المختفي
كيف غيرت الفتوى حياة كاتب؟
(: انظروا كيف يبدو شريرا :) |
سلمان
رشدي
1989
وفيما بعد، عندما أخذ
العالم يتفجر من حوله، ضاق بنفسه لنسيانه اسم صحفية "بي بي سي" التي
أخبرته بأن حياته انتهت، وبأن وجودا جديدا أشد كآبة قد بدأ. كانت قد اتصلت به في البيت، على رقمه الخاص، بدون أن تبين له
كيف عرفت الرقم. سألته "ما إحساسك الآن وقد صدر ضدك حكم بالإعدام من آية الله
الخميني؟". كان يوم ثلاثاء مشمسا في لندن، ولكن السؤال حجب النور. قال لها،
وهو لا يعرف بالضبط ما الذي يقوله: "ليس إحساسا طيبا". ولكن ما جال في
فكره هو: أنا رجل ميت. تساءل كم يوما بقي له، وخمن أن الجواب قد لا يكون إلا عددا مكونا
من رقم مفرد. وضع سماعة الهاتف، ونزل السلم جريا من غرفة مكتبه في أعلى بنياية إيزلنجتن الضيقة التي كان
يعيش فيها. كان لشبابيك غرفة المعيشة مصاريع خارجية خشبية، فسارع في عبثية يغلقها،
ويوصدها. ثم ذهب إلى الباب الأمامي فأغلقه هو الآخر.
كان يوم
الفالانتين، ولكنه لم يكن على وفاق مع زوجته الروائية الأمريكية ماريان ويجنز. كانت قبل خمسة أيام قد
قالت له إنها غير سعيدة في الزواج، وأنها "لم تعد تشعر أنها بخير معه". وبرغم
أنهما كانا متزوجين منذ عام واحد فقط، إلا أنه هو الآخر كان يعرف أن زواجهما كان غلطة.
بقيت تحملق فيه وهو يتحرك في توتر في أرجاء البيت، يسدل الستائل، ويتحقق من أقفال
الشبابيك، وقد شحن الخبر جسمه، فكأن تيارا من الكهرباء يسري فيه، وكان عليه أن
يشرح لها ما يجري. جاء رد فعلها جيدا وشرعا يتناقشان فيما ينبغي أن يفعلاه. قالت
"نحن". وكان في قولها هذا شجاعة.
وصلت سيارة إلى
البيت، مبعوثة من شبكة سي بي إس التليفزيونية. كان عنده موعد مع استديو الشبكة
الأمريكية في بوووتر هاوس بـ نايتسبريدج للظهور على الهواء من خلال القمر الصناعي
في برنامج القناة الصباحي. قال "لا بد أن أذهب. إنه لقاء على الهواء. لا يمكن
أن أعتذر".
في وقت لاحق من
ذلك الصباح، كانت الكنيسة الأورثوذكسية اليونانية في طريق موسكو بـ بايزووتر سوف
تشهد إقامة عزاء لصديقه بروس تشاتوين ـ الذي مات بسبب الايدز. سألته زوجته
"وماذا عن العزاء؟". ولم يكن عنده جواب لسؤالها. فتح الباب الأمامي،
وخرج، وأقلته السيارة، وانطلقت به. لم تكن لحظة خروجه من البيت ذات معنى مرعب بصفة
استثنائية، ذلك أنه لم يكن يعرف آنذاك أنه لن يرجع إلى هذا البيت، في 41 شارع سان
بيتر، الذي ظل يسكنه على مدار نصف عقد، إلا بعد ثلاث سنوات، حين لا يكون البيت
بيته.
في المقر التابع لسي بي إس، كان هو حدث ذلك
اليوم. كان العاملون في غرفة الأخبار أمام مختلف الشاشات يستخدمون الكلمة التي
سرعان ما سوف تعلق في عنقه علامة عليه. "الفتوى".
أقول لمسلمي
العالم الأعزاء إن مؤلف كتاب "آيات شيطانية"، وهو الكتاب المناهض
للإسلام والنبي والقرآن، وكل المشاركين في نشره العارفين بفحواه، محكوم عليهم
بالموت. وإنني أطالب كل المسلمين بإعدامهم أينما يعثرون عليهم.
كان أحدهم قد أعطاه ورقة بهذا النص وهو يدخل
الاستديو لبدء الحوار. أرادت ذاته القديمة أن تجادل في كلمة "محكوم
عليهم". فذلك لم يكن حكما من أية محكمة يعرفها، أو لها سلطة قضائية عليه.
ولكنه علم أن ذاته القديمة بكل ما لها من عادات لم تعد ذات نفع. كان قد أصبح ذاتا
جديدة. كان الشخص الواقع في قلب العاصفة، لم يعد الـ سلمان الذي يعرفه أصحابه بل
الـ رشدي مؤلف "آيات شيطانية"، ذلك العنوان الذي تشوه بحذف "ال"
التعريف. كانت "الآيات الشيطانية" رواية، أما "آيات شيطانية"
فكانت آيات ذات طبيعة شيطانية، وهو كان مؤلفها الشيطاني. ما أسهل أن تمحو ماضي
امرئ وتنشئ منه نسخة جديدة، نسخة طاغية، يبدو وكأنما لا سبيل إلى محاربتها.
نظر إلى الصحفيين
الناظرين إليه وهو يتساءل إن كانت هذه هي نظرة الناس إلى من يساقون إلى المشنقة أو
الكرسي الكهربائي. جاء مراسل أجنبي إليه يريد أن يكون لطيفا. سأل هذا الرجل عما
ينبغي أن يفعله إزاء تصريح الخوميني. أهو مجرد قول خطابي أم كلام ينطوي على خطر
حقيقي؟ قال الصحفي "أوه، لا تقلق كثيرا. الخوميني يحكم على الرئيس الأمريكي
بالإعدام كل جمعة".
على الهواء، سئل
عن رد فعله تجاه التهديد، فقال "أتمنى لو كنت كتبت كتابا أشد انتقادا".
وشعر بالفخر، في ذلك الوقت وفي كل وقت، لأنه قال هذا. تلك كانت الحقيقة. لم يكن
يشعر أن كتابه ينتقد الإسلام بصفة خاصة، بل دينا ـ كما قال للتليفزيون الأمريكي في
ذلك الصباح ـ يتصرف قادته بهذه الطريقة قد يستوجب شيئا من النقد.
عندما انتهى
اللقاء، قيل له إن زوجته اتصلت. اتصل بالبيت. قالت له "لا ترجع إلى هنا. هناك
مائتا صحفي ينتظرونك على الرصيف".
قال لها
"سأذهب إلى الوكالة. جهزي حقيبة والحقي بي هناك".
كان مقر وكالته
الأدبية "وايلي، آيتكن آنج ستون" منزلا أبيض في طريق فيرنشو بتشيلسي. لم
يكن الصحفيون يتزاحمون هناك، واضح أن الصحافة لم تتصور أن يذهب لزيارة الوكالة في
يوم كهذا، ولكنه لم يكد يدخل حتى سمع كل هاتف في المبنى يرن، وكان كل متصل يسأل
عنه. نظر إليه وكيله البريطاني "جيلون آيتكن" في ذهول.
تبين أنه غير قادر
على التفكير، وأنه لا يعرف كيف سيكون شكل حياته ابتداء من اليوم. قد يركز تفكيره
على ما بين يديه مباشرة، والذي كان بين يديه مباشرة في تلك اللحظة هو عزاء "بروس
تشاتوين". قال جيلون "وهل تظن يا عزيزي أنك ينبغي أن تذهب"؟ كان بروس صديقا مقربا. قال
"اللعنة! هيا نذهب".
وصلت ماريان، وعلى
وجهها سيماء التشوش، والضيق بسبب محاصرة المصورين لها عند خروجها من البيت. لم
تتكلم كثيرا. لا هي ولا هو. ركبا في سيارتهما، الـ ساب Saab سوداء، ساقها هو إلى بايزووتر، بينما جيلون
بجسمه الطويل المنهك، وتعبير القلق المرتسم على وجهه، قابع في المقعد الخلفي.
كانت أمه وأخته
الصغرى تعيشان في كراتشي في باكستان. ما الذي سيجري لهما؟ وكانت أخته الوسطى،
المنفصلة منذ وقت طويل عن العائلة، تعيش في بيركلي بكاليفورنيا. فهل تكون في أمان
هناك؟ شقيقته الكبري، سامين، "توأمته الأيرلندية"، كانت تقيم مع عائلتها
في ويمبلي، غير بعيدة عن الاستاد. ما الذي ينبغي القيام به حمايةً لهم؟ وابنه
زفار، الذي كان عمره تسع سنوات وثمانية شهور، كان يعيش مع أمه كلاريسا في بيتهما
قرب كليسولد بارك. في تلك اللحظة، بدا عيد ميلاد زفار العاشر، بعيدا شديد البعد.
كان العزاء في
كاتدرائية سان صوفيا التابعة لإبرشية ثياتريا وبريطانيا العظمى، المقامة والمزخرفة
قبل مائة عام وعشرة في محاكاة لإحدى كاتدرائيات بيزنطة القديمة، فكانت مبهرة،
يونانية، غامضة. بروس تشاتوين الذي والذي والذي، هكذا تردد صوت القسيس، بروس
تشاتوين الذي والذي والذي. ووقفوا، وجلسوا، وركعوا، ووقفوا، وعادوا فجلسوا. وامتلأ
الهواء بنتن الدخان المقدس.
كان جالسا هو
وماريان بجوار [الروائي البريطاني] مارتن أميس وزوجته أنطونيا فيليبس. قال مارتن
وهو يعانقه "نحن قلقان عليك". فقال له "وأنا قلق على نفسي".
بروس تشاتوين الذي والذي والذي. كان [الكاتب الأمريكي] باول ثيرو جالسا في المقعد
الذي وراءه. قال "أعتقد أننا سنجتمع هنا من أجلك الأسبوع القادم يا
سلمان".
كان هناك بضع
مصورين على الرصيف المحاذي للكنيسة عندما وصل. والكتاب في العادة لا يجتذبون
المصورين المحترفين. غير أن المصورين بدأوا يدخلون الكنيسة مع تقدم مراسم العزاء.
ولما انتهت المراسم، اندفعوا جميعا باتجاهه. حاول جيلون وماريان ومارتن أن يحولوا
بينهم وبينه. ولكن رجلا رماديا (رمادي السترة، والشعر والوجه والصوت) نجح في
اختراقهم، وصوب إليه مسجلا، ووجه إليه السؤال الواضح. فقال "آسف. أنا هنا
للمشاركة في عزاء صديق. وليس من الملائم إجراء حوارات".
قال الرمادي في
حيرة "يبدو أنك لا تفهم. أنا من ديلي تلجراف. وقد بعثوني إليك، خصيصا".
قلت "جيلون،
أنا محتاج مساعدتك".
انحنى جيلون إلى
الصحفي من ارتفاعه الشاهق وقال في حزم وبلهجته الفخمة "غور من هنا".
قال مبعوث الديلي
تلجراف "لا يمكنك أن تكلمني بهذه الطريقة. أنا خريج المدرسة الحكومية
[المرموقة]".
بعد ذلك، لم يبق
مجال للكومديا. فما كاد يخرج إلى طريق موسكو، حتى رأى الصحفيين محتشدين كأنهم ذكور
النحل تطارد الملكة، والمصورين يتسلقون ظهور بعضهم البعض فكأنهم تلال صغيرة تسطع
من فوقها الفلاشات. وقف هناك ترمش عيناه، لا يعرف له اتجاها، تائها للحظات. لم يكن
ممكنا أن يتجه إلى سيارته المركونة على بعد مائة ياردة بمحاذاة الرصيف، دون أن
تتبعه الكاميرات والميكروفونات، والرجال الذين تخرجوا في مختلف أنواع المدارس
والمبعوثين خصيصا إليه. أنقذه صديقه المخرج السينمائي والموظف في بي بي سي
"آلن ينتوب". كانت سيارة بي بي سي التي يستعملها آلن مركونة في مواجهة
الكنيسة. قال "اركب" ثم انطلقا مبتعدين عن الصحفيين الصارخين. أخذا
يدوران قليلا حول حديقة نوتنج هيل حتى توزع الحشد من أمام الكنيسة ثم رجعا إلى حيث
كانت الساب مركونة. استقل السيارة هو وماريان، وبغتة صارا وحدهما. سألها "إلى
أين نذهب؟" برغم أن كليهما كانا يعرفان الجواب. كانت ماريان قد استأجرت مؤخرا
شقة صغيرة في الطابق تحت الأرضي في بناية في الركن الجنوبي الغربي من ميدان
لونسديل في إيزلنجتن، غير بعيد من بيت شارع سان بيتر، وكان المفترض أنها استأجرتها
لتعمل فيها، ولكن السبب الحقيقي كان يرجع إلى التوتر الذي كان بينهما. لم يكن يعرف
أن لديها هذا المكان إلا عدد قليل للغاية، ومن ثم فقد كان لهما في تلك الشقة مكان
لتقييم الموقف واتخاذ القرارات. مضيا إلى إزلنجتن في صمت. لم يبد أن لدى أي منهما
ما يمكن أن يقال.
كان ذلك عند
العصر، وفي ذلك اليوم بدت خلافاتهما الزوجية بالغة التفاهة. ففي ذلك اليوم كانت
المسيرات تجوب شوارع طهران حاملة صورا له منزوعة الأعين، فبدا كأنه جثة من جثث
"طيور" [لـ هتشكوك] ذات المحاجر المسودة الدامية التي انتزعت الطيور
مآقيها. كان ذلك هو موضوع اليوم: هدية الفالنتين السخيفة التي يتلقاها من أولئك
الملتحين، والمحجبات، من ذلك العجوز القاتل، الذي يحتضر في غرفته، والذي يبذل آخر
محاولة لنيل نوع دموي من المجد.
كان اليوم الدراسي
قد انتهى، وكان عليه أن يرى زفار. اتصل بصديقته بولين ميلفيل وطلب منها أن تبقى
برفقة ماريان وهو في الخارج. بولين، براقة العينين، جميلة الإيماءات، طيبة القلب،
ممثلة تمتزج فيها عدة سلالات، وتمتلئ بحكايات وقصص عن دولة جويانا، كانت بولين
جارة له في هايبيري هيل في مطلع الثمانينيات. جاءت على الفور، بدون أي نقاش، برغم
أن اليوم كان عيد ميلادها.
حينما وصل إلى بيت
كلاريسا وزفار، كانت الشرطة قد سبقته إليه. قال الضباط "أخيرا تظهر. كنا
نتساءل أين ذهبت".
"ما الأمر يا
أبي؟" هكذا سأله ابنه وعلى وجهه تعبير ما له أن يظهر على وجه صبي في التاسعة
من عمره.
قالت كلاريسا في
ذكاء "كنت أقول له إنك ستجد من يعتني بك إلى أن ينتهي كل هذا الضجيج، ثم يكون
كل شيء على ما يرام". ثم عانقت زوجها السابق كما لم تعانقه منذ انفصالهما قبل
خمس سنوات.
قال الضابط
"لا بد أن نعرف ما هي خططك الحالية".
فكر قبل أن يجيب.
وأخيرا قال "أظن أنني سوف أذهب إلى البيت". وتأكدت هواجسه من وقفة الضباط
المتوترة.
"لا يا سيدي.
لا أنصح بهذا".
ثم أخبرهم، وكان
طول الوقت يعلم أنه سوف يخبرهم، بأمر شقة ميدان لونسديل التي تنتظره ماريان فيها.
"وهي شقة ليس
معلوما أنك تتردد عليها يا سيدي؟"
"لا يا سيدي
الضابط".
"هذا حسن.
عندما ترجع إلى هناك يا سيدي، لا تخرج الليلة مرة أخرى، لو أن هذا يناسبك. هناك
اجتماعات معقودة، وسوف يصلك خبر بما تنتهي إليه في أسرع وقت ممكن من صباح الغد.
وحتى ذلك الحين، ينبغي أن تبقى في الشقة".
تكلم مع ابنه، وهو
يمسك به، ويقربه إليه، وقد قرر في تلك اللحظة أن يحكي للولد أكثر ما يمكن أن يحكيه
له، مضفيا على ما يجري أكثر صبغة إيجابية يستطيع إضفاءها، وبتلك الطريقة يساعد
زفار على أن يتعامل مع الحدث، ويشعر أنه جزء منه، وأن يعطيه نسخة أبوية يتشبث بها
بينما تنهال عليه نسخ أخرى في فناء المدرسة ومن شاشة التليفزيون.
"سأراك غدا
يا أبي؟"
هز رأسه، وقال
"ولكنني سوف أتصل بك. سأتصل بك كل مساء الساعة السابعة" وقال لكلاريسا
"وإذا حدث أن قررت الخروج، أرجو أن تتركي لي رسالة على المجيب الآلي في البيت
لتعرفيني بالموعد الذي يمكن أن أتصل فيه". كان ذلك في مطلع سنة 1989. كلمات
مثل كمبيوتر شخصي، ولاب توب، وموبايل، وإنترنت، وواي فاي، وإس إم إس، وإيميل لم
تكن صيغت بعد، أو في أفضل الحالات كانت جديدة تماما. لم يكن لديه كمبيوتر أو
موبايل. ولكنه كان يمتلك بيتا، وكان في البيت مجيب آلي، وكان يمكنه أن يتصل بالبيت
ويستجوب interrogate المجيب، وكان ذلك
استخدام جديد لكلمة "يستجوب" معناه الاستماع إلى الرسائل المسجلة. كرر
عليه "السابعة مساء. كل ليلة، أوكي؟"
أومأ زفار في
شجاعة "أو كيه يا أبي".
رجع بسيارته وحده،
والمذياع مفتوح على الأخبار، وكلها سيئة. لم يكن الخوميني مجرد رجل دين ذا نفوذ.
كان حاكم دولة، يصدر أمرا بقتل مواطن دولة أخرى، ليست له عليه أية سلطة قضائية،
وكان يعمل لحسابه قتلة استخدمهم من قبل ضد "أعداء" للثورة الإيرانية
وكان من بينهم من يعيشون خارج إيران. وذات يوم قال فولتير إن الكاتب يحسن صنعا إن
هو أقام على مقربة من منطقة حدود دولية، فإذا حدث وأغضب بعض ذوي النفوذ يكون بوسعه
أن يعبر الحدود فيكون في أمان. وفولتير نفسه ترك فرنسا إلى انجلترا، بعدما أهان
أرستقراطيا، هو فارس دو روان، وبقي في المنفى ثلاث سنوات. ولكن العيش في بلد غير
بلد قاهريك لم يعد يضمن الأمان. الآن هناك ما يسمى بـ "العمليات الخارجية".
الآن، بعبارة أخرى، يصلون إليك.
كان الليل في
ميدان لونسديل باردا، معتما، وصافيا. وفي الميدان شرطيان. عندما خرج من سيارته
تظاهرا أنهما لم يلاحظاه. كانا على مسافة قريبة، يراقبان الشارع القريب من الشقة
على بعد مائة قدم من كل اتجاه، وظل بوسعه أن يسمع وقع خطاهما حتى بعدما دخل الشقة.
وفي ذلك الفضاء الذي تتردد فيه أصوات الخطى، أدرك أنه لم يعد يفهم حياته، أو ما
يمكن أن تئول إليه حياته، وفكر، للمرة الثانية في ذلك اليوم، أنه قد لا يكون
المتبقي ليفهمه من هذه الحياة كثيرا على أية حال.
آوت ماريان إلى
السرير مبكرة. وآوى هو إلى السرير بجوارها، فاستدارت إليه، وتعانقا، بجمود، كما
يليق بزوجين تعيسين. ثم استلقى كل منهما مع أفكاره، في صمت، عاجزين عن النوم.
نشرت هذه المادة في ذي نيويوركر الأمريكية بتاريخ 17 سبتمبر 2012
نشرت هذه المادة في ذي نيويوركر الأمريكية بتاريخ 17 سبتمبر 2012
يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق