لنكن جميعا نسويين
تشيمامندا نجوزي أديتشي
مقدمة
هذه نسخة محررة من كلمة ألقيتها في
ديسمبر سنة 2016 في تيدكس يوستن TEDxEuston، وهو لقاء سنوي حول أفريقيا. كان
هدف المتحدثين، على اختلاف مجالاتهم، في الخطب الوجيزة التي ألقوها، هو تحدي
الأفارقة وأصدقاء أفريقيا وإلهامهم. وكنت قد تحدثت سابقا في مؤتمر آخر من مؤتمرات
تيد قبل سنوات قليلة، ملقية كلمة بعنوان The Danger of the Single
Story "خطر القصة
الأحادية" عن الأنماط وتقييدها لتفكيرنا وتشكيلها له، وبخاصة في أفريقيا. ويبدو
لي أن كلمة النسوي وفكرة النسوية ذاتها مقيَّدة بقوة الأنماط. وعندما أصرَّ
أخي تشاكس وصديق المقرب إيكي ـ وهما شريكان في تنظيم تيدكس يوستن ـ على أن ألقي كلمة، لم يكن بوسعي أن أقول لا. قررت أن
أتكلم عن النسوية بسبب قوة مشاعري تجاهها. كان لديّ هاجس بأنها قد لا تكون موضوعا
جماهيريا للغاية، لكنني رجوت من كلمتي أن تكون مستهلا لحوار ضروري. وهكذا في مساء
ذلك اليوم، وأنا واقفة على الخشبة، شعرت وكأنني وسط أهلي، فالجمهور طيب ورقيق،
لكنه قد يقاوم الموضوع الذي اخترته لكلمتي. ثم جاء وقوفهم للتصفيق في النهاية ليمنحني
الأمل.
لنكن جميعا نسويين
كان أوكولوما من أعظم أصدقائي في
الطفولة. كان يعيش في شارعنا ويعتني بي اعتناء أخ أكبر: فإن أعجبني ولد سألت
أوكولوما عن رأيه. كان أوكولوما ظريفا ذكيا يلبس أحذية رعاة البقر طويلة الرقاب
المدببة من الأمام. في ديسمبر من عام 2005، مات أوكولوما في حادث تحطم طائرة في
جنوبي نيجريا. لم يزل يصعب عليّ أن أصوغ في كلمات ما أحسست به. لقد كان أوكولوما
شخصا يمكنني أن أتجادل معه، وأن أضحك معه، وأن أكلمه بحق. وكان أيضا أول شخص يصفني
بالـنسوية.
كنت تقريبا في الرابعة عشرة. وكنا في
بيته، نتناقش، ونتناطح، بما لدى كل منا من بدايات معرفة نصف مستوية مستلَّة من
الكتب التي قرأناها. لا أتذكر حول ماذا على وجه التحديد كان يدور ذلك النقاش.
لكنني أتذكر، بينما أناقش وأناقش، أن أوكولوما نظر إليّ وقال "على فكرة، أنت
نسوية".
لم يكن ذلك مديحا. عرفت ذلك من نبرته،
فهي النبرة التي قد يقول بها شخص لآخر "أنت مناصر للإرهاب".
لم أكن أعرف بدقة معنى كلمة النسوية
تلك. ولم أرد أن يعرف أوكولوما أنني لا أعرف. فتحاشيت الموضوع واستمررت في النقاش.
وأول ما خططت للقيام به عند الرجوع إلى البيت هو أن أبحث عن الكلمة في القاموس.
*
ننتقل الآن بسرعة إلى المستقبل، بعد بضع
سنوات.
في عام 2003 كتبت رواية عنوانها
"زهرة الكركديه الأرجوانية"Purple Hibiscus، عن رجل يقوم بعدة أشياء منها أنه
يضرب زوجته، ولا تنتهي قصته نهاية سعيدة. وفيما كنت أروّج للرواية في نيجريا، قال
لي صحفي لطيف، كريم النوايا إنه يريد أن يسدي إليّ نصيحة. (ولعلكم تعلمون أن
النيجيريين يسارعون كثيرا إلى إسداء النصائح دونما طلب).
قال لي إن الناس يقولون إن روايتي
نسوية، ونصيحته لي، وكان يهزُّ رأسه في أسف وهو يتكلم، هي أنني لا ينبغي أن أصف
نفسي مطلقا بالنسوية، إذ أن النسويات نساء تعيسات عاجزات عن العثور على أزواج.
فقررت أن أطلق على نفسي النسوية
السعيدة.
ثم قالت لي أكايمية نيجيرية إن النسوية
ليست من ثقافتنا، إن النسوية لاأفريقية، وإنني لا أصف نفسي بالنسوية إلا لوقوعي
تحت تأثير كتب غربية. (وأضحكني ذلك، لأن أغلب قراءاتي المبكرة كانت غير نسوية: فلا
بد أنني قرأت كل رواية نشرت في سلسلة ميلز آند بوون الرومنسية قبل بلوغي السادسة عشرة). فضلا عن أنني كنت كلما
طالعت تلك الكتب الموسومة بـ"كلاسيكيات النصوص النسوية"، شعرت بالضجر،
فكنت أكافح من أجل إكمالها.
وعلى أي حال، ونظرا لطبيعة النسوية
اللاأفريقية ، فقد قررت أن أطلق على نفسي النسوية السعيدة الأفريقية. ثم
قالت لي صديقة عزيزة إن وصفي نفسي بالنسوية معناه أنني أكره الرجال. فعدت وقرَّرت
أن أطلق على نفسي النسوية السعيدة الأفريقية التي لا تكره الرجال. وفي
مرحلة ما صرت النسوية السعيدة الأفريقية التي لا تكره الرجال وتحب طلاء الشفاه
اللامع والكعوب العالية من أجل نفسها لا من أجل الرجال.
بالطبع، كثير من ذلك كان من قبيل
السخرية، لكن ما يكشف عنه هو أن كلمة النسوية مثقلة للغاية بالمتاع، وإنه لمتاع
سلبي: فالنسوية تكره الرجال، وتكره حمالات الصدور، وتكره الثقافة الأفريقية، وترى
أن الرئاسة يجب أن تكون دائما للنساء، ولا تضع مساحيق التجميل، ولا تزيل الشعر
الزائد، وهي في حالة غضب دائم، وليس لديها حس بالفكاهة، ولا تستعمل مزيلات رائحة
العرق.
*
أحكي لكم الآن قصة من طفولتي.
حينما كنت في المدرسة الابتدائية في
نوسوكا، وهي مدينة جامعية في جنوب شرق نيجريا، قالت المدرسة في بداية الفصل
الدراسي إنها ستجري للفصل امتحانا ومن يحصل فيه على أعلى درجة يصبح رئيس الفصل.
وكان لمنصب رئيس الفصل هذا شأن كبير. فلو أن أحدا أصبح رئيس الفصل، فهو الذي يدوِّن
أسماء المشاغبين والصاخبين كلَّ يوم، وتلك في ذاتها كانت سلطة تدور لها الرؤوس،
ولكن مدرستي تلك كانت تعطي رئيس الفصل عصا يمسكها بيده وهو يمشي في الفصل مراقبا
التلاميذ بحثا عن الصاخبين. ولم يكن مسموحا بالطبع بـاستعمال حقيقي لتلك
العصا. ولكنها كانت تمثل لي وأنا في التاسعة من العمر منظرا مثيرا. أردت بشدة أن
أكون رئيسة الفصل. وحصلت على أعلى درجة في الامتحان.
ثم حدث، لدهشتي الشديدة، أن قالت
مدرستي إن الرئيس لا بد أن يكون ولدا. لقد نسيت أن توضِّح ذلك في وقت أسبق، وتصوَّرتْ
أنه أمر واضح. وكان ولد قد حصل على ثاني أعلي الدرجات. وصار له هو أن يكون
رئيس الفصل.
والأمر الذي كان أكثر إثارة هو أن ذلك
الولد كان عذبا رقيق الروح لم يكن له اهتمام بمراقبة الفصل والسير فيه بالعصا. أما
أنا فكان يملأني الطموح إلى القيام بذلك.
لكنني كنت أنثى وهو كان ذكرا فأصبح هو
رئيس الفصل.
لم أنس قط تلك الواقعة.
والشيء إن فعلناه مرارا وتكرارا، يصبح
هو الطبيعي. والشيء إن رأيناه مرارا وتكرارا، يصبح هو الطبيعي. ولو أن الأولاد فقط
هم الذين يتولون رئاسة الفصل، فعند مرحلة معينة سوف يحدث لنا أن نفكر، ولو دون
وعي، بأن رئيس الفصل لا بد أن يكون ولدا. وإن رأينا الرجال فقط رؤساء للشركات،
فسوف يبدأ يبدو لنا "الطبيعي" أن يكون الرجال وحدهم رؤساء الشركات.
*
غالبا ما أخطئ وأفكر أن الشيء الواضح
لي واضح لجميع من عداي. وانظروا إلى حالة صديقي العزيز لويس، وهو رجل عبقري تقدمي.
تجري بيننا حوارات يقول لي فيها "أنا لا أفهم ماذا تعنين بأن الأمور مختلفة
بالنسبة للنساء، وأنها أصعب عليهن. ربما كان الأمر كذلك في الماضي، لكن ليس الآن.
كل شيء الآن على ما يرام بالنسبة للنساء". لم أكن أفهم كيف لم يستطع لويس أن
يرى ما بدا لي سافر الوضوح.
أحب كثيرا أن أرجع إلى نيجريا، وأن
أقضي كثيرا من وقتي هناك في لاجوس، وهي أضخم مدينة ومركز تجاري في البلد. في بعض
الأحيان، في المساء حينما تنخفض درجة الحرارة وتركن المدينة إلى إيقاع أشد بطئا،
أخرج مع أصدقاء أو أقارب إلى مطاعم أو مقاه. في إحدى هذه الأمسيات، خرجت أنا ولويس
مع بعض الأصدقاء.
من الثوابت البديعة في لاجوس أن بعض
الشباب المفعمين بالطاقة يتصعلكون خارج بعض المؤسسات مادِّين بطريقة شديدة
الدراماتيكية يد "المساعدة" لم يريد أن يركن سيارته. ولاجوس مدينة كبيرة
يسكنها قرابة عشرين مليون نسمة، وفيها من الطاقة ما ليس في لندن، ومن روح العمل
والرغبة في الكسب ما ليس في نيويورك، لذلك يقصدها الناس من شتَّى الأشكال والألوان
طلبا للرزق. وكما هو الحال في أغلب المدن الكبرى، فإن العثور على مكان لركن
السيارة في الأمسيات قد يكون أمرا صعبا، فيمتهن أولئك الشباب العثور على أماكن
للركن، وحتى حينما تكون هذه الأماكن متاحة، يمتهنون إرشاد السيارات إليها بكثير من
الإشارات، ويعدون بـ"الاعتناء" بالسيارة إلى أن يرجع إليها صاحبها.
وسرَّني كثيرا الأداء المسرحي الخاص لدى الرجل الذي عثر لنا على مكان نركن فيه في
ذلك المساء. فما كان مني ونحن راحلون إلا أن قررت أن أدفع له مبلغا إضافيا. فتحت
حقيبتي، ووضعت يدي داخلها لآتي بنقودي، وأعطيت منها للرجل. وشعر ذلك الرجل بالفرح،
وبالامتنان، وأخذ النقود مني، ثم وجه عينيه إلى لويس وقال له "شكرا لك يا صاح".
نظر لي لويس مندهشا وسأل "لماذا
يشكرني؟ لم أكن أنا الذي أعطاه النقود". وإذ ذاك رأيت الفهم على وجه لويس.
كان الرجل يعتقد أن النقود التي معي إنما جاءتني أصلا من لويس. لأن لويس رجل.
*
الرجال والنساء مختلفون. لدينا هرمونات
مختلفة وأعضاء جنسية مختلفة وقدرات بيولوجية مختلفة، بوسع النساء أن يلدن، وليس
الرجال. وللرجال من هرمون التستستيرون قدر
أكبر، وهم بصفة عامة أقوى جسمانيا من النساء. ثمة من النساء عدد أكبر قليلا
من الرجال في العالم. فـ 52% من سكان العالم إناث، لكن أغلب مواقع السلطة والمكانة
الرفيعة يشغلها الرجال. ولقد قالتها ببساطة وبراعة الكينية الراحلة الحاصلة على
نوبل في السلام ونجاري ماثاي: "كلما تحركت إلى الأعلى، قل من تصادف من
النساء".
في الانتخابات الأمريكية الأخيرة،
ظللنا نسمع عن قانون ليلي ليدبترLilly
Ledbetter law، ولو أننا مضينا إلى ما وراء ذلك الاسم الموسيقي اللطيف، لوجدنا
أن هذا هو فحوى القانون: في الولايات المتحدة، يعمل الرجل والمرأة في وظيفة واحدة،
وبمؤهلات واحدة، لكن الرجل يحصل على أجر أعلى لأنه رجل.
فالرجال حرفيا هم الذين يحكمون العالم.
ولقد كان هذا أمرا منطقيا قبل ألف سنة. لأن البشر كانوا يعيشون آنذاك في عالم تمثل
القوة الجسمانية فيه أهم خصال البقاء، فكان الأقوى جسمانيا هو الأرجح وصولا إلى
القيادة. والرجال بصفة عامة أقوى جسمانيا. (وثمة بالطبع استثناءات كثيرة). لكننا
اليوم نعيش في عالم هائل الاختلاف. والشخص الأفضل تأهيلا للقيادة ليس الشخص
الأقوى. بل هو الأكثر ذكاء، والأكثر معرفة، والأكثر إبداعا، والأكثر ابتكارا. وهذه
الخصال ليست لها هرمونات. فالرجل والمرأة يتساويان في احتمال الذكاء والابتكار
والإبداع. لقد تطوَّرنا. لكن أفكارنا عن الجندر لم تتطور كثيرا.
*
قبل زمن غير بعيد، دخلت إلى بهو أحد
أفضل الفنادق النيجيرية، فاستوقفني رجل عند المدخل وطرح عليّ أسئلة مزعجة: ما اسم
الشخص الذي أزوره وما رقم غرفته؟ هل أعرف هذا الشخص؟ هل يمكنني إثبات أنني نزيلة
في الفندق بأن أريه بطاقة فتح باب؟ وذلك لأن الافتراض البديهي هو أن أي أنثى من
نيجريا تدخل وحدها إلى فندق إنما هي عاملة
جنسية. لأن الأنثى النيجيرية وحدها لا يمكن أن يحتمل أن تكون نزيلة تدفع ثمن
غرفتها. عندما يدخل رجل إلى الفندق نفسه لا يتعرض لهذا التحرش. ويفترض أنه موجود
لغرض شرعي. (وبالمناسبة، لماذا لا تنتبه هذه الفنادق إلى الطلب على العمالة
الجنسية بدلا من العرض المزعوم؟)
في لاجوس، لا أستطيع الذهاب وحدي إلى
الكثير من الملاهي والحانات ذات السمعة المحترمة. فهذه الأماكن لا تسمح ببساطة
بدخولك لو أنك امرأة وحيدة. لا بدَّ أن تكوني برفقة رجل. ولذلك فإن لديّ أصدقاء
ذكورا يصلون إلى الملاهي وينتهون إلى دخولها وقد تشابكت أذرعهم في ذراع امرأة
غريبة عنهم تماما، لأن تلك الغريبة تماما امرأة خرجت وحدها ولم يكن أمامها خيار
إلا أن تطلب "مساعدة" لدخول الملهى.
في كل مرَّة أدخل فيها مطعما نيجيريا
مع رجل، يقدم النادل التحية للرجل ويتجاهلني. وهؤلاء الندل نتاج مجتمع علَّمهم أن
الرجال أهمُّ من النساء، وأعرف أنهم لا يتعمدون الإساءة، ولكن ما أوسع الفارق بين
أن تعرف شيئا ما على المستوى العقلي وأنت تشعر به على المستوى العاطفي. في كلِّ مرَّة
يتجاهلونني فيها، أشعر أنني لامرئية. ينتابني الغضب. أود لو أقول لهم إنني إنسان
مثل الرجل، وجديرة مثله بالاعتراف. هي أمور بسيطة، ولكن الأمور البسيطة في بعض
الأحيان تكون الأشد وجعا.
قبل وقت غير بعيد كتبت مقالة عن كوني
امرأة شابة في لاجوس. وقال لي أحد معارفي إنها مقالة غاضبة، وإنه ما كان يجدر بي
أن أجعلها غاضبة بذلك القدر. وما كنت لأعتذر. بالطبع كنت غاضبة. فالجندر، حسب
أدائه اليوم، مظلمة جسيمة. وأنا غاضبة. ويجدر بنا جميعا أن نكون غاضبين. وللغضب
تاريخ طويل في تحقيق التغير الإيجابي. لكنني في الوقت نفسه متفائلة، لأنني أومن
إيمانا عميقا بقدرة البشر على إعادة صوغ أنفسهم على نحو أفضل.
لكن رجوعا إلى الغضب. سمعت التحذير في
نبرة صوت ذلك الشخص، وعلمت أن كلامه يتعلق بالمقالة بقدر ما يتعلق بشخصيتي. قالت
لي النبرة إن الغضب ليس مناسبا للمرأة بصفة خاصة. فلو أنك امرأة، ليس مفترضا بك أن
تعبِّري عن غضبك، لأن في ذلك تهديدا. لي صديقة، وهي امرأة أمريكية، تولت منصبا قياديا
خلفا لرجل. كان سلفها يعد متشددا في حسن الأداء، كان رجلا حادا كثير التشدد وصارما
بصفة خاصة في مسألة توقيع الحضور والانصراف. تولت صديقتي وظيفتها الجديدة، وتخيلت
نفسها صارمة بالقدر نفسه، على أن تكون أطيب منه بعض الشيء، فهو لم يكن يعترف دائما
بأن للناس عائلات، بينما كانت هي حسبما قالت تعترف بذلك. ولم تمض أسابيع عليها في
وظيفتها الجديدة، حتى وبَّخت موظفا لتزويره في دفتر الحضور والانصراف، تماما كما
كان يفعل سلفها. فاشتكى الموظف للإدارة العليا من أسلوب مديرته. قال الموظف إنها
عنيفة ويصعب العمل معها. ووافقه على ذلك موظفون آخرون. قال أحدهم إنهم كانوا
ينتظرون منها أن تضفي "لمسة امرأة" على الوظيفة، لكنها لم تفعل ذلك.
لم يخطر لأيٍّ منهم أنها تفعل تماما
كالذي كان يفعله رجل قبلها فيلقى عليه الثناء.
وعندي صديقة أخرى، وهي أيضا امرأة
أمريكية، لديها وظيفة عالية الأجر في مجال الإعلان. وهي إحدى امرأتين في فريقها.
وحدث مرة في اجتماع، حسبما قالت لي، أن شعرت بأن رئيسها يستخف بها، كان يتجاهل كلامها
ثم يثني على آراء مماثلة إذا جاءت من رجل. وأرادت أن تنطق، وتواجه رئيسها. لكنها
لم تفعل. وبدلا من ذلك، مضت بعد الاجتماع إلى الحمام وبكت ثم اتصلت بي لتفضي
إليَّ. لم ترد أن ترفع صوتها لأنها لم ترد أن تبدو عدوانية. وتركت غيظها يستعر
بداخلها.
ما صدمني فيها وفي كثيرات من صديقاتي
الأمريكيات هو مدى استثمارهم في أن يكنَّ موضع "إعجاب". كيف نشأن على
الاعتقاد بأن كونهن موضع إعجاب أمر شديد الأهمية وأن لسمة القابلية للإعجاب طبيعة محددة.
وهذه الطبيعة المحددة لا تتضمن إظهار الغضب
أو العدوانية أو الجهر بالاختلاف.
إننا نقضي وقتا كبيرا للغاية في تعليم
البنات أن يراعين رأي الأولاد فيهن. ولكننا لا نفعل العكس. فلا نعلم الأولاد أن
يكونوا موضع إعجاب. نقضي وقتا كبيرا للغاية في تعليم البنات أنهن لا يمكن أن يكنّ
غاضبات أو عدوانيات أو صارمات، وتلك في ذاتها أمور سيئة، لكننا نرجع ونلتف عليها
ونثني على الرجال بسببها أو نبرِّرها لهم. في جميع أرجاء العالم ثمة مقالات في
المجلات وثم كتب كثيرة للغاية تبيِّن للنساء ما ينبغي أن يفعلنه، وكيف يكنّ وكيف
لا يكنّ، من أجل أن يجذبن الرجال أو يسعدنهم. بينما الإرشادات للرجال أقل كثيرا بشأن
إسعاد النساء.
إنني أقوم بالتدريس في ورشة للكتابة
بلاجوس، ومن المشاركين شابة قالت لي إن صديقها نصحها بألا تصغي لـ"كلامي
النسوي" وإلا فإنها سوف تمتص أفكارا من شأنها أن تخرب بيتها. هذا التهديد،
بخراب البيت، بإمكانية عدم وجود بيت أو زواج على الإطلاق، يُحتمل استعماله على
المرأة في مجتمعنا أكثر مما يحتمل استعماله على الرجل.
للجندر أهميته في كل مكان في العالم.
وأود اليوم أن أطلب منا أن نبدأ الحلم بخطة من أجل عالم مختلف. عالم أكثر إنصافا.
عالم يكون فيه الرجال والنساء أكثر سعادة، ويكونون فيه جميعا أكثر صدقا مع أنفسهم.
وهكذا تكون البداية: علينا أن ننشئ بناتنا تنشئة مختلفة. وعلينا أيضا أن ننشئ
أبناءنا تنشئة مختلفة.
*
إننا نلحق بالأولاد من أبنائنا ضررا
جسيما بطريقتنا في تنشئتهم. فنكبت في الأولاد إنسانيتهم. نعرّف الذكورة تعريفا بالغ
الضيق. الذكورة قفص صغير صلب، ونحن نضع الأولاد بداخل هذا القفص.
نعلم الأولاد أن يخافوا من الخوف، ومن
الضعف، ومن الغلبة. نعلمهم أن يخفوا أنفسهم الحقة من وراء الأقنعة، لأنهم لا بد أن
يكونوا ـ على ما يقول النيجيريون ـ رجالا شدادا.
في المدرسة الثانوية، يخرج ولد وبنت،
فالاثنان مراهقان، ومصروفهما متواضع. ويكون متوقعا من الولد أن يدفع، دائما، ليؤكد
ذكورته. (ونرجع لنتساءل لماذا يزداد احتمال أن يسرق الأولاد من ذويهم).
ماذا لو أنشأنا كلا من الأولاد والبنات
على ألا يربطوا بين الذكورة والنقود؟ ماذا لو أن نهجهم ليس أن "الولد يجب أن
يدفع" وإنما "من معه أكثر يجب أن يدفع". وبالطبع، بسبب ما للرجال
من امتياز تاريخي، سيكون الأرجح اليوم أن يكونوا هم الأكثر نقودا. لكن لو بدأنا
تنشئة الأبناء تنشئة مختلفة، ففي غضون خمسين سنة، في غضون مئة سنة، لن يتعرض
الأولاد لضغط إثبات ذكورتهم عبر سبل مادية.
لكن أسوأ ما نفعله في الذكور، بإشعارهم
أنه لزام عليهم أن يكونوا شدادا، هو أننا نترك لهم ذوات شديدة الهشاشة. فكلما
ازداد شعور الرجل بأن عليه أن يكون شديدا، ضعفت ذاته.
ثم إننا نلحق بالبنات أذى أكبر، لأننا
ننشئهن على رعاية ذوات الذكور الهشة.
نعلِّم البنات أن يقلِّصن أنفسهن، أن
يجعلن أنفسهن أصغر.
نقول للبنات، "يمكن أن يكون لديكن
طموح، لكن ليس الكثير، يجب أن تسعين إلى أن تكنّ ناجحات، على ألا تكنّ ناجحات أكثر
مما ينبغي، وإلا فإنكن سوف تهددن الرجل. لو أنك، في علاقتك برجل، كنت الطرف الذي
ينفق، فتظاهري أنك لست كذلك، وبخاصة أمام الناس، وإلا فإنك سوف تخصينه".
لكن ماذا لو أننا شكَّكنا في الفرضية ذاتها؟
ما الذي يجعل نجاح امرأة تهديدا لرجل؟ ماذا لو قرَّرنا ببساطة أن نتخلَّص من تلك
الكلمة، ولا أعرف في الإنجليزية كلمة أمقتها أكثر مما أمقت هذه الكلمة، كلمة الإخصاء.
سألني مرة أحد معارفي النيجيريين إن
كان يقلقني أن يشعر الرجال بالخوف مني.
قلت إن ذلك لم يقلقني قط، بل ولم يخطر
لي أن أقلق، لأن الرجل الذي قد يشعر بالخوف مني هو على وجه التحديد الرجل الذي لا
يثير لديَّ أدنى اهتمام.
ومع ذلك صدمني السؤال. لأنني أنثى،
ويفترض أنني طامحة إلى الزواج. يفترض بي أن أتخذ خياراتي في الحياة على أن يكون
نصب عينيّ دائما أن الزواج هو الأهم. وقد يكون الزواج أمرا طيبا، ومصدر بهجة، وحب،
ودعم متبادل. لكن لماذا نعلم البنات أن يطمحن إلى الزواج، ولا نعلم الأولاد مثل
ذلك؟
أعرف امرأة نيجيرية قررت أن تبيع بيتها
لأنها لم تشأ أن تخيف رجلا قد يرغب في الزواج بها.
أعرف امرأة في نيجيريا غير متزوجة
وتحرص حينما تذهب إلى المؤتمرات على ارتداء خاتم زواج رغبة منها ـ حسبما تقول ـ في
نيل احترام زملائها.
المؤسف في هذا هو أن خاتم الزواج
بالفعل سوف يكفل لها احتراما بديهيا، في حين أن عدم ارتداء خاتم زواج كفيل بتيسير
نبذها، وهذا في بيئة عمل حديثة.
أعرف شابات واقعات تحت ضغط كبير، من
الأسرة، ومن الأصدقاء، بل ومن العمل، لكي يتزوجن، فيدفعهن ذلك إلى خيارات بشعة.
مجتمعنا يعلِّم المرأة أن تنظر المرأة
غير المتزوجة في سن معين باعتبارها فاشلة فشلا عميقا على المستوى الشخصي. في حين
أن الرجل غير المتزوج في سن معين هو مجرد رجل لم يختر بعد.
وما أسهل أن نقول إن "بوسع النساء
أن يقلن لا في وجه ذلك كله". لكن الواقع أصعب كثيرا، وأشد تعقيدا. فنحن جميعا
كائنات اجتماعية. ونستلهم الأفكار من تنشئتنا الاجتماعية.
حتى اللغة التي نستعملها في إيضاح هذا.
لغة الزواج نفسها، كثيرا ما تكون لغة تَمَلُّك، لا لغة تشارك.
نستعمل كلمة الاحترام لنشير إلى
شيء تبديه المرأة للرجل، وليس في كثير من الحالات إلى شيء يبديه الرجل للمرأة.
ولكن الرجال والنساء يقولون "إنني
فعلت كذا لمصلحة البيت".
فحينما يقولها الرجال، يقولونها في
العادة عن شيء لا يجب أن يفعلوه. شيء يحكون عنه لأصحابهم في غضب محكوم، شيء يؤكد
لهم في نهاية المطاف ذكورتهم، "زوجتي قالت إنني لا يجب أن أذهب كل ليلة إلى
الملهى، لذلك فإنني الآن، حرصا على مصلحة البيت، لا أّذهب إلا في العطلة
الأسبوعية".
وحينما تقول النساء "إنني فعلت
كذا من أجل مصلحة البيت" ففي العادة يقلن هذا وقد استقلن من عمل، أو تخلين عن
هدف وظيفي، أو حلم.
إننا نعلِّم البنات أن التنازل في
العلاقات شيء متوقع من المرأة بدرجة أكبر.
إننا ننشئ البنات على أن ينظرن إلى
بعضهن بعضا باعتبارهن متنافسات، وليته تنافس على وظائف أو إنجازات، فذلك في رأيي قد
يكون أمرا حميدا، بل هن متنافسات على لفت أنظار الرجال.
نعلِّم البنات أنهن لا يمكن أن يكن
كائنات جنسية شأن الأولاد. فلو أن لدينا أولادا، فإننا لا نبالي بأن نعرف
صاحباتهم. وماذا عن أصحاب بناتنا؟ لا قدر الله. (ومع ذلك فإننا نتوقع منهن أن
يأتين إلى البيت في الوقت المناسب للزواج بالرجل المناسب للزواج).
نقيم من أنفسنا شرطة على البنات. نثني
على عذرية البنات ولا نثني على عذرية الأولاد (وهذا ما يجعلني أتساءل كيف بالضبط
يفترض أن يصح هذا إذا كان فقدان العذرية عملية تتعلق في العادة باثنين من جندرين
مختلفين).
حدث أخيرا أن تعرَّضت شابة لاغتصاب
جماعي في جامعة بنيجريا، وكان ردُّ فعل كثير من النيجيريين الشبان، من الذكور
والإناث على السواء، شيئا من قبيل: "طبعا الاغتصاب خطأ، لكن ما الذي كانت
تفعله بنت في غرفة أربعة أولاد؟"
تعالوا ننس إن استطعنا ما في هذا
الموقف من انعدام رهيب للإنسانية. هؤلاء النيجيريون نشأوا على التفكير في النساء
باعتبارهن مذنبات بالفطرة. ونشأوا على ألا ينتظروا من الرجال غير أقل القليل، وعلى
أن تصور الرجال باعتبارهم كائنات همجية لا سيطرة لهم على أنفسهم هو بطريقة ما تصور
مقبول.
إننا نعلم البنات العار. ضمِّي
ساقيك، غطِّي جسمك. نشعرهن أنهن ـ وقد ولدن إناثا ـ مذنبات بالفعل في شيء ما.
وهكذا تنشأ البنات ليصبحن بنات عاجزات عن الجهر بأن لديهن رغبة. يخرسن أنفسهن.
يعجزن عن التصريح بما يفكرن فيه حقا. يحولن التظاهر والادعاء إلى قالب فني.
أعرف امرأة تكره شغل البيت، لكنها
تتظاهر أنها تحبه، لأنها أنشئت على أن تكون "خامة زوجة صالحة"، فلا بد
أن تكون، على حد التعبير النيجيري، بيتية. ثم تزوجت. وبدأت عائلة زوجها
تشكو من أنها قد تغيرت. والحقيقة أنها لم تكن قد تغيرت. كل ما في الأمر أنها تعبت
من التظاهر بأنها ما ليست إياه.
مشكلة الجندر أنه يفرض علينا كيف ينبغي
أن نكون بدلا من أن يعترف بما نحن إياه. تخيلوا إلى أي مدى يمكن أن نكون أسعد،
وأكثر حرية في أن نكون أنفسنا الفردية الحقة، لو لم نكن مثقلين بأعباء التوقعات
الجندرية.
*
الأولاد والبنات مختلفون على مستوى الجندر
اختلافا لا سبيل إلى إنكاره، لكن التنشئة الاجتماعية تبالغ في هذه الاختلافات، ثم
تبدأ عملية اتباع ذاتي.
وإليكم مثالا من الطبخ. النساء اليوم بصفة عامة أكثر احتمالا من الرجال بأن يؤدين
العمل المنزلي، من طبخ وتنظيف. لكن لماذا؟ هل لأن النساء يولدن بجين طبخ أم بسبب
تنشئتهن اجتماعيا على مدار السنين على أن يرين الطبخ دورا لهن؟ لقد كدت أقول أن
النساء ربما يولدن فعلا بجين طبخ إلى أن تذكرت أن أغلبية مشاهير الطهاة في
العالم، ممن يحظون بلقب "الشيف" الخيالي، هم رجال.
لقد كنت أنظر إلى
جدتي، وهي امرأة حادة الذكاء، وأتساءل عما كان يمكن أن تؤول إليه لو كانت حظيت
ببعض الفرص التي حظي بها الرجال في شبابها. للنساء اليوم فرص أكثر مما أتيح لجدتي
في زمانها، بسبب ما طرأ من تغيرات على السياسة والقانون، وهي تغيرات في غاية
الأهمية.
لكن الأهم هو موقفنا،
وعقليتنا.
ماذا لو أننا، في
تنشئتنا للأطفال، ركزنا على القدرة لا على الجندر؟ ماذا لو أننا ركزنا على المصلحة
لا على الجندر؟
*
أعرف أسرة لديها ولد
وبنت، الفارق بين عمريهما عام، وكلاهما ممتاز في المدرسة. عندما يشعر الولد بالجوع
يقول الوالدان للبنت "اذهبي واطبخي لأخيك إدنومي". والبنت لا تحب طبخ
إندومي، لكنها بنت ولا بد أن تفعل ذلك. ماذا لو أن الوالدين، منذ البداية، علَّما كلا
الطفلين طبخها؟ والطبخ بالمناسبة مهارة عملية يمكن أن ينتفع بها الولد في الحياة.
ولم أر قط منطقا في ترك المرء شيئا حيويا كذلك، أعني تغذيته، في أيدي الآخرين.
أعرف امرأة حاصلة
على مثل شهادة زوجها ولها مثل وظيفته. حينما يرجعان من العمل، تقوم هي بأغلب شغل
البيت، وهذا ما يصدق على كثير من البيوت، لكن ما يذهلني أنه كلما غيَّر للطفل
حفاضته، قالت له شكرا لك. ماذا لو رأت ذلك شيئا عاديا وطبيعيا، أن يساعد في
رعاية ابنه؟
*
إنني أحاول أن أخلي
رأسي من دروس كثيرة تعلمتها في الجندر واستوعبتها في فترة نشأتي. لكنني في بعض
الأحيان أشعر أنني ضعيفة في مواجهة توقعات الجندر.
في المرة الأولى
التي درَّست فيها الكتابة في كلية دراسات عليا، كنت قلقة. لا بشأن المادة، لأنني
كنت مستعدة استعدادا جيدا وكنت أدرِّس ما أستمتع به. ولكنني كنت قلقة بشأن ما يجب
أن أرتديه. كنت أريد أن يأخذني الطلبة مأخذ الجد.
علمت أن عليّ، لأنني
أنثى، أن أثبت جدارتي. وكنت قلقة من أنني إذا بدوت أنثى أكثر مما ينبغي،
فإنهم لن يأخذونني مأخذ الجد. كنت أريد فعلا أن أضع طلاء شفاهي اللامع وألبس تنورتي
البناتية، لكنني قررت ألا أفعل. ارتديت سترة شديدة الجدية، وشديدة الرجولة، وشديدة
القبح.
حقيقة الأمر المؤسفة
هي أننا، عندما يتعلق الأمر بالمظهر، نبدأ باعتبار الرجل معيارا، وعُرفًا. كثير
منا يحسبون أنه كلما بدت امرأة أقل أنوثة، ازداد احتمال أن تؤخذ بجدية. الرجل يذهب
إلى لقاء عمل ولا يتساءل إن كان سيؤخذ بجدية بناء على ما يرتديه، لكن المرأة
تتساءل.
إنني أتمنى لو أنني
لم أرتد تلك السترة القبيحة في ذلك اليوم. لو توافرت لي يومها الثقة التي لديّ
الآن في أن أكون نفسي، فلعل طلبتي كانوا ليزدادوا استفادة مني. لأنني كنت لأشعر
بمزيد من الارتياح وكثير من الامتلاء ولكنت شعرت بأنني نفسي حقا.
لقد اخترت أن أكف عن
اتخاذ موقف الدفاع عن أنوثتي. أريد أن أنال الاحترام بكل
ما لدي من أنوثة. لأنني أستحق أن أنال ذلك. إنني أحب السياسة والتاريخ وأكون في
أسعد حالاتي عندما أخوض نقاشا جيدا حول أفكار. أنا بناتية. بناتية وسعيدة. أحب
الكعوب العالية وأجرّب في طلاءات الشفاه. لطيف أن أتلقى مجاملات الرجال والنساء
(برغم أنني يجب أن أكون صريحة وأقول إنني أفضل مجاملات النساء الأنيقات) لكنني
كثيرا ما أرتدي ثيابا لا تروق للرجال أو لا "يفهمونها". وأرتديها لأنها
تعجبني ولأنني أشعر أنني جميلة فيها. أما "نظرة الذكور"، باعتبارها
معيارا لاختياراتي في الحياة، فعارضة إلى حد كبير.
*
ليس الحوار في
الجندر بالأمر اليسير. فالناس لا يرتاحون إليه، وفي بعض الأحيان ينزعجون منه. وكلا
الرجال والنساء يقاومون الحديث في الجندر، أو يسارعون إلى نبذ مشكلة الجندر
برمتها. لأن التفكير في تغيير الوضع القائم أمر غير مريح دائما.
يتساءل بعض الناس
"لماذا كلمة نسوية؟ لماذا لا تكتفين بالقول بأنك
مؤمنة بحقوق الإنسان أو شيء من هذا القبيل؟ لأن ذلك لن يكون صادقا. فالنسوية
بالطبع جزء من حقوق الإنسان بصفة عامة ولكن اختيار استعمال تعبير حقوق الإنسان الغامض
فيه إنكار لمشكلة الجندر المحددة والمعينة. سيكون تظاهرا بأن النساء لسن اللاتي تعرضن
على مدار قرون للإقصاء. سيكون طريقة لإنكار أن مشكلة الجندر تستهدف النساء. أن
المشكلة لا تتعلق بكونك إنسانا، بل بكونك على وجه التحديد إنسانا مؤنثا. لقد قسَّم
العالم البشر على مدار قرون إلى جماعتين ومضى إلى إقصاء وقمع إحدى هاتين الجماعتين.
ومن الإنصاف أنه لا بد أن يعترف حل المشكلة بذلك.
بعض الرجال يشعرون
بالتهديد من فكرة النسوية. وأعتقد أن سبب ذلك يكمن في الخوف الذي تثيره طريقة
تنشئة الأولاد، وكيف أن إحساسهم بقيمتهم الذاتية يتضاءل إذا لم يكن
"الطبيعي" لهم أن يكونوا في موقع القيادة كرجال.
*
وثمة رجال آخرون
يستجيبون بقولهم "تمام، هذا كلام مثير، لكنني لا أفكر بهذه الطريقة. أنا لا
أفكر أصلا في الجندر".
ولعلهم لا يفعلون.
وذلك جزء من
المشكلة. أن كثيرا من الرجال لا يفكرون بفعالية في الجندر أو لا يلاحظون
الجندر. أن كثيرا من الرجال يقولون، مثلما قال صديقي لويس، إن الأمور ربما كانت
سيئة في الماضي ولكنها ليست كذلك الآن. وأن كثيرا من الرجال لا يفعلون شيئا
لتغييره. لو أنك رجل وتدخل مطعما ويكتفي النادل بتوجيه التحية إليك، فهل يخطر لك
أن تسأله "لماذا لا توجه التحية لها؟". يجب على الرجال أن يتكلموا عن كل
هذه المواقف بادية الصغر.
ولأن الجندر قد يكون
غير مريح، فإن لإنهاء الحوار فيه طرقا يسيرة.
فبعض الناس سوف
يثيرون موضوع بيولوجيا النشوء والارتقاء والقردة العليا، وكيف أن إناث القردة
العليا تنحني لذكورها ومثل ذلك الكلام. لكن إليكم الخلاصة: نحن لسنا قردة. القردة
تعيش في الأشجار وتأكل الديدان. ونحن لا نفعل ذلك.
بعض الناس سوف يقولون:
"تمام، الرجال الفقراء أيضا يمرون بأوقات صعبة". وهذا صحيح.
لكن ليس هذا ما
نتكلم فيه. الجندر والطبقة مختلفان. الرجال الفقراء تبقى لهم امتيازات كونهم رجالا
وإن لم يحظوا بامتيازات أن يكونوا أثرياء. لقد تعلمت الكثير، من خلال الحديث إلى
الرجال السود، عن أنظمة القهر وكيف أنها يمكن أن تعمى عن بعضها بعضا. كنت مرة
أتكلم عن الجندر فقال لي رجل "لماذا يتحتم عليك أن تتكلمي بوصفك امرأة؟ لماذا
ليس بوصفك إنسانا؟". ومثل هذا السؤال طريقة لإخراس التجارب المحددة التي مرَّ
بها شخص محدد. بالطبع أنا إنسان، لكن هناك أشياء معينة وقعت لي في العالم بسبب
كوني امرأة. وهذا الرجل نفسه، بالمناسبة، قد يكثر الكلام عن تجاربه كرجل أسود.
(وقد أرد على ذلك بقولي "لماذا لا تعرض تجاربك كرجل وحسب أو كإنسان؟ لماذا
تعرض تجاربك كرجل أسود بالذات؟")
وإذن، لا، هذا حوار
في الجندر. سوف يقول بعض الناس "أوه، ولكن النساء لديهن السلطة الحقيقية:
سلطة القاع". (وهذا تعبير نيجيري يشير إلى المرأة التي تستعمل طبيعتها
الجنسية لنيل أشياء من الرجال). ولكن سلطة القاع ليست بسلطة على الإطلاق، لأن
النساء من صاحبات سلطة القاع لسن صاحبات سلطة أو قوة في حقيقة الأمر، إنما لديها
طريق جيد لاستغلال سلطة شخص آخر. فماذا يحدث حينما يتعكر مزاج الرجل أو يضجر أو
يصاب مؤقتا بالعنة؟
سيقول بعض الناس إن
المرأة خاضعة للرجل لأن هذه ثقافتنا. لكن الثقافة في حالة تغير مستمر. لي ابنتا أخ
توأم جميلتان في الخامسة عشرة من العمر. لو كانتا ولدتا قبل مئة سنة، لأخذتا
وقتلتا. فثقافة الإجبو Igbo
قبل مئة سنة كانت تعد ميلاد التوائم
نذير شر. واليوم لا يخطر فعل كهذا لجميع أبناء الإجبو.
وما مغزى الثقافة؟
الثقافة تعمل في نهاية المطاف على ضمان وحفظ استمرار شعب. في عائلتي، أنا ابنة
شديدة الاهتمام بقصة هويتنا، وبأرض الأسلاف، وبتراثنا. إخوتي ليس لهم مثل اهتمامي.
لكنني لا أستطيع المشاركة، لأن ثقافة الإجبو تميز الرجال، ولا يتاح لغير أفراد
العائلة الكبيرة من الذكور حضور اللقاءات التي تتخذ فيها القرارات العائلية
الكبرى. وهكذا على الرغم من كوني الأكثر اهتماما بهذه الأمور، لا يمكنني حضور
اللقاء. ولا تكون لي كلمة رسمية. لأنني أنثى.
الثقافة لا تصنع
الناس. بل يصنع الناس الثقافة. فلو صحَّ أن إنسانية النساء الكاملة ليست من
ثقافتنا، فبوسعنا، بل علينا، أن نجعل ذلك من ثقافتنا.
*
كثيرا جدا ما أفكر
في صديقي أوكولوما. عساه وغيره ممن قضوا نحبهم في تحطم طائرة سوسوليسو أن ينعموا
بالسلام. سيبقى دائما في ذاكرتنا نحن الذين أحببناه. ولقد كان محقا، في ذلك اليوم،
قبل سنين كثيرة، حينما وصفني بالنسوية. أنا نسوية.
وحينما بحثت، قبل
تلك السنين الطوال، عن معنى الكلمة في القاموس وجدت ذلك: النسوي: شخص يؤمن
بالمساواة بين الجنسين اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا.
جدة جدتي، من واقع
ما بلغني من حكايات، كانت نسوية. هربت من بيت رجل لم ترد أن تتزوجه وتزوجت الرجل
الذي وقع عليه اختيارها. رفضت، واحتجت، وجهرت، حينما شعرت أنها تتعرض للحرمان من
الأرض وحيازتها لأنها أنثى. لم تكن تعرف كلمة النسوية. لكن ذلك لا يعني
أنها لم تكن كذلك. وعلى المزيد منا أن يستعيدوا تلك الكلمة. إن أفضل من أعرف من
النسويين هو أخي كيني، وهو أيضا شاب طيب، وسيم، ممتلئ بالذكورة. وأفضل تعريف لديَّ
للشخص النسوي هو من يقول، رجلا كان أم امرأة، "نعم، هناك مشكلة في الجندر
ووضعه اليوم، وعلينا أن نحلها، وعلينا أن نكون أفضل".
كلنا، رجالا ونساء، علينا أن نكون أفضل.
نشرت ترجمة المقال في حلقتين بجريدة عمان
العنوان الأصلي للمقال: We Should All Be Feminists
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق