الأربعاء، 5 مارس 2014

لماذا وكيف ينبغي أن نفكك الأوبك؟

لماذا وكيف ينبغي أن نفكك الأوبك؟
روبرت زوبرين



لا يقارن بلد في العادة بالعربية السعودية وتكون هذه المقارنة من قبيل المجاملة، ما لم يكن ذلك بطبيعة الحال يتعلق بموارد الطاقة الهائلة. وهكذا فقد دأب الساسة ومحللو الطاقة الأمريكيون منذ سبعينيات القرن العشرين على وصف الولايات المتحدة بأنها "سعودية الفحم" قاصدين من قولهم هذا أن احتياطيات النفط الأمريكي وإن قلت عن مثيلاتها لدى المملكة الصحراوية، إلا أن لنا [نحن الأمريكيين] عزاء في امتلاكنا أكبر احتياطيات الفحم في العالم.
غير أن أمريكا اليوم تشهد طفرة يبدو أنها تغير نظرة الطاقة الأمريكية تماما. فبفضل التقدم في آليات التكسير الهيدروليكي hydraulic fracturing  (المعروف أيضا  بالـ " fracking)، والحفر الأفقي، وغيرها من الآليات، تقوم صناعة الطاقة الأمريكية بإمداد السوق بكميات هائلة من النفط والغاز الطبيعي مما كان الوصول إليها متعذرا من قبل. ويتبين من النظر إلى إحصائيات النفط أن إنتاج الولايات المتحدة في 2008 هبط إلى ما دون الخمسة ملايين برميل يوميا وهو أقل إنتاج لها منذ أربعينيات القرن الماضي، ولكن الإنتاج وصل بنهاية 2013 إلى تجاوز الثمانية ملايين برميل يوميا، وهو الإنتاج الأعلى على مدار عقدين. ومن المتوقع بحلول عام 2016 أن يصل الإنتاج أو يتجاوز 9.6 مليون برميل في اليوم وهو الرقم التاريخي الذي وصلت إليه الولايات المتحدة سنة 1970. ولقد كان إنتاج الغاز الطبيعي أكبر. ففي عام 2007، أنتجت الولايات المتحدة 1.3 ترليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي الصخري، ولكن الإنتاج وصل في 2011 إلى 8 ترليون قدم مكعب. ومن المتوقع الوصول إلى 31.9 ترليون قدم مكعب بحلول عام 2025 على أن يستمر التصاعد في العقود التالية.
وكما قال الرئيس أوباما في عام 2012، فإن الولايات المتحدة اليوم هي "سعودية الغاز الطبيعي. والحق أنه من المتوقع أن تصبح الولايات المتحدة أكبر منتجي النفط في العالم بحلول 2016 أو قبل ذلك، مما يجعل مثل هذه المقارنات في ذمة التاريخ.
غير أن تأثير هذه الطفرة على اقتصاد الطاقة ـ نظرا للعديد من الأسباب ـ لن يكون كبيرا أو دائما كما قد يوحي الاهتمام الصحفي الكبير المنصبّ على الموضوع. وذلك أولا، لأن الولايات المتحدة هي أكبر مستهلك للنفط في العالم. فقد استهلكت الولايات المتحدة في عام 2012 أكثر من 18 مليون برميل من النفط يوميا، مقارنة مع عشرة ملايين برميل يوميا لدى ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم وهو الصين. (وكانت الولايات المتحدة في ظل رخاء ما قبل الانهيار الاقتصادي في عام 2008 تستهلك 21 مليون برميل يوميا). ومن المتوقع أن تبقى الولايات المتحدة أكبر مستهلك للنفط في العالم حتى قرابة 2030 حيث تتجاوزها الصين.
ثانيا، من المتوقع أيضا أن تبقى الولايات المتحدة أكبر مستورد للنفط في العالم. وقد دأب الرؤساء الأمريكيون ـ منذ عهد ريتشارد نيكسون على الأقل ـ على الدعوة إلى استقلال الطاقة، أي تقليل اعتماد أمريكا على موارد الطاقة الأجنبية. ولكن الطفرة لا تقربنا مطلقا من تحقيق هذا الحلم، لا سيما فيما يتعلق بالنفط. من المؤكد أن ازدياد إنتاج النفط الصخري المحلي يعني أنه من المتوقع أن يقل استيراد الولايات المتحدة للنفط في عام 2016 عما هو عليه الآن بصورة ملحوظة ولكن من المتوقع أن يبدأ الاستيراد صعودا بطيئا في العقود التالية، إذ أن إنتاج النفط الصخري سوف يصل إلى مرحلة استقرار في عام 2016 ثم يبدأ في التراجع بعد عام 2020. وتقدّر الهيئة الأمريكية لمعلومات الطاقة أن صافي استيراد النفط والوقود الحيوي سوف يعاود الصعود ليبلغ 32% من إجمالي إمدادات الوقود السائل في أمريكا بحلول 2040. وطالما بقيت الولايات المتحدة أكبر مستهلك ومستورد للنفط في العالم، فإن الزيادة في إنتاج الغاز الطبيعي، والتنقيب عن النفط الصخري، وكفاءة الوقود، لن تفضي إلا إلى التقليل جزئيا من الاعتماد على النفط الأجنبي.
ثالثا، وأهم الأسباب على الإطلاق، أن ازدياد إنتاج الولايات المتحدة من النفط لا يعني أن الأسعار سوف تقل، حتى لو انفردت الولايات المتحدة بكونها أكبر منتج للنفط في العالم. وهذا لأن أسعار النفط لا تخضع لقانون العرض والطلب العامل في السوق الحرة. بل يتم التلاعب بها، كما هو الحال منذ عقود، من خلال منظمة الدول المصدرة للنفط المعروفة اختصارا بـ أوبك. تأسست هذه المنظمة في عام 1960 لتكون بمثابة كيان احتكاري يقوم من خلاله حكام زمرة من الدول ـ كالعربية السعودية وإيران والعراق وغيرها ـ بالتآمر لتنسيق معدلات إنتاجها من النفط. ويبلغ نصيب هذا الكيان الاحتكاري من سوق النفط العالمي قدرا هائلا، إذ أن قرابة 40% من إجمالي الإنتاج العالمي يأتي من دول الأوبك، وحوالي 60% من النفط المتداول في العالم يتم تصديره من دول أوبك، وتشير بعض التقديرات إلى أن ما يربو على 80% من احتياطيات النفط المجدية تجاريا موجودة لدى الدول من أعضاء الأوبك. ومن ثم فللمنظمة قدرة لا تبارى على تشويه السوق العالمي، وما يستتبع ذلك من عواقب جسيمة على الاقتصاد العالمي.
ولا ينبغي السماح باستمرار هذا الوضع. وهناك أفعال يمكن أن تقوم بها الولايات المتحدة لتحرير أسواق النفط العالمي من خناق الأوبك. والقيام بهذه الأفعال لا بد أن يكون الآن. فاللحظة الراهنة ـ حيث تعني طفرة الطاقة أن اعتماد الولايات المتحدة على استيراد النفط يقل ـ توفر فرصة غير مسبوقة لتفكيك الأوبك مرة وإلى الأبد. وعلينا أن نستغل أن يدنا الآن هي العليا، ونزيحهم.
ضرر أوبك
قبل مناقشة السياسة الكفيلة بتفكيك الأوبك، تعالوا أولا ننظر إلى الأضرار التي يلحقها هذا الكيان الاحتكاري بالولايات المتحدة، والاقتصاد العالمي، والسلام في العالم.
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى عام 1973، وفي ظل سيطرة شركات النفط الكبيرة متعددة الجنسيات، قامت الدول التي ستشكل منظمة الأوبك فيما بعد بزيادة إنتاجها من النفط بما يربو على عشرة أضعاف، من 3 إلى قرابة 30 مليون برميل يوميا، واستمرت الزيادة في التصاعد، خطوة بعد خطوة، مع تصاعد احتياجات الاقتصاد العالمي سريع النمو فيما بعد الحرب. وبسبب هذا بقيت أسعار النفط، وقد ارتفعت بارتفاع التضخم، مستقرة، ثم انخفضت بطريقة ما من 1947 إلى 1972 الأمر الذي أدى إلى واحدة من أروع فترات النمو الاقتصادي المستدامة في التاريخ الإنساني. ومنذ أزمة النفط في عام 1973، ازداد إجمالي الطلب العالمي من 57 مليون برميل في اليوم إلى قرابة تسعين مليون برميل في اليوم في 2012.
غير أنه على الرغم من هذا التزايد الدراماتيكي في الطلب العالمي على النفط منذ 1973، لم تقم أوبك مطلقا بزيادة الإنتاج عما كان عليه في عام 1973، بل إنها في حقيقة الأمر تحدّ ـ في الوقت الراهن ـ معدل إنتاجها وفق المستويات التي كان عليها في عام 1973: ففي المؤتمر المقام في مايو 2013 بفيينا، قرر الكيان الاحتكاري "الالتزام بسقف الإنتاج القائم" الذي يبلغ 30 مليون برميل يوميا، وهو نفس المقدار الذي كانت تنتجه دول الأوبك في عام 1973. وبرغم أن منتجي النفط من غير أعضاء الأوبك قد زادوا إنتاجهم بأكثر من 60% منذ 1973، إلا أن هذه الزيادة لم تكف لخلخلة موقف أوبك المسيطر. ونتيجة للحد الذي تفرضه المنظمة على العرض، فإن أسعار النفط المرتفعة أصلا بسبب ارتفاع التضخم قد تضاعفت أكثر من أربع مرات منذ 1973، وبالتبعية تباطأ النمو الاقتصادي العالمي. من خلال تحديد كمية النفط التي تنتجها دول الأوبك، يتسنى لزعماء الكيان الاحتكاري أن يسيطروا على المتاح في السوق العالمية، مما يخول لهم أن يثبتوا سعر النفط الذي يشاؤون.
ليست تأثيرات أسعار النفط على الاقتصاد الأوسع بالتأثيرات المعقدة: فعندما يرتفع سعر النفط يصبح كل ما يعتمد على النفط أغلى سعرا. هذه ليست مجرد مسألة معاناة مع أسعار الوقود يشعر بها المستهلكون وهم يعبئون سياراتهم بالوقود في المحطات. فأكثر من 90% من الطاقة المستخدمة في قطاع النقل بالولايات المتحدة  قائم على النفط، مما يعني أن ارتفاع أسعار النفط تؤدي إلى ارتفاع أسعار جميع السلع والخدمات المعتمدة على السيارات والشاحنات والطائرات والقطارات والسفن، أي كل شيء.
فمع ارتفاع أسعار النفط ونيلها من الأرباح، يضطر أصحاب الأعمال إلى رفع الأسعار أو العثور على سبل أخرى لتقليل التكلفة، وهو ما يعني في أغلب الحالات الاستغناء عن العمال. حيث كان كل ارتفاع في سعر النفط على مدار العقود الأربعة الماضية، بما في ذلك ارتفاعه في أعوام 1973 و1979 و1991 و2001 و2008 يكون متبوعا في غضون فترة قصيرة بارتفاع حاد في معدل البطالة في الولايات المتحدة.
ويتجاوز الضرر الاقتصادي بكثير التأثير الذي يقع على العاطلين أنفسهم. ففي عام 2008 على سبيل المثال، ساهم ارتفاع سعر النفط ـ الذي تجاوز 140 دولارا للبرميل بحلول منتصف العام ـ في فقدان ملايين الأمريكيين لوظائفهم، الأمر الذي أفضى بالكثير منهم إلى العجز عن تسديد أقساط ما اقترضوه من البنوك لشراء منازلهم، فأدى ذلك إلى تدمير قيمة الأوراق المالية المدعومة بالرهون العقارية لدى بنوك الولايات المتحدة. الأمر الذي أدى بدوره إلى التهديد بانهيار عام في النظام المالي، فنتجت عن ذلك فاتورة إنقاذ بقيمة 800 مليون دولار تحملها دافعو الضرائب الأمريكيون. وليس هذا كل ما في الأمر. فتدمير قوة العاطلين الشرائية واستنزاف تمويلات جميع من عداهم لتغطية التكاليف المباشرة وغير المباشرة لارتفاع أسعار النفط أدى إلى تضاؤل طلب المستهلكين على جميع أنواع المنتجات تقريبا، فتحطمت مبيعات التجزئة وجميع الصناعات التي تعتمد عليها. ولا ينبغي أن يدهشنا إذن أن يكون "جيمس د. هاملتن" أستاذ تاريخ الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا قد قام بتوثيق عشرة من أسوأ حالات الكساد التي شهدتها الولايات المتحدة فيما بعد الحرب [العالمية الثانية] فكانت جميعها مسبوقا بارتفاعات حادة في أسعار النفط.
والآثار الاقتصادية لارتفاع أسعار النفط مؤلمة حقا في الدول الثرية الصناعية، لكن شعوب الدول الفقيرة أضعف وأقل احتمالا. فارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل والأجور والتغليف تفضي جميعا إلى ارتفاع أسعار بيع التجزئة الأمر الذي يؤدي إلى المزيد من الفقر والاضطراب. كما أنه لا يتبقى للحكومات بعد دفع مزيد من تكاليف الطاقة ما تموّل به الاستثمارات التنموية الاقتصادية الضرورية للحياة كالموانئ الحيوية والرعاية الصحية والقضاء على الفقر.
ولزيادة الطين بلة، فإن لكثير من الدول أعضاء الأوبك سجلا من استغلال عائدات النفط في دعم مصالح معادية لأمريكا. فلطالما قام أفراد وجماعات "خيرية" سعودية بتمويل جماعات جهادية. وقد لاحظت وزارة الخارجية الأمريكية في ديسمبر 2009، وما هو منا ببعيد، (وهذا يتبين من برقية سربتها ويكيليكس) أن "المتبرعين في العربية السعودية يشكلون أهم مورد لتمويل الجماعات الإرهابية السنية في العالم" بما يجعل السعودية "قاعدة دعم تمويل مهمة" للقاعدة وطالبان وحماس وغيرها من الجماعات الإرهابية. أما حكام إيران، وهم ثاني أضخم منتجي النفط داخل الكيان الاحتكاري، فهم أكبر مناصري منظمة حزب الله، ويستخدمون أرباحهم النفطية في تصنيع أسلحة نووية.
وهكذا فإن تلاعب الأوبك بأسعار النفط أشبه بضريبة رجعية قاسية مفروضة على اقتصاد الولايات المتحدة، وهذا التلاعب يهدد السلام والاستقرار في العالم. فكيف السبيل إلى إيقافه؟
من الاقتراحات السياسية اقتراح يقره بعض النشطاء في مجال البيئة، ويقتضي تقليل الطلب على النفط من خلال فرض ضرائب الكربون وضرائب الوقود. ولعل لهذه الخطط التأثير المرغوب من أنصار البيئة إذ أنها تقلل الانبعاثات، وربما تجد الأوبك نفسها ولو مؤقتا في مواجهة تراجع في الطلب على نفطها. ولكن الكيان الاحتكاري سيستمر، من خلال تعديل مستويات الإنتاج،  في تحقيق الأرباح. كما أن هذه الضرائب سوف تؤدي في الوقت نفسه إلى زيادة البطالة وإلحاق الضرر بالاقتصاد الأمريكي الأوسع بزيادتها أسعار الطاقة إلى ما يعلو على مستويات ارتفاعها المصطنعة أصلا من قبل الأوبك. وازدياد مستويات الفقر بالتبعية هنا وفي الخارج لن يزيد المشكلات الصحية والبيئية إلا تفاقما وصعوبة.
فماذا لو أننا، بدلا من ذلك، اتخذنا المسار المعاكس وحاولنا زيادة العرض؟ لو أن الدول من غير أعضاء الأوبك زادت إنتاجها من خلال زيادة التنقيب، فهل يكون بوسعها خلخلة موضع الأوبك في سوق النفط؟ ماذا لو أننا رفعنا الحدود القليلة على إدخال النفط غير الأوبكي إلى السوق، من قبيل الحظر الأمريكي المفروض منذ أمد بعيد على تصدير خام النفط (أي النفط الذي لم تجر معالجته بعد لتحويله إلى وقود)؟ من المؤكد أنه لو أمكن للدول غير الأوبكية أن تبيع المزيد من النفط، فإن قوة سيطرة الأوبك على الأسعار سوف تتقلص ـ لكن ليس بدرجة كبيرة. فخلال المستقبل المنظور، تبقى حصة الأوبك من إنتاج النفط العالمي كبيرة بما يكفي للاستمرار في التلاعب بالأسعار دونما خوف.
إننا بحاجة إلى استراتيجية مختلفة. لو أننا راغبون في إلحاق الهزيمة بالأوبك، فنحن بحاجة إلى إغراق أسواق الطاقة بوقود يُعدّ بديلا حقيقيا للنفط الذي تسيطر أوبك على أسعاره. وهذا سوف يخلق حالة من التنوع والمنافسة في سوق الوقود العالمية هي غير قائمة اليوم، مما يتدنى بأسعار النفط. نحن، بعبارة أخرى، بحاجة إلى مورد كبير للوقود السائل غير النفطي.
حل الميثانول
من حسن الحظ أن هذا الوقود متاح. وهو الميثانول الذي يطلق عليه في بعض الأحيان "الكحول الخشبي". وفي حين يهلل البعض للإيثانول السيليلوزي بوصفه وقود المستقبل، فإن الميثانول ليس بالحلم المستقبلي الذي يراود العلماء الباحثين عن التمويل. بل هو سلعة كيميائية قائمة تصل قدرتها الإنتاجية السنوية إلى قرابة 33 بليون جالون. وقد بلغ سعر الجالون مؤخرا قرابة 1.50 دولار. وإذا أخذنا في الاعتبار خصائص الميثانول ـ حيث أنه يحتوي على قرابة نصف طاقة البنزين لكل جالون لكن معدل الأوكتان فيه أعلى ـ فإن سعره البالغ 1.50 دولار يعادل سعر البنزين إن بيع بـ 2.5 دولار. بطريقة أخرى، ووفقا للأسعار الحالية، تستطيع السيارة بما قيمته دولار من وقود الميثانول النقي أن تسير 30 % أبعد مما تسير بما قيمته دولار من البنزين. أي أن الميثانول يمثل في ظل الأسعار الراهنة منافسا واضحا وحقيقيا للبنزين.
علاوة على أن الموارد المتاحة لدعم التوسع في إنتاج الميثانول متاحة وكبيرة. إذ أن من الممكن تصنيع الميثانول ـ خلافا للبنزين الذي لا يمكن تخليقه اقتصاديا إلا من النفط ـ من أي خامة حاوية للكربون بما في ذلك النفط أو الغاز الطبيعي أو الفحم أو القمامة أو أي نوع من المواد الحيوية biomass. هذا يعني أن ميزة أمريكا الكبيرة من احتياطيات الفحم، وتوسعها الكبير في إنتاج الغاز الطبيعي، ومواردها الزراعية الهائلة يمكن استخدامها لا لمجرد التكملة بل للحلول تماما محل احتياجات النفط الأجنبي الراهنة ودعم الطلب المتزايد على مدار عقود من اقتصاد لا يكف عن التوسع. كما يعني أيضا أن الوصول إلى الموارد اللازمة لإنتاج الميثانول لا يمكن أن يكون محددا بتصرفات كيان أوبك الاحتكاري.
وللإيثانول أيضا مزايا بيئية يفتقر إليها البنزين. فهو أنظف احتراقا وأقل تسببا في التلوث الجزيئي  particulate. وهو أيضا أكثر أمنا، نظرا لكونه أقل احتمالا للاشتعال عند الاصطدام، ودخانه لا يحتوي على أي من مسببات السرطان الموجودة في دخان البنزين. وفي حين أن الميثانول ـ خلافا للإيثانول ـ سام ولو في جرعاته الصغيرة وغير قابل للشرب إلا أنه أقل سمية من البنزين. والحق أن المكوّن الفعال الرئيسي في أغلب منظفات زجاج السيارات هو الميثانول، ولكن نظرا لقابليته للتحلل البكتيري فهو متداول بين السائقين ومنتشر على الطرقات بكثافة منذ عقود دونما أي تأثيرات على الصحة أو على البيئة.
لو أمكننا تحويل أسطول سياراتنا إلى الاعتماد على الميثانول، فإن مئات بلايين الدولارات التي ندفعها الآن للأوبك سنويا سوف تتوجه إلى مشاريع أمريكية وعمال أمريكيين ينتجون وقودنا هنا في وطننا. وصناعة الميثانول سوف تخلق ملايين من فرص العمل الجديد، بملايين الفرص الناجمة بصورة غير مباشرة من الإنشاءات، وبيع التجزئة والصناعات الخدمية التي سوف تدعمها رواتب عمال الميثانول. وسوف يعمل هذا بقوة على معالجة مشكلة العجز الوطني، ومشكلات الميزانية، وذلك بانتقال الملايين من كشوف العاطلين إلى كشوف دافعي الضرائب.
لكن هل يسهل الآن تحويل السيارات العاملة بالبنزين إلى العمل بالميثانول؟ نعم، وبمنتهى السرعة. فالأغلبية الساحقة من السيارات المباعة في الولايات المتحدة اليوم (ومنذ خمس سنوات على الأقل) ومن بينها سيارات جنرال موتورز وفورد مزودة أجهزة كمبيوتر ونوعية معينة من خطوط الوقود تجعلها قادرة على استخدام وقود الميثانول. فلو تم إمدادها بالبرامج الكمبيوترية المناسبة وتزويد نظام الوقود فيها بالسدادات غير المنفذة للميثانول (بتكلفة تقل عن خمسين سنتا لكل سيارة)، لأصبح بوسع كل سيارة حديثة البيع في الولايات المتحدة أن تكون "مركبة مرنة في استخدام الوقود" قابلة للاعتماد على الميثانول أو الإيثانول أو البنزين.
وإمعانا في إبراز مزايا الميثانول وسهولة تحويل السيارات إلى استخدامه كوقود، أعلنت عن رهان مفتوح (نشرت تفاصيله في ناشيونال رفيو أونلاين في أغسطس 2011) أعرض فيه مراهنة عشر أشخاص بعشرة آلاف دولار للواحد على أنني قادر على تحويل سيارتي الشيفروليه كوبالت موديل 2007، وهي ليست من السيارات المرنة في التعامل مع الوقود، بحيث تسير بمائة في المائة من وقود الميثانول ولمسافة 24 ميلا للجالون على الطريق السريع. وأجريت الاختبار على الرغم من أن أحدا لم يتقدم للمراهنة، وما أسوأ حظي، فقد كنت لأكسب المراهنة بسهولة. ولم يقتض تحويل السيارة إلى العمل بمائة في المائة من الميثانول إلا القليل من التغييرات. أولا، كان عليّ أن أغير سدادة مضخة الوقود الأصلية بسدادة مصنوعة من مركّب آخر من المطاط تتوافق مع الميثانول. وقد تكلفت السدادة الجديدة 41 سنتا بسعر التجزئة. ثانيا، قمت بتعديل زمن الاشتعال للاستفادة من ميزة الميثانول المتعلقة بالارتفاع الشديد لمعدل الأوكتان. وتلك كانت جميع التغييرات التي تم إدخالها على جسد السيارة الملموس لتهيئتها للعمل بالميثانول، أما التغييرات الأخرى فتتعلق بإعادة برمجة كمبيوتر السيارة ليتوافق مع الميثانول.
في اختبار الطريق بعد إدخال التعديلات، حققت السيارة 24.6 ميلا على الطريق السريع لكل جالون من الميثانول. وهي مقارنة جيدا مع الـ 36 ميلا للجالون التي تحققها السيارة مع البنزين على الطريق السريع. وفي ضوء أسعار الميثانول والبنزين في وقت إجراء الاختبار، فقد أمكنني أن أقود مسافة 18.5 ميل بكل دولار أنفقته على الميثانول مقارنة بـ 13.3 ميل لقاء كل دولار ينفق على البنزين. أي أنني سقت بدولار واحد مسافة أكبر بأربعين في المائة من التي كان يمكن أن أقودها بالبنزين. (وللإنصاف أقول إن هذه الأرقام تعتمد على سعر البنزين بدون الضرائب).
وبرغم أن هناك دليلا علميا معتبرا على أن الميثانول أنظف احتراقا من البنزين، إلا أن عوادم سيارتي الكوبالت جاءت أفضل مما توقعت. فعندما تتحرك السيارة بالميثانول تحقق بسهولة كلا من معايير كولورادو لانبعاثات المركبات والمعدلات الوطنية المسجلة من وكالة حماية البيئة التي تقيسها اختبارات كولورادو. وكان الأجدر بالملاحظة هو انبعاثات أول أكسيد الكربون التي جاءت أقل من حد الملاحظة ـ أي أنها تظهر على المقياس كـ صفر ـ عندما تتحرك السيارة بمزيج 60 إلى 40 من الميثانول والبنزين. أما التلوثات السمية التي لا تختبرها كولورادو فمن المتوقع أيضا أن تقل، نظرا لأن الميثانول أنظف احتراقا من البنزين، ولأن الأوكسجين فيه أعلى، ويكاد لا ينتج أي جزيئات. بالإضافة إلى أنه بسبب ازدياد المسافة المقطوعة بقدر أقل من الميثانول وبسبب قلة احتواء الميثانول على الكربون، فقد قلت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 35% في الميل.
لا ينبغي أن نندهش من سهولة تحويل سيارتي الكوبالت إلى استخدام الميثانول، فعلى الرغم من عدم الترويج لها بوصفها مرنة في استخدام الوقود، إلا أنها تحتوي نفس الكمبيوتر ونفس المحرك الموجودين في سيارة شيفروليه HHR وهي سيارة مرنة في استخدام الوقود. والحق أن أغلب، إن لم يكن جميع، سيارات جنرال موتورز المباعة في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة تحتوي على كمبيوتر قادر على تحقيق المرونة في استخدام الوقود بشرط إحسان برمجته. وهو ما يصدق أيضا على الفورد، ويفترض أنه ينطبق أيضا على صناع السيارات الأخرى. (وينطبق هذا على مصنّعي السيارات الأوربيين واليابانيين الذين يبيعون السيارات في البرازيل التي يلزم قانونها بتحقيق مرونة استخدام الوقود لجميع السيارات).
والآن، إذا كانت أغلب السيارات المباعة في الأسواق الأمريكية هي فعليا مرنة في استخدام الوقود حال إدخال بعض التعديلات الطفيفة عليها، فلماذا لا تستخدم هذه السمة في الدعاية إلا لخمسة في المائة فقط من السيارات الجديدة؟ ما الذي يجعل صانع سيارات يختار عدم تفعيل ميزة مفيدة وموجودة أصلا في سيارته؟ علاوة على أنه في ضوء أن صناعة السيارات لها مصلحة أساسية في تخفيض أسعار الوقود ـ إذ ليس لدى المستهلكين الكثير لينفقوه على النقل، فإما أن يذهب ما لديهم إلى السيارات أو إلى الوقود (وهو التوازن الذي أدى إلى إفلاس ثلاث من أكبر مصنّعي السيارات الأمريكيين في 2008) ـ فما الذي يجعل صانع السيارات يكبح إمكانية من شأنها أن تساهم في تقليل أسعار الوقود؟
من الإجابات، وربما الأبرز بين الإجابات، أن شركات تصنيع السيارات غير قادرة على السعي إلى مصالحها المستقلة. ولكن أجزاء كبيرة من هذه الشركات مملوكة لكيانات لها استثمارات كبيرة في مجال النفط. في بعض الحالات، لا مخاطرة في الظن بأن هؤلاء المستثمرين يمثلون عقبة من العقبات التي تمنع مصنّعي السيارات عن تشجيع حرية المنافسة في مجال الطاقة.
على سبيل المثال، أعلى شركات تصنيع السيارات عائدات في العالم هي فولكس فاجن. 17% من فولكس فاجن مملوكة اليوم لهيئة الاستثمار القطرية، وهي صندوق الاستثمار المستقل في دولة قطر العضو في الأوبك، والتي  تحصل على أموالها من صناعة النفط المملوكة لدولة قطر. هي ثالث أكبر أصحاب الحصص في فولكس فاجن (بعد بيعها 10% من حصتها لـ بورش في 2013). بل إن لنائب رئيس مجلس إدارة الهيئة القطرية للاستثمار مقعدا في مجلس الإشراف في فولكسفاجن.
ونرى أمثال هذا الوضع في شركات تصنيع السيارات الأوربية الأخرى. فعلى سبيل المثال تمتلك هيئة الاستثمار الكويتية المستقلة 6.9% من دايملر (التي تنتج سيارات مرسيدس بنز). وفي عام 2007 بيعت آستن مارتن (الشهيرة بإنتاج سيارات جيمس بوند) لمجموعة تأتي أغلبية تمويلها من شركتي استثمار كويتيتين (برغم أن أغلب حصتها بيعت منذ ذلك الحين). وفي السنوات الأخيرة، امتلكت حكومة أبوظبي (وهي جزء من الإمارات العربية المتحدة الدولة العضو في الأوبك) أسهما في دايلمر وفيراري. فماذا عن أكبر شركتين أمريكيتين لتصنيع السيارات، أي جنرال موتورز وفورد؟ ملاك الأسهم المسيطرون على الشركتين (إذا ما استبعدنا حكومتي الولايات المتحدة وكندا، بعدما قامتا بضخه من أموال لإنقاذ جنرال موتورز فأصبحت وزارة الخزانة الأمريكية مؤقتا أكبر ملاك الأسهم) نقول إن ملاك الأسهم المسيطرين على الشركتين هم عبارة عن صناديق كبيرة في وول ستريت لها ممتلكات في قطاع الطاقة وفي شركات النفط الكبرى تفوق حصصها في صناعة السيارات. ونعود فنقول إن المرء ليشك في أن مصالح هذه الصناديق في حماية استثماراتها النفطية قد تتضارب مع تزويد السيارات بقدرات المرونة في استخدام الوقود.
على سبيل المثال، أكبر ملاك الحصص المؤسسيين في جنرال موتورز هو شركة "مجموعة كابيتال للاستثمار العالمي" تمتلك 2.9 بليون دولار في جنرال موتورز، ولكنها تستثمر 19.1 بليون دولار في الطاقة، منها 3.0 بليون دولار في شركة شلومبرجر التي تعد أكبر مقدم لخدمات حقول النفط في العالم. (وجميع هذه الأرقام دقيقة في سبتمبر 2013). وثاني أكبر ملاك الحصص في جنرال موتورز هو شركة "هاريس أسوشييتس" التي تستثمر في جنرال موتورز 2.3 بليون دولار و3.7 بليون دولار في الطاقة منها 1.6 بليون دولار في شركة ناشونال أويلويل فاركو المتخصصة في صناعة معدات التنقيب عن النفط والغاز، و0.8 بليون دولار في شركة ديفون إنرجي وهي من أضخم منتجي النفط والغاز الطبيعي في الولايات المتحدة. وثالث ملاك الحصص هو "جيه بي مورجان تشيز: بحصة تبلغ 1.7 بليون دولار في جنرال موتورز و29.2 بليون دولار في الطاقة منها 4.9 بليون دولار في "إكسون موبايل" و3 بليون دولار في تشيفرون، و2 بليون دولار في شلومبرجر، و1.7 بليون دولار في كونكو فيليبس. ورابع أضخم ملاك الحصص في جنرال موتورز هو مجموعة فانجارد جروب التي تمتلك 1.6 بليون دولار فقط فيها، و93.5 بليون دولار في الطاقة، منها 22.2 بليون دولار في إكسون موبايل و12.1 بليون دولار في تشيفرون. وخامس أكبر أصحاب الحصص هو شركة "بركشاير هاذاواي" التي تمتلك 1.6 بليون دولار في الشركة، و7.5 بليون دولار في الطاقة منها 4 بلايين دولار في إكسون موبايل. ومن كبار المستثمرين في جنرال موتورز الأمير السعودي الوليد بن طلال الذي اختطف أسهما بقيمة 500 مليون دولار عند رجوع الشركة بعد انتعاشها إلى سوق الأوراق المالية في 2010.
في شركة فورد مستثمر كبير واحد ـ هو أضخم أصحاب الحصص فيها إيفركور تراست الذي تتجاوز ممتلكاته في فورد (3.7 بليون دولار) استثماراته في الطاقة، وهي استثمارات ضئيلة ولا علاقة لها بالنفط على الإطلاق. ولكن هذا لا يعني أن وضع فورد لا يتماثل مع وضع جنرال موتورز. فبعد إيفركور، نرى أن أكبر أربعة من أصحاب الحصص في فورد هم فانجارد جروب (3 بلايين في فورد و93 بليونا في الطاقة) وشركة ستيت سترين (2.5 بليون في فورد و77.9 بليون في الطاقة، منها 18.2 بليون دولار في إكسون موبايل و12.5 بليون في تشيفرون)، وولنتن مانيجمنت (1.7 بليون في فورد و36.2 بليون في الطاقة منها 5.4 بليون في إكسون موبايل و4.7 بليون في تشيفرون و2.3 بليون في بي بي) وباركليز للاستثمار العالمي (1.6 بليون دولار في فورد، و47.5 بليون دولار في الطاقة منها 6.1 بليون في تشيفرون و3.1 بليون دولار في شلومبرجر و2.3بليون دولار في كونوكو فيليبس).
والآن، صحيح أن بعض هذه الشركات الاستثمارية لها حصص في شركات الطاقة البديلة، بل وفي شركات الميثانول. لكنها حصص بالغة الضآلة لا تطاول حصصها في مجال النفط. فعلى سبيل المثال تستثمر ويلنتن مانيجمنت في شركة ميثانيكس وهي مورد الميثانول الرائد في العالم. لكن حصة ويلنتن تبلغ 0.4 بليون دولار التي لا تمثل إلى واحدا على أربعة عشر من حجم حصتها الاستثمارية في شركات النفط. وجيه بي مورجان تمتلك استثمارات بقيمة 0.1 بليون دولار في ميثانيكس، وهو أقل من واحد على مائة من حجم استثماراتها النفطية. ومن الطبيعية بالنسبة لهؤلاء المستثمرين أن تعني مصالحهم الاستثمارية إعلاء النفط على الميثانول.
باختصار، أصحاب أكبر الحصص في شركات تصنيع السيارات الأمريكية لهم مصالح تتطابق إلى أبعد حد لا مع مصالح مصنّعي السيارات أو مع زبائنهم بل مع كيان النفط الاحتكاري. وهذا يمثل ـ على أقل تقدير ـ تضاربا شديد الجسامة في المصالح. وما لم تتبدل الأوضاع والظروف، فمن غير المحتمل أن تتخذ شركات السيارات خطوات من شأنها خلخلة سيطرة أوبك على السوق.
خلق سوق للميثانول
في ضوء سهولة تعديل السيارات بحيث يصلح لها الميثانول، والنقود التي سيوفرها السائقون إذا استخدموا الميثانول بدلا من البنزين، لم لا يبدأ رجال الأعمال مشاريع لإجراء هذه التعديلات؟ لماذا لا توجد في محطات البترول مضخات للميثانول؟ هذا جزئيا يرجع إلى مشكلة البيضة أم الدجاجة: ففي غياب محطات بترول توفر الميثانول سوف يبقى الطلب قليلا على وجود سيارات معدلة لاستخدامه، وبدون سيارات مجهزة للميثانول في الطرقات لا معنى لوجود محطات بترول تبيع الميثانول. وبرغم أن هذه المشكلة حقيقية، فهي قابلة للحل، وسنرجع إلى ذلك بعد قليل.
غير أن هناك من سوء الحظ عقبة أخرى تعوق حل الميثانول: وكالة حماية البيئة. فالوكالة تفسر "قانون الهواء النظيف" بحيث "تجرم أي مصنِّع للوقود أو للإضافات الوقودية من انتاجه بغرض تجاري، أو زيادة تركيز استخدام أي وقود أو إضافة وقودية" تحتوي من الأوكسجين على أكثر من 2.7% من وزنه. وبما أن 50% من الميثانول عبارة عن أوكسجين، فتفسير وكالة حماية البيئة يعني أنه لا يمكن بيع الميثانول النقي بكميات ملائمة لجعله وقودا للمركبات. وحتى لو جاز خلط الميثانول مع البنزين كإضافة وقودية، فسيكون الحد الأقصى لوجود الميثانول في الخليط هو 5.4% (أو أقل من ذلك إن كان الوقود محتويا على إيثانول). ومن ثم فبيع وقود يحتوي على نسب أعلى من الميثانول سف يستوجب تنازلا خاصا من وكالة حماية البيئة كالذي قدمته فأصبح مزيج البنزين والإيثانول مستخدما الآن في الأسواق على نطاق واسع.
ويجدر بنا أن نلاحظ من وجهة النظر البيئية أن حظر استخدام الميثانول كوقود هو من قبيل العبث المحض. فنتائج التجربة التي أجريتها على سيارتي، والتي أثبتت تناقصا حادا في تلويث الهواء، غير جديدة بأية حال. بل إن وكالة البيئة الحكومية في كاليفورنيا التي تفهمت قيمة الميثانول كوسيلة لتقليل العوادم كانت من الرعاة الأصليين لإنشاء أول سيارات تعمل بالميثانول ثم السيارات مرنة الاستخدام للوقود في ثمانينيات القرن الماضي.
كما تفسر وكالة حماية البيئة قانون الهواء النظيف بوصفه محددا لتعديل السيارات بهدف تحسين أدائها مع أية أنواع من الوقود غير التي تم تصميمها في الأصل على استخدامه. وكل مشروع اقتصادي أو فرد يرغب في بيع أو تقديم خدمات التعديل، بل إن كل من يريد تعديل سيارته الخاصة، لا بد أن يحصل مسبقا على شهادة من الحكومة تسمح له بهذا.
والحق أن الوكالة لم تكن دائما تفسر قانون الهواء النظيف بهذه الصرامة. ففي عام 1974، سلكت الوكالة مسارا أكثر اعتدالا، بتنفيذ سياسة ترمي إلى الوقاية من "الأعباء غير المبررة على التجارة": فقد سمحت بوضوح لتجار السيارات بتعديل المركبات، بل وباستخدام قطع غيار تالية على التصنيع، ما دام هناك "أساس منطقي" للظن بأن هذه التعديلات لن تزيد عوادم المركبات سوءا. وبقيت هذه السياسة متبعة لأكثر من عشرين عاما. ثم حدث في عام 1997 أن أعلنت الوكالة أنه لا قبول لأي نوع من التعديلات ما لم يتم اختبار انبعاثات المركبة المعدلة باستخدام جميع أنواع الوقود التي سوف تعمل بها وتبين أن هذه الانبعاثات لا تتجاوز مستويات الانبعاثات القائمة في حال استخدام البنزين. وكان ذلك تحديثا منطقيا للسياسة في ضوء مشكلات التلوث القائمة.
لكن وكالة حماية البيئة أوقفت هذه السياسة في عام 2002. ومنذ ذلك الحين لم يعد ثمة سبيل إلى تعديل سيارة تعديلا قانونيا إلا بالحصول مسبقا على شهادة من الوكالة أو من مجلس كاليفورنيا لجودة الهواء (وهو المجلس الذي غالبا ما تتعاون معه الوكالة). في عام 2009، حددت وكالة حماية البيئة الغرامات الهائلة التي قد تفرضها على أي فرد أو مشروع يقوم بتعديل مركبة بدون شهادة مسبقة حتى لو أن هناك دليلا واضحا ومقنعا على عدم وجود أي زيادة في انبعاثات العادم من جراء التعديل، بل وحتى إذا انتفت أي مخاطرة من التعديل. بل إن مجرد استخدام قطع محرك غير مرخصة ولا تتطابق مع العلامات التجارية المعتمدة يعد خرقا للانبعاثات ويستوجب فرض غرامة على المجرم، حتى إذا كان واضحا أن تركيبها لا يؤدي إلى أي زيادة في الانبعاثات. وهذه الغرامات تصل إلى آلاف الدولارات للأفراد ومئات آلاف الدولارات أو حتى الملايين للمصنّعين. فلو أن ميكانيكيا على سبيل المثال يدير ورشة صغيرة تقوم بتحويل السيارات إلى الاستخدام المرن للوقود وأدخل هذه التعديلات على دزينة من السيارات فإنه سوف يواجه غرامة تعجيزية تصل إلى 105000 دولار.
هذه القواعد التنظيمية لا تعوق سوق الميثانول وحسب، بل إنها تعوق الأسواق عن موارد أخرى. وانظروا إلى الغاز الطبيعي. بفضل طفرة الطاقة الحالية، ترتفع احتياطيات الغاز الطبيعي الأمريكية بوتيرة سريعة لا يمكن مجاراتها الأمر الذي يفضي إلى سقوط حاد في السعر. وفي حين قد يبدو النقل قطاعا محتملا يمكن أن ينمو فيه الغاز الطبيعي، خاصة في ظل بعض النجاحات مؤخرا في استخدامه كوقود لأساطيل الشاحنات وللحافلات، إلا أن انتشار الغاز الطبيعي كوقود للنقل يقتضي تعديلات في المركبات هي باهظة التكلفة في الوقت الراهن. ولكن بوسع الغاز الطبيعي أن يخترق قطاع النقل لو أن الميثانول ينافس البنزين، وذلك لأنه يمكن استخدام الغاز الطبيعي ـ لو أنكم لا تزالون تذكرون ـ في إنتاج الميثانول.
فكيف يمكن للولايات المتحدة أن تقلل العقبات القانونية الراهنة وتحل مشكلة البيضة والدجاجة بالنسبة للسيارات والمضخات، وتقلل من انحيازات كبار مصنّعي السيارات للنفط، وكيف يمكنها أخيرا أن تفكك الأوبك؟ يكمن الحل في سياسة بسيطة نسبيا: أن يتم إلزام مصنّعي السيارات بقوة القانون بتوفير قدرات حقيقية يتم تفعيلها في السيارات الحديثة التي يبيعونها بحيث تتسم بالمرونة في استخدام الوقود، أي القدرة على استخدام أي مزيج من البنزين والميثانول أو الإيثانول. ولن يشق على شركات السيارات أن تلتزم بقانون كهذا، كما أنه لم يكلفها الكثير، فالتقديرات الشائعة تذهب إلى أن المركبة سوف تتكلف أقل من سبعين دولارا. وتجربتي الشخصية تشير إلى أن التكلفة الفعلية قد تصل إلى الصفر.
شهد الكونجرس اقتراحات من كلا الحزبين بوضع تشريع يلزم بتجهيز المركبات للمرونة في استخدام الوقود، وكان أول اقتراح يقدم من هذا النوع في عام 2008، ثم تم تحديث الاقتراح في السنوات التالية، والنسخة الحالية منها تحمل اسم مشروع قانون معايير الوقود المفتوحة وهذه تقتضي من كل صانع للسيارات أن يحتوي أسطوله على ثلاثين في المائة على الأقل من المركبات المرنة في استخدام الوقود في السيارات من طراز العام 2016، وخمسين في المائة على الأقل في السيارات من طراز 2017 وما يليه.
لو تم تفعيل هذا القانون فسوف ينشأ سوق للميثانول سرعان ما سيحتاج إلى التوسع في الإنتاج والتوزيع، سواء في الولايات المتحدة أو في سواها، فالمعيار الأمريكي المتعلق بالمرونة في استخدام الوقود سوف يدفع مصنّعي السيارات الأجانب إلى تقديم المزيد من السيارات الملتزمة به. وهذا سوف يضع البنزين أمام منافسة مع الميثانول في العالم كله مما يضع حدا تنافسيا عالميا على سعر النفط. فضلا عن أن هذا الأمر سوف يسمح لكثير من الدول الأخرى ذات الموارد الملائمة لإنتاج الميثانول (والإيثانول في بعض الحالات) بدخول السوق العالمي، مما يزيد من انصباب العرض حتى يغرق الأوبك. ولسوف يستفيد من استخدام الميثانول أصحاب السيارات القديمة كذلك، لأن سعر البنزين الذي تعمل به سياراتهم سوف ينخفض.
وفي حين أن مشروع القانون المعروض على الكونجرس لا يعالج بوضوح موقف وكالة حماية البيئة القانوني، فهو يهيئ من الظروف ما من شأنه على الأرجح أن يدفع الشركات إلى التقدم للوكالة للحصول على الإعفاءات  اللازمة لبيع الميثانول النقي أو المخلوط كوقود، كما سيدفع صنَّاع قطع الغيار إلى التقدم للحصول على شهادات تخول لهم التعديل، الأمر الذي سيسمح لأصحاب السيارات القديمة بالانتفاع من كثرة خيارات الوقود.
زوال الأوبيك
منافسة الميثانول سوف تنال من سيطرة النفط على قطاع النقل وتودي بسعره إلى التهاوي. فكيف سيكون رد فعل الكيان الاحتكاري؟
بوسع أوبك أن يقلل الإنتاج سعيا للدفاع عن سعر النفط القائم. وسيكون هذا قرارا انتحاريا، إذ سيجعل الكيان الاحتكاري يوما بعد يوم يتنازل عن نصيبه من السوق، فيخسر العوائد بينما يمثل حافزا أكبر على المزيد من إنتاج الميثانول. فإن بقي أعضاء الأوبك على هذه الاستراتيجية فسرعان ما ينمحون.
أو يعمد الأوبك إلى الإبقاء على مستويات الإنتاج الراهنة. وفي هذه الحالة ينمو إنتاج الميثانول، وتقل أسعاره هو والنفط بدرجة ملحوظة إلى أن تستقر. ومن المنطقي أن نقدِّر ـ في حالة حدوث هذا السيناريو ـ أن يباع النفط والبنزين بنحو نصف سعريهما الحاليين.
أو يزيد أوبك من الإنتاج، فيبادر بتخفيض السعر. وبما أن المنافسة مع الميثانول سوف تفضي في نهاية المطاف إلى تخفيض سعر النفط على أية حال، فقد تتقبل دول الأوبك هذه الحقيقة وتبادر بالتحرك حفاظا على نصيبها من السوق من خلال زيادة الإنتاج. ولسوف تكون هذه أفضل خطوة يخطونها على المدى البعيد، لكنها لن تكون أفضل خطوة يخطونها على المدى القريب. ولأن هذه الخطوة سوف تمثل خروجا كاملا على سياسة الأوبك المتبعة على مدار الأربعين عاما الماضية، فقد تحتاج هذه الدول إلى بعض الوقت قبل أن ترى في نهاية المطاف أنه ما من بديل لها. ولسوف يكون هناك حينئذ بعض التأخير في إبرام الصفقات والتحرك نحو الابتداء في زيادة الإنتاج.
أو يتهاوى الأوبك. إن هذا الكيان يشتهر منذ زمان بعيد بخلافات تحتدم من وراء الستار، ومن ثم فقد يعجز عن وضع استراتيجية واحدة للتعامل مع المنافسة الحقيقية الجديدة. وقد تلجأ دول الأوبك إلى تبني استراتيجيات متباينة، مما ينهي الوحدة التي خولت للكيان التلاعب بالأسعار.
في كل الحالات، سوف يعني ارتفاع المنافسة أن تأثير الأوبك الجيوسياسي المفرط إلى زوال. كما أنه سوف يعني تقليل تكاليف النقل، ويدفع إلى طفرة اقتصادية عالمية. ويجعل العالم أقل ضعفا أمام اسعار النفط. وسوف يقلل كثيرا الأموال التي تنصب على أنظمة حكم غير ديمقراطية تدعم الإرهاب وتسانده. سيكون ذلك باختصار انتصارا للسلام والرخاء والحرية.


كاتب المقال محرر في نيو أطلنطس، صدر له مؤخرا كتاب "تجار اليأس". يعمل رئيسا لشركة "بايونير إنرجي" في ليكوود بكولورادو.

نشر المقال أصلا في العدد 40 من نيو أطلنطس ـ خريف 2013 ونشرت ترجمته على حلقتين في جريدة عمان ثانيتهما اليوم والأولى في ثلاثاء السبوع الماضي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق