الثلاثاء، 25 سبتمبر 2012

رسالة مفتوحة إلى ويكيبديا



حينما لا يكون المؤلف مصدرا موثوقا لكتابه، حينما يرى الناس في رواية ما لا يراه مؤلفها، هل يكون للمؤلف حق التصحيح، وفرض "الصواب" أم تراه يكتفي ـ شأن الروائي الأمريكي فيليب روث ـ بأن يطرح رأيه في رسالة:

رسالة مفتوحة إلى ويكيبديا


عزيزتي ويكيبديا

أنا فيليب روث. ومؤخرا، طرأت أسباب جعلتني أقرأ للمرة الأولى مادة في ويكبديا تناقش روايتي "الوصمة البشرية". تحتوي المادة على خطأ جسيم أود أن أطلب إزالته، خاصة وأنه دخل إلى ويكبديا لا من باب الحقيقة بل من باب هذيان النميمة الأدبية ـ فليس له من الحقيقة أدنى نصيب.
غير أنني عندما طلبت مؤخرا من ويكبديا ـ عبر وسيط رسمي ـ حذف هذا الخطأ، وخطأين غيره، إذا بـ "مدير ويكبديا الإنجليزية" يقول لوسيطي في رسالة بتاريخ الخامس والعشرين من أغسطس إنني، روث، لست بالمصدر الموثوق فيه. وكتب مدير ويكيبديا يقول "إنني أفهم رأيك بأن الكاتب هو صاحب السلطة الكبرى على عمله، ولكننا نحتاج مصادر ثانوية".

فيليب روث


وبذلك نشأ الموقف الذي استدعى هذه الرسالة المفتوحة. فبعد أن عجزت عن إحداث أي تغيير من خلال القنوات المعتادة، لم أعد أعرف كيف أستمر في هذا الأمر.
لقد وصفت روايتي "الوصمة البشرية" في ويكبديا بأنها "مستوحاة ـ فيما يقال ـ من حياة الكاتب ’أناتول برويارد’ (ولقد تغيرت اللغة من خلال آلية التحرير الجماعي لويكيبديا منذ اطلاعي عليها للمرة الأولى، ولكن هذا الزيف لا يزال قائما)
هذا الزعم المزعوم لا يستند بالطبع إلى أية حقيقة. فـ "الوصمة البشرية" مستوحاة من واقعة تعيسة في حياة صديقي الراحل "ميلفن تومين" أستاذ علم الاجتماع في برينستن لأكثر من ثلاثين عاما. فذات يوم من خريف عام 1985، وبينما كان ميلفيل يدقق ـ وهذا دأبه في كل الأشياء كبيرها وصغيرها ـ في كشف الحضور والغياب في إحدى المحاضرات، لاحظ أن اثنين من الطلبة لم يحضرا أي محاضرة له، ولم يقابلاه لتوضيح السبب في عدم الحضور، برغم أن ذلك كان في منتصف الفصل الدراسي.
بعدما انتهى من مراجعة كشف الحضور والغياب، سأل ميل الحاضرين عن الطالبين اللذين لم يلتق بهما قط. "هل هناك من يعرف هذين الشخصين؟ هل لهما وجود أم أنهما شبحان spooks ؟ وتلك لسوء الحظ هي نفس الكلمات التي ترد على لسان "كولمان سيلك" ـ بطل "الوصمة البشرية ـ أمام طلبته في محاضرة الكلاسيكيات بكلية أثينا في مساتشوستس.
الوصمة البشرية
بصورة شبه فورية تم استدعاء ميل [يعني ميلفن تومين] للمثول أمام سلطات الجامعة لتبرير استخدامه لكلمة "شبحان"، إذ كان الطالبان المتغيبان ـ كما تبين ـ أفروأمريكيين، ولقد كانت كلمة "الشبح spook" ذات زمان في أمريكا تعد إشارة مهينة إلى ذوي البشرة السوداء أخف وقعا من كلمة "الزنجي nigger "، وربما أقل تحقيرا منها، ولكنها تبقى كلمة مهينة. وتلت ذلك، على مدار الشهور التالية، محكمة تفتيش خرج منها البروفيسير تومين  ـ شأن البروفيسير سيلك في "الوصمة البشرية" ـ غير ملام، ولكن بعد أن تحتم عليه أن يقوم بتقديم شهادات مطولة يبرئ فيها نفسه من تهمة التلفظ بعبارة تنم عن كراهية.
وتكاثرت مفارقات لا أول لها ولا آخر، منها الظريف ومنها الكئيب؛ إذ أن ميل عرف على المستوى الوطني بين أساتذة علم الاجتماع والمنظمات المدينية وناشطي الحقوق المدنية والساسة اللبراليين، بدراسته الاجتماعية الأساسية الصادرة سنة 1959 بعنوان "التحرر من التفرقة العنصرية: المقاومة والاستعداد" ثم بدراسة له صدرت سنة 1967 بعنوان "التصنيف الاجتماعي: أشكال التفاوت ووظائفه" والتي سرعان ما تحولت إلى نص معياري من نصوص علم الاجتماع. بل إنه قبل أن ينتقل إلى برنستن كان قد عمل مديرا للمفوضية العمودية للشئون العرقية في ديترويت. وعند وفاته سنة 1995، كان العنوان الذي تصدر تأبينه في صحيفة نيويورك تايمز هو "ميلفين م تومين، 75 عاما، المتخصص في العلاقات العرقية".
ولكن كل هذه المؤهلات لم تكن ذات قيمة تذكر عندما شاءت قوى اللحظة أن تهوي بالبروفيسير تومين من علياء منصبه الأكاديمي من دون أي سبب على الإطلاق، وهو إلى حد كبير مثل ما جرى للبروفيسير سيلك في "الوصمة البشرية".
و"هذا" هو الذي ألهمني كتابة "الوصمة البشرية"، وليس شيئا قد يكون وقع أو لم يقع في حياة كاتب منهاتن الكوزموبوليتي أناتول بويارد، وإنما هو ما وقع بالفعل في حياة البروفيسير ميلفن تومين على مسافة ستين ميلا إلى الجنوب من منهاتن في كلية برينستن بنيو جيرزي، حيث التقيت بميل وزوجته سلفيا وولديهما عندما كنت كاتبا مقيما في برينستن في أوائل الستينيات من القرن الماضي.
ومثلما الحال مع المسيرة المهنية الأكاديمية المميزة للشخصية الرئيسية في "الوصمة البشرية"، تلوثت مسيرة ميل ـ التي امتدت على مدار أربعين سنة كباحث ومعلم ـ بين عشية وضحاها بسبب ما قيل عن إهانته طالبين أسودين لم تكن عيناه قد وقعت عليهما، بقوله عنهما إنهما "شبحان". وبحسب ما أعلم، لا يوجد حدث يشبه هذا ولو من بعيد في مسيرة بويارد المهنية الناجحة والطويلة في أعلى ما يمكن أن تصل إليه الصحافة الأدبية في العالم.
واقعة الشبحين هي الواقعة الاستهلالية في "الوصمة البشرية". وهي جوهر الكتاب. وبدونها لا تكون ثمة رواية. وبدونها لا يكون وجود لكولمن سيلك. فكل معلومة نعرفها عن كولمن سيلك على مدار ثلاثمائة وإحدى وستيتن صفحة إنما يكمن أصلها في الاضطهاد الهزلي الذي أعقب نطقه بـ "شبحان" بصوت عال أمام طلبته. في هذه الكلمة ـ التي نطقها ببراءة كاملة ـ يكمن مصدر غضب سيلك، وألمه، وسقوطه. كل هذا الاضطهاد المرذول الذي لا داعي له إنما ينبع من هذه الواقعة وحدها، وكذلك جميع محاولاته اليائسة للتجاوز والبدء من جديد.
أما المفارقة الكبرى فتتمثل في أن يكون هذا هو سبب نهايته المهينة، وليس سر حياته الهائل: فلقد كان شخصا فاتح البشرة لكنه ينحدر من عائلة سوداء محترمة من إيست أورنج في نيو جيرزي. كان أحد ثلاثة أبناء لعامل في غرفة الطعام بأحد القطارات وممرضة معتمدة، لكنه نجح في تمرير نفسه ـ منذ التحاقه بالبرية الأمريكية وهو في التاسعة عشرة من عمره ـ بوصفه شخصا أبيض.
أما أناتول برويارد، فهل التحق يوما بالبحرية؟ طيب بالجيش؟ دخل السجن؟ تخرج في الجامعة؟ انضم للحزب الشيوعي؟ هل أنجب أبناء؟ هل كان في أي يوم ضحية بريئة لتحرش مؤسسي؟ لم تكن عندي أدنى فكرة. فأنا وهو لم يعرف أحدنا الآخر تقريبا. وعلى مدار أكثر من ثلاثة عقود، لم ألتق به ـ بالمصادفة البحتة ـ إلا  ثلاث مرات أو أربعا قبل معركته المديدة مع سرطان البروستاتا التي أودت بحياته سنة 1990.
في المقابل، يتعرض "كولمن سيلك" للقتل بدافع من الكره، حيث يموت في حادث سير مدبر أثناء قيادته لسيارته بصحبة امرأة لا ترقى إلى أن تكون عشيقة له، وهي "فاونيا فارلي"، الفلاحة البسيطة التي تعمل ـ إلى جانب الزراعة ـ حارسة في الكلية التي كان هو عميدها المرموق. الحقائق التي تتكشف عن هذه الظروف المحددة المتعلقة بمقتل سيلك تذهل أقاربه وتؤدي إلى نهاية الرواية المشئومة عند بحيرة متجمدة مهجورة حيث تجري تسوية حسابات بين "ناثان زوكرمان" و"فاونيا" وقاتل كولمن، وهو زوج فاونيا السابق "لِيس فارلي" المعذَّب العنيف المشارك سابقا في حرب فييتنام. وليس لأقارب سيلك وقاتله وعشيقته أصل إلا في خيالي. وفي سيرة أناتول برويارد الذاتية لا وجود لمن يماثلون هؤلاء، ولا وجود لأحداث تماثل هذه الأحداث فيما أعلم.
لم أعرف شيئا عن عشيقات لبويارد، إن كانت لديه عشيقات من الأساس، لم أعرف من هن ولا إن كانت بينهن امرأة من نوعية "فاونيا فارلي"، التي دأب الرجال على إيذائها والتحرش بها منذ أن كانت في الرابعة، والتي جاءت لتغلق تماما على نهايته المروعة مثلما تفعل فاونيا مع نهاية كولمن سيلك ونهايتها. لم أعرف شيئا قط عن حياة برويارد الخاصة ـ عائلته وأبويه وإخوته وأقاربه وتعليمه وصداقاته وزواجه وعلاقاته الغرامية ـ ومع ذلك فإن أدق جوانب حياة كولمن سيلك الشخصية هي التي تشكل عمليا كل ما ترويه "الوصمة البشرية".
لم أعرف يوما أيا من أفراد عائلة برويارد، ولا تكلمت إلى أحدهم، ولا تواجدت ـ في حدود ما أعرف ـ مع أي منهم في مكان. بل ولم أعرف إن كان له أبناء. ولقد كان كان قرار الإنجاب من امرأة بيضاء سببا لكثير مما شعر به كولمن سيلك من خوف ـ إذ من المحتمل أن يؤدي لون بشرة نسله إلى كشف حقيقته كرجل أسود. ولم يكن لدي سبيل، فأعرف إن كان برويارد عانى من مثل هذا الخوف، ولا زلت لا أعرف.
لم يحدث قط أن تناولت وجبة مع برويارد، ولم أمض معه مرة إلى حانة أو إلى حفل عشاء أو إلى مطعم، ولم أره قط في حفلة قد أكون حضرتها في الستينيات عندما كنت أعيش في منهاتن فكنت أتردد أحيانا على الحفلات. لم يحدث مرة أن شاهدت معه فيلما أو لعبت معه الورق أو ظهرت ولو مرة معه في فعالية أدبية لا مشاركا ولا مشاهدا. وفي حدود ما أعلم، لم نعش في جوار واحد طوال قرابة السنوات العشر التي قضيتها في نيويورك في أواخر الخمسينيات ومطلع الستينيات حينما كان هو يعمل في عرض الكتب والنقد الثقافي لجريدة نيويورك تايمز. لم أصادفه مرة في الشارع، وإن حدث مرة ـ في الثمانينيات بحسب ما أتذكر ـ أن التقينا مصادفة في متجر "بول ستيوارت" لعاديات الرجال في شارع مادسن أفنيو، حيث كنت أشتري حذاء. ولما كان بويارد في ذلك الوقت هو أهم ناقد للكتب في التايمز، وأكثرهم ثقافة، فقد قلت له إنه سيكون من دواعي سروري أن يأتي ليجلس بجواري ويسمح لي أن أشتري له زوجا، راجيا من ذلك ـ وأعترف بصراحة ـ أن أعمق إعجابه بكتابي القادم. كان لقاء مرحا ظريفا، دام على أقصى تقدير عشر دقائق، وكان اللقاء الوحيد من نوعه بيننا.
لم نحرص قط على أن يقوم بيننا حوار جدي. كان المزاح العابر هو تخصصنا، ونتيجة لذلك لم أعرف من برويارد قط من أصحابه ومن أعداؤه، لم أعرف متى وأين ولد ونشأ، لم أعرف شيئا عن وضعه الاقتصادي في طفولته أو في كبره، لم أعرف شيئا عن آرائه في السياسة أو فرقه الرياضية المفضلة أو حتى إذا كان له أدنى اهتمام بالرياضة. بل ولم أعرف أين كان يعيش في الوقت الذي التقيت به فيه وعرضت عليه أن أشتري له الحذاء الغالي. لم أعرف شيئا عن صحته العقلية أو سلامته البدنية، وعرفت فقط أنه يحتضر معانيا من السرطان بعد شهور من تشخيص حالته، حينما كتب عن صراعه مع المرض في مجلة نيويورك تايمز مجازين. 
أناتول برويارد
لم أحل على بيته ضيفا قط، ولا هو حل ضيفا على بيتي، لم أعرفه إلا ناقدا لكتبي يتصف عموما بالسماحة والكرم، خلافا لكولمن سيلك الذي كان عميدا لكلية أثينا في غرب مساتشوستس ويمثل بذاته مركزا للخلافات حول مسائل جامعية من قبيل المنهج واشتراطات الترقي. غير أنني بعدما أعجبتني الشجاعة التي أظهرها في المقالة التي كتبها عن موته الوشيك، حصلت على رقم هاتفه المنزلي من أحد المعارف المشتركين واتصلت به. وكانت تلك هي المرة الأولى والأخيرة التي أكلمه فيها على الهاتف. كان فاتنا في حماسه، مدهشا في طاقته، ضحك من قلبه لما ذكرته بنفسي وبنفسه في عزنا، ونحن نتقاذف كرة القدم على شاطئ في أماجانسيت سنة 1958، فعندها التقينا للمرة الأولى. كنت في الخامسة والعشرين وكان هو في الثامنة والثلاثين. كان يوما صيفيا جميلا، وأتذكر أنني ذهبت إليه على الشط لأقدم له نفسي وأخبره كيف أنني استمتعت كثيرا بقصته الفذة "What the Cystoscope Said ". كانت القصة قد ظهرت وأنا في السنة الأخيرة في الكلية سنة 1954 في العدد الرابع من أفضل المجلات الأدبية في تلك الحقبة، وأحسنها توزيعا، وهي مجلة ديسكفري.
وسرعان ما كان هناك أربعة منا ـ أربعة كتاب نشروا في الوقت نفسه للمرة الأولى ـ نلعب بالكرة على الشاطئ. تلك الدقائق العشرون التي لعبنا فيها الكرة هي أدفأ حالة اشتركت فيها أنا وبرويارد، وبها يصبح إجمالي الوقت الذي قضيناه معا طوال العمر ثلاثين دقيقة.
قبل أن أترك الشاطئ قال لي شخص إنه يشاع أن برويارد "ثُمن أسود  octoroon". لم أبال كثيرا بما سمعت، أيامها سنة 1958، ولا وثقت كثيرا في الحكاية. كانت كلمة أوكتورون في حدود خبرتي كلمة نادرة الاستخدام خارج الجنوب الأمريكي. وليس مستبعدا أن أكون تحققت منها في المعجم فيما بعد لأتأكد من دقة معناها.
والحق أن برويارد كان ابنا لأبوين أسودين. لم أكن أعرف ذلك في وقتها، ولا حينما بدأت كتابة "الوصمة البشرية". نعم، صحيح أن شخصا قال لي بلزوجة إنه ابن لأبوين أحدهما أسود والآخر ربع أسود، ولكن نتفة الإشاعة تلك كانت بعيدة الاحتمال في ضوء كل ما أعلمه عن برويارد وما قرأته له في كتبه ومقالاته عن الأدب والحالة الأدبية في ذلك الوقت. ففي القصتين الممتازتين اللتين نشرهما في ديسكفري ـ والأخرى نشرت سنة 1953 بعنوات "عشاء الأحد في بروكلن" ـ لم يكن هناك أدنى سبب للظن بأن الشخصية الأساسية في عائلة بروكلن ليست بيضاء مائة في المائة  شأنها في ذلك شأن الكاتب نفسه.
في المقابل، وعلى مدار السنين، كان عدد غير قليل من الناس يتساءل ـ بسبب بعض القسمات الزنجية كالشفتين والشعر ونسيج البشرة ـ إن كان ميل تومين (اليهودي بوضوح والأمريكي الشمالي بوضوح أيضا) أفروأمريكيا يتظاهر أنه أبيض. كانت هذه حقيقة أخرى في سيرة حياة ميل تومين، وهي من بين الأشياء التي أذكت خيالي عندما بدأت أفكر في "الوصمة البشرية".
بطل روايتي، الأكاديمي كولمن سيلك، والكاتب الحقيقي أناتول برويارد، نجحا في تمرير نفسيهما بوصفهما أبيضين في السنوات السابقة على حركة الحقوق المدنية التي غيرت من طبيعة حياة السود في أمريكا. هؤلاء الذين كانوا يختارون تمرير أنفسهم كبيض (وككلمة "التمرير" هذه، بالمناسبة، لم تظهر في "الوصمة البشرية") كانوا يتخيلون أنهم لن يضطروا إلى احتمال الحرمان والمذلة والمهانة والظلم التي من المحتمل أن تعترض جميعا طريقهم إن هم تركوا هوياتهم بحسب ما هي فعلا. خلال النصف الأول من القرن العشرين، لم تكن تلك حال أناتول برويارد وحده، كانت حال آلاف، وربما عشرات الآلاف من فاتحي البشرة من الرجال والنساء الذين قرروا أن يهربوا من قسوة الفصل العنصري الممأسس ومن قبح العنصرية، بدفنهم أنفسهم السوداء إلى الأبد.
لم أكن أعرف كيف كان إحساس أناتول برويارد بهروبه من سواده لأنني لم أعرف شيئا عن سواد أناتول برويارد، أو حتى عن بياضه. ولكنني كنت أعرف كل شيء عن كولمن سيلك، لأنني أبدعته من الصفر، مثلما أبدعت في السنوات الخمس السابقة على "الوصمة البشرية" محرك العرائس "ميكي سابات" في رواية "مسرح سابات"، وصانع القفازات "سويد لفوف" في "المرعى الأمريكي" (1997) والأخوين رينولد في "تزوجت شيوعيا" (1998) اللذين كان أحدهما معلما للغة الإنجليزية في المدارس الثانوية والثاني نجما إذاعيا ساطعا. وقبل تلك الكتب وبعدها لم أكن محرك عرائس ولا صانع قفازات ولا مدرس ثانوي ولا نجما إذاعيا.
هذا ما أثمرت عنه رسالة روث .. رابط أضيف في ويكبديا
وأخيرا، لكي تلهمك حياة شخص كتابة رواية بأكملها، لا بد أن يكون لديك اهتمام بحياة هذا الرجل، ولسوف أقولها بصراحة، فعلى الرغم من إعجابي بصفة خاصة بقصة What the Cystoscope Said عند ظهورها سنة 1954، وإعلاني عن هذا الإعجاب للكاتب، إلا أنني بمرور السنوات لم أكن مهتما بأناتول برويارد اهتماما خاصا. فليس لبرويارد ولا أي شخص من المتصلين به أدنى علاقة بتخيلي لأي شيء في "الوصمة البشرية".
إن كتابة الرواية للروائي لعبة ادعاء. وشأن أي روائي آخر فيمن أعرفهم، فأنا بمجرد أن ألتقط بما يسميه هنري جيمس بـ "الجرثومة" ـ والجرثومة في حالتي هي قصة ميل تومين في برينستن ـ  حتى أتقدم فأبتكر "فاونيا فارلي"، و"ليس فارلي" و"كولمن سيلك" وخلفية كولمن سيلك العائلية، وحبيباته في شبابه، واحترافه الملاكمة لفترة عابرة، والكلية التي يرتقي إلى أن يكون عميدا لها، وزملاءه الكارهين له والمتعاطفين معه، ومجاله الدراسي، وزوجته المجنونة، وأبناءه الرافضين له والمتعاطفين معه، وشقيقة أستاذته في المدرسة إرنستين التي تكون أقوى الحاكمين عليه في نهاية الكتاب، وشقيقه الغاضب الرافض، وآلاف التفاصيل الحياتية التي تشكل معا شخصية خيالية هي التي تمثل مركز الرواية.

المخلص
فيليب روث






تعقيب
بليس برويارد


كتبت بليس برويارد ـ ابنة أناتول برويارد ـ تعقيبا على رسالة روث المفتوحة نشرتها على فيسبوك ونقلتها عن مواقع عديدة من بينها ويكيبديا. قالت برويارد إنه "منطقي تماما فيما أعتقد أن تكون لروث الكلمة الفصل فيمن أوحى إليه بشخصياته بل وفي التشويش على مصادره كيفما شاء ... لكن ليس منطقيا فيما أظن أن يملي على غيره استنتاجات تتعلق بشخصياته، وذلك عمليا ما يحاول القيام به في اعتراضه على وصف ويكيبديا لكتابه بأنه مستوحى "فيما يقال" من أبي". وتعترض برويارد على قول روث بأنه لم يقابل أحدا من أهل برويارد قط فتحكي عن حفل أدبي هو الوحيد الذي حضرته مع أبيها قائلة "ولكنني أتذكره بوضوح وهو يشدني لمقابلة روث. قال أبي بنبرة جليلة ’’بليس .. هذا واحد من أهم كتابنا الروائيين’’ فالتفت إليّ وقال ’’منتهى الرشاقة والبياض. كالشبح’’ ... كان لقاء خاطفا فلست مندهشة إذا كان نسيه، أما أنا فتفهمون لماذا لم أنسه".



نشر الموضوع في عدد اليوم 25 سبتمبر 2012 من شرفات ونشر أصلا ـ باستثناء تعقيب بليس برويارد ـ في مدونة ذي نيويوركر بتاريخ 7 سبتمبر 2012
 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق