الاثنين، 12 يوليو 2021

روايات في خدمة العسكر ... هل عمل أدباء عرب لحساب وزارة الدفاع الألمانية خلال السنوات القليلة الماضية؟

 

روايات في خدمة العسكر

هل عمل أدباء عرب لحساب وزارة الدفاع الألمانية خلال السنوات القليلة الماضية؟

فيليب أولترمان



أخذت السيارة داكنة الزجاج تهدئ من سرعتها في شارع جانبي على مقربة من حدائق النباتات في مدينة توبنجن، فبات بوسع المارة من أصحاب الأعين اليقظة أن يلحظوا شيئا غير معتاد في لوحة رقمها. والأحرف الأولى في لوحات السيارات الألمانية عادة ما تشير إلى البلدية التي سجلت فيها المركبة، إلا حرف واي، فهو مخصص لأعضاء القوات المسلحة.

يمثل العسكريون مشهدا نادرا، وغير مرحب به، في توبنجن، وهي بلدة جامعية خلابة تأسست في القرن الخامس عشر وأنجبت عقولا ألمانية عظيمة منها الفيلسوف هيجل والشاعر فريدرش هولدرلين، وهي أيضا معقل حديث لحزب الخضر الألماني بفضل غلبة الأكاديميين اليساريين على سكانها. شهد عام 2018 مقاومة متزايدة في الحرم الجامعي لخطط إقامة مركز أوربي رائد لبحوث الذكاء الاصطناعي في المنطقة المحيطة، واحتج الطلبة واحتلوا قاعة محاضرات في ذلك العام وقالوا إن اشتراك مصنعي الأسلحة في "وادي الإنترنت" بتوبلنجن قد لوث بالعار ميراث العاصمة الفكري.

غير أن المسؤولين رفيعي الرتبة لابسي الزي الرسمي العسكري الميداني ذي اللون الرمادي اللذين ترجلا من السيارة ذات الرقم المستهل بحرف واي في الأول من فبراير سنة 2018 كانا قد سافرا إلى تلك المنطقة، الكارهة لحضورهم، لإتمام صفقة تعاون مع الوسط الأكاديمي لم يشهد العالم مثيلا لها من قبل.

حملت المبادرة اسم "مشروع كاسندرا"، وبموجبها صار على باحثين من الجامعة ـ طوال العامين التاليين ـ أن يستعملوا خبراتهم في مساعدة وزارة الدفاع الألمانية على التنبؤ بالمستقبل.

لم يكن الأكاديميون متخصصين في الذكاء الاصطناعي أو العلوم أو التحليل السياسي. فبدلا من أولئك، كان الناس الذين سعى العقيدان إليهم في غرفة علوية مكتومة عبارة عن فريق صغير من باحثي الأدب بقيادة يورجن فيرتهيمر أستاذ الأدب المقارن ذي الشعر المتماوج الجامح والميل إلى الكنزات السوداء عالية الرقاب.

بعدما رحل الضابطان، بقي التوتر يسود فريق فيرتهيمر. ومع أن هدية ترحابية من قمصان الجري المموهة وطلاء الأظافر الأخضر العسكري قد ساعدت على كسر الجليد، فقد بقي سبب بارز للقلق. تتذكر إيزابل هولتز مساعدة فيرتهيمر قائلة "لم نعرف هل نعلن عن المشروع أم نتكتم عليه". كانت الجامعة قد رفضت فرصة الاشتراك رسميا مع وزارة الدفاع، فأحيلت المبادرة إلى معهد الأخلاقيات العالمي ـ وهو مؤسسة تعليمية مستقلة أسَّسها الكاثوليكي المنشق الراحل هانز كونج. "خشينا أن تتعرَّض مكاتبنا لهجمات الطلاء [من متظاهرين] أو شيء من هذا القبيل".

وما كان لهم أن يقلقوا. فقد ظهر عنوان في الصحيفة المحلية بعد الإعلان عن المشروع يقول إن "كاسندرا تنال سلاحها" وهو عنوان ساخر يلمح إلى مشاهد اختيار جيمس بوند لسلاحه في سلسلة الأفلام الشهيرة. كتبت صحيفة نيكار كرونيك أن فكرة إمكانية استعمال وزارة الدفاع للأدب في التعرف مسبقا على الحروب الأهلية والأزمات الإنسانية فكرة فاتنة بقدر ما هي ساذجة قليلة الحيلة. "ويحق لكم أن تسألوا أنفسكم عما يجعل الجيش يموِّل شيئا لن تكون له قيمة من أي نوع".

في النهاية، لم يشهد إطلاق مشروع كاسندرا هجمات بالطلاء أو اعتصامات. تقول هولتز إن "الرأي العام ببساطة لم يأخذنا مأخذ الجد. رأوا فقط أننا مجانين".

***

يقول فيرتهيمر إن الاتهامات بالجنون كانت دائما لعنة المتنبئين والعرافين. لقد كانت كاسندرا ـ كاهنة طروادة في الأسطورة اليونانية ـ موهوبة ببعد النظر فاستطاعت التنبؤ باختباء المقاتلين اليونانيين في حصان طروادة، ووفاة الملك الميسينياني أجاممنون على أيدي زوجته وعشيقها، وتيه أوديسيوس لعشر سنين، مثلما تنبأت بهلاكها هي نفسها. ولم تلق جميع تحذيراتها إلا التجاهل، إذ تقول كليتامسترا في مسرحية "أجاممنون" لإسخيلوس إن كاسندرا "فقدت رشدها" قبل أن تقول الجوقة إن من وراء رؤاها "دفع آلهة، وأرواحا طائشة، وهياجا، وشذوذا".

قد تبدو فكرة كون الروائيين كاسندرات أيامنا ـ "الناطقين دائما بالحقيقة التي لا ترى أبدا بوصفها حقيقة" ـ فكرة مقصورة للغاية على فئة معينة. فثمة أطنان من كتابات الإنترنت تشيد بكتب تنبأت بأحداث قبل وقوعها، ولكن أغلب هذه أفعال تبصُّر صدفوية لكتَّاب خيال علمي يصفون معدات تكنولوجية مستقبلية.

في "تحرر العالم" الصادر سنة 1914، كتب إتش جي ويلز عن قنابل ذرية تلوث عناصرها المشعة ميادين حربية كاملة ـ وذلك قبل ثلاثة عقود من هيروشيما ونجازاكي. كما تخيل الكاتب البريطاني جون بيرنر في "الموقف على زنجبار" [Stand On Zanzibar ] سنة 1968ا البلاد الأوربية إذ تشكل اتحادا جامعا، وصعود الصين قوة عالمية، وانحدار ديترويت الاقتصادي، وتنصيب "الرئيس أوبومي".

وهناك بطبيعة الحال جورج أوروِل في "1984" التي تستعمل فيها دولة الحزب الواحد "شاشات" للتعرف على حالات الناس من تعبيرات الوجوه ونبض القلوب ـ وذلك قبل أكثر من نصف قرن من برنامج الأمن القومي للمراقبة واستعمال الصين برامج التعرف على الوجوه لتعقب مواطنيها.


لكن فيرتهيمر يقول إن لدى الكتاب الكبار "موهبة الاستشعار"، ويرى أن في الأدب نزوعا إلى عرض النزعات الاجتماعية، والحالات المزاجية، وبخاصة الصراعات التي يؤثر الساسة أن تبقى بمنأى عن النقاش إلى أن تتفجر في العلن.

"يعرض الكتَاب الواقع عرضا يجعل قراءهم يكوِّنون على الفور تصورا لعالم ويتعرفون على أنفسهم فيه. ويعملون على مستوى يتصف في آن واحد بالموضوعية وبالذاتية، وينشئون مسارد بالدواخل العاطفية للحيوات الفردية على مدار التاريخ".

مثاله المفضل لمقدرة الأدب على تحديد المزاج الاجتماعي وإسقاطه على المستقبل هو إعادة حكي أسطورة كاسندرا على يد روائية ألمانيا الشرقية كريستا وولف. تقدم "كاسندرا" الصادرة سنة 1953 طروادة بوصفها دولة غير مختلفة عن جمهورية ألمانيا الديمقراطية في مرحلتها الأخيرة، خاضعة لبارانويا الشرطة السرية الشبيهة بوزارة أمن الدولة [في ألمانيا الشرقية]، وهي في طريقها إلى حرب غير باردة للغاية. كما أن كاسندرا ـ التي حلت عليها لعنة هبة القدرة على التنبؤ ـ تمثل شيفرة لمأزق الكاتبة الشخصية: فهي تتنبأ بالانحدار الذي يتجه إليه مجتمعها لكن البطريركية العسكرية تتجاهل تحذيراتها.

يقول فيرتهيمر إن الدول لو تعلمت أن تقرأ الرويات بوصفها أجهزة استشعار أدبية للزلازل، فقد يتسنى لها أن تحدد أي الصراعات يوشك أن يتفجر إلى عنف، وتتدخل ربما لإنقاذ حياة الملايين.

***

للوهلة الأولى، يبدو يورجن فيرتهيمر أبعد الناس احتمالا لأن ينتزع الأدب من برجه العاجي. ولد في ميونخ سنة 1947، لأب يهودي هرب من معسكر اعتقال داخاو وقضى بقية الحرب مختبئا، التحق بالجامعة في ذروة حركة سنة 1968 الطلابية التي أشعلت حماس جيل من الشبان الألمان في ما بعد الحرب، لكنه نأى عن النشاط السياسي الذي صاحبها.

لم يحدث قط لفيرتهيمر ـ الذي يقول إنه يخاف الزحام ـ أن شارك في مسيرة. وبدلا من ذلك قضى وقته في المكتبات يعمل على أطروحته حول شتيفان جيورجه، الشاعر المنتمي إلى الجناح الألماني من حركة الفن للفن l’art pour l’art  الداعية إلى أن الفن لا ينبغي أن يخدم أي وظيفة عدا كونه فنا. وباستثناء لعنة حبه لفريق كرة القدم الأقل نجاحا في ميونخ، أي فريق ميونخ 1860، يبقى الأدب ـ حسبما يقول، وهو البالغ من العمر أربعة وسبعين عاما، بأسى بالغ ونبرة بفارية واضحة ـ هو مهنته وهوايته الوحيدة. وكأنما الشغف نفسه قابل لأن يكون عبئا.

 يقول زملاء فيرتهيمر إن مسحة اللامبالاة بالسياسة تخفي عقلا برجماتيا مرنا. تقول هولتز "أعتقد أنه لم يشارك في 1968 لسبب بسيط بساطة أن كل من عداه شاركوا. وهو إلى حد ما شخص مفارق يروق له أن يفعل الأمور بطريقته الخاصة". وفي نهاية العقد الأول من القرن الحالي حينما تظاهر الطلبة في عموم ألمانيا ضد خطط لفرض رسوم جامعية واستحداث نظام ليسانس وماجستير شبيه بالمتبع في المملكة المتحدة، ظهر فيرتهيمر على المتاريس خاطبا مناصرا للمتظاهرين.

ومع توجيه المزيد والمزيد من التمويل الجامعي لوادي الإنترنت في توبنجن بدلا من أقسام الفنون والدراسات الإنسانية، تعرضت دراسة الأدب لضغط متزايد واضطرار إلى أن تثبت لها نفعا اجتماعيا، وإذ ذاك اكتشف فيرتهيمر حماسته للنشاط السياسي.

في الخامس عشر من ديسمر سنة 2014، نشر خطابا إلى أورسولا فون دي ليين ـ الرئيسة الحالية للمفوضية الأوربية ووزيرة الدفاع الألمانية آنذاك. لفت نظرها إلى محاربة بوكو حرام في شمالي نيجريا ـ وهي جماعة إرهابية تستهدف المدارس وتحرق المكتبات وغالبا ما يترجم اسمها إلى "التعليم الغربي حرام". كتب أن الصراع بالأسلحة عادة ما تسبقه حروب بالكلمات ـ وعلى الكلمات في بعض الأحيان ـ ومن ثم فمن الممكن استعمال الكلمات للحيلولة دون نشوبها. وانتهز الفرصة لوضع النظريات التي كوّنها في هذا المجال "موضع الاستعمال التطبيقي  في إطار الانتشار العسكري الألماني بالخارج".

لم ترد فون دير ليين قط ردا شخصيا على عرض فيرتهيمر. لكنه تلقى في ربيع 2015 رسالة من الإدارة السياسية في وزارة الدفاع تدعوه إلى اجتماع. وبعد سنتين من المحادثات والاجتماعات تم تكليف الأستاذ بجامعة توبنجن بإدارة مشروع تجريبي لاختبار فكرته عن الأدب بوصفه "نظام إنذار مبكر". وكانت تجربة كاسندرا الاسترشادية تتمثل في إيضاح أنه كان يمكن التنبؤ بالحرب في كوسوفو وصعود بوكو حرام من خلال دراسة نصوص أدبية.

في صيف عام 2017، عيَّن فيرتهيمر فريقا صغيرا من الباحثين يضم فلوريان روجي وهو طالب ماجستير متواضع يعمل على الأهجية المعادية للديمقراطية في جمهورية فيمر [أي الحكومة الألمانية بعد الحرب العالمية الأولى في ما بين 1919 و1939]، وهولتز التي كانت تكتب أطروحتها لنيل الدكتوراه عن الإلهامات الأدبية لجماعة بادر-ماينهوف [وهي جماعة إرهابية يسارية شكلها الطلبة الثوريون في الستينيات]. وأعدت غرفة صغيرة لاجتماع أسبوعي للفريق مزودة بخرائط عسكرية عملاقة وأرفف من أدب نيجريا والجزائر وكوسوفو. تتذكر هولتز قائلة "شعرنا أننا حظينا بفرصة فريدة لنبين أن الأدب قادر على المزيد".

***

أصبح التنبؤ بالأزمات التي لا يمكن التنبؤ بها هاجس الغرب الأعظم في القرن الحادي والعشرين. وقد صادف في مطلع الألفية إبادتين جماعيتين، في البوسنة وفي رواندا، تردد لاحقا على نطاق واسع أنه كان من الممكن تفاديهما لو أن المجتمع الدولي استجاب لهما بمزيد من العزم على إظهار القوة. ثم كان الاندفاع إلى حرب أفغانستان، والتدخل الأخرق في العراق، مع التجاهل الفظ لنصائح الخبراء الذين درسوا الانقسام السياسي والصراعات الطائفية على الأرض.

كان الهجوم الإرهابي على برجي التوأم في نيويورك قد تسبب في ذلك الاندفاع إلى أفغانستان، وهو مثال لما وصفه نسيم نيكولاس طالب في كتابه "الإوزة السوداء" الصادر سنة 2007. يوصف بأحداث الإوزة السوداء Black swan events  كل حدث نادر الوقوع عظيم الأثر يبدو أن التنبؤ به كان ممكنا ـ وإن بأثر رجعي. ولقد ذهب طالب إلى أن هذه الأحداث تتزايد باطراد ـ في عالم يزداد ترابطه أكثر فأكثر.

أصبح الكتاب من أكثر الكتب مبيعا، وليس أقل أسباب ذلك أن الأزمات التي لا يمكن التنبؤ بها ظلت تقع: انهيار [بنك] ليمان براذرز سنة 2008، وأزمة الائتمان الأوربية سنة 2009، وأزمة اللاجئين سنة 2015، والبريكزت وترامب سنة 2016، والوباء العالمي سنة 2020. وحتى بعدما حوصر كوفيد 19، يبدو محتموما أن أزمات أخرى سوف تتبعه. والشيء الوحيد الذي بوسع الحكومات تجربته هو أن تستشرف الوجهة التي ستأتي منها الأزمة، وحشد الموارد في تلك الوجهة مسبقا. لقد كانت "الحكمة بأثر رجعي" هي الذريعة الشائعة في حقبة بوش وبلير، أما الجيل التالي من قادة العالم فيريدون الحصول على هبة الاستشراف.

بدرجة ما، ليس في هذا جديد، فالتحذير من أزمات وشيكة هو ما ينبغي لأجهزة المخابرات أن تفعله. لكن الجديد هو أن المعلومات التي كان الوصول إليها من قبل حكرا على رجال المخابرات باتت الآن متاحة على الإنترنت ويمكن أن تجمعها أجهزة أخرى في الدولة. والبيانات الهائلة هي الموضع الذي ترجو أغلب الحكومات اليوم أن تعثر فيه على الرمل الذي يمكن أن تقرأ فيه طالع المستقبل. ولأمريكا والبلاد الاسكندنافية الريادة في مجال التنبؤ بالصراعات عبر التعليم الآلي [Machine learning  وهو من مجالات الذكاء الاصطناعي ويركز على استعمال البيانات والخوارزميات في محاكاة طريقة البشر في التعلم]. في بريطانيا، يحاول معهد آلن تيرننج تسخير الذكاء الاصطناعي لمنح صنَّاع السياسات تحذيرات مسبقة من خلال "التحليلات الحضرية العالمية للدفاع المرن" أو ما يعرف بمشروع جارد.

لقد استثمرت ألمانيا ـ التي لم تشارك في حرب أفغانستان إلا بقدرة متواضعة ونأت عن التدخل في العراق ـ قرابة 43 مليون جنيه إسترليني في تبين ما إذا كان بوسعها استعمال أدوات البيانات في التنبؤ بالصراعات الدولية. وخصصت 2.6 مليار جنيه إسترليني إضافية لتوسيع النهج في عام 2025. وحجر الزاوية في محاولتها للاستبصار الجيوسياسي هو منصة لإدارة البيانات الضخمة أنشأتها جامعة القوات المسلحة الألمانية في ميونخ. يطلق عليها برفيو ـ وهي اختصار قسري لـ"التنبو، والتصور، والإنذار المبكر" ـ وتخضع لإشراف كارلو مسالا أستاذ السياسة الدولية. تمتص برفيو المعلومات القادرة على إعطاء لمحة عن موضع في الكوكب يوشك أن يشهد اندلاع أزمة: تعليقات المواقع الإخبارية، بنوك البيانات التي تتعقب الصراعات العسكرية، الاحتجاجات المدنية، أو انفجارات السيارات المفخخة. ثم تضاف إلى الخليط كلمات مفتاحية بنيوية أعم: مثل إجمالي الناتج الوطني لكل نسمة، الهياكل التعليمية الإقليمية، بيانات التغير المناخي.

كل هذه المعلومات الخام تعذي واطسن، أي منصة الذكاء الاصطناعي في آي بي إم، فتساعد المنصة على تحويلها إلى خرائط تسلط الضوء على نقاط الاضطراب المحتملة: فيشير الأخضر إلى الاستقرار، والبرتقالي يبرز الاضطراب، والأحمر يحذر من صراع بات على شفا التصعيد. يقول مسؤول ألماني إن نظام تنبؤ الذكاء الاصطناعي قدم بالفعل لحكومة أنجيلا ميركل تحذيرا من تمرد ثوري قبل أشهر قليلة من وقوعه في مقاطعة كابو ديلجادو في موزمبيق حيث تقاتل قوات أمنية مقاتلين يحاولون إقامة دولة إسلامية. ولكن نظام الإنذار المبكر لم يزل في معرض التطوير، والهدف منه في نهاية المطاف هو التمكن من التنبؤ بالصراعات قبل نشوبها بفترة تبلغ ما بين 12 و18 شهرا.

تبقى ألمانيا أكثر حذرا من دول أخرى في ما يتعلق بإيكال التقييمات الاستراتيجية للخوارزميات، حيث يقول مسالا إن "بعض المحللين في الولايات المتحدة يعتقدون أن بوسع الذكاء الاصطناعي في نهاية المطاف أن يحل محل التكهنات البشرية تماما، أما نحن فلا نعتقد بذلك"، ومسالا إيطالي ألماني لطيف وودود ومحب للسخرية من جدية بلده في ما يتعلق بالشؤون العسكرية على مواقع التواصل الاجتماعي (وليس أدل على ذلك من صورته في تويتر، فهي صورة تيريون لانستر المخطط الاستراتيحجي السكير في "لعبة العروش"). يقول "إن بوسع الخوارزميات أن تؤدي 84% من العمل، لكننا نراها بوصفها نظاما لدعم المحللين البشريين وليس بديلا عنهم".

واطسن هو كمبيوتر هائل معنيٌّ بإجابة الأسئلة ويقع في قلب جهود برفيو للتنبؤ بالأزمات، وهو يستغرق ثانية واحدة لمعالجة 500 جيجابايت، أي ما يعادل مليون كتاب. لكن واطسن ليس ماهرا في قراءة ما بين السطور. ومن ثم يكون أستاذ للأدب في الموضع الأمثل لإكمال مجموعة مهارات الكمبيوتر الخطية.

***

حتى بعون من باحثي فريقه الثلاثة، بدا التحدي الذي وضعه فيرتهيمر طاغيا. يتذكر الباحث المساعد فلوريان روجي قائلا "ظننا في بداية المشروع أننا سنقضي أغلب وقتنا جالسين في المكتبات نقرأ كتبا، لكننا سرعان ما أدركنا أن الكتب ببساطة كثيرة للغاية، ومكتوبة بلغات لا نجيدها".

بحث الفريق إمكانية التنقيب في الكتب: مسح الكتب بحثا عن كلمات وعبارات عاطفية لإقامة خرائط عنقودية للمشاعر المتعلقة بمواضيع محددة، أو مناطق جغرافية، أو شخصيات سياسية. واستشاروا قسم تكنولوجيا المعلومات في مشكلة واجهتهم. كانت المشكلة أن التنقيب في الكتب يقتضي رقمنة الكتب على أن يتم تحديد اختيارات الباحثين للمصطلحات البحثية مسبقا. يقول روجي "إن ذلك كان ليدهس المفارقة والتناقض والاستعارات وكل الجوانب الأدبية التي كنا مهتمين بها. كنا نريد الكتب أن تنبئنا بشيء لم نكن نعرفه أصلا".

قررت المجموعة بدلا من ذلك أن تركز على ما أطلقت عليه "البنية الأساسية الأدبية": ما الذي يجري حول النص؟ كيف يجري تلقيه؟ يقول روجي "بتنا مهتمين بما يمس وترا. هل انهالت الجوائز على كتاب؟ أم تعرض للحظر واضطر كاتبه إلى مغادرة البلد؟". شهدت الكويت على سبيل المثال صعود روايات عن وضع أقلية البدون عديمي الجنسية بعد عام 2010. كثير منها تعرض للرقابة أو الحظر بُعيد النشر مما دعا إلى التنبؤ بالحملة الصارمة على مظاهرات البدون سنة 2019.

ثبت من قراءة الكتب المترجمة أنها وسيلة عديمة الفعالية لالتقاط مثل هذه النزعات. يقول روجي إنه انتهى إلى تصفح ما لا يزيد عن ثلاثين رواية على مدار المشروع، وبدلا من ذلك اتصل فريق فيرتهيمر بكتَّاب ونقاد أدب في مناطق اهتمامهم. وكانت الاستجابة حماسية على نحو مدهش. إذ بعث الروائي وول سونيكا روابط مقالات في الصحافة النيجيرية وأمدهم بوسائل اتصال بكتاب آخرين. ونظم الكاتب الكوسوفي بيكي كوفاي حلقة في سفارة بلده في برلين. وأقيمت ندوات في باريس ومدريد حضرها روائيون من الجزائر والمغرب ومصر وإسرائيل وفرنسا، وأغلبهم تبرعوا بدفع نفقات حضورهم من أموالهم الخاصة.

في عام 2018، بعد أسابيع من سفر ضابطي القوات المسلحة الألمانية إلى توبنجن، قدم فيرتهيمر نتائجه الأولية في وزارة الدفاع في برلين. لفت الانتباه إلى فضيحة أدبية حول مسرحية جوفان رادولوفيتش الصادرة سنة 1983 بعنوان "جحر اليمامة"، حول مذبحة أوستاشر ضد جيرانهم الصرب وطرد الكتاب غير الصرب من اتحاد الكتاب الصربيين سنة 1986. أظهر أن السنين التالية شهدت غيابا لحكايات الصداقات والقصص الغرامية الألبانية الصربية وصعودا لروايات المراجعات التاريخية. وقال للعسكريين إن الأدب والمؤسسات الأدبية "مهدت الطريق للحرب" قبل عقد من بداية مجازر حرب كوسوفو سنة 1998.

كان كارلو مسالا حاضرا العرض. يتذكر قائلا "في البداية ظننت أن هذا كله هراء وجنون، ولن ينجح". ولكن مسالا كان قد قضى طرفا من عمله الأكاديمي يدرس صراع البوسنة فتذكر أن احتدام التوترات في المناطق سبقه انخفاض في الزيجات بين أصحاب الأديان المختلفة. "في كوسوفو، بدا أنه كان بالإمكان استشعار علامات إنذار مبكرة مماثلة في المشهد الأدبي".

يقول أحد مسؤولي وزارة الدفاع الذين حضروا العرض إنه "كان مشروعا صغيرا أدى إلى قدر مدهش من النتائج النافعة، وخلافا لحدسنا الأوليِّ، شعرنا بالإثارة".

في معرض سعيه إلى مزيد من التمويل الحكومي، وقف فريق فيرتهيمر وجها لوجه أمام معهد فراونهوفر في برلين الذي يعد أضخم مؤسسة في أوربا للبحوث التطبيقية والخدمات التنموية، وكان قد طولب بإجراء مشروع تجريبي مماثل بنهج قائم على البيانات. لكن مشروع كاسندرا كان ببساطة أفضل، بحسب ما يقول مسؤول بوزارة الدفاع طلب عدم الإفصاح عن هويته.

"التنبؤ بصراع قبل عام، أو عام ونصف العام من وقوعه، ذلك شيء كانت أنظمتنا قادرة عليه بالفعل. أما كاسندرا فوعد برصد الاضطرابات قبل ما بين خمس سنوات وسبع، وذلك كان أمرا جديدا".

قررت وزارة الدفاع الألمانية توسيع تمويل مشروع كاسندرا لسنتين أخريين. وأرادت من فريق فيرتهيمر أن يضع نهجا لتحويل الرؤى الأدبية إلى معلومات متماسكة قابلة للاستعمال على أيدي الاستراتيجيين أو الموظفين العسكريين: "خرائط عاطفية" لمناطق الأزمات، وبخاصة في أفريقيا والشرق الأوسط تقيس "صعود لغة العنف بترتيب كرونولوجي".

***

كانت لديهم الكتب، لكن كيف يقومون بتغذية آلة بنتائجهم؟ وقع تحدي عبور الفجوة الفكرية بين العلم والدراسات الإنسانية في مدى اثني عشر شهرا على عانق جوليان شليخت الذي انضم إلى مشروع كاسندرا في سبتمبر 2019 ليبحث في كيفية تحويل النقد الأدبي إلى نقاط بيانات. هو طالب في الثلاثين من العمر يدرس السياسة وعلم الاجتماع والدراسات الإسلامية وكان يبحث في استراتيجيات طالبان المبتكرة في أطروحة الماجستير، وكان عضو الفريق الوحيد الذي ليست له خلفية أدبية.

يقول شليخت بأثر رجعي "لعلي كنت بين المتشككين عند انضمامي. فبدخول إلى هذا المشروع بخلفية سياسية رأيت منهجهم ... مدعيا بعض الشيء. ومضت لحظة بعد الاجتماع الأول قلت فيها لنفسي: كيف ينبغي لهذا أن ينجح؟"

أخذ اهتمام باحثي فيرتهيمر يتزايد بالجزائر، ذلك البلد الذي بقي في الأغلب هادئا خلال الربيع العربي. 51.7% فقط من الناخبين في ذلك البلد بشمال أفريقيا هم الذين شاركوا بالتصويت في انتخابات 2014 الرئاسية بما يشير إلى لامبالاة سياسة أو إنهاك بسبب ذكريات الحرب الأهلية التي زعزعت المنطقة في تسعينيات القرن الماضي: وكانت الجزائر تصنَّف بصفة عامة دولة "مستقرة".

غير أن اتجاهات نشر الكتب في الجزائر ألمحت إلى أن شيئا يوشك أن يتغير تحت السطح. تتبع رواية "يوم ربيعي" لعمار مزداد جماعة من الناس تشارك في مظاهرة يجري تفريقها بعنف. ورواية اليوميات التي نشرها السعيد سعيدي سنة 1991 بعنوان "الجزائر: الفشل المتكرر" أعيد نشرها في منطقة القبائل بشمالي الجزائر سنة 2015 في إعادة زيارة لربيع البربر في الثمانينيات. وهناك رواية "ألفان وأربعة وثمانون... نهاية العالم" الصادرة سنة 2015 لبوعلام صنصال وهي دستوبيا أوروِلية يستعمل فيها دكتاتور إسلامي الدين للسيطرة على اللغة وعلى عقول شعبه. كان صنصال موظفا حكوميا رفيع المستوى انتقد صعود الإسلام السياسي في الجزائر فمنعت كتبه في بلده منذ 2006، وإن بقيت مقروءة على نطاق واسع، بما يجعل منها مثالا أساسيا لقدرة الأدب على لمس الأعصاب.

لكن التحدي تمثل في كيفية تحويل هذه الإشارات الجوية إلى معلومات يمكن أن يستعملها صناع السياسات العسكريون أو السياسيون. يتذكر شليخت "أدركنا أن تصادما قائم بين كيفية رسم شخص من أقسام الدراسات الإنسانية وآخر من أقسام العلوم لخريطة. فالمؤرخ الثقافي سوف يقول: هذه المنطقة، من واقع خبرتي، حمراء وهذه صفراء. أما العالم فيسأل: ما العمل حينما تتحول منطقة صفراء إلى برتقالية؟"

وضع الباحثون نظام نقاط للخطر فيه تسعة مؤشرات لكل كتاب: النطاق الثيماتي [الموضوعي]، رقابة النص، رقابة الكاتب، استجابة الإعلام، الفضائح المحيطة بالنص، الفضائح المحيطة بالكاتب، الجوائز الأدبية للكاتب، الجوائز الأدبية للنص، الاستراتيجية السردية. في كل فئة من هذه يحصل الكتاب على رقم بين (-1) و(+3) وكلما ارتفع عدد النقاط ازداد النص "خطرا".

في بعض الحالات، كانت النقاط السلبية ضرورة. فالكتاب المروي من وجهات نظر عديدة، كأن يروى مثلا من وجهتي نظر معسكرين متعاديين يحصل على صفر أو سالب واحد في فئة الاستراتيجية السردية. فرواية سلطان داني الصادرة سنة 2015 بعنوان "مزيل الجثث" على سبيل المثال حققت 12 نقطة فقط، والسبب الأساسي أنها تأملت الحروب اليوغسلافية دونما استعمال لوصف واضح الانحياز للأبطال والضحايا. يقول شليخت "أدركنا أن الأدب يمكن أن يساعد في حل الصراعات أو التخفيف منها. فليس كل كتاب يؤدي إلى انقسام الآراء".

حقق الأدب الدستوبي الجزائري نقاطا أعلى كثيرا. فـ"كتابة الجسد" لمصطفي بن فضيل، وهو رواية صدرت سنة 2018 معتمدة تقنية الكولاج متألفة من يوميات وملاحظات عالم فيزياء فلكية خيالي قتل في حادث سير غامض في يوم الانتخابات الرئاسية، وتحدث الكتاب عن الرغبة في تحقيق النظام من الذكريات الفوضوية المتبقية من حرب الجزائر الأهلية في التسعينيات، معبرا عن توق إلى تغير ديمقراطي. قرر باحثو كاسندرا عشرين نقطة للكتاب.

لو كان الكتاب قد حقق تأثيرا أكبر، لارتفع عدد نقاطه: "الشرخ" للكاتب محمد شريف لعشيشي، وهي رواية إثارة صدرت سنة 2018 وتصور العنف في سجون الجزائر، والنظام القانوني الفاسد، وتنامي الحركة الاحتجاجية، حققت 22 نقطة لأنها مثلت حالة لكاتب معروف ومكتوب عنه يسائل الوضع القائم. وكان أعلى الكتب نقاطا في بنك بيانات المشروع المتعلق بثلاثمة كتاب هو رواية 3084 لصنصال، فقد أعطاه فريق فيرتهيمر 25 نقطة.

في نظام النقاط المتبع بمشروع كاسندرا عيوب عدة. فمؤشراته مرنة: هل ينبعي للعروض النقدية الحماسية أو المقالات السلبية أن تسهم في نقاط الكتاب فقط إذا كانت منشورة في بلد المنشأ؟ هل الكتاب ذو النقاط الـ 24 هو بالفعل يبلغ ضعف خطورة الكتاب ذي الـ12 نقطة؟ وكان تحويل النقاط إلى خرائط حرارية عاطفية عملا لم يخل من مشقة هو الآخر: فما الذي تقوله حقا رواية جزائرية دستوبية تجري أحداثها في عالم مواز عن الولاءات السياسية المختلفة بين الجزائر ووهران؟ يقول روجي إن "ترجمة الادب إلى أرقام أمر صعب، يرغم في النهاية على تنازلات. فلا بد من قياس كثير من الكتب لتقليل التباينات".

لكن ثبت أنه يمكن الاعتماد على غرائز جهاز الزلازل الأدبي. في فبراير 2019، بعد سنتين من تحديد فريق فيرتهيمر للجزائر بوصفها منطقة اهتمام، اندلعت مظاهرات أهلية في الجزائر العاصمة ومدن أخرى وبلغت ذروتها في استقالة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة. وحينما قدم فيرتهيمر نتائج فريقه في صيف 2020، كانت قد استوفت اشتراطات وزارة الدفاع الرسمية بأن ينتقلوا بمنهجهم إلى المستوى التالي. كان مشروع كاسندرا قد أسس رابطا ملموسا بين الأدب والأحداث التاريخية التجريبية. علاوة على أن إلغاء الرحلات والندوات بسبب الوباء جعل الدراسة توفر قرابة 34 ألف جنيه استرليني من الميزانية.

وتحدَّد موعد اجتماع في قيادة العمليات. يتذكر هولتز "ارتفعت آمالنا جميعا. وكنا متلهفين على تطبيق نتائجنا على المجال".

ثم تلقى فيرتهيمر اتصالا هاتفيا. سيتم إيقاف مشروع كاسندرا في شتاء 2020.

***

في أعقاب ذلك، ألقى البعض اللوم على الوباء، الذي تسبب في ضغوط لم تكن متوقعة على ميزانيات الحكومة. ووجَّه آخرون إصبع الاتهام إلى دورة التعديل في المناصب الحكومي كل خمس سنوات، والتي أدت إلى نقل أحد كبار المسؤولين الداعمين للمشروع إلى موسكو وتولي بديل لا يعرف الكثير عن وعد كاسندرا الأصلي. عبر القنوات الرسمية، بقيت وزارة الدفاع ملتزمة الصمت، وأقصى ما قاله متحدث باسمها في الأمر هو "نود أن نؤكد بأثر رجعي مدى تقديرنا لهذا النهج المبتكر".

يقول هولتز "بالطبع كانت لطمة هائلة، ربما لأننا لم نكن نتوقعها". في ما وراء الستار، لم يزل بعض المسؤولين في حيرة من أمرهم. يقول أحدهم إن التنبؤ بالأزمات من خلال الأدب كان يمكن أن يكون "قصة نجاح منطوية على مقومات ذاتية للنجاح". رافقتها شبكة حرة من المتحمسين والمتطوعين الخبراء، ممن لم يقتصر عونهم على تحديد الصراعات قبل سنين عدة من وقوعها بل امتد إلى تزويد الدبلوماسيين بسرديات مضادة صحيحة لمواجهتها. في ما تأمل مسؤول آخر قائلا إن مشروع كاسندرا ربما كان ببساطة شديدة أفضل من أن يتحقق فعليا، وكان خطره يتمثل في فضحه برامج البيانات الأخرى باهظة التكلفة.

لقد ذهبت تحذيرات كاسندرا في الأسطورة اليونانية أدراج الرياح لأن كاهنة طروادة أصابتها لعنة أبولو الذي غضب منها لرفضها ممارسة الجنس. وفي معالجة كريستا وولف الحديثة، يعرف جنرالات طروادة أن كاسندرا تقول الحقيقة، ومع ذلك يتجاهلونها. يقول فيرتهيمر إن "الملك بريام، بناء على حسابات سياسية، يفضل أن يبقى جاهلا. لقد كنت أظن أن رجال السياسة المحدثين مختلفون، وأنهم فقط لا يعرفون بما فيه الكفاية. لكن يتبين أنهم مثل نظرائهم القدامى: يفضلون ألا يعرفوا".

في واحد من تقاريره الأخيرة لوزارة الدفاع، قرب نهاية 2019، لفت فيرتهيمر الانتباه إلى تطور مثير للاهتمام في القوقاز. كان وزير ثقافة أذربيجان قد أمد مكتبات في جورجيا بكتب تنقل رسائل سافرة في مناهضتها لأرمنيا، كأعمال الشاعر خليل رضا أولوترك. حذر فيرتهيمر من إشارات إلى أن أذربيجان تكثف جهودها الدعائية في سياق الصراع الإقليمي المختمر مع جارتها الجمهورية السوفييتية السابقة.

اندلعت الحرب بعد سنة: مات ستة آلاف عسكري ومدني في معركة دامت ستة أسابيع على ناجورنو كاراباخ، وهو جيب في أذربيجان تسكنه إثنية أرمينية. استغل الرئيس التركي رجب طيب إردوجان الحرب في توطيد صورته كرجل قوي، مشيدا بهزيمة أرمنيا في ديسمبر باعتبارها "نصرا مجيدا". تحالفت روسيا ـ بشكل تقليدي ـ مع أرمينيا ونجحت في استغلال الصراع لتعزيز نفوذها في المنطقة. أما ألمانيا والاتحاد الأوربي فبقيا يتابعان في صمت: فالتنبؤ بالمستقبل أمر، ومعرفة ما يجب عمله بالمعلومات أمر آخر.

لا مرارة في نفس فيرتهيمر بسبب إنهاء مشروع كاسندرا. يقول "لست ممرورا، ولكني حزين". وعلى أي حال، قد يكون للمشروع مستقبل في النهاية. فقد كلفت وزارة الداخلية فريقه بتقصي الندوب الخفية من جراء عملية إعادة توحيد ألمانيا. ولقد أجريت محادثات مع ممثل الشؤون الخارجية والشرطة الأمنية في الاتحاد الأوربي جوزيف بوريل لنقل كاسندرا إلى بروكسل. يقول فيرتهيمر إنه مهتم بتطبيق منهجه في تحليل التوترات الجيوسياسية في أوكرانيا وليتوانيا وبيلاروسيا.

أعلى طاولته في توبنجن خريطة للعالم وتأشيرات سفر مثبتة في المناطق البيضاء المجاورة للقارات. يقول إن "الأدب يقع في مركز حياتي وذلك فقط لإيماني أنه يصلح منطلقا إلى العالم الحقيقي".

نشرت الترجمة في جريدة عمان بتاريخ 11 و12 يوليو 2021

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق