هذه
ليست ثورة
(1 ـ 2)
حسين أغا ـ روبرت
مالي
أكاذيب
كلها ونكات
ولا
يزال المرء يسمع
ما
يريد أن يسمع
ويعترض
على ما عداه
الظلام يخيم على أرض العرب. الضياع
والموت والدمار تلازم القتال من أجل حياة أفضل. الغرباء يتنافسون على النفوذ
وتصفية الحسابات. والمظاهرات السلمية التي بدأ منها كل هذا، والقيم السامية التي
استلهمتها تلك المظاهرات، لم يبق منها اليوم إلا ذكريات باهتة. الانتخابات ما هي
إلا احتفالات تغيب عنها الرؤى السياسية إما غيابا إلى حين أو هي مرجأة إلى حين.
والبرنامج الوحيد المتسق مع نفسه هو برنامج ديني مستلهم من الماضي. لقد انفك الزحف
إلى السلطة من إساره، بغير قواعد واضحة، ولا قيم، ولا منتهى. ولن يتوقف الزحف
بتغيير النظام أو ببقائه. والتاريخ لا يسير إلى الأمام. إنما هو يزل إلى الطرفين.
ألعاب داخل ألعاب: معارك ضد أنظمة حكم
أوتوقراطية، اشتباكات طائفية بين السنة والشيعة، صراع إقليمي على السلطة، حرب
باردة جديدة وهادئة. دول تنقسم، وأقليات تفيق وقد استشعرت الفرصة سانحة للخروج عن
محاذير الدولة الخانقة. الصورة ضبابية. وما هذه غير شذرات سريعة من أفق لا يزال
يتكون، ولمحات قليلة عما يمكن أن يكون عليه المصير النهائي. والتغييرات التي تعد
جوهرية الآن، هي نفسها المعرضة لأن تعد مجرد بعض من نوادر الرحلة الطويلة.
يسارع اللاعبون الجدد، أو متجددو
النشاط، بالتوجه إلى الصدارة: "الشارع" غير المحدد، سريع الاحتشاد، سريع
الانفضاض، المتظاهرون الشباب، الناشطون المركزيون أثناء الانتفاضة، الساقطون في
أعقابها. الإخوان المسلمون الذين كان الغرب يعتبرهم بالأمس متطرفين خطرين، هم
الذين يحتضنهم الغرب اليوم محتفيا بها، باعتبار أنهم معتدلون برجماتيون عمليون.
والسلفيون الأشد تقليدية ـ ممن كانوا في يوم من الأيام حساسين تجاه جميع أشكال
الإصلاح ـ ملهوفون اليوم على المنافسة في الانتخابات. وثمة جماعات مسلحة غامضة،
وميلشيات مشكوك في ولائها، ومتبرعون مجهولون، وعصابات أيضا ومجرمون وقطاع طرق
ومختطفون.
التحالفات مضطربة، عصية على المنطق،
خارجة عن المعتاد والمألوف، لا علاقة لها بالثبات. أنظمة ثيوقراطية تناصر
علمانيين، وطغاة يدعمون الديموقراطية، والولايات المتحدة تقيم شراكات مع إسلاميين،
وإسلاميون يناصرون التدخل العسكري الغربي. قوميون عرب يقفون في صف أنظمة طالما
قاتلوها، وليبراليون يقفون في صف إسلاميين كانوا يصلون معهم إلى حد الشجار.
العربية السعودية تناصر العلمانيين ضد الإخوان المسلمين والسلفيين ضد العلمانيين. الولايات
المتحدة متحالفة مع العراق، المتحالف مع إيران، المناصرة للنظام السوري، الذي ترجو
الولايات المتحدة أن تساعد في الإطاحة به. الولايات المتحدة أيضا متحالفة مع قطر،
التي تدعم حماس ماليا، ومع العربية السعودية
التي تمول السلفيين الذين يستلهمون الجهاديين الذين يقتلون الأمريكيين كلما
استطاعوا إلى قتلهم سبيلا.
وفي زمن قياسي، تطورت تركيا من بلد ليست
لديه أية مشكلات مع جيرانه إلى بلد عنده مشكلات مع جميع الجيران. فتركيا نفرت من
إيران، وأغضبت العراق، وصارت على خلاف مع إسرائيل. وهي فعليا في حرب مع سوريا.
أكراد العراق اليوم حلفاء لتركيا، حتى وإن كانت تركيا تشن حربا ضد من فيها من أكراد،
وحتى وإن كانت سياسات العراق وسوريا تشجع النزعات الانفصالية في تركيا نفسها.
على مدار سنوات، عارضت إيران أنظمة
الحكم العربية، ووثقت علاقاتها بالإسلاميين الذين شعرت أن مظهرهم الديني يمكن أن
يخلق بينها وبينهم قضية مشتركة. وما كاد الإسلاميون يصلون إلى السلطة حتى سارعوا إلى
النأي بأنفسهم عن طهران ـ على الرغم مما
تبديه لهم من غزل ـ وذلك لكي يطمئنوا خصومهم السابقين في السعودية والغرب. ولسوف
يشعر النظام الإيراني الحاكم أنه مرغم على تنويع تحالفاته، والوصول إلى غير
الإسلاميين الذين يشعرون أن النظام الناشئ يقصيهم، ويشعرون أيضا بالفزع من الشراكة
بين الإسلاميين والولايات المتحدة. وإن لإيران لخبرة في هذه الأمور: فهي منذ ثلاثة
عقود في تحالف مع دمشق برغم قهرها للإسلاميين.
عندما تتلاقى الأهداف، تتغير الدوافع.
وبالأمس القريب تعاونت الولايات المتحدة مع ملكيات الخليج العربي ومشيخاته في خلع
القذافي، وفي معارضة الأسد اليوم. وهي تقول إنها لا بد أن تكون دائما في الجانب
الصحيح من التاريخ. غير أن هذه الأنظمة لا تحترم في أوطانها الحقوق التي تنشدها في
الخارج نشدان المخلصين. فهدف هذه الأنظمة لا هو الديمقراطية ولا هو المجتمع
المفتوح. إنما هي مشتبكة في صراع على السيطرة الإقليمية. فما الذي يمكن أن يجده
دعاة الانتفاضة الديمقراطية المبتكرة ـ ناهيكم عن الكنز ـ في دول أنظمة الحكم فيها
هي النقيض الواضح للمشروع الديمقراطي الذي يزعمون مناصرته؟
يقوم نظام التحالفات الجديد على الكثير
من الفرضيات الزائفة والأقنعة والمتناقضات عميقة التنافر. وهو نظام غير صحي؛ لأنه لا
يمكن أن يكون واقعيا. فيه خطأ ما. فيه شيء غير طبيعي. ولا يمكن أن ينتهي إلى خير.
تبدأ حرب إعلامية في مصر وتبلغ ذراها في
سوريا. كل طرف لا يطرح إلا نفسه، يضاعف الأرقام، ويصرف النظر عن البقية. والعكس في
البحرين هو الصحيح. مهما تكن كثرة خصوم النظام، لا يلاحظهم إلا القليلون. لا
يظهرون في مجال الانتباه. هذا ولم يمض وقت طويل على لحظة كانت اللقطات المصورة في
ليبيا تمجد خليط المقاتلين بالشارات الملونة ومدائح النصر. كانت المعارك الحقيقية،
الدموية الدائرة رحاها من السماء في الغالب، تستعر في مكان آخر. وكانت الخسائر
تبقى خفية.
تتجمع الحشود في ميدان التحرير. تلتقط
الكاميرا صورا قريبة للمتظاهرين. ماذا عن الملايين الذين لا تصورهم الكاميرا ممن
لزموا بيوتهم؟ أكانوا مبتهجين بالإطاحة بمبارك أم آسفين على رحيله؟ وما شعور
المصريين حيال الحاضر، بما فيه من فوضى، وقلاقل وانهيار اقتصادي وغموض سياسي؟ لقد
امتنع خمسون في المائة من المصريين عن التصويت في الانتخابات. ونصف الذين أدلوا
بأصواتهم منحوا هذه الأصوات لممثل النظام القديم. فمنذا الذي سوف يتولى أمر أولئك
الباقين في الجانب الآخر من الجانب الصحيح من التاريخ؟
يقاتل أغلب السوريين اليوم لا لإلحاق
الهزيمة بالنظام ولا لدعم المعارضة. إنما هم ضحايا هذه المواجهة اللعينة، لا أحد
ينتبه إلى أمنياتهم، أو يصغي إلى أصواتهم، ولا تخطر مصائرهم على بال أحد. وتصبح
الكاميرا جزءا لا يتجزأ من القلاقل، وسيلة للحشد والبروباجندا والتحريض. وعدم
التوازن العسكري يصب في مصلحة الأنظمة القديمة، ويعادله في الغالب عدم توازن
إعلامي يصب في مصلحة القوى الجديدة. لقد كانت لدى النظام الليبي السابق بلاغة
القذافي الغرائبية، وسوريا الأسد تعتمد على إعلامها المشين الذي تديره الدولة. ولا
يكاد يكون ثمة مجال للمنافسة. ففي مجال التعاطف الجماهيري، في عصر غسيل الأخبار،
ليس ثمة من فرصة بالمرة للأنظمة القديمة.
في تونس، ومصر، واليمن، وليبيا، وسوريا،
والبحرين، لم تظهر شخصية قادرة على التوحيد، قادرة على تحديد ملامح مسار جديد. ليس
ثمة إلا الحد الأدنى من القيادة. وعندما تكون ثمة قيادة فهي في الغالب لجنة. وحيثما توجد اللجان، تجدون أنها صعدت بغموض إلى
السلطة غير مفوضة من أحد. ومصدر الشرعية في أغلب الحالات يكون من الخارج: فالغرب
يوفر الاحترام ويمنح فرصة الظهور، ودول الخليج توفر الموارد والدعم، والمنظمات
الدولية توفر الوضع القانوني والعون.
وغالبا ما يفتقر من يتولون الحكم إلى
القوة التي تنبع من وجود قاعدة انتخابية محلية موالية واضحة، ولذلك يكونون بحاجة
إلى شرعية الخارج فيتحتم عليهم التحلي بالحذر، وتعديل المواقف إلى ما يقبل به
الغرب. ولم يكن ذلك دأب الزعماء الثوريين في الماضي، فأولئك ما كانوا يتحركون بقوة
من تلك الدوافع، بل كانوا ـ لحسن الحظ أو لسوئه ـ يتسمون بالعناد والاستقلالية ويتباهون
برفض التدخلات الأجنبية.
أما الإسلاميون فلا يختلفون عن الزعماء
الذين ساعدوا في الإطاحة بهم في مهادنتهم للغرب. ودونما اختلاف عمن حلوا محلهم ـ
ممن كانوا يتخذون من الإسلاميين فزاعة يبقون بها الغرب في صفهم ـ يلوح الإخوان
المسلمون بالشبح الذي قد يليهم إن هم وقعوا الآن: وما ذلك الشبح إلا السلفيون
الذين لا يختلفون عن الإخوان في تمزقهم بين الولاء لتقاليدهم وبين تذوق طعم
السلطة.
هي لعبة كراس موسيقية. في مصر، يلعب
السلفيون اليوم الدور الذي لعبه الإخوان المسلمون من قبل، والإخوان المسلمون
يلعبون الدور الذي لعبه من قبل نظام مبارك. وفي فلسطين، الجهاد الإسلامي هو حماس
الجديدة التي تطلق الصواريخ إحراجا لحكام غزة، وحماس هي فتح الجديدة التي تزعم
أنها حركة مقاومة في حين تحكم الخناق على من يجرءون على المقاومة، وفتح محض نسخة
من الأوتوقراطيات العربية القديمة التي كانت تنتقدها فيما مضى. ترى، كم نبتعد
بالضبط عن اليوم الذي سوف يقدم فيه السلفيون أنفسهم للعالم بوصفهم البديل الأفضل
من الجهاديين؟
السياسة في مصر مقسمة بين تيار أساسي من
الإخوان المسلمين المنتصرين، والسلفيين الأكثر تشددا، وغير الإسلاميين القلقين،
وبقايا النظام القديم. وفي حين يحاول الإخوان المنتصرون التوصل إلى اتفاقية مع
البقية، يبقى المستقبل ضبابيا. فالسرعة والبراعة التي نحى بهما الرئيس الجديد محمد
مرسي القيادات العسكرية القديمة أو التي أحالهم بهما إلى التقاعد، والهدوء الذي
قوبلت به هذه الخطوة الجريئة تشي بأن ثقة الإسلاميين قد ازدادت، وأنهم عازمون على
الإسراع من إيقاع حركتهم.
تونس حدوتة معقدة. لقد تم التحول سلميا
إلى حد كبير، وحزب النهضة الذي فاز بانتخابات أكتوبر الماضي يمثل وجها سمحا
برجماتيا للإسلامية ISLAMISM. ولكن جهوده من أجل توطيد السلطة تثير
التوتر. فغياب الثقة بين العلمانيين والإسلاميين يتنامى، والاحتجاجات ذات الأسباب
الاقتصادية والاجتماعية تنحو في بعض الأحيان إلى العنف. والسلفيون كامنون في
الأطراف، يغيرون على رموز المجتمع الحديث، وعلى حرية التعبير، والمساواة الجندرية.
في اليمن، خرج الرئيس السابق صالح من
السلطة لكنه لم يخرج بعد من المشهد. ثمة حرب تختمر في الشمال، وأخرى في الجنوب،
والجهاديون يدربون عضلاتهم، وليس للثوريين الشباب ممن حلموا بالتغيير الكامل إلا
الفرجة على الفصائل المختلفة المنتمية جميعا إلى النخبة القديمة نفسها وهي تعيد
ترتيب الأوراق. السعوديون والإيرانيون والقطريون يرعون كلٌّ فصيله. الصدامات
البسيطة قد تتفاقم إلى مواجهات كبرى. وفي ثنايا ذلك تقوم الطائرات الأمريكية
الآلية بتصفية عناصر القاعدة ومن يسوقه الحظ فيكون بالقرب منهم.
يوما بعد يوم، يزداد وجه الحرب الأهلية
في سوريا قبحا على قبح، وتستعر طائفيتها. وتتحول البلد إلى ساحة للحروب بالوكالة.
تتكون المعارضة هناك من خليط من الإخوان المسلمين والسلفيين والمتظاهرين السلميين
والميلشيات المسلحة والأكراد والجنود المنشقين والعناصر القبلية والمقاتلين
الأجانب. ولا يكاد يوجد شيء واحد يمكن أن يتردد النظام أو المعارضة عن القيام به تحقيقا
للنصر. إنها دولة تنهار، بل مجتمع، بل حضارة عريقة بأكملها. والصراع يطوق المنقطة.
المعركة في سوريا هي أيضا معركة من أجل
العراق. فالدول العربية السنية لم تقبل خسارة بغداد التي وقعت في أيدي الشيعة، بل
في أيدي الإيرانيين الصفويين Safavid ـ من وجهة نظرهم. واستيلاء السنة على سوريا سوف يزيد من فرص
زملائهم في العراق. سنة العراق المسلحون يجترئون والقاعدة تتجدد. والحرب الرامية
إلى إعادة غزو العراق ستكون حربا يشترك فيها جيرانه. وإذا كانت المنطقة معنية
بسوريا، فإن ما يستولي على العقول فيها بحق هو العراق.
ينتظر الإسلاميون في المنطقة ما سينتهي
إليه الأمر في سوريا. وهم لا يشتهون لقمة لا يقدرون على مضغها. فلو أن الصبر هو
مبدأ الإسلاميين الأول، فترسيخ المكتسبات مبدأهم الثاني. ففي حال سقوط سوريا، تكون
الأردن التالية. ولقد كانت تركيبة الأردن الديمغرافية الخاصة ـ المؤلفة من أغلبية
فلسطينية تخضع لأقلية منتمية إلى إمارة شرق الأردن ـ ركيزة للنظام الملكي: وكلا
المجتمعين لهما مظالم عميقة من الحكام الهاشميين، ولكن عدم ثقتهما في بعضهما البعض
أكبر. ولكن ذلك قد يتغير في مواجهة قوة الإسلام التوحيدية التي ليس للعرقية فيها
أهمية تذكر ـ نظريا على الأقل.
وربما تأتي الكيانات الأضعف في أعقاب
ذلك. ففي شمالي لبنان تناصر الجماعات السلفية والإسلامية المعارضة السورية مناصرة
نشطة، ولعل ما بين هذه الجماعات والمعارضة السورية من مشتركات أكثر مما بينها
والشيعة والمسيحيين في لبنان. لبنان منذ البداية تمثل جهازا بالغ التعقيد والهشاشة
ينجذب في اتجاهات متنافسة: ففيه من سينظر إلى سوريا إن حكمها السنة نظرة الحسد، بل
وربما نظرة الرغبة في اللحاق بها. وفيها من سينظر إلى سوريا هذه نظرة الفزع
واليأس.
وفي البحرين، تعتزم الملكية السنية
الحفاظ على السلطة بقهر الأغلبية الشيعية. والعربية السعودية ودول أخرى في الخليج
تصطف مع حليفتها. والغرب ـ ذو الصوت المدوي في قضايا أخرى ـ صامت إزاء هذه القضية.
عندما تجري ليبيا انتخابات، ولا يحقق الإسلاميون فيها نتائج طيبة، يعتقد خصومهم
أنهم حققوا أخيرا انتصارهم الوحيد في بلد ليس لديه تراث مع الانفتاح السياسي، ويفتقر
إلى الدولة، ومشبع بالميلشيات المسلحة التي لا تكف عن الدخول في مصادمات دموية. وفي
العربية السعودية ثمة قيادة ثمانينية [العمر]
تصارع انتقالا تلوح نذره في الأفق، وتعيش في حالة خوف من إيران، وتهدر النقود
لتهدئة السخط. فإلى متى يمكن أن يطول هذا كله؟
***
في بعض البلاد، سوف يطاح بأنظمة حاكمة،
وفي بلاد أخرى ستبقى الأنظمة. والقوى التي منيت بالهزيمة لم تنسحق تمام الانسحاق
فيما يبدو. ومن ثم فسوف تتجمع لمعاودة القتال. ميزان القوى ليس قاطع الوضوح،
والنصر لا يعني بالضرورة قوة للمنتصر.
الموجودون في السلطة يحتلون الدولة، لكن
الدولة أصل قد لا يثبت أنه ذو قيمة كبيرة وسط الأصول. فالدول العربية الضعيفة
واهية الشرعية على المستوى الداخلي غالبا ما ينظر إليها مواطنوها في ارتياب،
نظرتهم إلى كيانات غريبة فرضت من أعلى على هياكل اجتماعية مألوفة عميقة الجذور ذات
تواريخ ممتدة وطويلة. كما أن هذه الدول لا تحظى بمثل بما تحظى به نظائر لها في
أماكن أخرى من قبول وسلطة. وحيثما تقوم الانتفاضات، تزداد مقدرة هذه الدول ضعفا
حيث تتآكل قواها القسرية.
الوجود إذن في مقعد السلطة لا ينبغي له
أن يعني ممارسة السلطة. ففي لبنان، ازداد تحالف 14 آذار الموالي للغرب قوة وتضخما وانتفاخا
وهو في المعارضة، ثم تراخى وضعف بعدما قام بتشكيل المجلس الوزاري في 2005. وحزب
الله لم يكن يوما في خانة الدفاع ولم تتدن سلطته بمثل ما حدث له منذ أن أصبح قوة
رئيسية من وراء الحكومة. ذلك أن من يكونون خارج السلطة يواجهون قدرا أقل من
القيود. وتكون لديهم رفاهية انتقاد إخفاقات حكامهم، وهي الحرية التي تتأتى لهم من
غياب المسئولية. كما أنهم ـ في منطقة الشرق الأوسط المسامّية الجاذبة ـ يتمتعون
بالدعم الخارجي المتاح بوفرة.
أما تولي المسئولية، والعمل بصورة
رسمية، تقليدية، ومن خلال قنوات الدولة فقد يكون معيقا بقدر ما قد يكون معينا.
فانسحاب سوريا عسكريا من لبنان في 2005 لم يكبح نفوذها، كل ما هنالك أن دمشق فرضت
ذلك النفوذ سرا، بعيدا عن وهج العلنية وما يستتبعه من محاسبة. وغدا، قد يتشكل
النمط نفسه في سوريا نفسها. فانهيار النظام سوف يمثل ضربة خطيرة لإيران وحزب الله،
ولكن لا أحد يعرف إلى أي مدى ستكون الضربة قاصمة. فالأرجح أن يشهد اليوم التالي
لهذا الصراع الطويل العنيف حالة من الفوضى لا من اللاستقرار، وزحفا على السلطة لا
حكومة مركزية قوية. سوف تسعى القومى المهزومة المستبعدة إلى البحث عن أي مصدر
للمساعدة وسوف تستجدي ذلك من قوى أجنبية مهما تكن هوياتها. واستغلال الفوضى أمر
تجيده إيران وحزب الله ويتفوقان فيه كثيرا على خصومهما. وفي ظل عدم وجود النظام
السوري الذي يأخذان مصالحه بعين الاعتبار ويضطران إلى الالتزام بما يضعه من حدود،
قد تتاح لكليهما المقدرة على الحركة بمزيد من الحرية.
يتبع
هذا هو الجزء الأول من ترجمتنا للمقالة المنشورة في ذي نيويورك رفيو أوف بوكس المنشور اليوم العاشر من نوفمبر 2012 في جريدة عمان وبقية الترجمة الأسبوع المقبل إن عشنا وكان لنا عمر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق