أزمة في
أفق الصين
جويل برينكلي
تمر الصين بمشكلات عميقة، بالغة
العمق، وقادتها الجدد يعلمون هذا. فنمو إجمالي ناتجها الوطني مستمر في
التباطؤ منذ أواخر عام 2010، باستثناء ارتفاع طفيف في التقرير ربع السنوي الأخير الصادر في يناير الماضي. ولكن هذا لا
يعدو واحدة من مشكلات كثيرة. فبحسب الكلمات البسيطة الواردة في تقييم نهاية العام
لدولة الصين الصادر عن "دي آند بي كاونتي لقياس المخاطرة" فإن "الاتجاه:
إلى التدهور".
يتولى زي جينبينج الزعيم الجديد للحزب
الشيوعي رئاسة الدولة، وسط آمال الصين ـ برغم ما فيها من ذعر غير قليل ـ بأنه سوف
يحدث تغييرا إيجابيا. ولكن مشكلات الصين ـ الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ـ
قاهرة بحق. ومع اقتراب التحول الكامل للحكومة، يبدو أن هذه المشكلات جميعا تتلاقى
وتتراكم. ومن أهم أعراض ذلك: تدفق النقود الخارجة من الدولة بمعدل منذر بالخطر،
وهي علامة على أن أثرياء الصين فقدوا إيمانهم بالبلد.
والصين بطبيعة الحال لا تعلن أية
أرقام بخصوص رحيل رءوس الأموال، لكن نهاية العام الماضي شهدت نشر تقديرات موثوق فيها،
من صحفيين واقتصاديين، تشير إلى أن رءوس الأموال التي غادرت الصين خلال العام
الأسبق تتراوح بين 225 و300 بليون دولار أمريكي، أي ما يعادل ما بين ثلاثة إلى أربعة
في المائة من الناتج الاقتصادي للصين في تلك الفترة. يحدث هذا على الرغم من عدم
شرعية إخراج مثل هذه الكميات من الأموال خارج البلد. ويزداد التدفق ضخامة عاما بعد
عام، مع استمرار إجمالي الناتج الوطني في التهاوي، وذلك أبعد ما يكون عن المصادفة.
وأثرياء الصين لا يقومون في واقع
الأمر بنقل أموالهم وحسب. بل إن كثيرا منهم يخطط للانتقال إلى الغرب مصطحبا
أمواله، ومقصدهم الرئيسي في ذلك هو الولايات المتحدة الأمريكية. وفي العام الماضي
قامت مجلة "هورون ريبورت" الصينية ـ المعنية بتتبع حياة الأثرياء ونزواتهم
ـ بنشر هذه النتيجة بعدما استخلصتها من لقاءات أجرتها مع تسعمائة شخص في ثماني
عشرة مدينة.
كان واضحا تماما أن العينة غير علمية،
ولكنها اكتسبت المزيد من المصداقية بآلاف مؤلفة من التعليقات على المقالة في موقع
وايبو ـ وهو النسخة الصينية من تويتر ـ والتي قال أصحابها إنهم كانوا ليفعلوا مثل
هذا لو أن لديهم من المال ما يكفي.
يستخدم أغلب الأثرياء [الصينيين]
الذين ينتقلون إلى أمريكيا تأشيرة دخول EB-5
التي يتم منحها للأجانب ممن يعتزمون استثمار ما
لا يقل عن نصف مليون دولار في عمل يوفر على الأقل عشر فرص عمل. وذلك ما يطلق عليه
الصينيون "هجرة الاستثمار". ولقد خلص بنك تجار الصين وشركة برين آند
كومباني الاستشارية العالمية في تقرير مشترك إلى أن "هجرة الاستثمار"
هذه "تتزايد بسرعة".
يشير التقرير إلى أن هجرة الاستثمار
من الصين إلى الولايات المتحدة "تزايد بمعدل سنوي مركّب يبلغ ثلاثة وسبعين في
المائة خلال السنوات الخمس الأخيرة". كما قامت الشركتان المصدرتان للتقرير
بإجراء مسح لأثرياء الصين (وثمة دراسات مسحية عديدة أخرى أجرتها منظمات أخرى)
فتبين منه أن قرابة ستين في المائة منهم "إما أنهوا إجراءات الهجرة
الاستثمارية، أو تقدموا لها، أو يفكرون فيها".
ولقد أفادت إدارة الأمن الوطني
[الأمريكية] بأن ثمانية وسبعين في المائة من المتقدمين لتأشيرة EB-5 في العام الماضي كانوا صينيين. وفي حين يعرب
الأثرياء عن سخطهم بخروجهم، يعرب أهل الطبقتين الوسطى والدنيا عنه بتمردهم العلني.
فوزارة الأمن العام تقدر أن الصينيين قاموا خلال عام 2011 بما يزيد على 128000 من
"الحوادث الجماهيرية" ـ أي المظاهرات المحلية الضخمة الرافضة للفساد أو
التلوث أو المطالبة بالأمن الوظيفي أو لعشرات غير تلك من الأمراض الاجتماعية. ولا
شك أن العدد تقريبي. ولكن المؤكد أنه متزايد. فقد كان العدد الرسمي في عام 1993 هو
8709. وبحلول عام 2009، قالت الوزارة إن الشعب قام بتنظيم تسعين ألف حادثة
جماهيرية. وكانت جميع المظاهرات تقريبا موجهة إلى السلطات المحلية، لا الحكومة
الوطنية. ويبدو أن ذكرى ميدان تيانانمن تبقى محفورة بالنار في أذهان الكثيرين.
ليس من الغريب في شيء أن تكون الحكومة
الصينية قد توقفت عن نشر الإحصاءات المتعلقة بالحوادث الجماهيرية. لكن "زيا
ييليانج" أستاذ الاقتصاد في جامعة بيكين قال إن الرقم قد ارتفع "إلى ما
يربو على مائتي ألف في العام"، أي أكثر من خمسمائة حادثة في اليوم. وأضاف قائلا
"إن لنا مصادرنا الخاصة في المكتب المركزي للأمن".
من أوضح آيات الظلم، ومن أكثر الدوافع
إلى المظاهرات، تنامي التفاوت في الدخول في الصين. ففي نهاية العام الماضي نشرت
صحيفة تشينا ديلي أن الدولة "فيها قرابة مائة واثنين وعشرين مليون شخصا
يعيشون تحت خط الفقر في المناطق الريفية، بما يعني أنه دخلهم يقل عن ثلاثمائة يوان
(369 دولار) في السنة" أو دولار واحد يوميا. وبإضافة الفقر المديني يصل العدد
الإجمالي لمن يعيشون الفقر المدقع إلى نحو خمسة عشر في المائة من الصينيين.
ونقلت الصحيفة عن "يو
جينتاو" ـ الباحث المتخصص في دراسات الفقر في المؤسسة الصينية للبحوث
التنموية ـ اعترافه بأن من شأن الفقر في الطفولة أن يعطل "الشخص في التعليم
والصحة والقدرة على الاندماج في المجتمع". وتذكر تقارير منظمة اليونيسيف أن
عشرة في المائة من أطفال الصين ينشأون نشأة خطرة، بما يعني أنهم لا يعيشون نشأة
طبيعية، إما بدنيا أو ذهنيا. في الوقت نفسه، ثلاثة في المائة من الرضع في الصين،
أو قرابة أربعين مليون رضيعا" يصيبهم الهزال، أو هم في واقع الأمر يجوعون حتى
الموت.
هذا، والسلامة الصحية مشكلة ضخمة لدى
هذا الشعب. فقرابة نصف الشعب الصيني لا يملكون في واقع الأمر السبيل إلى استعمال
المراحيض. و"قد لا تسنح لهم فرصة الاستحمام إلا مرتين في الشهر" بحسب ما
قال "زيا ييليانج".
في الوقت نفسه، نجد في الصين عددا من
البليونيرات والمليونيرات يفوق عددهم في أي بلد آخر في العالم باستثناء الولايات
المتحدة. وتخلص المؤسسة الوطنية للبحوث الاقتصادية في الصين ـ وهي مركز أبحاث
مستقل مقره بكين ـ إلى أنه عند حساب ما يعرف بالدخل الخفي ـ أي الرشاوى وما يقوم
مقامها ـ يكون دخل العشرة في المائة الأكثر ثراء أعلى بخمس وستين مرة من متوسط
العشرة في المائة الأكثر فقرا من السكان.
***
في العام الماضي، أصدر البنك الدولي
تقريرا ضخماانتهى إلى أن الحكومة الصينية لا بد أن تقوم بتجديد اقتصادها وخدماتها
الاجتماعية إن هي أرادت البقاء.
"إن داعي الإصلاح ملح".
هكذا قال رئيس البنك روبرت زوليك في مؤتمر صحفي في بكين قبيل تركه منصبه مضيفا أن
"الصين قد بلغت نقطة تحول في مسارها التنموي".
حتى أن بعض الخبراء الصينيين كسروا
سور الإنكار العظيم وقالوا مثل هذا الكلام. والوضع يزداد خطورة، حتى أن مركز "الاستراتيجية
والإصلاح" البحثي قد حذر علنا في نهاية الخريف الماضي من أن البلد "في
مواجهة هوة خطيرة، لا هي تستطيع إخفاءها ولا تفاديها، مهما فعلت. هناك أزمة محتملة
في النموذج الصيني للنمو الاقتصادي".
قال "وُو جينجليان" الكاتب
الاقتصادي البارز في مجلة كايجينج الصينية الاقتصادية الرائدة إن "التناقضات
الاقتصادية والاجتماعية في الصين تبدو وكأنها تقترب من عتبة نهاية مرحلة".
ومن الأخطار الكبيرة التي غالبا ما
يشار إليها ذلك التغير الراديكالي في مجموعة العمل الصينة [labor pool أي جماعة الأشخاص
المدربين الصالحين للعمل]. فلقد ازدهرت الصين بوصفها بالدرجة الأساسية مُصنِّعا
منخفض الأجور للمنتجات الغربية. ولكن مع ازدياد البلد رخاء، ارتفعت أجور العمال
ارتفاعا راديكاليا، وتلك "مشكلة بالغة الجسامة" فيما يقول أستاذ
الاقتصاد زيا ييليانج. فالهند وفييتنام وكمبوديا وغيرها من الدول الأفقر تحصل الآن
على كثير من تلك المهام، وهذا من أكبر أسباب عدم نمو الاقتصاد الصيني.
والاستراتيجية التي تتبعها الصين في مواجهة هذه المشكلة تقوم على فكرة بدء الدولة
في تقليل الاعتماد على التصدير وزيادة الاعتماد على الاستهلاك المحلي، وذلك ما تم
التأكيد علية في مؤتمر اقتصادي حكومي رفيع المستوى عقد في أواخر ديسمبر من العام
الماضي. ولكن ذلك يبقى أمرا إشكاليا في ظل اقتصاد
متباطئ.
يقول خبراء الصين أيضا إن من مشكلاتها
الكبرى كذلك مشكلة سيطرة المشاريع والأعمال الاقتصادية المملوكة للدولة، حيث يبلغ
عددها 145 ألفا بما يمثل خمسة وثلاثين في المائة من إجمالي النشاط الاقتصادي في
الصين وفقا للإحصاءات الرسمية. وهي بطبيعتها كثيفة العمالة قليلة الكفاءة نظرا
لأنها لا تواجه منافسة حقيقية. كما أن كثيرا من المشاريع مملوك لمسئولين حكوميين
أو لأقارب لهم، الأمر الذي يتيح لعائلات ممتدة أن تحشو جيوبها حشوا.
في تقرير إلى الهيئة التشريعية
الصينية في أواخر الخريف الماضي، قطع وانج يونج ـ مدير لجنة إدارة الأصول المملوكة
للدولة ـ عهدا ببذل "مزيد من الجهود لإصلاح الطاقة والاتصالات والنفط
والصناعات البتروكيميائية. سيتم توسيع المجال للسوق في هذه القطاعات بناء على تطور
هذه الصناعات".
وقبيل مغادرته منصبه آخر العام
الماضي، اعترف الرئيس "هُو جنتاو" بالمشكلات التي تواجهها الصين الآن
وذلك بتقديمه أحد وعوده الكاذبة بالإصلاح فقال إننا "ينبغي أن نفصل بين
الإدارة الحكومية وإدارة المشاريع وأصول الدولة والمؤسسات العامة والمنظمات
الاجتماعية".
ولقد قال لي عدد متنوع من الصينيين
والخبراء في الشئون الصينية في حواراتي معهم إنهم متشائمون ولا يتوقعون إلا قدرا
ضئيلا من التغيير في ظل القيادة الجديد إن حدث أي تغيير من الأساس. وبسؤالها عن
قدرة الحكومة الجديدة على إحداث تصحيحات متوسطة المدى، اكتفت إحدى الصحفيات
المرموقات في وكالة الأنباء الرسمية شينخوا بأن لوت شفتها وهزت رأسها (ومفهوم تمام
لماذا رغبت في عدم الإفصاح عن اسمها).
أما البروفيسور "زيا
ييليانج" زميل جامعة ستانفورد الزائر حاليا فأجاب السؤال نفسه بقوله "قطعا
لا". وأضاف أن "كثيرا من الناس ينتظرون من زاي جينجبينج أن يقوم
بإصلاحات. لكنه أصدر تصريحات قال فيها إنه سوف يبقى مصرا على قيادة الحزب الشيوعي.
أعتقد أنهم على علم بأن هناك مشكلات ضخمة ولكنهم لا يزالون واثقين أن لديهم من
السلطة ما يكفي لقمع الشعب" الذي يتظاهر أو يثير المتاعب.
ربما كان أندرو ناثان، خبير الشئون
الصينية في جامعة كولمبيا، أكثر المصادر التي التقيت بها تفاؤلا. قال إنه يتوقع
"تغييرا من داخل الاستمرار"، وذلك يعني "إصلاحات مستمرة غايتها
الحفاظ على الحزب في السلطة، أي أنها غير حقيقية، أو هي ديمقراطية لكن على غير
النمط الغربي" ومن بين هذه الإصلاحات "التصعيد التدريجي لمحاولة السيطرة
على الفساد (وإخفائه أيضا)".
وعلى مستوى السياسة الخارجية، أضاف
ناثان قوله "إنني أعتقد أن الصين الآن ترى أنها وصلت إلى مستوى قوة عظمى وفي
تقديرها أن الولايات المتحدة وحلفاءها ضعاف، ومن ثم فقد بدأت مرحلة التمكين في
سياستها الخارجية" لا سيما في بحر جنوب الصين.
وذلك أدى في النهاية إلى أن أبعد عنها
جميع جيرانها. فحتى وهي منهمكة في علاج مشكلاتها الداخلية المتقيحة، باتت الصين
منبوذة يوما بعد يوم في إقليمها. وبسبب سلوكها العدائي في بحر جنوب الصين الذي
تريد مياهه كاملة لنفسها، فقد أصيبت الدول المجاورة لها جميعا بالحنق، وهو ما منح الولايات
المتحدة في معرض تركيزها على آسيا مصدر قوة إضافي.
ولم يبق للصين من حليف حقيقي اليوم
إلا كمبوديا. فقد تخلصت الصين من وصمة تأييدها سابقا للخمير، بعدما قامت فعليا
بشراء كمبوديا بثمانية بلايين دولار قدمتها لها في السنوات القليلة الماضية على
شكل معونات غير مقيدة. وقد تعد كوريا الشمالية حليفا من نوع ما، على الرغم من
استقلاليتها الكريهة. ولـ لاوس في أفضل الحالات علاقات ندية مع بكين. وفيما عدا
ذلك لا توجد دولة في المنطقة إلا وتعتبر الصين منافسا أو خصما، أو حتى عدوا. وكذلك
معظم دول العالم.
أثناء مشاهدة مراسم تتويج المكتب
السياسي الجديد للحزب الحاكم في نهاية الخريف، لاحظ أغلب المعلقين الصينيين
والغربيين غياب أي من المعروفين بالإصلاح. ومن بين المعلقين كان "زانج تيانليانج"
ـ المهاجر الصيني الذي يقوم بالتدريس في جامعة جورج ماسون ـ هو الأكثر انتقادا حيث
قال إن "المجموعة الجديدة سوف تجهز
نهائيا على أي أمل باق في أن يصلح الحزب الصيني الشيوعي نفسه" مضيفا فيما
نشره في صحيفة إيبوك تايمز إن "هذه المجموعة تنبئنا بأن الحزب، ذلك التنظيم
العصابي الإجرامي، لا يستطيع حتى أن يزور إصلاحا. وأحلام أولئك الذين كان لديهم من
الحلم أي نزر ذهبت الآن أدراج الرياح".
ولكن كثيرا من خبراء الشئون الصينية
متشائمون فيما يتعلق بفرصة التغيير لأسباب تختلف عن أسباب زانج. حتى لو أن زاي
يريد التغيير فما من أحد على يقين من أنه قادر على تنفيذه. فلئن كان كثير من
مسئولي الحزب الشيوعي يحققون ثراء فاحشا في ظل النظام الراهن، ألن يقاوموا أي
تغيير جدي؟
وفي النهاية، نشرت بلومبرج نيوز أن
أثرى سبعين عضوا في الهيئة التشريعية الصينية قد راكموا ثروة في عام 2011 تفوق
صافي ما حققه الخمسمائة عضو في الكونجرس الأمريكي والرئيس والوزراء مجتمعين ونقلت
بلومبرج عن "هورون ريبورت" أن صافي ثروات هؤلاء السبعين مجتمعة تبلغ
89.8 بليون دولار أمريكي مقارنة مع 7.5 بليون دولار أمريكي هي صافي مجموع ثروات
الستمائة وستين مسئولا الكبار في الحكومة الأمريكية. وهناك أيضا خبر منشور في
نيويورك تايمز في أكتوبر من العام الماضي يبين أن ثروة أسرة رئيس الوزراء الصيني
آنذاك "وين جياباو" تبلغ 2.7 بليون دولار أمريكي.
***
تشير بعض التصرفات الحكومية إلى أن
المتشائمين على حق. وأحد الأمثلة على ذلك يتأتى في الإحصاءات المزورة، التي لا
يرقى كثير منها فوق مستوى الكذب الصراح الرامي إلى تجميل صورة الدولة. ويتبين مدى كذب الأرقام الحكومية من خلال
مسألة بسيطة، حيث وضعت سفارة الولايات المتحدة في بكين في أعلاها شاشة تعرض أرقاما
يتبين منها مدى تلوث الهواء في المدينة، في حين تنشر الحكومة أرقاما هينة يمكن أن
يتأكد من خطئها أي شخص بمجرد أن يفتح الشباك.
كما تزعم
الحكومة أيضا أن دخل أكثر الصينيين ثراء يزيد بمجرد ثلاث وعشرين مرة عن دخل
الأفقر، برغم أن دراسة المؤسسة الوطنية للبحوث التنموية تقول بفارق يصل إلى خمس
وستين مرة.
ويبدو أيضا
أن الصين تزور أرقام إجمالي ناتجها الوطني لتخفي عمق مشكلاتها، وذلك بحسب ما قاله
مسئولون كبار واقتصاديون غربيون لنيويورك تايمز الصيف الماضي . وهناك انخفاضات
كبيرة في استخدام الكهرباء الصناعية والفحم، بما يشير إلى تباطؤ الاقتصاد. وكانت
تقديرات المسئولين والاقتصاديين لإجمالي الناتج الوطني الصيني تقل بواحد أو اثنين
في المائة عن المعدل الرسمي المعلن.
وأخطر من ذلك
أن أستاذ اقتصاد صينيا مرموقا هو "جان لا" من جامعة الاقتصاديات
والتمويل في شينجدو، نشر في ديسمبر 2012 دراسة مسحية بينت أن معدل البطالة السنوي
الريفي الفعلي في الصين يبلغ أكثر من ثمانية في المائة، وهو ضعف الرقم الرسمي،
وأعلى من مثيله في أمريكا. كان جان قد غطى في دراسته المسحية ثمانية آلاف منزل،
فتبين له أيضا أن معدل البطالة أعلى من ذلك بين متوسطي العمر، أي من هم في
الأربعينيات، حيث قارب ثمانية وعشرين في المائة.
***
كل ذلك معلوم
لـ زاي جينبينج. وبحسب تقارير إعلامية صينية وغربية، فإن كبار المسئولين من حوله
يحثونه على تنفيذ الإصلاح. والحق أنه قبل توليه رئاسة الحزب الشيوعي، أرسل فريقا
من المسئولين إلى سنغافورة ليروا السبيل إلى الاقتداء بتلك المدينة الدولة.
وسنغافورة بلد شديد السلطوية لكنه بلد ذو رخاء ويسمح بانتخابات حرة في المناصب
الثانوية. ولكن لا تزال هناك قيود على كثير من الحريات الاجتماعية كحرية الصحافة
وحرية التجمع. ويرى أكثر الخبراء، أن تحسن الصين من جراء تبنى هذا النموذج لن يكون
تحسنا كبيرا بالمرة.
يتفق أغلب
المحللين المتخصصين في الشئون الصينية على أن المشكلات المالية
ينبغي أن تكون أكبر شاغل للحكومة. فالصينيون في نهاية المطاف يعيشون منذ عقود بناء على
وثيقة غير مكتوبة: أن يقبلوا سلطوية القيادة بقدر ما تضمن الحكومة لهم أن يزدادوا
رخاء. وفي الوقت الراهن يبدو جليا أن بكين لا تنفذ جانبها من الصفقة.
وفي حين لا
يشعر كبار البليونيرات ـ ومنهم مسئولون حكوميون ـ بأي معاناة ـ فمبيعات الماس في
الصين مزدهرة أشد الازدهار ـ فإن المليونيرات العاديين بدأوا يستشعرون الخطر،
فمبيعات السلع التالية للماس في هرم الرفاهية بدأت تتهاوى. حتى لقد أصدرت شركتا
بيربير للمعاطف وهينيسي للمشروبات الروحية تحذيرات ربحية لمساهميها بسبب تراجع
المبيعات في الصين.
مبيعات
الساعات السويسرية للصين تراجعت بنحو ثلاثين في المائة في الشهور الأخيرة، ومبيعات
المجوهرات العادية بلغت الحضيض. يقول "يوم براندس" مالك سلاسل شعبية مثل
بيتزا هت وكنتاكي إن المبيعات تراجعت بنسبة أربعة في المائة في الربع الأخير من
العام مقارنة مع قفزة بلغت واحدا وعشرين في المائة في أواخر 2011.
***
برغم كل هذا
التشاؤم، ألمح زاي باقتضاب إلى أنه يتفهم حجم المشكلات، فأعلن أن انتشار الفساد
سوف "يأتي على الدولة". وخلال الأسابيع الأولى من وجوده في السلطة، فقد
نصف دزينة من الموظفين الفاسدين ـ الذين فاح فسادهم حتى تعذر تجاهله ـ وظائفهم،
وقد يكون ذلك رقما قياسيا. وفي الشهور التالية أمر زاي بالمزيد من الاعتقالات. كما
أجرى بعض التغييرات الرمزية، فبات يتنقل بميني باص وليس بليموزين، ويقيم في فنادق
متواضعة، ويمشي بقميص بنصف كم بدلا من السترة الكحلية التي يلتزم بها بيروقراطيو
الحكومة. كما يحاول أن يترك انطباعا إيجابيا لدى الشعب بإصراره على تجنب المواكب
التي تمثل سمة طبيعية في تنقلات القادة.
وأهم من ذلك
أن الحكومة تقول الآن إنها بصدد تمرير تشريع للحد من الاستيلاء على الأرض المتفشي
في عموم الصين. لقد راكم المسئولون المحليون على مدار السنين دينا يصل إلى ترليوني
دولار لا وجود له في الدفاتر الحكومية. وعاما بعد عام، فيما يقول زيا ييليانج،
يستولي المسئولون المحليون على أملاك الناس فيبيعونها للمستثمرين ويستخدمون النقود
في دفع الحد الأدنى من أقساط الدين ثم يحتفظون بالباقي في جيوبهم ـ تاركين الدين
المتبقي للعمدة التالي الذي من المرجح أن يتصرف بالطريقة نفسها.
ويقدر صافي
قيمة إجمالي هذه المصادرات غير الشرعية للمتلكات ـ التي تتم بدون تعويضات في أغلب
الحالات ـ بـ 482 بليون دولار في 2011. ويلاحظ تقرير صادر عن الأكاديمية الصينية
للعلوم الاجتماعية أن نزاعات الأرض هي السبب في أكثر من نصف "الحوادث
الجماهيرية" التي شهدتها الصين سنويا. وما من مؤشر على أن المشكلة تتراجع.
ولا نزال ننتظر أن نرى ما إذا كانت الحكومة سوف تصدر بالفعل قانونا منطقيا يسيطر
على هذا الوضع.
إضافة إلى
ذلك، تتكلم الحكومة عن إقامة مشروع تجريبي في إحدى المقاطعات يفرض على المسئولين
الإفصاح عن دخولهم، وهي خطوة مهمة في سبيل السيطرة على الفساد. كما أثارت الحكومة
فكرة إصدار تأمين إيداع على مدخرات الأفراد في البنوك ... وأكثر. ولكن هو جنتاو
كان قد وعد بالإصلاح عندما تولى الحكم قبل عشر سنوات ثم لم يفعل إلا أقل القليل.
حتى صحيفة
جلوبال تايمز الوطنية المملوكة للدولة المناصرة للحكومة تبدو متشككة. فقد لاحظت
مقالة فيها أن تغييرات زاي المبدئية هي إلى حد كبير تغييرات مظهرية، وحذرت من أنه
"إذا لم يستطع كبار المسئولين الوفاء بوعودهم، فالشعب لن يبقى صامتا".
جويل برينكلي
أستاذ الصحافة بجامعة ستانفورد، ومراسل نيويورك تايمز السابق الحاصل على جائزة
بولتزر.
نشر هذا الموضوع في
عدد مارس/ابريل 2013 من مجلة وورلد أفيرزونشرت الترجمة في جريدة عمان اليوم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق