مو يان: أحترم المرأة وأنظر إلى العالم بعينيها
حوار: جون فريمان
مو يان واحد من أكثر الكتاب الصينيين حظوة بالحفاوة وأكثرهم انتشارا من خلال الترجمة. ولد في مقاطعة شاندونج سنة 1955 لأسرة من المزارعين، انضم إلى جيش التحرير الشعبي وهو في العشرين من عمره، وفي الوقت نفسه بدأ يكتب القصص. كتب منذ ذلك الحين العديد من الروايات والمجاميع القصصية، من بينها "وتبليني الحياة والموت" و"الذرة الرفيعة الحمراء"، و"نهود ضخمة وأفخاذ عريضة"، وأحدثها "ضفدع". تحدث مو يان مع "جون فريمان" محرر مجلة جراناتا الأمريكية على هامش معرض لندن للكتاب عن الكتابة عن نساء قويات، وعن المحافظة على التعبيرات الاصطلاحية والألعاب اللغوية عند الترجمة وعن الهروب من الرقابة.
***
ـ
تدور أحداث كثير من روياتك في بلدة شبه خيالية تقع في موطنك جاومي، على نحو
يتماثل، لنقل، مع الجنوب الأمريكي عند فوكنر. ما الذي يجعلك ترجع إلى هذا المجتمع
شبه الخيالي، وهل قراءتك على المستوى العالمي تغير بأي حال من تركيزك؟
ـ
عندما بدأت الكتابة أول الأمر، كانت البيئة حاضرة وحقيقية للغاية، والقصة كانت
قصتي وتجربتي. ولكن مع تزايد نشر أعمالي، لم تعد تجاربي اليومية [كافية] فقد باتت
تستنفد، فكنت بحاجة إلى أن أضيف المزيد من الخيال، بل وشيئا من الفنتازيا.
ـ
بعض كتاباتك يذكرني بجونتر جراس، وفوكنر، وجابرييل جارثيا ماركيز، هل كان هؤلاء
الكتاب متاحين لك في الصين في نشأتك الأولى؟ هل يمكن أن تكلمنا قليلا عن الكتاب
الذين أثروا عليك؟
ـ
عندما بدأت الكتابة للمرة الأولى كان ذلك في عام 1981، فلم أكن قرأت أي كتاب
لماركيز أو فوكنر. وحدث في عام 1984 أن قرأت أعمالا لهما للمرة الأولى، ولا شك أن
لهذين الكاتبين تأثيرا عظيما على إبداعاتي. فقد وجدت أن تجاربي في الحياة مماثلة
لتجاربهما إلى حد كبير، ولكنني اكتشفت ذلك لاحقا. لو كنت قرأت أعمالهما قبل ذلك
لكنت أنجزت رائعة كالروائع التي أنجزاها.
ـ
تبدو رواياتك الأولى مثل "الذرة الرفيعة الحمراء" أقرب إلى
التاريخ السافر بل إن هناك من يعدونها "رومانسات romances"، في حين تنحو رواياتك الحديثة
إلى الزمن المعاصر والثيمات المعاصرة. هل كان هذا خيارا مقصودا؟
ـ عندما
كتبت رواية "الذرة الرفيعة الحمراء" كنت لم أبلغ
الثلاثين بعد، فكنت من ثم صغيرا. وكانت حياتي في ذلك الوقت حافلة بالعوامل
الرومنتيكية كلما تعلق الأمر بالنظر إلى أسلافي. كنت أكتب عن حيواتهم دون أن أعرف
عنهم الكثير فكنت أبث خيالاتي في شخصياتهم. ولما كتبت روايتي "وتبليني
الحياة والموت" كنت قد تجاوزت الأربعين، وانتقلت من
الشباب إلى منتصف العمر، واختلفت حياتي، فصارت أكثر معاصرة وإذا بالقسوة الرهيبة
التي تسم زماننا المعاصر تحد من الرومانتيكيات التي كنت أستشعرها ذات يوم.
ـ
تكتب غالبا بلغة لاوابايزنج المحلية، بل وبلهجة شاندونج على وجه التحديد، وهو ما يضفي
على نثرك شيئا من الحدة. هل يحبطك أن لا تجد بعض العبارات الاصطلاحية والألعاب
اللغوية طريقها إلى الترجمات الإنجليزية أم أنك تتمكن من الالتفاف على ذلك مع
مترجمك هوارد جولدبلات؟
ـ
حسن، في واقع الأمر، لقد كنت أستخدم في أعمالي الأولى قدرا لا بأس به من اللهجة
المحلية، والعبارات الاصطلاحية والألعاب اللغوية، لأنني في ذلك الوقت لم أكن أراعي
أن أعمالي سوف تترجم إلى لغات أخرى. ثم إنني أدركت في وقت لاحق أن مثل هذه اللغة
تتسبب في كثير من المشكلات لمترجمي. ولكن عدم استخدام اللهجة والعبارات الاصطلاحية
والألعاب اللغوية لا يفلح معي، لأن اللغة الاصطلاحية أكثر حيوية، وأقدر على
التعبير، كما أنها جزء جوهري من اللغة الخاصة بكل كاتب. وإذن، فمن ناحية أنا
أستطيع أن أعدل وأغير من استخدامي لبعض العبارات الاصطلاحية والألعاب اللغوية، ومن
ناحية أخرى أرجو دائما أن يتمكن مترجمونا من العثور على أصداء موازية لهذه الألعاب
في اللغات الأخرى، وهذا هو الوضع المثالي.
ـ
في قلب كثير من رواياتك ثمة نساء قويات، من قبيل "نهود ضخمة وأفخاذ
عريضة"، "وتبليني الحياة والموت"، و"الضفدع" ـ هل تعد
نفسك نسويا أم أنك ببساطة منجذب إلى الكتابة من وجة نظر نسائية؟
ـ
أولا أنا أكن للنساء إعجابا واحتراما. أرى فيهن نبلا حقيقيا، وأرى في تجاربهن
الحياتية مشقة وأرى أن ما تحتمله المرأة هو دائما أعظم بكثير مما يحتمله الرجل.
ونحن حينما نصادف أهوالا عظيمة تكون النساء أكثر شجاعة في مواجهتها من الرجال ـ
وأعتقد أن السبب في ذلك هو أن لديهن المقدرة اللازمة، وهن أيضا أمهات. والقوة التي
تبثها الأمومة أمر يفوق مقدرتنا على الخيال. وفي كتبي أحاول أن أضع نفسي مكان
النساء، أحاول أن أفهم العالم وأفسره من وجهة نظر النساء. ولكن لا مراء في أنني
لست امرأة، أنا كاتب ذكر. والعالم الذي قدمته في كتبي كما لو كنت امرأة، قد لا
يبدو كذلك في أنظار النساء أنفسهن، ولكن هذا أمر ليس بوسعي أن أفعل أي شيء حياله.
أنا أحب النساء وأحترمهن، ولكنني مع ذلك رجل.
ـ
هل الهروب من الرقابة مسألة مهارة؟ وإلى أي مدى انفتحت الطرق بفعل الواقعية
السحرية، وغيرها من التكنيكات الأكثر تقليدية، فصار الكاتب أقدر على التعبير عن
أعمق همومه دون مواجهة مشكلات؟
ـ
هذا صحيح. كثير من أساليب الأدب تحمل أبعادا سياسية، ففي حياتنا الواقعية على سبيل
المثال، قد تكون هناك قضايا حساسة لا يراد تناولها. عند منعطف من هذا النوع قد
يلوذ الكاتب إلى خياله فيعزل هذه القضايا عن العالم الواقعي أو لعله يستخدم
المبالغةـ بحيث يكون على يقين من أن تناوله لا يزال جريئا وحيويا ويحمل بصمة
عالمنا الحقيقي. ولذلك، فأنا في واقع الأمر أعتقد أن الأدب يدين دينا عظيما لهذه
الرقابة وهذه المحددات.
ـ
كتابك الأخير المترجم إلى الإنجليزية هو عبارة عن مذكرات قصيرة بعنوان
"ديمقراطية"، ويروي الكتاب نهاية مرحلة في الصين من واقع تجربتك شابا
ورجلا. ثمة نبرة اسيانة في هذا الكتاب، وهي نبرة مدهشة بالنسبة لي أنا الآتي من
الغرب، فنحن غالبا ما نعتقد أن التقدم ـ وأضع تحت التقدم خطا عريضا ـ هو دائما
خير، ولكن مذكراتك تشير إلى أن شيئا ما قد ضاع. هل هذه قراءة صحيحة؟
ـ
نعم، المذكرات التي تشير إليها حافلة بتجربتي الشخصية وبحياتي اليومية، وهي مع ذلك
تقدم شيئا متخيلا. وكلامك هذا عن النبرة الأسيانة هو في الواقع شديد الدقة، لأن
القصة تتناول رجلا أربعينيا يتذكر شبابا راح. فلعلك أنت مثلا في شبابك كنت مفتونا
بفتاة معينة هي الآن ـ لسبب أو لآخر ـ زوجة شخص آخر وهذه الذكرى محزنة لك بالفعل.
لقد شهدنا الصين على مدار الثلاثين عاما المنصرمة وهي تشهد تقدما دراماتيكيا، سواء
في مستويات المعيشة أو على المستويات الثقافية والروحية للمواطنين. التقدم مشهود
ولكن لا شك أن هناك الكثير من الأشياء التي لا نشعر بالرضا عنها في حياتنا
اليومية. طبعا الصين تقدمت، لكن التقدم نفسه يثير قضايا كثيرة، منها على سبيل
المثال قضايا بيئية، وقضايا تتعلق بانحدار المعايير الأخلاقية. وإذن فالأسى الذي
تتكلم عنه له سببان: أني أدرك أن شبابي قد ضاع، والثاني أني قلق من الوضع الراهن
في الصين، لا سيما فيما يتعلق بما لست راضيا عنه من أمور.
نشر
هذا الحوار في جراناتا ابريل الماضي
وفي
جريدة عمان اليوم 12 أكتوبر 2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق