الخميس، 7 مارس 2024

حبر سري: مجموعة الكتابة الإبداعية في السي آي آيه

 

حبر سري: مجموعة الكتابة الإبداعية في السي آي آيه

جوناثان ليتشمان

في الربيع الماضي زارتني صديقة صديق لي في مكتبي ودعتني إلى محاضرة في (الحبر السري) وهي مجموعة للكتابة الإبداعية في السي آي آيه، أي المخابرات المركزية الأمريكية.

سألت فيفيان (وليس هذا اسمها الحقيقي) عما تريدني أن أتكلم عنه.

قالت إن الموضوع الحديث متروك لي تماما.

سألت عن مستوى الكتاب المشاركين في المجموعة.

قالت إن المجموعة تضم كتابا من جميع المستويات.

سألت عن مكافأة المحاضرة.

قالت إنه في حدود علمها ما من مكافأة.

أسهبت في هذا قليلا.

أكدت لي أنه ما من مكافأة للمحاضرة.

وحين تكون مؤسسة قد موَّلت مثلا الإطاحة بحكومة جواتيمالا، فلك أن تتصور أنها سوف تدفع مكافأة للمحاضرة. لكن قيل لي إن مجموعة الكتابة سوف تصطحبني بعد المحاضرة، بدلا من الأجر، إلى الغداء في غرفة الطعام التنفيذية. وسوف تلتقط لي أيضا صورة أمام شعار المخابرات يمكنني أن أنشرها بعد ذلك في أي مكان يروق لي.

"زيارتي إذن لن تكون سرية؟"

أكدت لي فيفيان أن بوسعي أن أخبر من أشاء. "فقط لا تخبرهم باسمي، وإلا سيتعين علي أن أقتلك. وهذا مزاح طبعا".

وفيما مضيت أدرس الدعوة، ظللت أتساءل لماذا دعيت أصلا. أنا لا أكتب في مواضيع قريبة من المخابرات، ولا أنا الروائي الناجح الذي يعرف اسمه الناس من خارج دائرة ضيقة ـ لا أعتقد أن فيها عملاء للمخابرات الأمريكية. لذلك كانت الدعوة أقرب إلى لغز. وكان ذلك ثاني أكثر الأسئلة تكرارا كلما قلت لأصدقائي الكتاب عن الأمر، لا يتجاوزه إلا سؤال "ما من مكافأة للمحاضرة؟". تساءلت في البداية إن كانت المهمة جزءا من استراتيجية تجنيد. لكن الأمر لا يستوجب جهاز مخابرات هائلا لمعرفة أنني لست خامة مخابراتية، وليس أهون أسباب ذلك أنني كاتب محترف.

 ثم إنني تساءلت هل يمكن أن تستغل زيارتي في حملة دعاية دبلوماسية للقوة الناعمة. انظروا كم نحن مسالمين! نسمح للكتّاب بدخول مقرنا والتقاط الصور. وقد سبق للمخابرات المركزية الأمريكية أن نحت هذا المنحى إلى التعزيزية الأدبية من قبل، بدعمها على سبيل المثال تأسيس المجلة التي أكتب لها الآن هذه المقالة بالذات فلم يكن الأمر مستبعدا. وكنت في عام 2021 قد رفضت دعوة من حكومة المملكة العربية السعودية لرحلة شاملة جميع التكاليف إلى منتجع العلا الكتابي، لأنني لم أشأ أن أكون جزءا من عملية غسيل السمعة الثقافي الفني التي يقومون بها. لكن في النهاية، لم أستطع أن أفكر في طريقة أكون بها أداة دعاية مفيدة للسي آي آيه، إلا لو أنهم توقعوا مني أن أكتب هذه المقالة (وفي هذه الحالة ماذا أقول سوى المجد للسي آي آيه؟)، فكان أن قبلت.

***

في الصباح المتفق عليه بعد أسابيع قليلة، تركت شقتي في العاصمة وسقت السيارة في غبشة دخان حرائق الغابات الكندية الذي كان طافيا في سماء المدينة. ولما حان الوقت الذي خرجت فيه عن طريق جورج واشنطن إلى مركز جورج بوش متجها إلى مخرج المخابرات، وفي طريق محظور الاستعمال، كانت التوتر قد تمكن مني بالفعل. وأنا شخص دأبه أن يزن حقائبه ويقيس أبعادها قبل السفر بالطائرة، خشية أن يوبخني موظفو المطار، ولا أحب أن أسوق على طرق تحمل لافتات من قبيل "للعاملين فقط" "وسوف يتعرض للاعتقال".

عند ميكروفون البوابة، قلت اسمي ورقمي تأميني الاجتماعي، وكان فيفيان قد حصلت مني على تلك المعلومات وأكثر في وقت سابق، وعبر سلسلة مكالمات، كل منها مع رقم هاتف مختلف، أعطاني ضابط شرطة شارة زائر علي إظهارها طوال الوقت. ونبهني إلى أن ثمة من سيرافقني طيلة الوقت.

قابلت فيفيان في ساحة بين البوابة الأولى والبوابة الثانية، حيث كانت سيارتها هي الوحيدة المصفوفة. أعطتني شارة أخرى بدت مطابقة للأولى. تركت هاتفي في سيارتي بحسب التعليمات، وركبنا سيارة فيفيان وسقنا إلى البوابة الثانية. وإذ ذاك بدأت الأمور تجري خلافا للمخطط.

اعترض أربعة ضباط شرطة غاضبون طريقنا.

صاحوا حينما فتحت فيفيان زجاج شباكها "ليس بوسعه أن يترك سيارته هنا".

قالت فيفيان "لكنني شرحت هذه النقطة من قبل".

"ليس بوسعه أن يترك سيارته هنا. هذا خطر أمني".

"لكن كيف يفترض بي أن أرافقه ولا يمكن أن نسوق معا؟"

قال أحدهم "سيدتي، أنا الذي أتولي الصف".

تبين ـ كما في أجهزة حكومية كثيرة ـ أن الأجزاء التي تتألف منها المخابرات المركزي الأمريكية منعزلة عن بعضها بعضا، وأنه ما من جدوى في مناقشة التناقضات.

استسلمت فيفان ورجعت بنا إلى سيارتي، وقد بدا عليها الإجهاد بوضوح. قلت لها إن الأمر ليس بذي شأن، وإنني سوف أتبعها ببساطة.

قالت إن المشكلة هي أنني لا يمكن أن أصف سيارتي معها في ساحة واحدة. وإنه لا بد لي من مرافق طيلة الوقت. وساحة انتظار سيارات العاملين في المخابرات فوضوية. "سأستغرق وقتا رهيبا لكي أسير إليك".

قررت أن تترك سيارتها معي في ساحة انتظار كبار الزوار، وإذا تحتم أن تقطع تذكرة فستقطع تذكرة. "اتبعني أنت وحسب".

ركبت سيارتي وتبعتها إلى البوابة. شاهدتها من وراء المقود وهي تقود في الطريق إلى البوابة، وتحدث أحد ضباط الشرطة، وتسوق عابرة البوابة بسرعة، فلم يتسن أن أتبعها.

أوقفت سيارتي عند البوابة، وسألتي ضابط عدواني عن سبب حملي شارتين.

"ألم يبد غريبا لك أن تحصل على شارة ثانية وقد حصلت بالفعل على الأولى؟"

قلت "لم يسبق لي أن جئت إلى هنا. وكل شيء يبدو غريبا عليّ".

طلب منه ضابط آخر أن يهدأ قليلا، وأعطاني شارة ثالثة، وسأل إن كنت بحاجة إلى إرشاد إلى ساحة انتظار كبار الزوار. وأنا ضعيف القدرة على تبين الاتجاهات، تهت مرة في محل كوستكو وطال تيهي حتى اضطر أهلي إلى النداء علي، كان عمري خمسة عشر عاما، ولا نفع لخرائط جوجول في لانجلي [مقر المخابرات].

قال الشرطي اللطيف إن عليّ أن أنعطف يمينا وأظل على الطريق حتى اليسار السادس. وهناك سوف أرى رتلا من سيارات النجدة [squad cars] وبوابة، ويفترض أن تسمح لي شارتي بالمرور.

قال "إذا رأيت مروحية فمعنى هذا أنك ابتعدت أكثر مما ينبغي، فعليك أن تواصل التقدم لتبدأ من جديد، لا تستدر عند المنعطف الراجع".

حينما حكيت لفيفيان عن الضابط السخيف والضابط اللطيف قالت  "هما دائما يفعلون حركة الضابط االسخيف والضابط اللطيف هذه".

"في المواقف؟"

"في كل كبيرة وصغيرة".

وجدت ساحة انتظار كبار الزوار في المحاولة الأولى. عرضت شارتي على الماسح الضوئي. ارتفعت البوابة. وعبرت. وتقدمت بالسيارة. ثم تقدمت، وتقدمت. ظللت أتقدم في دوائر، لأن جميع الأماكن في ساحة انتظار كبار الزوار الصغيرة كانت مشغولة. لم أستطع أن أغادر ساحة الانتظار، فلم يكن يفترض بي أن أتحرك منفردا في أي مكان داخل المجمع، لكن وجودي في ساحة انتظار الزائرين على الأقل كان أمرا يمكن شرحه، فظللت أدور في الساحة، والعرق يتراكم عليّ. وأخيرا، خرج شخص ما. وركنت وخرجت وتنفست هواء خانقا [ashy air]، وتساءلت وماذا بعد. وارتحت حينما رأيت سيارة فيفيان عالق عند بوابة كبار الزوار، وهي تتفاوض مع صوت من خلال الميكروفون.

أوضحت لي وأنا أستقل سيارتها قائلة "لا يسمحون لي بدخول ساحة كبار الزوار. يقولون إنها مخاطرة أمنية".

استدرنا راجعين إلى الطريق الرئيسي وسقنا عليه لفترة. ثم ظهرت بعد المنعطف سيارات كثيرة مصفوفة. سيارات وسيارات وسيارات. لم أر من قبل ساحة انتظار بهذه الضخامة، بعيدا عن الفعاليات الرياضية الاحترافية. الخطوط الطولية مقسمة لونيا، والخطوط العرضية تحمل حروفا، ظللنا نناور وسط صفوف تلو صفوف من السيارات حاملة لوحات أرقام فرجينيا، ابتداء من دي الأزرق وصولا إلى في الأورجواني دون أن نجد مكانا.

سألت فيفيان كم عدد من يعملون في المخابرات المركزية.

قالت "لعلهم مليونان؟" وابتسمت معترفة لي بأنها لا تعرف، برغم أنني فهمت أنها مع المخابرات، وفي مجموعة الكتابة، منذ عدد من السنين.

وفيما كنا ننسل من رتل سيارات إلى آخر، أخبرتني فيفيان أن على من يعمل هنا ويريد أن يجتنب قضاء عشرين دقيقة في السير من حيث ركن سيارته، فعليه أن يطون في المكتب قبل السابعة صباحا. تساءلت إن كان هذا عمديا، من باب التشجيع على العمل طويلا، شأن شركات التكنولوجيا التي توفر لموظفيها وجبات عشاء مجانية في المقاهي التي لا تفتح قبل السادسة والنصف مساء. أو أن ذلك حدث نتيجة لتوسعات اقتضتها حالة المراقبة في ما بعد الحادي عشر من سبتمبر وانتشار الهواتف التي تسجل علينا أنفاسنا. ومثلما تشير كيري هاولي في كتابها [: A Journey Through the Deep State] فقد أنشأنا وصنفنا من البيانات في القرن الحادي والعشرين أكثر مما فعلنا على مدى بقية تاريخ البشرية كله. ولو أن الحكومة تريد أن تجد قصصا متماسكة في كل تلك البيانات، فعليها، حسبما خطر لي وأنا في شسوع ساحة الانتظار، أن تجد من يفرزونها.

في البداية لم نستطع العثور على قاعة المؤتمرات. فلم يكن مسموحا لفيفيان، مثلي، أن تصطحب هاتفها إلى المبنى الرئيسي، لكن حتى لو اصطحبته، لا أعرف من الذي كان يمكن أن تتصل به ليرشدنا. وضباط المخابرات المركزية بصفة عامة لا يعرفون أسماء عائلات زملائهم. (وستاربكس الموجود في لانجلي هو فرع ستاربكس الوحيد الذي ليس مسموحا للعاملين فيه بسؤالك عن اسمك). وإذن، دونما صور أو ملاحظات، يبدو في ذاكرتي السير عبر المبنى الرئيسي في لانجلي أشبه بالمشي في مطار حاضرة كبيرة، متقاطع مع مستشفى، متقاطع مع مركز تجاري أمريكي [مول]، متقاطع مع جامعة في أوروبا الشرقية. ضخم ولامع وبارد وقاس، في آن واحد. كان ثمة قاعة بورتريهات رئاسية مع ملاحظات من القادة الأعلون للخدمة السرية، كلها مكتوب بقلم حبر أنيق، باستثناء كلمات دونالد ترامب المكتوبة بقلم شاربي ونصها "فخور جدا بكم".

أخيرا عثرنا على قاعة المؤتمرات، عبر باب جانبي داخل متحف المخابرات. لم يتضح لي من أجل من يوجد هذا المتحف، لكنه لم يبد متحفا سيئا، فهو مليء بأشياء مثيرة: قطع من سور برلين، كاميرات على شكل دبابيس ربطات عنق، أدوات تجسس سوفييتية، إلى آخر ذلك من المعروضات في علب زجاجية. كان ستة أشخاص جالسين إلى طاولة اجتماعات في القاعة عديمة الشبابيك المعلق على جدارها شعار المخابرات.

قالت فيفيان "نعتذر على التأخير".

قال أحد الرجال مازحا "تفتيش ذاتي؟"

قالت "ركْن"

تنهيدة جماعية. لعنة الله على ساحة الانتظار.

بدأت بالسؤال عما يكتب الناس. والمدهش أنه لم يكن بينهم من يكتب روايات الجاسوسية. كانوا يعملون على قصص قصيرة. روايات خيال علمي حول نهاية العالم منشورة على نفقتهم. سيرة رئاسية. روايات تجارية عالية المستوى. مدونة شخصية قيل لي إن علي أن أتصفحها لو أردت يوما وصفة جيدة فعلا لخبز كعكعة صغيرة. كانت مجموعة الكتابة تنتظم حول ما يبدو أنه قائمة لقاءات دورية يحضرها أي شخص موجود في ذلك اليوم من أعضاء المجموعة. ولم يبد إلا أن نصف الحاضرين في القاعة يعرفون بعضهم بعضا.

تحدثت قليلا عن بدايات الكتابة والعمل على البدايات الزائفة. قرأت الصفحة الأولى من أحدث رواياتي، وشرحت لماذا جعلت المشهد الأول في الولايات المتحدة في حين أن بقية الرواية تجري في أوكرانيا، واستعرضت شتى البدايات الزائفة التي مررت بها وصولا إلى حيث كنت ذاهبا. رفع أحد الضباط يده وسألني عن بناء الصوت في السرد بضمير المتكلم في مقابل السرد بضمير الغائب. وسأل آخر عن تقنيات المراجعة. وثالث عن الانتقال من الكتابة منفردا إلى الكتابة بالتعاون مع محرر. كانت من أروع فقرات الأسئلة التي شاركت فيها على الإطلاق.

بقي لي وقت قليل عليّ أن أضيعه قبل حجز الغداء ـ ولم يكن الوقت في الغرفة التنفيذية يتسم بالمرونة ـ فمضت بي فيفان إلى متجر الهدايا.

ولما لم يكن مسموحا لأحد تقريبا دخول لانجلي ولما كان العاملون للمخابرات لا يفترض أن يعلنوا عن ذلك، فثمة شيء من الغموض ـ كما في حالة المتحف ـ حول من يقام من أجلهم متجر الهدايا. كانت الأرفف مكدسة بتيشيرتات (المخابرات المركزية الأمريكية) وأكواب (المخابرات المركزية الأمريكية) وصلصة الشواء الجديدة (الخلطة السرية). وكان هناك أيضا معرض (شهر الفخار) بعنوان (المخابرات المركزية الأمريكية بألوان قوس قزح) فاشتريت قلم (شهر الفخار) بأربعة دولارات [وشهر الفخار حدث احتفائي بالمثليين ـ المترجم].

***

كانت غرفة الطعام طويلة وشبه خاوية ـ ربما لاعتبارات أمنية ـ ذات مفارش بيضاء وجدار طويل فيه شبابيك مطلة على مستنقعات شمال فيرجينيا الخضراء. أو أنني قيل لي إنها تطل في العادة على خضرة. فاليوم كانت تطل على دخان حرائق الغابات. كانت قائمة الطعام مؤلفة في الجوهر من أطعمة مقاهي، أي المعتاد من الطعام الأمريكي. طلبت بيرجر مع بطاطا حلوة مقلية وكوكا من نادلة تبدو عملية مرتدية فستانا أبيض.

سألتني ضابطة المخابرات الجالسة بجواري لو أنني أرى أنه يجدر بها البحث عن وكيل أدبي. فقلت نعم، وبدا عليها التشكك.

أوضحت قائلة "في عملي الآخر، يمكنني أن أدخل في الأمر أهل السينما".

وإلى الآن لا أفهم ما الذي كانت تعنيه.

ونحن في انتظار الطعام، أكدت كاتبة دستوبيا الخيال العلمي أن من يعمل للمخابرات المركزية، فلا بد أن يفحص قانونيون أي شيء ينشره. لكنهم أكثر تساهلا مما أتصور. قالت إن إحدى رواياتها أسهمت في تغيير نظرة الوكالة إلى الفارق بين الكتابة الخيالية والكتابة غير الخيالية. ففيما يقرأ القانونيون روايتها، انتهوا إلى أنه ليس معنى قول شخصية شيئا أن المؤلفة توافقها عليه بالضرورة، ومن ثم يجب أن يكون المجال أوسع أمام كتاب الأدب في المخابرات (بما يعني أن قانونيي السي آي آ آيه نقاد أدب أفضل من نصف أهل جودريدس).

قيل لي إنه من البديهي أنه ليس بالإمكان نشر معلومات سرية، ولا يمكن خرق قانون هاتش بإعلان انتمائك السياسي، ولا يفترض أيضا أن تنتهك قاعدة واشنطن بوست وهي: هل ستشعر السي آي آيه بالحرج إذا صدرت واشنطن بوست غدا وهذا منشور فيها؟ (وبدت القاعدة الأخيرة غير محددة بالقدر الكافي).

ذكر ضابط آخر أنه ما دام في المخابرات من يعملون بالخارج أعمالا قد تعد مريبة، فلا بد من مراعاة الحساسية بشأن ذلك. سألت عما يقصدون بالمريبة فأدى ذلك إلى تغيير الموضوع. سألتهم إن كانوا يعلمون بأي مشاكل تعرض لها شخص يحاول نشر شيء لم يحصل له على موافقة. قالت إحدى الكاتبات الأكبر سنا إنها سمعت من قبل عن ضابط حاول نشر سيرته التي يناقش فيها تجربته مع العنصرية في المخابرات المركزية الأمريكية وقيل له إنه لا يمكنه ذلك قبل أن يتقاعد.

بعد الغداء، دفع الجميع عند المحاسب، نقدا، وفيفيان دفعت حسابي، ثم سارت بي إلى سيارتي.

قلت لفيفيان "كان مثيرا أن أعرف ما يمكنكم أو لا يمكنكم الكتابة عنه. لم أكن أتصور أن لديكم الكثير من الحرية للكتابة عن وظائفكم".

عبرنا بباب دوار أمني ومررنا بشعار عملاق للمخابرات المركزية الأمريكية عرفته وقد رأيته من قبل في كثير من الأفلام مطبوعا على أرضية من الرخام.

قالت فيفيان لما وصلنا إلى الباب "آخر ما قد أريده من هذه الدنيا هو أن أكتب عن هذا المكان، فلا أتخيل أمرا أكثر من هذا إثارة للملل".

 

كاتب المقال روائي أمريكي صدرت له روايتان هما "Such Good Work" و"Calling Ukraine".

نشر هذا المقال في مجلة ذي باريس رفيو إلكترونيا بتاريخ 9 يناير 2024 ونشرت الترجمة في جريدة عمان اليوم 7 مارس 2024