لماذا لا يمكن أن ترحل الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط؟
الخروج المستحيل
مايكل جيه توتن
مزاج أمريكا معتل.
فهي في غمار أسوأ اقتصاد منذ سبعينيات القرن الماضي، وعلى شفا الخسارة في حرب أفغانستان، وهي أطول حرب خضناها، وضد خصوم مذهلين في بدائيتهم.
ولو أمكن القول بأننا كسبنا حرب العراق، سيبقى حقيقيا أنها كبدتنا بلايين الدولارات، وآلاف الأنفس، وأن العنف لا يزال يسيطر على بغداد، مثلما الفوضى والخلل.
والربيع العربي المغالى في مدحه ألغوه في مصر. وتحرير ليبيا أفضى إلى اغتيال سفيرنا فيها. وسوريا تتحطم في حرب شاملة بين أشرار في الجانبين، بينما الولايات المتحدة واقفة على الهامش حائرة، مشغولة بحفظ ماء وجهها في هذه المرحلة أكثر مما هي مشغولة بأن يكون لها تأثير حقيقي على الأرض.
أغلبية الناخبين الأمريكيين من كلا الحزبين حسموا أمرهم. هم، بجلاء، لم يعد لديهم أدنى اهتمام بالمساعدة الخارجية بالمال أو بالنفس. حتى الكثير من محترفي السياسة الخارجية ضاقت صدورهم. فنحن نلام من الجميع على مشكلات الشرق الأوسط، حتى التي ابتلى بها نفسه. فيا لها من راحة تلك التي سوف نستشعرها إن نحن أدرنا لهم ظهورنا، ونفضنا الغبار عن أيدينا، وقلنا لهم أنتم وشأنكم.
لكننا لا نستطيع.
في الواقع، وبالنسبة لمصر، ربما نكون قادرين. وربما هذا ما يجدر بنا أن نفعله.
لقد كان حسني مبارك قائدا بشعا، وحليفا فاترا في أفضل الحالات، ولكن القاهرة كانت ـ حتى قيام الجيش المصري باعتقاله في عام 2011 ـ جزءا من المعمار الأمني المدعوم أمريكيا في شمال أفريقيا وشرق المتوسط، وذلك منذ أن قام سلفه أنور السادات بإلقاء تحالف مصر مع الاتحاد السوفييتي في سلة القمامة.
وجاء انتخاب نظام الإخوان المسلمين غداة الربيع العربي لينقل مصر إلى خانة "الصديق في الظاهر العدو في الباطن". وهي لا تزال في هذه الخانة في ظل الحكم العسكري للجنرال عبد الفتاح السيسي، رأس الدولة المصرية الجديد بكل المعاني اللهم إلا المعنى الشكلي منذ أن قام الجيش بإبعاد محمد مرسي.
ليس السيسي أقل عداء للغرب مما كان عليه مرسي. ومثلما قالها "لي سميث" بعيد الانقلاب الثاني في فترة ثلاث سنوات، فإن زعيم مصر الجديد "لا يرى الولايات المتحدة أكثر من دعامة، أو تكأة يظهر بها كرجل قوي، عمدة قرية ينفخ صدره ويتباهى بأنه لا يخاف من مواجهة الأمريكان".
يعرف السيسي بلده ويعرف ما يجتذب به الجماهير. فالشعب كله ـ من اليسار واليمين والوسط ـ معاد للولايات المتحدة اليوم شأن الأمس بالضبط. لا يهم أن يكون الأمريكان قد دعموا الانتفاضة ضد مبارك. لا يهم أن تكون واشنطن قد سعت إلى علاقات جيدة مع أول حكومة مصرية منتخبة انتخابا حرا منذ آلاف السنين. لا يهم أن إدارة أوباما ترفض أن تطلق على انقلاب الجيش تسميته الحقيقية الواضحة لكي تحافظ على تدفق أموال المعونات إلى مصر. كل ذلك ليس مهما. فالولايات المتحدة وصديقتها الصهيونية تبقيان في مصر رمزا للشر الخالص.
والاستمرار في تقديم رشوة ببلايين الدولارات من المعونات السنوية حفاظا على معاهدة السلام بينها وبين إسرائيل ودفعا لها لقمع الإسلام الراديكالي بات اليوم أقل منطقية حتى مما كان عليه في فترة حكم مرسي والإخوان. فلقد كان مرسي بحاجة إلى المال للحيلولة دون وقوع مجاعة في مصر. ومن ثم كان لديه حافز كبير للتعاون ـ أم شيء آخر.
والإخوان الآن خارج الصورة، وذلك جزئيا بأمر من السعودية، والرياض تقول إنها سوف تعوض الفارق في حال قيام واشنطن بإغلاق صنبور المعونة.
أغلقوها إذن. لأنكم لن تشتروا بأموالنا من السيسي شيئا ما دام يسهل عليه الحصول على بديل لها. وإذا كان سيحصل على نفس المال سواء أطاع البيت الأبيض أم لم يطعه، فلماذا يطيعه؟ إنه ليس صديقنا. إنه على بعد خطوة فقط من إحراق علم أمريكي في مظاهرة. ثم إن لديه كثيرا من الدوافع والأسباب الخاصة للسيطرة على الإسلاميين الراديكاليين بما أنهم يريدون تدميره. وجيشه هو المؤسسة المصرية الوحيدة التي ليس لديها أدنى اهتمام بالدخول في صراع مسلح مع إسرائيل لأنها المؤسسة التي سوف تعاني أكثر من غيرها أشد المعاناة.
نحن ندفع له إما بدافع العادة المحضة أو لأن واشنطن تتصور أنها قد تحصل على مقابل لهذا الاستثمار. وقد تحصل، وقد لا تحصل.
في كلتا الحالتين، أثبت السيسي أنه أشد عنفا وقسوة من مبارك، وذلك حينما أصدر أوامره بإطلاق الرصاص على مئات المدنيين غير المسلحين. وحقيقة أن الإخوان المسلمين "ثأروا" بإحراقهم عشرات الكنائس، والاغتيال العشوائي للمسيحيين، وإطلاق الرصاص على رجال الشرطة لا يبرر ما سبق له هو القيام به. فلقد كان ـ ولو لأيام قليلة ـ مثل بشار الأسد لا يفضله في شيء. وإعطاؤه المال والسلاح لن يزيدنا أصدقاء بل أعداء، خاصة حينما يثبت نظامه أنه ليس أقدر على الحيلولة دون انهيار مصر من النظام السابق عليه.
ولقد قالها "ماكس بوت" من مجلس العلاقات الخارجية في "لوس آنجلس تايمز": "ليس من المصادفة أن يكون أسامة بن لادن ونائبه أيمن الظواهري ينتميان إلى بلدين حليفين للولايات المتحدة في كل منهما نظام يقهر مواطنيه. فلقد توصل كلا الرجلين إلى أن السبيل إلى تحرير بلديهما هو الهجوم على من يناصر هذين النظامين. ومن المنطقي أن نتوقع ميلاد جيل جديد من الإسلاميين في مصر، جيل يتعلم الآن أن الطريق السلمي إلى السلطة لم يعد مفتوحا، فيتحول إلى العنف، وما دامت واشنطن تعد واقفة في جانب الجنرالات، فإن نصيبها من عنفهم في الطريق".
وحتى إن واجه الجيش المصري تمردا مسلحا إسلاميا شاملا كالذي مزق الجزائر في تسعينيات القرن الماضي ـ وهو أمر غير مرجح وإن يكن واردا ـ فسيبقى بوسع القاهرة أن تحصل على كل عون هي بحاجة إليه من الخليج، لا لأن السعوديين يعارضون الإسلام الراديكالي، بل لأنهم يرون أن الإخوان المسلمين هم التهديد الأكبر على حكمهم.
فكرة الخروج من مصر ونفض أيدينا من غبارها سديدة.
***
أما ليبيا فحالة أخرى تماما.
بعدما تعلمت الولايات المتحدة أن احتلال الأراضي العربية ضار جدا بصحة الجميع، ساعدت في تحرير ليبيا من معمر القذافي دون أن تخسر نفسا واحدة. نفذنا المهمة كاملة من السماء. فقد كانت الأرض تغص بالثوار من أهل البلد، ولم يكن ثمة داع لوجود قوات أمريكية على الأرض. ولم يكن للقذافي أصدقاء يهبون لنجدته، ولم تكن أمامه فرصة بما لديه من عتاد واهن عفا عليه الزمن.
رئيس الوزراء الليبي علي زيدان |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق