكتاب على النحو الذي رمت إليه. وتقول "إن ما أدهشني هو أن أحدا لم يفترض حتى ازدواجية المعنى. الجميع افترضوا أنني أقول إن الجنس انتهى".
وليس صعبا أن ندرك سبب ذلك.

النهاية المفاهيمية

النهايات المفاهيمية قريبة من نهاية الشيء كما نعرفه، إلا أن هناك فارقا واحدا: فليس لدينا هنا شيء في حالة تغير، ولكن نظرتنا إلى شيء هي التي تتغير. تتواتر النهايات المفاهيمية على نحو أكبر في عالم الأفكار أو المدركات الثقافية. (ومن الكتب ما يصلح في كلتا الفئتين من قبيل "نهاية الطبيعة " الصادر لـ بيل مكيبين سنة 1989 أو "نهاية القيادة" لـ باربرا كيلرمان).
"نهاية أمريكا البيضاء؟" لكاتبه "هوا هسو" أستاذ الإنجليزية بجامعة فاسار والمنشور في ذي أطلنطيك في عام  2009 يعد مثالا عميقا واستثنائيا على النهاية المفاهيمية. فالمقال سيستعرض نتائج استقصاء تشير إلى أنه بحلول عام 2042، سوف تتحول جماعات تعد اليوم من قبيل الأقليات في أمريكا ـ مثل الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقة أو الهسبانية أو الآسيوية ـ إلى أغلبية سكان الولايات المتحدة. لكنه لا يتنبأ بعواقب هذا التحول على المستوى السياسي أو الاجتماعي الاقتصادي. وبدلا من ذلك يتساءل: "ما الذي سوف يعنيه أن تكون أبيض بعدما لا يكون ’البياض’ هو محدد المتن؟". وبعد جولة فاتنة في البياض بوصفه كيتشا kitsch جديدا والتعددية الثقافية بوصفها شرطا جديدا، نصل إلى إجابة هسو: ليست نهاية أمريكا البيضاء، وإنما هو جسر إلى أمة ترى العرق "بوصفه مجرد واحد من عدد لا نهائي فيما يبدو من وسائل تعريف الذات المحتملة".
وهذا عمل جدير بالقراءة حتى النهاية.

نهاية لو كانوا سمعوا كلامي

يكتب الصحفي "جون هورجان" قائلا إن "لدينا السبيل إلى إنهاء الحروب، وليس ينقصنا إلا الإرادة". في كتابه العاطفي، والأسطوري أيضا، الصادر عام 2012 بعنوان "نهاية الحرب"، يهدم هورجان كثيرا من مبررات نزوع البشرية إلى الحروب ـ الأعراق، ندرة الموادر، الاختلافات الثقافية ـ ويؤكد أن الحرب اختيار. فـ "الحرب ليست شيئا يقع لنا. بل شيء نحن نوقعه. الحروب جميعا تبدأ من قرارات بشرية".
وبعد استعراضه أدلة تراجع العنف، يصل هورجان إلى ذروته قائلا "إننا لو أردنا السلام بالدرجة الكافية، فبوسعنا تحقيقه ... الخيار لنا". والخيار يقتضي تقليص الميزانيات العسكرية، إلغاء بيع السلاح، إزالة الترسانات النووية وإلغاء حكم الإعدام، كبداية. ويؤكد أنه "بزعامة شجاعة ذات خيال، يمكننا أن نعيش إلى حد بعيد في عالم خال من الحرب".
كلام جدير بالإعجاب، لكنه ليس مقنعا بصورة رهيبة. وهنا تكمن مشكلة كتب "نهاية الـ " حين تمزج النبوءة بالوصفة، والسياسة بالصواب.
في "نهاية الفقر" على سبيل المثال، يعلن "جيفري ساكس"، أنه في ضوء ما يمكن للعالم أن يحققه من ثراء وخبرة "فإن من الممكن إنهاء الفقر المدقع لا في زمن أحفادنا بل في زماننا نحن... وأنا هنا لا أتنبأ بقدر ما أبين ما يمكن حدوثه".
قد يكون هذا هو الأكثر إلهاما في كتب النهايات، ولكنه الأشد إحباطا في الوقت نفسه. فلو ثبت أن الكتّاب أصابوا فهو متنبئون، ولو ثبت أنهم أخطأوا (وهو ما أميل إليه) فليس الخطأ خطأهم، بل خطؤكم أنتم، وخطئي أنا، لأننا لم نتبع نصيحتهم. نحن الذين فشلنا في امتلاك الإرادة والموارد والرؤية لبلوغ تلك النهاية/الغاية.
والآن، هل سيأتي يوم نرى فيها نهاية "نهاية الـ"؟
تدرك "لارا هايمرت"، من دار بيزك بوكس، أن عناوين الكتب صرعات، من العناوين الطويلة، وحتى العناوين المؤلفة من كلمة واحدة، إلى أمثال صيغة "[كذا] الذي غير العالم" وصيغة "ما يمكن أن نتعلمه من س عن ص". ولكنها تبقى من محبي "نهاية الـ".
تقول هايمارت التي أصدرت دارها كتابي نعيم وفريتاس إن "وظيفة عنوان الكتاب هي أن يحقق أكبر ادعاء ممكن. العنوان ليس موضع الفوارق الدقيقة. العناوين الفرعية شارحة، العناوين الأساسية جاذبة".
"نهاية الـ " حسبما تقول هايمارت "عنوان جاذب"، وبرغم أي تأثير جانبي، تعتقد هي أن هذه الكتب تستحق تفردها. وتشير هايمارت إلى أن "الناس  لا تقوم بجمع كتب ’نهاية الـ’ فلا أعتقد أن أحد يشتري ’نهاية التاريخ’ لأن ’نهاية الجنس’ أعجبه".
ربما لا يكون الأمر كذلك. لكن بعد فترة يمكن لهذه الأفكار أن تغيم جميعا في إحساس ذاتي دائم بالنهاية. ففي مقالة نشترها نيويورك تايمز في يناير بعنوان "نهاية المغازلة" أشير إلى أن كتابي فريتاس وروزين يدعمان الفرضية القائلة بأن العلاقات العابرة حلت محل المواعدة الغرامية القديمة. والفصل الأول من كتاب "نهاية الأسواق الحرة" لبريمر يبدأ  بمقتطف من مقالة "نهاية التاريخ؟" لـ فوكوياما ورافي زاخاريس كتب "نهاية العقل" ليرد به على "نهاية الإيمان" لـ سام هاريس، وهذا معلن في الفقرة الأولى منه. فكل نهاية ـ كما نرى ـ بداية أخرى.
يظن بريمر أننا نعيش فترة من اللايقين هي التي تفرض هذا الاتجاه. ولقد كتب لي في رسالة إلكترونية يقول إننا "في فترة تدمير جيوسياسي خلاق ... وسرعة التغير متزايدة. والأنظمة الجديدة الناشئة ليست واضحة بعد بقدر وضوح حقيقة مفادها أن البنى القديمة لم تعد تعمل". ولذلك فهو يخلص إلى أن "الشيئ الوحيد الذي لن نرى نهايته هو كتب ’نهاية الـ’".
في حين ترى روزين أن تكاثر هذه الكتب دليل على تنامي هضمنا للمعلومات والأفكار. تقول إن "المناخ الراهن يسمح بنقاش هائل وعظيم". وبرغم أنها تفخر أكثر ما تفخر بشخصيات "نهاية الرجال" وحكاياته التي لم تلق اهتماما كافيا إلا أنها تعترف "أنك بمجرد قراءة العنوان يمكن أن تنخرط في نقاش عريض وضخم".
ولكي يظهر كاتب في هذا الجو "فهو بحاجة إلى أفكار قوية وكبيرة".
غير أنه لا بد أيضا من قدر غير قليل من الغرور لإعلان نهاية شيء ما. ففي معرض نقده لفرضية "نهاية التاريخ؟" التي قال بها فوكوياما، حذر صمويل هنتنجتن من "غلطات النهائيزم [أو النهائية endism]، أي من الإيمان أكثر مما ينبغي بالتنبؤ التاريخي والأحداث العابرة. ذلك أن النزعات القائمة في نهاية المطاف ـ حسبما قال ببساطة ـ "قد تستمر في المستقبل وقد لا تستمر".
وإذن، قد يصعد الرجال من جديد، والأسواق الحرة قد تبقى، والسلطة قد تتركز، والمحامون قد يزدهرون، والجنس قد يتعاظم ويتكاثر. وحسبما قالها لي "هسو" من جامعة فاسار "إن هذه الطريقة في التفكير تكون في أفضل حالاتها عندما تعي ذاتيا ولو إلى حد ما بمحدوديتها".
لولا أن النوع كله ينفر من هذا. فكلما عظم الزعم بالنهاية، وعظم الشيء المزعوم نهايته، عظم شأن العمل كله. ولهذا السبب نرى مقالات من قبيل مقالة بيتر ثيل "نهاية المستقبل" فإذا بها ذات طموح لا يطاوله إلا تهافت حجتها.
لو أنك تزعم أن شيئا بعينه آخذ في الانتهاء، فهذا أمر قابل للقياس، والملاحظة، والجدال. التحديد يعني المعرفة. والتعميم يعني عدم المسئولية تجاه شيء.
وعليه تعالوا نختصر المسافات ونعلن من الآن نهاية كل شيء.

نشر الموضوع اصلا في واشنطن بوست بتاريخ 5/ابريل/2013 ونشرت الترجمة في شرفات اليوم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق