هل
للعنف المناهض لأمريكا علاقة بالدين؟
ميمي هاناوكا
اكتسى العنف برداء من الدين، أعني العنف
الفوضوي الذي أودي بحياة سفير الولايات المتحدة الأمريكية في لبيبيا كرستوفر
ستيفنز وثلاثة من العاملين في السفارة، والعدوان على السفارة الأمريكية في
القاهرة. ولكن الخطاب الديني المسموع من جميع الأطراف يشتتنا عن القضايا الحقيقية:
يشتتنا عن التشرذم السياسي المحلي الخطير في كل من ليبيا ومصر في أعقاب الربيع
العربي، وعن مكان أمريكا في المنطقة.
لقد تركز انتباه وسائل الإعلام على المقطع
البالغ طوله أربع عشرة دقيقة من فيلم "براءة المسلمين" Innocence
of Muslims المعروض على يوتيوب بوصفه
المحرض على تظاهرات بنغازي والقاهرة. قيل إن الفيلم من إنتاج سام باسيلي الذي عرَّف
نفسه بأنه يهودي إسرائيلي. وفي وول ستريت جورنال قال باسيلي عن الإسلام إنه
"سرطان" وزعم أنه جمع خمسة ملايين دولار من مائة من المتبرعين اليهود
لتمويل إنتاج فيلمه، فما كان من شأن هذه التفاصيل إلا أن زادت الفيلم قدرة على إثارة الجدل.
يصور المقطع ـ المدبلج إلى العربية
والذي شوهد آلاف المرات في الشرق الأوسط ـ النبي محمدا تصويرا سيئا. ويزعم القس
المثير للجدل تيري جونز، والذي سبق له أن أحرق القرآن في 2011، أنه قام بتصوير
الفيلم، وفي كاليفورنيا يزعم من يصف نفسه بالمقاتل المسيحي أنه استشير في صنع هذا
الفيلم.
ومع انتشار هذه الأخبار، وانتشار ردود
الفعل على الإنترت، يمكن تصوير رد الفعل العنيف في ليبيا ومصر بلا شك بوصفه غضبا
إسلاميا يقوم على أساس ديني وينم عن كراهية للغرب. وإذا قامت المزيد من المظاهرات
في المزيد من الدول الإسلامية بعد صلاة الجمعة [نشر المقال بتاريخ 13 سبتمبر]،
فسوف يزداد النزوع إلى فهم التظاهرات بوصفها أنشطة ذات طابع ديني.
ولكن هناك سبلا أخرى إلى فهم ما يجري.
قد يكون الهجوم المميت في ليبيا منفصلا عن مظاهرات الفيديو، وقد يكون مخططا له من
قبل. فالمظاهرات المناهضة لأمريكا ـ على أية حال ـ ليست بالضرورة دلائل على كراهية
دينية إسلامية بقدر ما هي انفجارات تحدث لأسباب معينة في سياقات محلية معينة وقلقة
في حقبة ما بعد الربيع العربي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. والمزيد من
المظاهرات التي قد تندلع عقب صلاة الجمعة في هذه البلاد قد تكون دليلا على انخراط
جديد في لعبة السياسة بقدر ما يمكن أن تكون دليلا على الحمية الدينية.
لقد أنتج الربيع العربي معادلة معقدة من
القلاقل السياسية في ليبيا وفي مصر، علاوة على أصداء اقتصادية واجتماعية هائلة في
هذين البلدين بما لهما من علاقات جيوسياسية واستراتيجيات. والعنف المناهض لأمريكا
في بنغازي والقاهرة هو في الغالب انعكاس لضعف الحكومتين المركزيتين في أعقاب
الإطاحة بطاغيتين طال بكل منهما البقاء في الحكم، كما أن هذا العنف يأتي في غمرة
تحايل العديد من اللاعبين السياسيين والمنظمات من أجل الوصول إلى سدة الحكم.
ولو أن رد الفعل هذا كان دينيا، لكانت
المملكة العربية السعودية ـ وهي الصرح التقليدي للمغالاة السنية والمعادية لأي
تصوير للنبي محمد ـ هي الموضع الذي يثير فيه الفيلم أولى ردود الأفعال. ولكن ذلك
لم يحدث. ولا نحن سمعنا بصيص احتجاج من البحرين، أو قطر، أو الإمارات العربية
المتحدة، أو عمان، أو الكويت، وهي دول الخليج العربي ذات الحكومات الراسخة التي
بقيت ثابتة في السلطة أثناء الربيع العربي.
ومع تحول الثورات والحركات الديمقراطية
الهائلة في ليبيا ومصر إلى الواقع المؤلم المعني بإقامة القانون وفرض النظام، فإن
على النظامين الحاكمين الجديدين أن يجدا موطئي قدميهما في العالم. ولسوف تعمل
الحكومات المنتخبة حديثا في ليبيا ومصر وبلاد أخرى لسنوات عديدة على إقامة القانون
وفرض النظام، وهي مهمة بالغة التعقيد في ليبيا بما فيها من فوضى بعد الحرب
الأهلية. أما مصر فقد استطاعت جماعة الإخوان المسلمين أن تقوم بتطويق السلطة
العسكرية، ولسوف يتنافس العلمانيون من الأفراد والتنظيمات على النطق باسم الدولة
الجديدة.
في وقت كهذا، يصبح استخدام الدين وحده
في تفسير ما يجري أمرا مخالفا لوقائع الأمور، وغير مثمر بالتأكيد. ولسوف يحاول
الأفراد والحشود والميليشات من جميع الأطراف ـ أي في الولايات المتحدة مثلما في
مصر وليبيا ـ أن يتكئوا على الإسلام. والحشود التي تسهل إثارتها في الشرق الأوسط
قد تنتكس على جهود إرساء قواعد الديمقراطية وتحرم دولها الوليدة من الاستثمارات
الاقتصادية والسياحة والدعم الجيوسياسي الذي تحتاج إليه. وفي أمريكا، سوف يحاول
المحرضون التأثير على الرأي العام في هذا الوقت السياسي المثير. ولذلك فمن المهم
أن يبقى صانعو السياسات والعاملون في الإعلام منتبهين إلى أن الأسباب الحقيقية هي
في الأغلب أسباب محلية، وهي طول الوقت أسباب سياسية.
كاتبة المقال أستاذ مساعد الدراسات
الدينية والإسلامية في جامعة ريتشموند وتعمل حاليا على كتاب حول الهوية الإسلامية
المبكرة في بلاد فارس.
عن لوس آنجلس تايمز.
نشر في جريدة عمان بتاريخ 15 سبتمبر 2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق