الأزمة المالية ..
الجزء الثاني
ميرين سومرست ويب
هناك في الصين شركة للحديد والصلب تدعى "ووهان" ولكن
حرصها على تنويع نشاطها جعلها تستثمر أيضا في النبيذ وتربية الخنازير. وهناك شركة
متخصصة في بناء السفن هي شركة طيانززيجيانج" تستخدم الأموال التي تجنيها
كمقدمات لبناء السف في شركة إقراض تديرها بجانب نشاطها الأساسي.
قد تبدو هذه من قبيل النوادر المسلية التي تجري في بلد نائية.
لكنها في واقع الأمر أكثر من ذلك. فهذه النوادر تحكي أيضا قصة أضخم فقاعة ائتمانية
حتى وقتنا هذا.
ذلك أن كلا من شركة بناء السفن وشركة الحديد والصلب تنبهاننا
إلى شيئين.
الأول: فقااعة الإسكان الصينية الخرافية. فالصين تقوم بطباعة
النقود لشراء الدولارات وتثبت سعر الصرف لعملتها. وهذا ـ في بيئة طبيعية ـ أمر
يتسبب في التضخم. ولكن هذا ـ حسب ما يوضح "هيو هندري" في مجلة إلكتيكا ـ
لا يحدث.
لماذا؟ لأن السلطات تقوم في الوقت نفسه بتثبين معدلات الفائدة
على حسابات الإيداع عند 0.72 في المائة. بحلول عام 2008، كان التضخم قد وصل إلى
7.9 في المائة. وكان العائد الحقيقي على الإيداع 7.2 في المائة، مما ساعد على
تقليل الاستهلاك بحيث وصل إلى أن أصبح أقل مما حققته أية دولة: 34 في المائة من
إجمالي الناتج الوطني.
لا بد أن ذلك بدا شيئا شديد الذكاء للسلطات حينما فكرت فيه
للمرة الأولى. لكن ما من سياسة اقتصادية لا تقع فريسة عواقب غير مقصودة للقانون.
فبدلا من تقبل هذه الجرعة الهائلة من القمع المالي، تحول الصينيون إلى أمة من
المضاربين في العقارات والبنوك السرية.
باتوا يقترضون المال لفترات قصيرة من مقرضين غير رسميين ـ ربما
من خلال شركات مماثلة ليانجزيجيانج ـ ويقومون بشراء شقق في جميع مدن الصين
الكبيرة.
قبل القمع المفروض على معدلات الإيداع، كان الاستثمار في
الإسكان أقل من ثلاثة في المائة من إجمالي الناتج المحلي. وارتفعت النسبة في الربع
الأول من العام الماضي إلى قرابة 10 في المائة بل أن التقديرات الرسمية نفسها تقول
إنه بحلول منتصف 2010 أصبح 18 في المائة من عائلات الصين باتت تملك عقارين أو
أكثر. والأسعار الآن تتذبذب، ولكنها تبقى فقاعة يصفها هندري بـ "غير المسبوقة
في الأسواق الناشئة".
الثاني: أن الصين وصلت إلى المرحلة الأخيرة مما يسميه هندري
بالتجارية mercantilism. وذلك عندما
تتوسع كثيرا جدا إلى أن تصل الطاقة الإنتاجية إلى ما يفوق الطلب بأكثر مما يمكن
للأسعار أن تعوضه، فتلجأ في تلك الحالة إلى تربية الخنازير للحصول على عائد.
في سنة 2009، بدا أن الصين قد اتخذت قرارا سياسيا لإنقاذ
العالم بإقامة جسر ائتماني ينقل من الكارثة إلى النجاة. وحينما كنا نحن نشد أنفسنا
شدل للخروج من الكساد، نجت الصين في إحلال الاستقرار على الاقتصاد العالمي من خلال
الإنفاق.
نجح ذلك أول الأمر. ارتفع الاستثمار بسرعة الصاروخ عندا ارتفع
الإنفاق على شبكات السكك الحديدية بنسبة 67 في المائة، وبنسبة 50 في المائة في
مشاريع البنية الأساسية الممولة بقروض.
غير أن هذه السياسة لا تبدو الآن جسرا من الكارثة إلى النجاة،
بل جسرا إلى العدم. لقد أنفقت الصين ثروة لإبقاء الأمور على سيرورتها ولكننا لم
نتعاف بعد بما يكفي لنتولى نحن عصا القيادة.
وهذا لا يترك الاقتصاد الصيني اقتصادا معتمدا في نموه أكثر مما ينبغي على
التصدير وحسب، ولكنه يتركه اقتصادا متجها إلى أزمة مالية إذا هو لم يحقق النمو.
وفي ظل معاناة سوق الصين الأكبر ـ أي أوربا ـ من الكساد، يكون الوضع منذرا بالخطر.
ذلك هو أيضا هو السبب في أن أحدا لن يرغب في امتلاك أسهم في
شركة "تبني سفنا جديدة بسعر لا يعلو إلا قليلا على سعر السفن المستعملة وتقوم
بالإقراض في ظل فقاعة ائتمانية غير مسبوقة باستخدام العديد من التكتيكات المالية
ابتداء من المشاريع الريفية الصغيرة وحتى مغامرات رءوس الأموال"، وهذا الكلام
أيضا عن شركة يانجزيجيانج.
ما أريد أن أصل إليه هو أننا جميعا مهتمون بأوربا، ولكن
اهتمامنا هذا يصرف أنظارنا عن الجزء الثاني من أزمتنا المالية الراهنة.
لقد بدأت الأزمة في الولايات المتحدة. وانتقلت إلى أوربا.
واتجهت إلى الصين ـ وهي المكان المرجح أن تأتينا منه الصدمة القادمة. وإذن: ما
العمل؟
سيقول البعض إن عليكم الاستمرار في الشراء، بغض النظر عن
الفقاعة. ففي نهاية المطاف، هناك شيء وحيد يمكن قوله عن الفقاعة الائتمانية، هذا
الشيء هو أنها موجودة، وما دامت موجودة فهذا هو الضمان لأنها سوف تنفجر وتنتهي. من
المستحيل أن يقطع أحد بالموعد الذي سوف يشهد انفجارها. وصحيح أيضا أنه ما من علاقة
لازمة بين الأداء الصحيح والنمو الاقتصادي، وإلا لما تهاوى السوق الصيني بنسبة 43
في المائة بين 2010 و2011.
يمكنكم أيضا الذهاب إلى أن الصين رخيصة على الرغم من أن هذا قد
لا يكون إلا نتيجة لحقيقة أن الشركات الكبرى هناك هي شركات شبه حكومية.
ثم إن هناك فرصة في أنه قد يحدث عند تضاؤل الفقاعة الإسكانية
الصينية أن يدفع المستثمرون المتلهفون على الحصول على عائد إلى رفع الأسهم.
وأخيرا تقول تشارلي موريس من HSBC إن الصين تفقد سياستها النقدية وإن المستثمرين
كانوا تاريخيا "ينالون مكافأت على شرائهم الحصص الصينية في مراحل
التوسع". موريس يقوم بشراء حصص في HSBC China ETF. فلو أن لديكم أموالا لا تخافوا
الخسارة، واقتدوا به.
أنا لن أفعل. أنا أتجنب السهم الصينية. أنا أتجنب السلع
الصناعية واسهم السلع. وأتجنب شركات بضائع الرفاهية. وحينما تنفجر فقاعة الائتمان
الصينية، من الذي سيبقى لشراء تلك الساعات والحقائب باهظة الأثمان؟ المخاطرة
كبيرة.
ميرين سومرست ويب، رئيس تحرير"موني ويك" ،
سبق لها العمل وسيطة في أسواق المال. وتكتب بانتظام في فايننشال تايمز.
نشر في جريدة عمان بتاريخ 17 يونيو 2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق