هل ينحو العملاق
الصيني فعلا إلى البطء؟
ميرين سومرست ويب
كتبت هنا قبل أسابيع قليلة عن الاستراتيجيات المجنونة التي
تتبعها بعض الشركات الصينية في تنويع أنشطتها. [الإشارة إلى مقال" الأزمة
المالية .. الجزء الثاني "]. واليوم يلتفت ليو لويس إلى الأمر في صحيفة
التايمز. ويلاحظ مثلما لاحظت أغرب الحالات جميعا، أي شركة ووهان للصلب، التي لم
تهجر نشاطها الأساسي لكنها تتاجر اليوم في النبيذ وزيت الزيتون وقطعت شوطا طويلا
في إنشاء مزرعة لتربية عشرة آلاف خنزير. غير أنه يشير إلى حقيقة أن ووهان بدأت
تحظى بمنافسة كبيرة في استراتيجية يسميها باستراتيجية "نشاط واحد في الواجهة،
نشاطات عديدة جانبية".
شركة كوفكو الحكومية المتخصصة في تجارة الحبوب تقوم الآن ببناء
فنادق فاخرة في بكين، شركة تونجلينج المتخصصة في إنتاج النحاس تقوم الآن بالاستثمار
في الأخشاب، وشركة آنستيل للصلب تتجه إلى الفحم. والأكثر إثارة من كل ذلك أن شركة
بكين للطاقة الكهربائية، وهي شركة تابعة للشبكة الكهربائية الصينية، تقوم الآن
بإنشاء مزرعة عنب على مساحة 180 هكتارا في ريف يانكينج. وتقوم شركة الخطوط الجوية
هاينان بشيء مماثل، وكثير من شركات الطاقة، وشركة شاناكسي تصنيع الفحم التي تديرها
الدولة.
إذن ما الذي يجري؟ لعل صناعة النبيذ تمثل حيلة للتعامل مع
مشكلة الأراضي: فهي تتيح للسلطات المحلية المتلهفة على النقد أن تبرر بيعها
للأراضي بأغراض إنتاجية بدلا من أن تبيعها للاستثمار العقاري، ولكن بمجرد أن تحصل
الشركات على هذه الأراضي يصير بوسعها أن تستغل جزءا ضئيلا منها في الاستثمار
المعني، وتخصص البقية لإقامة الفنادق والمنتجعات والفيلات كالعادة. فعائدات النبيذ
تحتاج في نهاية المطاف إلى وقت طويل قبل أن تظهر، ومن ثم فلا بد من مشاريع أخرى
تعين مستثمري النبيذ على الخروج من مأزقهم.
غير أننا حين ننحي هذه الحيل المكشوفة للتعامل مع العقارات جانبا،
نتبين أن القدر الأكبر من مشاريع التنويع الاقتصادي هذه تكشف عن حقيقة أن هذه
الشركات الكبرى لا تجني كفايتها من الأرباح من العمل في مجالاتها الأصلية. وانظروا
إلى شركة ووهان: لقد حققت هذه الشركة عائدا بلغ ثمانية عشرة بليون يوان في عام
2010، لكن هامش الربح من هذا العائد كان مثيرا للشفقة، حيث بلغ اثنين في المائة فقط،
ونصفه جاء من الأنشطة غير المتعلقة بالصلب (التي لا تشكل إلى ثمانية في المائة من
النشاط الاقتصادي الكلي للشركة). فلا عجب أن ترغب في التوسع.
النقطة الثانية هي التي يشير إليها لويس. فشركة بكين للكهرباء
ـ بحسب ما يرى كاتب التايمز ـ شأنها شأن بقية شركات شبكة الكهرباء الصينية
"غارقة في النقد" وهي في أمس الحاجة إلى وسيلة لاستثمار هذا النقد. ومن
الواضح أنها لا تجد طرقا جيدا لذلك.
لقد ذكر لي الكثيرون مؤخرا مسألة نقص فرص الاستثمار المثيرة
للاهتمام في الصين، كما ذكر الكثيرون مسألة أخرى تشتبك مع هذه، وهي ارتفاع تكلفة
العمالة في الصين، وأيضا ذكر الكثيرون مسألة خروج رءوس الأموال من البلد العملاق.
وتشير هونج كونج ـ على سبيل المثال ـ إلى أن رءوس أموال صينية كثيرة تخرج من
خلالها إلى العالم. وتراجع الإيداع في هونج كونج يدعم هذا تماما (فقد تراجع
الإيداع بنسبة ستة في المائة فيما بين نوفمبر وديسمبر من العام الماضي) وكذلك
يدعمه تراجع الاحتياطيات من النقد الأجنبي مؤخرا.
إن الأثرياء يتركون الصين، لعجزهم عن إيجاد سبل لكسب المزيد من
المال، أو حتى للحفاظ على مالهم آمنا. وهذا هو السبب في أن عائدات القمار في مكاو
ـ وهي إحدى طرق إخراج الأموال من الصين ـ ارتفعت في يناير بنسبة خمسة وثلاثين في
المائة.
كل هذه الأمور تشير إلى أنه بات من الصعب تحقيق الأرباح في
الصين، كما بات من الصعب العثور على مشاريع صالحة للاستثمار، كما تشير إلى أن من
حققوا الثروات الطائلة هناك غير مستعدين للمخاطرة من أجل إبقاء العجلة دائرة. وكل
هذه أمور لا يجدها المرء عادة في الاقتصادات متسارعة النمو. وهذا بحد ذاته مؤشر
آخر لمن لا يزال يريد مؤشرا على أن الصين لم تعد اقتصادا متسارع النمو.
ميرين سومرست ويب، رئيس تحرير"موني ويك" ،
سبق لها العمل وسيطة في أسواق المال. وتكتب بانتظام في فايننشال تايمز.
نشر في جريدة عمان بتاريخ 17 يونيو 2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق